جديد الموقع

8881106

السؤال: 

أحسن الله إليكم شيخنا، وهذا السؤال الثالث و العشرون؛ يقول: هناك من يستدل بإنكار أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- على أمير المدينة مروان بن الحكم حينما قدَّم خطبة العيد على الصلاة على جواز الإنكار علنًا على الحاكم في الخُطب والمحاضرات والخطابات المفتوحه العلنية؛ هل يصح هذا الاستدلال؟

الجواب: 

الجواب أولًا: أن الحديث صحيح، فهو في الصحيحين كليهما و أحديهما، لكن غفل هؤلاء المتحذلقون والمتلوثون بالخروج القَعدي عن أمور أو أغفلوها، والظَّاهر الثاني أنَّهم أغفلوها، فالأمر الأول: هو قول أبي سعيد -رضي الله عنه-: ((فمشيت مخاصرًا مروان)) والمعنى أن كل واحدٍ من ذينك الرجلين وهما أبو سعيد -رضي الله عنه- وأمير المدينة لمعاوية -رضي الله عن معاوية وعن أمه وأبيه- وعفا الله عنا وعن مروان، كلُّ من الرجلين واضعٌ يده في خصر الأخر وهذا الصنيع من متحدثين يريدان أن لا يسمع النَّاس حدثهما مع بعضهما، هذا الأول.

الثاني: أن أبا سعيد -رضي الله عنه- لما عصاه مروان عفا الله عنا وعنه تركه وصلى خلفه واستمع خطبته وصلى خلفه، ولم يتخذ من هذا مجالًا للتشهير بأمير المدينة ذالك الوقت وهو مروان عفا الله عنا وعنه.

 الأمر الثالث: هذا الحديث رواه عن أبي سعيد عامر بن سعد أظنه ولده، قال عن أبي سعيد تأملوا عامر بن سعد قال: عن أبي سعيد وذكر القصة، فعامرٌ هذا لم يسمع من حديث الرجلين شيئًا ولم يدري منه ولا عن كلمة واحدة، فلولا أنَّ الصحابي حدَّثه لم يعلم شيء، فأصبح هذا الحديث موافق لما رواه ابن أبي عاصم في السُّنة وأحمد وغيرهما وهو صحيحٌ بمجموع طرقه عن النبي -صل الله عليه وسلم- قال: ((من أراد أن ينصح بذي سلطان فلا يبده علنًا – يعني لا يبدِ النُّصح- وليخلُوَ به وليأخذ بيده فإن قبِلها قبِلها، وإن ردَّها كان قد أدى ما عليه)) فهذا الحديث فيه من الفوائد ما يأتي:

 الفائدة الأولى: السرية التامة في مناصحة وليِّ الأمر حتى عن أقرب النَّاس إليه إن أمكن.

 الثانية: براءة ذمة النَّاصح على هذا الوجه الذي أفاده الحديث و أنَّه ليس عليه أن يقبل الحاكم نصيحته، برئت ذمته بهذه النصيحة السرية.

 الفائدة الثالثة: موافقة هذا الحديث حديث أبي سعيد الخدري لحديث أبي العاصم هذا على أنَّ النصيحة سرية.

وأمر أخير: أنه ليس ثمة وجهٌ يسلكه النَّاصح في تنبيه الحاكم سوى هذا الوجه، ولو كان وجهٌ  آخر لبيَّنه - صلَّى الله عليه وسلم- ومن القواعد المقررة في عِلم الأصول أنَّه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة و العمل، والحاجة قاضية، فإذ لم يبين النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم- وجهًا أخر غير هذا عُلم أنَّ كل طريقٍ مسدودة إلا ما كان سرًّا.

 وهناك شُبه أخرى؛ أذكر واحدة منها وأحيل من أراد أن يستزيد على كتابنا "تنبيه العقول السليمة" طبعة الفرقان الطبعة الثانية، لقد ذكرنا هُناك شبهات أخرى كثيرة ورددنا عليها، منها: استدلالهم بقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((سيِّد الشهداء حمزة))، ((وأفضلُ الجهاد كلمة حقٍّ عند سلطان جائر)) أنا لا أبحث الآن عن صحة الحديث وضعفه فالغالب على ظني أنَّه صحيح، لكن أنا بعيد العهد به بيني وبينه أكثر من عشر سنوات وشُغِلت عن العود إليه، لكن أقول تأمَّلوا قال: (عند) (عند سلطانٍ جائر) يعني ظالم، فما العِنديه؟ هي التشهير في وسائل الإعلام؟ مسموعة أو مقروءة أو مرئية؟

أو هي في المحافل الدينية من ندوات ومحاضرات وخطب على المنابر؟ أم هي في مقابل الحاكم وجهًا لوجه؟ العقلاء متفقون على أن العندية هي معناها مُقابلة الحاكم، عنده يعني: مقابل له،  يقول هذا خطأ، هذا حق، وأذكر موقف جيِّدًا لبعض التابعين -رحمه الله- نسيته الآن، لمَّا قُتل ابن الزبير -رضي الله عنهما- واستتبَّ الأمر لعبد الملك بن مروان طاف بالكعبة لا أدري في حج أو في غيره، وكان قد أمر الحجاج بنقض بناية ابن الزبير -رضي الله عنهما- الحجاج عاملة، وأن يبقي طولها كما ترون الآن، أو كما رآه بعضكم الآن، فلما كان يطوف عبد الملك بن مروان خليفة- قال: قاتل الله ابن الزبير كيف يكذِب على أم المؤمنين؛ لأنَّ ابن الزبير -رضي الله عنه- فيما سلكه نحو الكعبة استشهد بحديث سأل أمه أسماء -رضي الله عنها- أسما بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- فذكرت له عن عائشة رضي الله عنها- قول النَّبي  صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((لولا أنَّ قومك حدثاء عهد بجاهلية لنقضت الكعبة ولجعلتها على قواعد إبراهيم)) الحديث، فعبد الملك - عفا الله عنا وعنه- كذَّب ذلكم الصَّحابي رضي الله عنه وعن أبيه- فقال رجل معه يطوف كيف يكذب على أم المؤمنين، قاتل الله ابن الزبير كيف يكذب على أم المؤمنين؟ فقال ذلكم الرجل- هو يسمعه- قال:لا تقل هذا يا أمير المؤمنين، أنا سمِعته منها، فقال عبد الملك  عفا الله عنا وعنه- قال: لو علمت لم أنقضه، يعني لو علمت أنَّ هذا الحديث أيضًا قالته عائشة من طريقٍ آخر، لو علِمه من طريق هذا الرَّجل وغيره ما نقضت الكعبة تركتها، فَبطَل بهذا إذًا استدلال القَوم، فلا يستدلُ به على علنية الإنكار على الحكَّام ومن تفرَّع عنهم إلا رجلان، جاهل لا يعلم هذه السُّنة أو صاحب هوى.

الشيخ: 
عبيد بن عبد الله الجابري