الحمد لله رب العالمين، صلى اللهُ وسلم على نبينا محمد وعلىآلهِ وصحبهِ أجمعين، أمَّا بعد:
ففي الحديثِ الصحيح عن النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ(إِذَا وُضِعَتِ الْجَنَازَةُ وَاحْتَمَلَهَا الرجال على الأعناق، فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ: قَدِّمُونِي قَدِّمُونِي ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ ذلك قَالَتْ: يَا وَيْلَهَا أَيْنَ يذْهَبُونَ بِهَا) ، يَا وَيْلَهَا أَصلُها يَا ويلي، فالالتفاتُ من التكلمِ إلى الغيبةِ استقباحًا لِلتَكلُّم لثقلِهِ على السَّامِع، فغُيَّرت الصِيغة إلى من التَكَلُم (يا ويلي) إلى الغيبة (يا ويلها).
وهذا الحديث مما أطلعَ اللهُ عليهِ رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أحوال البرزَخ، والبرزَخُ أولُ مراحِل الآخِرة، وأولُ ما يلقاهُ المُسلِم من قيامَته، فاليوم الآخر يبدأُ من الاحتضار من النَّزع، وهو ذلك الوقتُ الذي ليس فيهِ توبة، قال- صَلَّى اللَه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنَ اللهَ يَقبلُ تَوبةَ أَحدكم أو قال: ((توبة العبد ما لم يُغرغر)) ، والمقصود أنَّ المرء المُسلِم في فُسحةٍ من أمره كي يتوبَ من مقارفة السَّيئات والذُّنوب والآثام، حتى تُغرغر روحهُ وَتَبلُغَ الحُلقوم، فيومئذٍ انتهى الأمر.
وهذا الحديثُ دليلٌ على نعيم القبر وعذابهِ، وقد أطلَع اللهُ نبيهُ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على أحوال وذلكم للعِبرة والموعظة، فمن كان على هُدى وتقوى وصلاح في الظَّاهر والباطِن اشتاقَ للنَّعيم الذي أَعدَّهُ الله لأولِهِ دار مُقامةٍ لهم، وذلكم في الجنَّة، وفي الحديث القُدسي الصحيح يقولُ اللهُ تعالى ((أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ))، فالمؤمن ينظُرُ نظرة تأمُّل إلى ما يسمعهُ من نصوص الوَعد كي يسلُكَ سبيل المؤمنين، وينهجَ نَهْج المُتقين، ويُعِدُ لما سَمِعَهُ من النَّعيم في الوعيد العُدَّة وذلكم بفعلِ أوامِرِ الله، وتركِ نواهيهِ امتثالًا لله سُبحانهُ وتَعالى، فهو يفعلُ ما أُمِر به إيمانًا واحتسابًا، ونيَّة تَقَرُّب إلى الله - سبحانهُ وتعالى- وكذلكم يترُك ما نُهيَّ عنهُ من المعاصي والآثامِ والسيئات تقربًا إلى اللهِ بذلك، مُحتَسِبًا عند الله ما يلقاهُ من جهادِ نفسهِ الأمَّارةِ بالسوء، فانظروا يا رعاكم الله في شَطريِّ الحديث، الشَّطرُ الأول في النَّفس الصَّالِحة في عبد الله المؤمن رجلًا كانَ أو امرأة حينما يُحملُ على الأعناق يستبطيء الوصول إلى ذلكم النَّعيم، وههنا سؤال، كيف عَرَفَ ذلك؟ لأنَّهُ حالَ نزعهِ رأى مقعدهُ من الجنَّة، وقالَ لهُ مَلَك الموت ﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً ﴾ [الفجر 27 ] أَيَّتُهَا النَّفْسُ المطْمَئِنَّةُ أخرجي إلى مغفرةٍ من الله ورضوانه فيتمنى لقاء الله، ولهذا كما سمعتم يقول قدِّموني قدِّموني، يرى أنَّ حَمَلَتهُ تَباطؤا في إيصالِهِ إلى وُعِدَ بهِ من نعيم الله- عزَّ وجلّ-.
والشطرُ الثَّاني في غير الصَّالِح الذي سوَّلت له نفسهُ ما نُهي عنه وركبه ركوب تلذذ واستِمتاع بِالشَّهوة، قَارفَ ما قَارف من الذُّنوبِ والآثام والكَبائر، حتى لقي منيتُهُ وأخترمهُ هادِم اللَّذات، فهو يُحِبُّ أن يُبطأَ به لأنَّهُ ماذا رأى في النَّزع؟ رأى مقعدهُ من النَّار كما صَحَّت بذلكم الأحاديث فيكرهُ لقاء الله؛ لأنهُ ضيَّع ما أُمِر به من سلوكِ مرضاة الله ومحبتهِ الموصِلة إلى السَّعادة الأَبدية، وطاوَعَ نفسَهُ الأمَّارةَ بالسوء، وأطلقَ لها عِنانها تُطوِّفُ بهِ يمينًا وشِمالًا، فَصَّدَقَ عليهِ الشَّيطانُ ظنَّهُ فأصبحَ منالغاويين. ونعيمُ القبرِ وعذابهُ مما دلَّ عليهِ الكتابُ والسُنةُ المتواترة، وأجمعَ عليه أئمةُ العلِم والإيمان والدين، قالَ تعالى في قومِ فرعون ﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾ [غافر 46]، وتواترت السُّنة عن النبي -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أنَّ العبدَ يُنَعَم في قبرِهِ أو يُعَذَب، ويُقدِّم الله- سبحانه وتعالى- قبلَ أن يذوقَ هذا النَّعيم أسئلة المَلَكَين من ربُك؟ من نبيُك؟ ما دينُك؟ فمن كانَ من أهل السَّعادة والصَّلاح والتُّقى ثَبَّتَهُ الله وأَلهمهُ حُجته فيقولُ ربي الله، ما دينُك؟ ديني الإسلام من نبيك؟ نبيّ محمدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيُقال: كيف عَرفتَ ذلك؟ فَيقول: قرأت القرآن فآمنتُ بذلك وصدَّقت، فيُقال له: نَم سَعيدًا لَقد عِشتَ سَعيدًا وستُبعثُ إن شاء الله سَعيدًا، فيبقى يَتلذذ بنعيم الجنَّة حتى يلقى ربه، الجزاء من جنس العمل.
وأمَّا الآخر الشقي، التَعيس فَإذا سُئِل من ربُك؟ قَال: هاه هاه لا أدري! من نبيُك؟ قال: هاه هاه لا أدري، ما دينُك؟ فيقول هاه لا أدري، سَمِعتُ النَّاسَ يقولونَ شيئًا فَقُلت ، فيُقالُ له ما دريت وما تليت، فيُضرَبُ بمرزَبة من حديد فيصيحُ صيحة يسمَعُها كُل من يليه إلا الجنَّ والإِنس لا يَسمعها الثَّقَلان، لا يسمعُ صَيحتهُ الثَّقَلان، فيبقى مُعَذَّبًا حتى يلقى اللهَ –عزَّ وجلَّ- ، واعلموا أنَّ عذاب القبر منه ما هو أبديٌّ، وهذا حقُّ الكُفارِ والمنافقين والمشركين، أعني بالمُنافقين النِّفاق الاعتقادي، الثاني مُؤَقَّت وَهذا في حَقِّ عُصاة المؤمنين، عُصاة أَهل التَّوحيد، فمنهُ ما يدومُ فترة ثُمَّ ينْقطع، قَبلَ يَوم القيامة، وذلكم لوجود حسناتاقتضَت فضلًا من الله –عزَّ وجلَّ– أن يرفعهُ عنه، أو دُعاء أو استغفار، أو أَعمال صالحة يعملها أهلهُ بعده، ومِنهُ ما يَنقَطِع بالقيامة، بقيام النَّاس في المحشر، ومنهم يعني من هؤلاء المعذبين من عُصاة المؤمنين من يُجمع له بين العذابين، عذابَ البَرزخ وعذاب القيامة، نعم، فإذا عذَّبه لم يُخلِّده في النَّار مآلهُ إلى الجنة، من هُنا نَعلَم أنَّ أهلَ الإيمان أصناف:
الأول: صِنفٌ يَدخلون الجنةَ بلا حِساب ولا عَذاب.
الصِنفُ الثَّاني: مَنْ تُعرَض عليهم أعمالهُم عرضًا، نعم، ولا يُناقَش.
الثَّالِث: من يُناقش في عملهِ، وهذا يهلِك، نعم.
ثُمَّ هؤلاء الذينَ لَقوا الله على كبائر وذنوب لم يتوبوا منها منهم من يغفر الله له، بفضلهِ ورحمتهِ ومنهم من يُعذبهُ مدَّة كما يشاء الله -سبحانه وتعالى- ثُمَّ مآلُهُ إلى الجنة، قالَ تعالى﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء ﴾ [سورة النساء : من الآية 48].
وَفَقَ الله الجميع لما فيهِ رضاه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين.
جزاكم الله خيرًا شيخنا وبارك اللهُ في علمكم ونفع بكم الإسلام والمُسلمين، يأذَن لنا الشيخ في عرض بعض الأسئلة عليه؟
تَفَضَّل.
السؤال الأول:
يقول السَّائِل من ألمانيا: أبي يمنعني حضور صلاة الجمعة بِشدَّة عِلمًا إنَّهُ يُصلي الصَّلوات الخمس، وإنَّهُ لا يُنكر فرضية صلاة الجُمعة بعدُ ما بيَّنتُ له، كيف أتعامل مع والدي وإني أحبهُ كثيرا؟
الجواب:
أقول اولًا بَلِّغ أباكَ مني السَّلام، ودُعائي الله له أن يهديهُ سبيل الرَّشاد، فإنَّهُ بِعملهِ هذا وهو أمرُكَ تركِ صلاة الجمعة عصى الله- سبحانه وتعالى- فعليهِ التوبة والاستغفار، ثانيًا لا تُطعهُ في تركِ الجُمُعة، ولكن بإمكانِكَ أن تعملَ معهُ مُخافاة فتقول لن أذهب إلى ما لا تُحب يا أبي ثُمَّ تُسارِقهُ وتذهب إلى صلاة الجُمعة، نعم، هذا إذا كُنتَ تسمعُ النِّداء، نعم، تسمعُ النِّداء في مسجد حَيِّيك، قَريَتِك، أو تستطيع الذِّهاب، هو لا يحقَّ لهُ أنَّ يمنعك، سواءً كانَ ذهابك للجمعة فرضُ عَين، متعيِّنٌ عليك، أو مُتأكد وهو حال عدم سماعِك النِّداء، لا يَحقَّ لهُ أن يمنعكَ من هذا، نعم، إذا كانَ مريضًا وليسَ عندهُ من يخدُمه، ويقومُ على مصلحتهِ وأنتَ لا تسمعُ النِّداء، فلكَ ، لكَ أن تُجيبهُ، نعم.
السؤال الثاني:
نفس السائِل يقول: ما هي علامات الفجر الصادِق؟ ويقول أُحبكم في الله.
الجواب:
أَحَبَّكَ الذي أحببتنا مِن أَجلِه، الفجرُ الصادِق هو نورٌ يعترُض في الأُفق، نور واضِح، نور منبَلِج، ظاهِر، نعم، هذا هو الذي يبدأُ بهِ اليوم الشرعي فيُأذَنُ فيهِ لصلاة الصُّبح، ويُمسِكُ عندَ طلوعِهِ الصَّائِم، نعم، أمَّا قول بعض النَّاس بعد الساعة الثانية عشرة من الليل يقولونَ صباحًا فهذا خطأ لُغةً وشرعًا وعُرفًا، ما كانَ أهلُ اللِّسانَ العربي يقولون الصَّباح إلا حينَ يطلع الفجر، نعم.
السؤال الثالث:
هل يصحّ القول بأنَّ تحية المسجد في المسجد النبوي هي أفضلُ في الرَّوضة بخلافِ سائِر أماكِن المسجد النَّبوي، وأنَّه يُستحبُّ لمن يزور المسجد أن يصلي في الرَّوضة إنْ كانَ يَستطيع؟
الجواب:
ليس عندي حتى السَّاعة شيءٌ أقولهُ في تفضيلِ الصَّلاةِ في الرَّوضة على غيرها بل المُتَقَرر نصًّا الحضُّ على التبكير للصَّفِ الأوَّل، قال- صلى الله عليه وسلم- ((لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا))، والرَّوضة فضلُها واضِح لكن فضلُ الزَّمان أو المكان شيء، وفضلُ التَعبُّد للهِ فيهِ شيءٌ آخر، والأصلُ في العبادات الحظر إلا بنص ، يعني المنع، فلا يسوغُ لِمُسِلم مثلًا أن يَأمُر بعبادةٍ مُعينة في يوم الجمعة، صيام أوقيام ليلها، لا، الجمعة فضلها ثابت، بل عليهِ أن يقتصِر على ما جاءت بهِ النُّصوص من الحضِّ على قراءة سورة الكهف في هذا اليوم، والاستكثار من الصَّلاة على النبي- صلى الله عليه وسلم- فيه ، نعم، والاغتسال والتَّبكير إلى المسجِد حضور الخطبة إلى غير ذلك.
السؤال الرابع:
يقول السائل: هل يصح أن ينوي صيام يوم فريضة من نهار اليوم الذي قبله، أم لا بد من أن يُبيت النية من الليل؟
الجواب:
هُنا تفريق بين صيام الفرض وصيام النَّافلة، فصيام الفرض لابدَّ فيه من تبييت النِّية من اللَّيل، ويدخل في الفَرض صيام رمضان نفسه وقضاؤه، وصيام الكفَّارات، هذه كلُّها فروض، ويكفي على الصَّحيح تبييت النِّية من أول ليلة، إلَّا إذا قطعها بسفر أو حصل عُذر يمنع من الصيام فيجدِّدُ النِّية، هذا ما يتعلق بصيام الفرض.
أمَّا ما يتعلق بصيام التَّطوع فلا مانع أن ينوي النية في النِّهار، لكن بشرط أن يصبح دون أكل وشرب، هذا صحَّ عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنَّه كان يدخل على أهله فيسألهم هل عندكم شيء، فإذا قالوا لا، قال: أصبحتُ صائمًا، ودخل مرةً فسألهم هل عندكم شيء؟ قالوا: نعم، قال: إني أصبحت صائمًا فأكل، هذا يدل على شيئين أحدهما ما قدَّمناه من جواز نية صوم التَّطوع في النَّهار، والثَّاني أن المتطوع أمير نفسه، إلَّا في الحج والعمرة فإنَّه يجب عليه أن يُتِمَ نُسُكه.
السؤال الخامس:
يقول السائل: كيف يتم الرد على من ينكر التسمي بالسَّلفية، ويعتقد أنَّها حزبية، علمًا أنه يوافق في متابعتهم وأنَّهم سلفُنا جزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الرد بالنَّص والإجماع، فأمَّا النَّص: فقوله- صلى الله عليه وسلم لفاطمة- رضي الله عنها- ((فنعم السَّلف أنا لكِ))، والسَّلف الماضي، فالسَّلف المُضيُّ والسَّالف الماضي هذا من حيث اللُّغة، أمَّا السَّلفيَةُ شرعًا فهي كل من مضى بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على أثره، وأساسُ أولئك الصَّحابة- رضي الله عنهم، ثم أئمة التابعين، وقد بسطنا هذه المسألة أعني التَّعريف الشَّرعي الاصطلاحي للسَّلفية في مواطن كثيرة فليراجعها من شاء.
الدَّليل الثاني الإجماع: على التَّسمي بالسلفية والقول أنا سلفي، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "لا عيبَ على من أظهر مظهر السلف، وانتسب إليه، واعتزى إليه -يعني قال أنا سلفي- بل يجب قَبول ذلك منه اتفاقا" إلى آخر العبارة،فليراجعها من شاء فهي في الصفحة التاسعة والأربعين بعد المائة، نعم.
ثم هُناك أمر آخر، فيه الرد على المُنازع فيُقال له: ألا يُشْهِرالإخواني إخوانيته؟ والتبليغي تبليغيته وغيرهم وهم ضُلَّال خارِجونَ عن مذهب السَّلف، فإنْ قال: لا، قلنا: خاصمت نفسك، الواقع يُكَّذِب، فهؤلاء يُظْهِرُونَ النِّسبة والاعتزاء إلى أفكارهم، إلى قواعدهم، إلى نهجهم المستمد من مؤسسي تلك الجماعات من تبليغيَّة وإخوانية وغيرها، وهم فرق ضلال. وإن قال: نعم يُشْهِرُونَها، نقول: إذًا لما تَدسُّ نفسك؟ لماذا تهضم نفسك؟ والسلفية، وأهل السنة والجماعة وأهل الحديث والأثر هم أسعد النَّاس بمحمد- صلى الله عليه وسلم- وهم أوفر النَّاس حظًا به، وهم خاصة أولياء الله – عز وجل-.
النَّاس حزبان: حِزب هم حزب الشَّيطان، حزب الشَّيطان من الكفار والمنافقين نفاقًا اعتقاديًا هؤلاء حزب الشيطان، نعم، وهؤلاء هم وقود النَّار.
الثاني: حزب الرَّحمن وهم: المسلمون أهل السُّنة والجماعة. وهؤلاء أيضًا قسمان: قسم هم حزب الله الخالص الخاصة المحضة وهم: أهل التَّوحيد والسُّنة الذين لقوا الله على التَّوحيد، والسَّلامة من المعاصي. والحزب الثاني: دونهم، فهم حزب الله فما حصل لهم من استقامة وصلاح وهدى وتوحيد وإيمان وسنة نفذت فيهم إرادة الله الشَّرعية الدينية، ومن حيث ما وقعوا فيه من فجور وفسق وعصيان نفذت فيهم الإرادة الكونية القدرية، فصَدَّقَ عليهم الشَّيطان ظنَّه، وقد قدَّمت لكم مصيرهم يوم القيامة.
والخلاصة، أنَّ النَّاس من حيث اجتماع الإرادتين وعدمه ثلاثة أقسام:
- قسمٌ من نفذت فيهم الإرادة الكونية القدرية، مع بلوغهم الحُجَّة، وفهمهم إياها، وهؤلاء غلب عليهم الشَّيطان فصاروا حزبه.
- الثاني من نفذت فيهم الإرادة الشَّرعية الدِّينية وهؤلاء المؤمنون، أبرار المؤمنين، النَّبيون -صلى الله عليهم وسلم- وأصحابهم – رضي الله عنهم-.
- الثالث: من نفذت فيه الإرادة الشَّرعية الدِّينية من وجه، وغلبت عليه الإرادة الكونية من وجهً آخر، وهؤلاء هم عُصَاة المؤمنين، فما نالهم من برٍّ والتُّقى ووفِّقوا إليه؛ فهذا لأنَّهم غلبت عليهم الإرادة الشَّرعية الدينية، استجابوا لله ولرسوله، وما وقعوا فيه من مخالفةِ أمر الله ورسوله-صلى الله عليه وسلم- فهؤلاء الإرادة الشرعية تخلَّت عنهم، ونفذت فيهم الإرادة الكونية القدرية.
ثلاثة أقسام النَّاس من حيث اجتماع الإرادتين وعدم ذلك والله أعلم.
السؤال السادس:
يقول السائل: إذا اعتمرت عن نفسي، فهل يجوز أن أرجع إلى الميقات فأعتمر عن أمي؟
الجواب:
هذا له حالتان، إحداهما: أن يأتي من خارج القطر، قطر الحرمين كأن يأتي مثلًا من مصر أو من دول المغرب أو من الهند أو من باكستان أو من أمريكا أو من أوربا ولا يتمكن من العودة، يغلب على ظنه أنه لا يتمكن من العودة فهذا لا مانع إن شاء الله لما صحَّ عن النِّبي قال: ((الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا)) ما اجتُنِبَت الكبائر، الثَّاني: أن يتمكن، كأن يكون من أهل هذا القُطر أو من جيرانهم الذين يستطيعون العودة بعد فترة فهذا في الحقيقة لا ننصحه بهذا العمل، يعودُ إلى بلده، ثم إذا تيسَّرت له فرصة عودة عاد واعتمر عمَّن شاء، عن أمِّه أو عن أبيه أو عن غيرهم من أقاربه.
السؤال السابع:
يقول: هل يجوز أن أذهب إلى مكة بلا إحرام وأتأخر إلى أن يدخل رمضان، فأحرم بعمرة؛ لأنَّها تعدل حجَّة.
الجواب:
يعني يريد أن يقيم في مكة؟ لعله يريد المُجاورة إن شاء الله تعالى دون إحرام، فإذا دخل رمضان خرج إلى الحِلِّ واعتمر، أرجو أنَّه لا بأس بذلك إن شاء الله، ولكن الأولى أن يبقى في بلد الميقات، ثم إذا دخل رمضان أحرم.
السؤال الثَّامن:
يقول السَّائل: أن أمَّه كافرة، وهي تشتكي مرارًا أنها لا تستطيع أن تزورنا في المدينة، يقول لأنَّه يسكن داخل حدود الحرم، يقول فهل من الأفضل أن أسكن في مكان خارج حدود الحرم؟ لتتمكن أُمي من زيارتي، رجاءنا من الله- تعالى- دخولها في الإسلام.
الجواب:
أقول لماذا تصنع هذا الصنيع! ((المدينة خيرًا لهم لو كانوا يعلمون))، لكن أمامي أمران أعرضهما عليك:
الأمر الأول: أن تكتب إلى الجهة المسؤولة النَّائبة عن ولي الأمر وهي الجوازات ولا أظنُّهم يُمانعون في ذلك، ما أظنُّهم ما دامت في زيارتك، وفي كفالتك، ولعلَّها إن شاء الله إذا رأت المدينة، ورأت إقبال النَّاس على الصَّلاة، كيف يتوضؤون، ويذهبون إلى المسجد، منهم الذي يذهب على السيارة، ومنهم الماشي على قدميه، هذا من مُليِّنات قلبها إلى الإسلام وتحبيب الإسلام إليها إن شاء الله تعالى، ولك مثل أجرها، لك أجرك ومثل أجرها ولا ينقص من أجرها شيء.
الشيء الثاني: أنت إذا منعتك الجهة فطاعة ولي الأمر واجبة عليك، فتخرج وتستقبلها إذا كان لك قريب خارج المدينة النَّبوية وخارج مكة مثلًا في الرِّياض أو في الطَّائف تستقبلها هناكوتؤديها صلتها، التي أوجب الله لها وتدعوها إلى الإسلام لعلَّالله يهديها على يديك.
السؤال التاسع:
يقول السَّائل: شخصٌ أعطاه قريب مبلغ من المال مائة دولاروقال له اصرفها في وجوه الخير فهل يجوز له صرفها علىنفسه بشراء الكتب النَّافعة أم لابد من الاستئذان منه؟
الجواب:
هو قال في وجوه الخير فالذي يظهر أن صاحبها أراد الصَّدقة أوكتب توضع في مسجد، أو إفطار صائم أو غير ذلك، فيجب تنفيذما أراد أمَّا الكتب الخاصة بك فاشتري أنتَ كتبًا أو استعِر منالمكتبات التي تُعير.
السؤال العاشر:
بيقول السائل: أحسن الله إليكم أعيش في بلد عربي مجاوروأسأل هل يجوز لي فتح مستوصف مع العلم بأنالمستوصفات تُلزَم بالتأمين الصِّحي.
تُلزِم ، قال يعمل ولا ماذا؟
يقول: فتح مستوصف مع العلم أن المستوصفات، جزاك الله خيريا شيخ.
تُلزَم إذا هو يفتح مستوصف تُلزَم صحيح، قراءتك الأولىصحيح يا ولدي.
أقول هذا من باب الضَّرورة، فلا مانع منه -إن شاء الله- وعليككراهة ذلك بقلبك.
السؤال الحادي عشر:
يقول السائل: نحن نعيش في دولة الكُفَّار والأولاد يربون فيهاونخاف عليهم من الفساد فهل تنصحوننا بالهجرة -بارك اللهفيكم-؟
الجواب:
إن كنت تقدر على توجيه أبنائك من ذكور وإناث، التوجيهالصحيح فتربيهم على التَّوحيد والسُّنة وحفظ الفرائضوالاستكثار من النَّوافل فابقى حتى يهيء الله لك سعة، أمَّا إذا لمتقدر فهاجر بهم إلى بلد مُسلم يجدون فيه العون على دينهم ولامانع أن تتردد إذا كنت محتاجًا إلى كسب القوت، لا مانع أنتتردد بينهم وبين البلد الذي هجَّرتهم منه هذا لا يقطع الهجرة.
السؤال الثاني عشر:
يقول السائل :أتيت بعمرة ولكني لم أحلق في مكة، بل حلقتخارجها هل علي شيء من الكفارة، وهل يجب الحلق فيحدود الحرم أو أنَّه ليس بشرط؟
الجواب:
يعني خالفت سُنَّة، لكن لا أقول عليك كفارة.
السؤال الثالث عشر:
يقول :هل يجوز أن توضع الجنازة أمام المصلين الذينيصلون الفريضة وهي أمامهم ثم يصلون عليها صلاة الجنازة،أم أن هذا يدخل في حديث لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسواعليها؟
الجواب:
هذه الجنازة لم تقبر، ولا ينطبق عليها هذا الحديث فلا مانع منذلك -إن شاء الله تعالى-، نعم إذا كان هُناك مكان مخصصلوضع الجنائز فتوضع فيه، أما إذا لم يكن هناك مكان مخصصفتوضع في طرف من الصَّف الأوَّل يعني أمام الصَّف الأوَّل.
السؤال الرابع عشر:
يقول السائل: نعاني في بلدنا من بعض طلبة العلم الصِّغارممن يتصفون بالعجلة وتبني الآراء والغريبة ربما الشاذةَّ، لأنَّهم يعمدون لبعض الكتب الكبيرة في الفقه والحديث والتخريج، ثُمَّ يشوشون على الشَّباب بطرح هذه المسائل وهم سلفيون فكيف نتعامل معهم وكيف يتم توجيههم؟
الجواب:
هذا له جهتان، الجهة الأولى مُناصحتهم، وذلكم بذكر آداب أهل العلم وما سلكه السلف الصالح من التَّأني والتثبت وعدم التَّعجل في الأمور والبعد عن الشواذ والغرائب والمفاريد.
الوجه الثاني: رد ما يُظهرونه ويُشيعونه في النَّاس يردُّ هذا ردًّا قويًا، وأنه مُخالف لما عليه السَّلف الصَّالح ويُذكر لهم قول علي -رضي الله عنه-: (حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللهُ وَرَسُولُهُ)، فقوله -رضي الله عنه-: (بما يعرفون) أي بما يُدركونه ويفهمونه.
بارك الله فيكم شيخنا السؤال الخامس عشر وكذلك السؤال السادس عشر كلاهما سؤلان متشابهان.
في ورقة واحدة من شخص واحد؟
لا يا شيخ مختلفان.
يقول السؤال: ما حكم الاحتكار في الإسلام؟ احتكار السلع يعني.
الاحتكار، هذا إذا كان النَّاسُ في حاجة إلى ما يحتكره ولا يستغنون عنه، فالاحتكارُ مُحرَّم في هذه الحال، للنَّهيَّ عنه.
الحالة الثانية: أن لا يكون النَّاس بحاجة إليه لا يحتاجونه، فلا مانع من تخزينه، تخزين هذه السِّلع حتى تأتي حاجتُها.
السؤال السابع عشر:
يقول: ما حكم رفع سعر السلعة حال نُقصانها في السُّوق وقلَّة وجودها؟
الجواب:
هذا أمر يسمونه يعني يخضع للعرض والطلب، والأصل فيه الجواز الإنسان يبيع ويشتري كيف ما اتَّفق له، لكن إذا رأى الحاكم أنَّ هذه الـمُغالاة ورفع الأسعار فيه شطط على أهل البلد وضرر فله أن يمنع هذا ويُحدِّد سعراً لا يتضرر منه الـمُشتري ولا البائع سعرٌ مقدورٌ عليه عند أوسط النَّاس، أو دون الوسط فيما أرى والله اعلم.
السؤال الثامن عشر:
ما حكم استخدام وبيع الآلة الكهربائية التي تقتل الذُّباب والبعوض وهي الآن توجد بكثرة في البيوت والمساجد؟
الجواب:
هذه ليست نار هذا قتل، فلا مانع من ذلك إن شاء الله.
السؤال التاسع عشر:
يقول السائل: ما حُكم إعطاء الزَّكاة لرجل هو فقير ولا يعمل ويعيش مع الوالدين، كذلك هذا الرجل له ديون وهو من قرابتي؟
الجواب:
أعطه ولا تُبالي ما دام الأمر كما ذكرت، فهو له حقٌّ في الزَّكاة.
كأنه يقصد أنَّ عليه ديون، هو قال عليه ديون كأنه يقصد عليه ديون، يعني يقصد أن الشخص هذا عليه ديون لكن أخطأ في الكتابة وقال له ديون؟
ما دام عليه ديون هو من الغارمين فاجتمع عليه فقرٌ ودَيْن الله المستعان، أسأل الله أن يُفرج عنَّا وعنه. باقي عندك شيء؟
يعني يا شيخ حوالي تقريبًا سبعة أسئلة.
هات سؤال واحد نختم به والباقي إن شاء الله في الجلسة القادمة.
السؤال العشرون:
يقول السائل: هل يصحُّ أن اغتسل لغسل الجمعة بعد الفجر قبل شروق الشمس أم لابد منه من بعد الشروق؟
الجواب:
الذي يظهرُ لي أنَّ هذا ليس بسديد، لأنَّ النبيَّ- صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصَّحيح ذكر ساعات يتفاوتُ فيها الأجر فقال: ((من اغتسل يوم الجمعة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرَّب بدنه )) إلى آخره.
والناس لا يذهبون لصلاة الجمعة بعد الفجر، فليكن اغتسالُك في الوقت الذي يذهبُ فيه النَّاس.
جزاكم الله خيراً شيخنا ونفع بكم الإسلام والمسلمين.
حياكم الله جميعاً والجلسة القادمة سيكون الحديثُ فيها امتداداً لما تفضل به علينا أخونا صاحبنا وتلميذُنا الشيخ عبد الواحد بن هادي، يكون الحديث في رمضان ونستكمل إن شاء الله الإجابة على ما تركناه من أسئلتكم وينضاف إليه إن شاء الله ما تيسَّر من المعروض فيها، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آلهوصحبه أجمعين.