الحمد لله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، هذه بداية لقاءاتي المستمرة –إن شاء الله تعالى- في هذا المسجد، وهذا اللِّقاء سيكون إجابة على ما يعرضه علينا أخونا وتلميذنا وصاحبنا الشيخ عبد الواحد بن هادي المدخلي، واللِّقاءات الآتية إن شاء الله سيكون قبل الأسئلة كلمة بما يفتح الله به علينا، شرح حديث أو تفسير سورة أو كلمة من نوع آخر، فعلى بركة الله السؤال الأول.
السؤال الأول: بارك الله فيكم شيخنا يقول السائل: السلام عليكم ورحمة الله، أحسن الله إليكم، الطالب إذا سُئل عن مسألة يعرفها هل له أن يجيب عليها وهل هذا يعتبر من باب الإفتاء؟
هو من باب الإفتاء هذا لا شك فيه، لكنه أجاب بما يعرف في المسألة المعروضة عليه، ولا بأس بذلك إن شاء الله تعالى.
السؤال الثاني: ويقول أيضًا ما نصيحتكم باستغلال الإجازة الصيفية؟
نصيحتنا عامة، لطالب العلم في كل وقت أن يستثمر وقته في العلم والأعمال الصالحة، ولعموم المسلمين نصيحتنا لهم هذا الحديث الذي أخرجه أهل السنن، عن أبي برزة –رضي الله عنه- (( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ )).
هذه خمسة أسئلة يُسألها المرءُ قبل أن تزول قدماه يوم القيامة، ومن أعدَّ الجواب هانَ عليه السؤال، ومن سوَّف وقصَّر حتى يأتيه السؤال عسُر عليه الجواب، وهذه الأسئلة توجب على العبد المسلم عالماً كان أو طالب علم مُتأهل أو طالب علم بُدائي أو عاميّ أن يستثمر وقته فيما ينفعه ويقرِّبه إلى الله –سبحانه وتعالى-، ومن ذلكم الاستكثار من النوافل مع حفظ الفرائض، فإنَّ هذا من أسباب محبة الله للعبد كما في صحيح البخاري عن أبي هريرة –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: (( وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ )) ومن أحبه الله فلا يُسأل عن حُسْن حاله، وحُسن عاقبته في الحال والمآل، وفي الحديث الصحيح ((إِنَّ الله إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ قَالَ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًافَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ قَالَ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ)).
وفي صحيح البخاري من حديث ابن عمر –رضي الله عنها- قال: ((أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْكِبِي، وفي رواية: بمنكبَيَّ، فَقَالَ :كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ)) وكان ابن عمر –رضي الله عنهما- يقول: إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وخذ من صحتك لسقمك، ومن حياتك لموتك.
وأحاديث في ذلكم كثيرة، وقد اختصرت حديث أبي هريرة اكتفاءً بالشاهد.
السؤال الثالث: وهذا سائل يقول أيضًا: لقد شارفت الامتحانات على الانتهاء وقَرُب موعد السفر عن المدينة وعن بيئة طلب العلم، والاستقامة على أمر الله وسنة رسوله –صلى الله عليه وسلم- إلى بلادنا التي تكثُر فيها الفتن من شبهاتٍ وشهوات، مع قلة النَّاصر والمعين، فنرجو من فضيلتكم توجيهنا وإرشادنا إلى ما ينبغي على طالب العلم فعله عند الرجوع إلى بلده ومما يحذر في ظل كثرة ما نشاهده من الانتكاساتٍ من زملائنا –نسأل الله السلامة والعافية-؟
أولاً: كما أسلفنا إشارةً أنَّه يغتنم وجوده في هذه البلد المباركة طيبة وطابة، وفضائلها عن النَّبي –صلى الله عليه وسلم- متواترة، ومن ذلكم، ومن ذلك التزود بالعلم النَّافع واختيار الجلساء الصالحين الطيبين مصاحبة ومجالسة وحفظ ما سمعه من أشياخه أهل السُّنة والجماعة.
ثانياً: يجتهد بتعليم أهل بلده ما تعلمه ويجدُّ في ذلك ويصبر ويصابر، ولا يغتر بكثرة المخالفين، فإنِّها لا تضره، وما أحسن ما قاله الفُضيل ابن عياض –رحمه الله-:
"عليك بطرق الهدى ولا يضرك قلة السالكين، وإيَّاك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين"، وليعلم أنَّ الله لا يكلفه فوق طاقته، قال –تعالى-: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّـهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾[البقرة: من الآية 286]، وقال –تعالى-: ﴿فَاتَّقُوا اللَّـهَ مَا اسْتَطَعْتُم﴾[التغابن: من الآية 18]، وفي الحديث الصحيح إذا أمرتكم بالأمر فافعلوا منه أو فاتوا منه ما استطعتم، هذه نصيحتنا.
السؤال الرابع: أحسن الله إليكم يقول السائل أنا أفكر دائمًا في عذاب الله وعذاب القبر وأخاف أنَّ الله سبحانه لا يغفر لي، ولهذا السبب لا أنام في الليل وهذا يُسيء في عبادتي يومياً، انصحوني بارك الله فيكم.
يا بني، يظهر لي من سؤالك أنَّك اعتمدت على الخوف، وأهملت جانب الرَّجاء، ومما نحفظه عن علمائنا أن الاعتماد على الخوف وحده مهلكة،لأن نهايته اليأس من رحمة الله، كما أنَّ الاعتماد على الرجاء وحده مهلكة، لأنَّ نهايته إيصال العبد إلى الاتكال على رحمة الله، وخيرُ ما يَتَسَحُ بهِ العَبد وَيَتزوّدُ بهِ الجمعُ بين الخوفِ والرجاء، وذلك لأنَّ الخوفَ يَردَعهُ عن محارِم الله ومَسَاخِطهِ، والرَّجاء يُطمِعهُ في رحمة الله، فيكونُ المرءُ خائِفًا راجيًا، وأسمع قالَ تعالى، نعم هاتوا الآية:
﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ﴾ [ الزمر: من الآية 9]، انظُر هؤلاء الذينَ مدحَهُم الله، لماذا؟ لأنَّ الذي حَمَلُهُم على هذه المَيِّزَة العظيمة التي يَغفُل عنها كثيرٌ من النَّاس إلا من رحم الله القُنوت والقيام، سجود وقيام وقنوت، قيام في طاعة الله، مالذي حَمَلُهُم؟ جَمْعُهم بين الخوفِ والرَجاء ﴿ يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾ ثُمَّ خَتَمَ الآية بما يُهيّجُ على سلوكِ هذا المَسَلك، ابتغاء ما عند الله- عَزَّ وجل- ماذا؟
﴿ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ الزمر: من الآية 9].
﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ الزمر: من الآية 9].
فالثَّناء جاءَهُم أولًا من هذه الخِصِّيصَة التي حَمَلُهُم عَليها وَهَيَّجهم عليها الجمعُ بين الخوف والرجاء.
الثانية أنهُم عَلِموا مَا لم يَعلَمهُ غَيرُهُم مِن فَضِل هَذه السَاعة المُباركة في آخِرُ الليل، وفيها ينزِلُ الرحمن سبحانهُ وتعالى- كما صحَّ عن النبي- صلى الله عليه وَسَلم- للسماءِ الدنيا، صحَّ عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنَّ اللهَ- عَزَّ وَجَل- ينزِلُ في الثُلُث الأخير من الليل، وفي بعض الروايات شَطرَهُ وبعضها نِصفهُ، فيُنادي عِباده يَا عِبَادِيَ هَل من تائِب فأتوبَ عليه، هل من مُستَغفِر فأغفِرَ له، هل من سائِلٍ فأُعطيَّه، الحديث، نعم، ثُمَّ أنَّهم تَذَكروا والذِّكر هُنا يشملُ العِلم، وَيشَملُ الجمعُ بين الخوف والرَّجاء، ويشمل الإستعداد للآخرة بالأعمال الصالِحة، فلا تُهمِل الخوفَ يا بُنيّ، والخوفُ قِسمان، قِسمٌ محمودٌ ، وهو الذي يُوصِلُ العبد إلى الكَفِّ عن معاصي الله- سُبحانهُ وتعالى- ويَحجزهُ عنها، والمذموم هوَ الخوف المُفرِط الذي يجعلُ المرءَ يُوسوسُ حتى في عبادتهِ ويُهمِلُ الرَّجاء، فاجمع بينهما باركَ اللهُ فيك.
السؤال: أَحسنَ اللهُ إِليكمُ هذه سائلة تقول ما أجرُ الزَّوجة التي تبقى في بيتها مع الأطفال وزوجُها يدرُسُ في الجامعة الإسلامية وعندَ العُلماء؟
قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَأَطَاعَتْ زوجها, وَحَفِظَتْ فَرجَها قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ))، هذه بِشارةٌ عظيمة، هي تَخدِمُ زوجَها وتُربي أولادَها وتكونُ عونٌ لهُ على تنشئتِهِم التنشئة الصَّالِحة،وعلى زوجها أن يُفيدها بما أَخذهُ عن أهل العِلم، ولو بالأشرِطة، أشرِطة أَهل العلم المعروفينَ بالسُنَّة الراسخينَ في العلِم، نعم، فيكونُ لهُ أَجرُها ، ويكونُ له أجرهُ وأجرُها وهي كذلِك بخدمتها لزوجها واقتصارِها على حِفظِ أولادِها عن اللَّهو واللَّعِب الذي يُضيِّعُ الوقت كَذلِكَ هي مأجورة،نعم.