أحسن الله إليكم وبارك فيكم، يقول السائل: هل يَصِحُّ الاستدلال بقول النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم –: ((إِنَّ اللهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ)) على التعاون مع الحزبيين والمخالفين في الدعوة، في المشاركة معهم في المحاضرات والدروس ونحو ذلك؟
هؤلاء أولًا: كما قَدَّمت لكم، تركوا فهم السلف الصالح، واستقلوا بالاستنباط.
وثانيًا: أنَّهم ارتكسوا في أحضان المبتدعة والمُتَلَوِّثة بالبدع، حتى كان جَرَّاء ذلك خذلانُ إخوانهم، وأنا أعرف رجالًا منهم يدعوهم السَّلفيون في الكويت وغيره، ولا يجيبون لهم دعوة، هذي نتيجة الخِلْطَة السَّيئة والبطانة الفاسدة.
وثالثًا: هذا الحديث عندنا على ظاهره، هذا الحديث على ظاهره، لأنه في الصحيحين - وأظنه في غيرهما- لكن ما فهم السلف الصالح حول هذا الحديث؟ هل صنعوا كما يصنع هؤلاء المتحذلقة المتفلسفة الجَهَلَة بفهم السلف الصالح؟ أو له عندهم توجيهٌ آخر وفهمٌ آخر؟ الثاني هو الجواب، وكيفَ ذلك؟ خُذوا من منهج السَّلَف الصَّالِح، وأُلَخِّصَهُ لكم في نُقاط:
- أولًا: الإجمال: فالسَّلَف من عَرَفَ منهجَهُم وَخَبَره وَفَهِمهُ حقَّ الفَهِم بانَ لهُ مِثلُ الشَمَس في رابِعة النهار أو رايعة النهار - كما يُقال- أنَّ الأصل عندَهُم هوَ هَجرُ المُبتَدِعة، ومُفاصَلَتهم، والإغلاظ لهم، والصياحُ بِهِم من كُلِّ حَدَبٍ وَصَوْب، حَتى يَحْذَرَهُم خَواصُّ المُسلمين وَعَوامُّهُم، وَهَذا متى؟ إذا كَانت الكِفَّة الرَّاجِحَة، وَالصَوْلَة وَقُوة الشَوْكَة لِلسَّلَفيين، وَهَذِه الدَولة - ولله الحمد- السَّلفي فيها قَوِيّ، يُبَيِّن بالدَّليل الحُكم، أمَّا الذي بيانهُ مُهاتَرة وسِباب ولَعِن وَسب للأفراد؛ هذا لا يخدِمُ الدَّعوة، فلا غرابةَ إذا مُنِع.
أقول: وأمَّا إذا كانت عَكْسِية، فتكونُ الكِفة الرَّاجِحة والصَوْلة والجَوْلة وقوة الشَوكة للمبتَدِعة، كأنَّ يكون مثلًا المُبتَدِع هو وزيرُ الشئون الدِّينية في بعض الأقطار، أو هو رئيس القُضاة - هذا المُبتَدِع-، أو إمامُ حّيٍّ لا يعرفونَ غيره ولا يفهمونَ منهج حق ففي هذه الحال السَّلَفيون يُدَارُون، وكيف ذلك؟ يردونَّ البِدعة ولا يَقْبَلونَها، وإذا خَشَوْا السَّطوة، أَغفلوا القائلِ، لا يذكرونه، بل يجب أن لا يذكروه، يردُّون البدعة ولا يقبلونها بالحق، حتى لو منعوا من الدعوة، لا يقبلونها، لأن هذا تنازل عن المنهج الصحيح، والمعتقد الصحيح، وهذا كما ذكرت لكم آنفا أنه مُبَيِّن - ولله الحمد- في الحدِّ الفاصل وغيره، وليس هذا والله من عندي، بل هو من استقرائي لفهم السلف الصالح.
- أمَّا التَّفصيل: فَلَعَلِّي أذكر لكم بعض الآثار، منها: قول المفضل بن المهلهل – رحمه الله – قال: "لو كان صاحب البدعة يَذْكُر لكَ في بُدِوِّ أمره بدعته؛ لَحَذِرْتَهُ ونفرت منه، ولكنه يُحَدِّثك في بُدِوِّ أمره بالسُّنة ثُمَّ يُدخل عليكَ من بدعته فلعلَّها تَلْزَمُ قلبك فمتى تُفَارِقُ قلبك؟"
وقال الشعبي عامر بن شراحيل – رحمه الله –: "إياكم والمقايسة - يعني جعل النصوص تابعة للعقل، يعكس، المفترض أن يكون العقل تابعٌ للنُّصوص وليس متبوعًا - كما يصنع هؤلاء- فوالذي نفسي بيده لو أخذتم بالقياس لتُحِلُّن الحرام، ولتُحَرِّمن الحلال، فما بلغكم عمَّن حَفِظَ من أصحاب محمد – صلَّى الله عليه وسلَّم – فخُذوا به - أو قال فاحفظوه-".
الثالث: لمصعب بن سعد – رحمه الله – قال: "لا تُجالس مفتونًا، فإنه لن يَخْطِئَكَ منه إحدى اثنتين؛ إمَّا أن تتابعه - يعني على بدعته- أو يُؤْذِيَك قبل أن تفارقه" فاحذروا - يا معشر المسلمين من الحضور والسَّامعين ومن يَبْلغه حديثي بَعْد من المسلمين- أصحاب التميع والتخذيل والمُسَكِّتة - هم مُسَكِّتة- والذين يغمزون الرد على الأقوال المبتدعة، الذين يغمزون الرد؛ رد المقولات الشنيعة والمبتدعة، يُغْمَز عند هؤلاء؛ يفرِّقوا بين الناس، ما هذا التهويل؟ لماذا يذكرون فلان وفلان؟ يا أخي نحن ما بَدَّعناه، مع أنِّي أقول: لو بَدَّعته لم أكن مُخْطِئًا، وأقول كذلك - وهذا في الردِّ عليه- أقول: لو قُلْتُ قوله لَوَجَبَ الحذر مِنِّي وأنا إلى الآن أقولها، لو قلت قول ذاك الرجل لوَجَبَ الحذر مِنِّي والتنفير منِّي، بل أقول أزيد هنا: وتبديعي وتضليلي.
أسأل الله الكريم ربَّ العرش العظيم أن يُثَبِّتني وإياكم من الحاضرين والمستمعين في الحياة وبعد الممات على السُّنة.