بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، نُرَحِّبُ بجميع الأخوة والأخوات في هذا اللقاء الأسبوعي مع فضيلة شيخنا عبيد بن عبد الله الجابري – حفظه الله تعالى – عبر موقع ميراث الأنبياء، وهذا هو اللقاء السادس والأربعون، ويُكْمِل فيه فضيلته – بإذن الله تعالى- شرح الحديث التالي :
عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما- قال: أقبل علينا رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم- فقال: ((يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ؛ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ، حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا، إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ، وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ، إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ، وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ، إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ، وَعَهْدَ رَسُولِهِ، إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ، إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ)) أخرجه ابن ماجه وحَسَّنهُ الألباني .
الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد ..
فما أظنُّ رجلًا ولا امرأة من المسلمين إلَّا أَدْرَكَ أَنَّ هذا الحديث الحسن كما حَكَمَ عليه الإمام مُحَدِّثُ هذا العصر عند العارفين بقدره، وقَدْرِ من سبقه من أهل الإمامة في الدِّين، والجلالة في القَدِر، والسابقة في العصر، فهو أحد شيوخ الإسلام الثلاثة عندنا، والآخران هما سماحة الإمام الأثري المجتهد الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز – رحمه الله – والشيخ الفقيه المجتهد المُحَقِّق الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين – رحم الله الجميع ومن مَضَى قبلهم من أئمة العلم والإيمان والدين ومن علماء الإسلام والسنة-.
أقول: الكلُّ أدرك أنَّ الحديث يتضمن خمسًا عقوباتٍ من الله على خَمْس من الآثام وكبائر الذنوب وعظائم الجرائم التي بُلِيَت بها الأُمَّة الإسلامية، وهذه الخمس الخصال الذميمة الشنيعة الفظيعة واقعة في كثير من أقطار أهل الإسلام، والعقوبات كذلك واقعة في كثير من أقطار الإسلام، وقد يقول قائل: الناسُ صنفان:
· صنفٌ مُبتلى بهذه الجرائم والخِصَال العظائم.
· وقِسْمٌ لم يُصِبْهُ شيء من ذلك.
والجواب:
أولًا: لله الحكمة البالغة والحُجَّة البالغة، فهو سبحانه لا يُسْأل عَمَّا يفعل، والخلق يُسأل، فأفعاله – جلَّ وعلا – مَبْنِية على حِكَم عَلِمها من عَلِمها، وجَهِلها من جَهِلها، وقد حَذَّر - سبحانه وتعالى - عباده من ذنوبٍ عقوباتها تَعُم؛ قال – جلَّ وعلا -: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً﴾ الآية.
وثانيًا: فيما يبدو لي - والعلم عند الله- أنه قَلَّ أو اضمحل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أعني بالحكمة والموعظة الحسنة وبالقيد الذي صَحَّ عنه – صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو عند مسلم من حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه –: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ))، وثَمَّةَ حديثٌ آخر، ومضمونه قريبٌ من هذا، وهو يفيد أَنَّه إذا لم تكن غَيْرة على السُّفهاء الذين يَعْثونَ في الأرض الفساد، ويركبون ما يركبون من الفواحش والآثام غير عابئين ولا مُكْتَرثين، قال – صلَّى الله عليه وسلَّم –: ((مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنْ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ – يعني ليتناولوا الماء من أعلى السفينة- فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا، وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا))، وقد استحكم في أكثر أقطار الإسلام شعارات الجاهلية، والمبادئ الكُفْرية من الحرية، والمساواة، والتعبير عن الرأي، وغير ذلك، حتى أصبح الكثير ينظرون إلى علماء الإسلام وأهل الحق نظرة احتقارٍ وسخرية؛ زعمًا منهم أنَّ هؤلاء العلماء، وأهل الدعوة إلى الله على بصيرة حَجَرَة عَثْرَة بينهم وبين ما يُسَمَّى بالتقدم والتطور الحضاري، إلى غير ذلك من المزاعم الباطلة، وشَرْعُ محمدٍ – صلَّى الله عليه وسلَّم- فيه النجاة والصلاح والفلاح في الدُّنيا والآخرة، ولم أعلم عالمًا راسخًا في العلم، داعيةً إلى الله على بصيرة يمنع العباد من الأخذ بالأسباب المشروعة لتحصيل المنافع المباحة من الكسب الحلال الطيب، ومن عمارةِ الأرض، والتجارة، والبيع والشراء، والحِرَف من طِبٍّ وهندسة، وغيرها من الأمور المباحة، ألم يقل الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾، وقال - جلَّ وعلا-: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾، فيا أهل الإسلام توبوا إلى الله - عزَّ وجل- وَوَقِّروا علمائكم، وأقيموا شرع الله - سبحانه وتعالى-، وخذوا عن علمائكم الفقه في الدين، قال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((إِنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ))، وقال- صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ))، فَلَوْ استقامَ المسلمون - الحكام والمحكومون- على شرع محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم- فَعَبَدُوا الله وحده، جَرَّدوا الإخلاص في العبادة لله وحده، وجَرَّدوا المتابعة لرسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم-، وأخذوا بِكُلِّ سببٍ مشروع لتحقيق المصالح والمنافع المباحة ما ضَرَّهم أحد أبدًا، ولو نالَ بعضهم مضرة فإنهم موعودون -أعني المسلمين- بالعز والتمكين في الأرض، وموعودون بنصر الله -سبحانه وتعالى-، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّـهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾، وقال – جلَّ في علاه-: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾.
وسوف نتابع - إن شاء الله- ما بَقِي من الحديث في الجلسات القادمة.
والآن يعرض أخونا وصاحبنا وتلميذنا أبو زياد ما تَيَسَّر من أسئلتكم. نسأل الله – سبحانه وتعالى- أن يُلْهِمنا وإياكم الصواب، تفضل بارك الله فيك.
السؤال:
جزاكم الله خير شيخنا، هذا السؤال الأول؛
يقول السائل من الكويت: رجلٌ عليه عشر كفارات أيمان، هل تبرأ ذمته بإعطائها جميعها طعامًا لأسرة مُكَوَّنةٍ من عشرةِ أشخاص؟
الجواب:
عفا الله عنك، يعني تريد أن تكون مائة في واحد؟! الذي أسمع به ثلاثة في واحد، أو خمسة في واحد، أو اثنين في واحد، لا ثُمَّ لا، عَشْرُ كَفَّارات، كلُّ كَفَّارة عشرة مساكين، فَأَطْعِم مائة مسكين. نعم.
السؤال:
جزاكم الله خير شيخنا، وهذا السؤال الثاني؛
يقول السائل من السودان: أخي يريد الزواج من فتاةٍ اشترطت عليه أن تدرس في الجامعة بعد الزواج، ويُؤَجِّلا النسل لأربع سنوات؛ فهل هذا يجوز؟
الجواب:
ليست الدراسة مُسَوِّغة لإيقاف النَّسل فيما وقفت عليه من كلام أهل العلم، وهذا بِيَدِ الله – سبحانه وتعالى-.
ومن مصالح النكاح الصحيح وحِكَمِه البديعة التناسل، تكثير النسل، وقد صحَّ عن النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم- أَكْثَرَ من حديث في الحَضِّ على ذلك، وفي بعضها قال: ((وَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ فَلَا تُسَوِّدُوا وَجْهِي)). نعم.
السؤال:
جزاكم الله خير شيخنا، وهذا السؤال الثالث؛
تقول السائلة من فرنسا: والدتي غير مواظبةٍ على صلواتها فتُصَلِّي مرة وتتركها أخرى، والآن لم تَعد تُصَلِّي؛ هل إذا ماتت نُصَلِّي عليها؟
الجواب:
والدتك هذه لا تخلو من حالين:
· إحداهما: أن تكون جاهلة، فَعَلِّموها، مُروها بالصلاة، وخَوِّفوها بالله – جلَّ وعلا-، فإن استجابت فـبها ونعمت، هذا هو المطلوب.
· وإما أن تكون عارفة قَدْر الصلاة، ولكنها سَوَّل لها الشيطان أولًا ترك بعض الصلوات، وثانيًا تَغَلَّب عليها، وغلبت عليه الشِّقوة فتركت الصلاة بالكلية،
وفي هذه الحالة: إن كانت جاحدة للصلاة بعد أن عَلِمَت أنها واجبة فهي كافرة، وإن كانت تُقِرُّ بوجوبها لكنها تركتها تهاونًا فالصواب عندنا - ولنا سلفٌ من المُحَقِّقين- أنَّها فاسقة في هذه الحال، تُغَسَّل، وتُكَفَّن، ويُصَلَّى عليها، وتُدْفَن في مقابر المسلمين، ونسأل الله أن يعجل لأمك الهداية، وأوصيكم أيضًا أن تعرضوها على طبيب مسلم استشاري في الأمراض النفسية، فَلَعّلها عرض مرضٌ نفسي غَلَّب عليها. نعم.
السؤال:
جزاكم الله خير شيخنا، وهذا السؤال الرابع؛
يقول السائل من قطر: ما حكم أكل الذهب والفضة كما يفعله بعض المُتْرَفين لدينا حيث ينثرونهما فوق الطعام على شكل ورقٍ رقيقٍ قابلٍ للأكل؟
الجواب:
نَظَرْتُ هذه المسألة في كتاب الطب لابن القيم - رحمه الله- من زاد المَعَاد له، وتَذَاكَرْتُها مع بعضِ أصحابي، فَتَلَخَّص أنَّ ورق الذهب والفضة علاج، للتداوي وليس للترف. نعم.
السؤال:
جزاكم الله خير شيخنا، هذا السؤال الخامس من سلطنة عمان؛
يقول السائل: إني أحبكم في الله، ويسأل يقول: في أحد أيام رمضان الماضي كنتُ قادِمًا من سفر، وجامعتُ زوجتي بعد صلاة الفجر، ولم أكن أعلم أنَّ الجماع في نهار رمضان يوجب عَلَيَّ كفارة؛ أفتونا مأجورين؟
الجواب:
أحبك الله الذي أحببتنا من أجله، ونحن نُفْتِيكَ على ما ظَهَرَ لنا من سؤالك، فإذا كان الأمر كما تقول إنك تجهل الكَفَّارة على المُجَامِع في نهار رمضان؛ فليس عليك إلَّا قضاء ذلك اليوم، مع الاستغفار والتوبة إلى الله – عزَّ وجل-، ثُمَّ نحن لا ندري هل أنتَ قَدِمْتَ عليها مُفطرًا؟ لكن يَظْهَرُ أنَّك قَدِمت في الليل، فنقول إذًا عليكَ قضاء يوم مكان ذلك اليوم، والله أعلم.
السؤال:
جزاكم الله خير شيخنا، وهذا السؤال السادس؛
يقول السائل من ليبيا: شخصٌ صَلَّى خلف الإمام صلاة الظهر، لكنه لم يقرأ الفاتحة في الركعة الأولى ساهيًا؛ فماذا عليه؟
الجواب:
إذا كان الأمر كما تقول؛ فَعَلَى صاحبك هذا قضاء الصلاة كاملة، وذلك لأن قراءة الفاتحة رُكُن لاسيما في السِّرية، فالجمهور على أَنَّها ركن في السِّرية، والجهرية بالنسبة للمأموم؛ الذي تَرَجَّح عندنا أنَّ المأموم تسقط عنه قراءة الفاتحة في الصلاة الجهرية إذا قَرَأَ إمامه، نعم هذا باختصار.
السؤال:
جزاكم الله خير شيخنا، وهذا السؤال السابع؛
يقول السائل من فرنسا: في المسجد الذي أُصَلِّي فيه تُقَدَّم خطبة الجمعة قبل الزوال، ونُصَلِّي صلاة الجمعة قبل وقت أذان صلاة الظهر؛ فما حكم ذلك؟
الجواب:
الذي أعلمه من سُنَّة النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – أنَّ صلاة الجمعة تقع في أوَّل وقت الظُّهر، فإن كان صاحبكم هذا – يعني إمامكم كما ذكرت، والعُهْدَةُ عليكَ أنت - يُصَلِّي قبل الزَّوال، فالذي يترجَّح عندنا أنَّ الصَّلاة في هذه الحال باطلة.
وإن كان قال بعضُهم أنَّ وقت الجمعة يبدأ من وقت صلاة العيد، يعني من شروق الشمس، من ارتفاع الشمس بعد طلوعها رِمْح، وهو متر أو متر وشيء، لكن هذا الذي وقفنا عليه من سُنَّة النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم-.
السؤال:
جزاكم الله خير يا شيخنا، وهذا السؤال الثَّامن من الإمارات؛
يقول السائل: أنا مُسَافرٌ مرافقٌ لأمِّي ولابنتي للعلاج بالخارج، وقد أكملتُ سنةً وشهرًا تقريبًا وأنا أجمع وأقصر في الصلاة طوال السَّنة، وقد اختلفَ عليَّ الأمرُ مع كثرةِ النقاشاتِ مع إخواني المسلمين في حقِّ الجمعِ والقصر، علمًا أَنِّي أملك إقامًة في هذا البلد الأجنبيّ تتجدَّد كلَّ ثلاثة أشهر، ولكن لم يتم تحديد انتهاء فترة العلاج بالتحديد، ولا يوجد إلَّا مسجد واحد في هذه المنطقة التي أقطن فيها، ويبعد عنِّي بالوقت ربع ساعةٍ وأحيانًا أكثر، أطلب منكم – فضلًا – إيضاح المسألة في موضوع الجمع والقصر في الصلاة.
الجواب:
· أولًا: أنتَ مسافر لأنَّك لا تدري متى ينتهي علاج مُرافِقَتَيْك، وهما: ابنتك وأمك، فأنتَ مُسافر.
· ثانيًا: إذا صَلَّيْتَ مع المسلمين فأَتِم، صلِّ بصلاتهم ولا تَقصر في هذه الحالة.
· الأمر الثّالث: إذا صَلَّيْتَ في مَسْكَنِك الذي تسكن فيه، فلكَ القصْر، قصْرُ الرُّباعيّة: الظُّهر والعصر والعشاء، لكَ قَصْر هذه الصلوات، ولكَ الجَمعُ عند الحاجة، مثل أن تعودَ من أشغالك خارج المنزل مُرهقًا وتخشى من أن تنامَ عن صلاة العصر مثلًا؛ فإنِّك تجمعُها جَمعَ تقديم، تُصَلِّي الظُّهر والعصر جَمعَ تقديم مقصورتين، هكذا المغرب والعشاء لو عدتَ وقت المغرب وتخشى أنَّك يَغْلِبُ عليك النَّوم فتفوتك صلاة العشاء، لكَ الجمعُ تقديمًا؛ تُصَلِّي المغرب ثلاثًا والعشاء ركعتين.
لكن ها هنا سؤال؛ هل تسمعُ النِّداء؟ هل تسمع الأذان المُجَرَّد دون مُكَبِّر صوت؟ فإن كنت تسمعه فأجِبْ الدَّاعي، أَجِب الأذان، وَصَلِّ مع المسلمين صلاةً تامَّة، وإن كنتَ لا تسمعه؛ فأنتَ في فُسحةٍ من أمرك، لكَ أن تُصَلِّي في دارك ولا تحضر الجماعة، وحضور الجماعةِ خير. نعم.
السؤال:
جزاكم الله خير يا شيخنا، وهذه السَّائلة من السودان، وهو السؤال التّاسع؛
تقول: أنا أدرس بكلية تُدَرِّس الباراسكولوجي، وهو علمٌ يشمل الطاقة الكونِية، الجلاء البصري للبعيدين، التَّنبؤ بالمستقبل، العِرافة وقراءة الكف، السحر، التَّخاطر - وهو التخاطب الذِّهني عبر الطَّاقة بلا وسيلة اتِّصال-، تحريك الأشياء بمجرَّد النَّظر أو اللَّمس، قراءة الأفكار؛ فهل يُحْرَمُ عليَّ البقاء في هذه الكُلية؟ وإذا كان كذلك ما موقفي من والديّ؟ وهما سيغضبان من تركي للكليَّة وقد يُؤَثِّر ذلك على صِحَّتهما.
الجواب:
يا بنتي؛ اعلمي أنتِ وجميع أبنائنا وبناتنا؛ أنَّ هذه الأعمار محسوبة، فالوقت إمَّا للعبد أو عليه، وفي الحديث الصحيح: ((لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ مَا فَعَلَ بِهِ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ))، وفي صحيح البخاري عن ابن عمر - رضي الله عنهما- قال : ((أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْكِبِي- وفي رواية: ((بِمَنْكِبَيْ))- فَقَالَ: كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ))، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: "إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الصَّبَاحَ وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الْمَسَاءَ وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ"، وفي البابِ أحاديثٌ كثيرة؛ من تأمَّلها أَعَدَّ للأمراء عُدَّته، وحَسَبَ للآخرة حسابها، هذه نصيحة لكِ ولِكُلِّ مسلمٍ ومسلمة.
وثانيًا: هذا التخصص، أو هذه الكلية ما أظنها إلا من أفكار النصارى، واليهود، ورَوَّجها ولاة المُتَصَوَّفة والكَهَنة، فهذه الكلية من العلوم الضارة، ومن شَغْلِ الوقت بلا فائدة، فإن كُنْتِ تُحِبِّين النصيحة فإني أنصحك بترك الدراسة في هذه الكلية، وأنصحكِ بأن تَتَعَلَّمي العلم الشرعي، وعلم اللغة العربية، تحصلي - إن شاء الله- على خيرٍ في دينك ودُنْيَاك وآخرتك.
فهذه العلوم التي ذَكَرْتِها هي خليط ومزيج بين كفر، بين أشياء كُفْرِية، والتَّنبأ بالمستقبل هذا من التخرص والظن الكاذب، والمستقبل غَيْبٌ لا يعلمه إلَّا الله، والكِهانة كُفُر والأحاديث في هذا كثيرة، ولَعَلَّه يأتي - إن شاء الله- وقتٌ نعرض فيه للعرافة والكهانة بالتفصيل، والسحر بَلِيَّة من البلايا، ولهذا قال بعض أهل العلم: السِّحر كُفر، والسَّاحر كافر، فانجي بنفسك يا أمة الله، ولا تغتري ببهرجة هذه العلوم.
بَقِيَ أمر يتعلق بوالديك بَلِّغيهم مِنِّي السلام، قولي لهما: عبيد الجابري يقرؤكما السَّلام، وقد نصحني بترك هذه الكلية والالتحاق بمراكز الدراسات الشرعية، فإن استجابا فبها ونعمت، وإن لم يستجيبا وأَصَرَّا فلا تطيعهما، فإنه لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق، هذه العلوم معصية، وما عليكِ حتى لو مَاتَا جِرَّاء تَرْكِك هذه الكلية فلن يلحقك منهما إثمٌ - إن شاء الله تعالى-. نعم.
السؤال:
جزاكم الله خير شيخنا، وهذا السؤال العاشر؛
يقول السائل من فرنسا: أنا شابٌّ مسلمٌ أصلًا، ولي أخوةٌ وأخواتٌ من الأم، كُلُّهم كُفَّار أصليون هم أكبر مِنِّي سِنًّا، وكُلُّ واحد منهم يعيش مع صديقٍ أو صديقة أو كالزوج مع زوجته لكن بدون عقد، إِلَّا إحدى أخواتي تَزَوَّجها رجلٌ يهودي، والسؤال: ما حقوقهم جميعهم علي؟ وما حكم أبنائهم بالنسبة لي؟ وأحتاج لبعض التوجيهات في التعامل معهم لأني منذ سنوات في حيرةٍ من أمرهم، لا أَتَّصل بهم وأخشى أن أكون قاطع رَحِم.
الجواب:
أولًا يا بني من فرنسا: إن كان هؤلاء الإخوة يُظهرون عداوة الإسلام وأهله؛ فابتعد عنهم وقاطِعْهم وعادِهم في ..، وإن كانوا وادِعين ساكنين لّيِّنين؛ فتعاهدهم بالنصيحة، وبَيِّن لهم محاسن الإسلام لعلَّ الله يهديهم، وأمَّا حكم أبنائهم وكذا إلى آخره، فما لكَ ولهم، كما يقول العامة ليس بعد الكفر ذنب، هؤلاء كفار وقد وَصَلُوا إلى ما وَصَلُوا إليه، الذي عليك الآن - كما ذكرت- تتعاهدهم بالنصيحة وبالصلة؛ هدايا، ولكن لا تحضر أعيادهم ولا تجلس على موائدهم التي فيها منكرات، لا تجلس.
بَقِيَت أختك التي تَزَوَّجت يهوديًا الظاهر أنها كافرة، كذلك - كما يقول العامة- في المَثَل - أنا أسوقه مثلًا- ليس بعد الكفر ذنب، قد تكون نصرانية، وقد تكون يهودية على شاكلته، لكن المهم عندنا أنَّك تدعوهم للإسلام حسب الوصف الذي ذَكَرْتُ لك، والله أعلم.
السؤال:
جزاكم الله خير شيخنا، وهذا السؤال الحادي عشر؛
تقول السائلة من السعودية: لدينا مادةٌ في الجامعة اسمها أصول التربية ذَكَرَ فيها الدكتور هذه العبارة: "الأصول الإعتقادية هي الأديان السماوية اليهودية والنصرانية والإسلام وأصلها وحيٌ من الله غير أنَّ اليهودية والنصرانية دخلهما التحريف" فما رأيكم في هذا - بارك الله فيكم-؟
الجواب:
كَذَبَ هذا الكاتب، وافترى على الله وعلى رُسُلِه وعلى إجماع المسلمين، فليست اليهودية ولا النصرانية ديانات سماوية، وليست هي وحي من الله - أعني اليهودية والنصرانية- فاليهودية: عَلَمٌ على فئةٍ من بني إسرائيل حَرَّفت التوراة الذي جاء به موسى - صلَّى الله عليه وسلَّم –، والنصرانية: عَلَمٌ على فئةٍ أُخرى من بني إسرائيل هم مُحَرِّفة الإنجيل، فموسى وعيسى – عليهما الصلاة والسلام – لم يأتِيَا بغير الإسلام الذي اتفقت عليه النبوات والرسالات بدءً من نوح – صلَّى الله عليه وسلَّم – وختمًا بمحمد – صلَّى الله عليه وسلَّم –، وصلَّى الله وسلَّم على جميع النبيين والمرسلين.
وقد جاء القرآن الكريم وصحيح السُّنة بالدلالة الصريحة على أنَّه لا دينَ إلَّا دين الإسلام؛ قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّـهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾، هذا هو ما اتَّفق عليه النبيون والمرسلون - عليهم الصلاة والسلام- فما جاء نَبِيٌّ ولا رسول إلَّا بالإسلام، وفي الحديث الصحيح: ((إنَّا معاشرَ الأَنْبِيَاء أولادٌ لعلَّات ديننا واحد وأمهاتنا شَتَّى)) أخرجه البخاري.
وفي المسند وغيره عن أنسٍ – رضي الله عنه – أنَّ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: ((يا أُبَيْ إِنَّ الله أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عليك القرآن، قال: وسَمَّاني لَكَ يا رسول الله؟ قال: نعم، قال: وذُكِرْتُ عند رَبِّ العالمين؟ قال: نعم ، فقرأ رسول الله عليه: ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ..﴾))، وفيه: إنَّ المِلَّة الحنيفية المسلمة لا اليهودية ولا النصرانية ولا المجوسية ولا المشركين، فكيف يَجْرُؤُ هذا على تلقين المسلمين والمسلمات هذا الكَذِب والافتراء بل هو كُفر، من اعتقده كَفَر، من اعتقد أنَّ النصرانية واليهودية ديانات سماوية كَفَر لم يُنْزِلها الله - سبحانه وتعالى –، ما أنزل الله على نَبِيٍّ من الأنبياء - كما سُقْتُ من الأدلة وتركت الكثير - إلَّا الإسلام فقط.
والذي يظهرُ لي أنَّ هذا الكاتب من الإخوان المسلمين؛ والإخوان المسلمون إحدى الجماعات الدَّعَويّة الحديثة التي كُلُّها على ضلال، ومن خلال قاعدتهم الفاجرة الملعونة فتحت الباب على مصراعَيْه أمامَ كُلِّ نِحلةٍ ضالَّة، سواءً مُنتَسِبة إلى الإسلام كالرّافضة والباطنيّة، أو غير مُنتَسِبة إلى الإسلام كاليهوديَّة والنصرانية.
ثمّ هذا الكاتب المفتري الكذَّاب قال: "أصلها وحي من الله" لم تكن دينًا حتى يكون أصلها وحي! وحيُ الله إلى أنبيائه هو الإسلام، وعلى ذلك أجمع المسلمون.
وقد يقول قائل: كيف تصنعون بقوله تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾؟
نقول: فَسَّرها الحَبرُ البَحرُ عبد الله بن عبَّاس – رضي الله عنهما – قال: سبيلٌ وسُنَّة، فشريعةُ جميع النبيّين والمرسَلين- عليهم الصلاة والسلام – هو الإسلام لا غيره، لكن لكلِّ نبيٍّ شِرعة خاصَّة به؛ هذا في الفروع، أمَّا الأصل هو التوحيد، الأصل الذي لم يختلف فيه النبيون والمرسلون كما سُقْتُ الآيات وما تَيَسَّر من الأحاديث، هو مُتّفقٌ عليه، لكن هناك شرائع خاصَّة، لكلِّ نَبِي شِرعته، فلا نستطيع أن نقول أنَّ حَجَّ موسى مثل حج محمد، أو حج مثلًا نوحٍ كحجّ محمد، لا نعلم، كذلك في الزَّواج، كلّ نبيّ له شِرعة خاصَّة، فيقولون أنَّ في شريعة يعقوب – صلَّى الله عليه وسلَّم – أنَّه يتزوج الأختين؛ الأخت الكبرى قبل الصغرى، والله أعلم، هكذا سَمِعْنَا.
والمقصود أنَّ هذه الديانات التي هي اليهوديّة والنصرانيّة نسبتُها إلى أنَّها دينٌ مُوحَى به على موسى وعيسى - عليهم الصلاة والسلام- هو كذبٌ وافتراء.
فلا تَغْتَرُّوا أيُّها المسلمون والمسلمات بمثل هذه العبارات المزخرفة. والله أعلم.
حَيَّا الله الجميع.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.