وهذا يقول: شيخنا أحسن الله إليكم، أبي من الذين كانوا يَتَمَسَّحون بالقبور، وهو الآن يقول لي إنه نادم على هذا الفعل؛ وأريدُ منكَ نصيحةً له؟
أقول: الحمد لله - جلَّ وعلا- الذي مَنَّ على أبيكَ بمعرفة الحق ونَدَمِه على ما فاتَ وسَلَفَ منه؛ إذْ هذا الأمر منكرٌ عظيم، وكَوْنه نَدِمَ على ذلك هذا أحد شروط التوبة، شروط التوبة: الإقلاع عن الذنب، والندم على فعله، والعزم على عدم العودِ إليه، فيحمد الله - جلَّ وعلا- هذا الأخ السائل على هداية الله لوالده وعليه أن يَرْفُقَ به، وليعلم أنَّ هؤلاء المقبورين لو كانوا من الأنبياء، ولو كانوا من الصالحين والأولياء؛ لا يملكونَ لكَ شيئًا من دون الله - تبارك وتعالى-، فإنَّ الضُّر والنَّفع إنَّما هو بِيَدِ الله - جلَّ وعلا- فعليك أن تَدْعُوَ الله - سبحانه وتعالى- في كُلِّ ما تقصده، وتطلبه، وتتمنَّاه، ﴿فَادْعُوا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ فلابُد أن تُفْرِده – سبحانه وتعالى- بالدعاء، والتمسح بهذه القبور لا يفيدك شيئًا، إن كان مُجَرَّد تَمَسّح؛ فهذا من المنكرات، وإن كان مع دعاء المقبورين؛ فهذا شركٌ أكبر لا يُغفر لصاحبه إلَّا بالتوبة منه –كما ذكرنا-، وكونك أيُّها الأخ قد عرفت ذلك ونَدِمت عليه؛ فعليك أن تسلك الطريق السَّوي وذلك بتحقيق التوحيد لله – تبارك وتعالى-، فهو الذي إذا مَرِضت يشفيك، وهو الذي يرزقك – سبحانه وتعالى-، وهو الذي يَهُبُكَ الولد، وهو الذي يُميتُكَ ثُمَّ يُحييك – سبحانه وتعالى- فهو له الخلق وله الأمر – جلَّ وعلا- لا يَسْبِقُ إلى القلب شيءٌ من هذه الأعمال التي يفعلها هؤلاء الفاعلون ويظنون أنَّهم يَتَقَرَّبون بذلك إلى الله – تبارك وتعالى-، من ظنَّ ذلك فقد أخطأ خطأً فاحِشًا فإنَّ المحبة للصالحين والأولياء تكون أولًا باتباعهم بالسَّير على الطريق الذي ساروا عليه، وهو دين الإسلام الذي حقَّقوه وجاء به هؤلاء الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام-، وهذا الأمر الذي جاؤوا به بَيَّنه الله – جلَّ وعلا- لنا في كتابه، قال – جلَّ وعلا-: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾،فهذه مُهِمَّة الرُّسل؛ ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّـهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾،﴿رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّـهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ فالله – جلَّ وعلا- أرسل هؤلاء الرُّسل لبيان التوحيد بأنواعه بيانًا شافيًا كافيًا بكُلِّ وجه، ما تَرَكُوا أقوامهم في عماية ولا في ضلالة، وإنَّما بيَّنوا لهم البيان الشافي الكافي، فعليك إن كنت تُحِبّهم أن تَتَّبع سبيلهم، قال - جلَّ وعلا-: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ﴾، وهكذا الصالحون من بعد الأنبياء والمرسلين - عليهم الصَّلاة والسَّلام- ورحمهم الله أجمعين، هؤلاء الصالحون إِنَّما ساروا على سَيْرِ الأنبياء المُصلحين - عليهم الصَّلاة والسَّلام- فينبغي أن تنظر في طريقهم التي ساروا عليها وتقتدي بهم، كما قال الله – جلَّ وعلا-: ﴿أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّـهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾، فأنتَ تَتَّبعهم فتسير كما ساروا فتُحَقِّق التوحيد لله - جلَّ وعلا- بأنواعه، توحيد العبادة، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، تُحَقِّق ذلك، وتبتعد عن مثل هذه الأشياء التي يفعلها الجُهَّال، وهي إمَّا أن تكون منافية لكمال التوحيد، وإمَّا أن تكونَ منافيةً لأصله، واحمد الله على هذا النعمة التي منَّ الله بها عليك؛ وهي وجود هذا الابن الذي بَيَّن لك الحق، فهذا من نَعِم الله عليك، وهذا هو الابن الصالح والولد الصالح الذي نَفَعَكَ الله - جلَّ وعلا- به والحمد لله على الهداية.