بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، نُرَحِّب بالإخوة والأخوات في هذا اللقاء من لقاءات شيخنا عبيد بن عبد الله الجابري – حفظه الله تعالى- وهو اللقاء الحادي والأربعون، ويُكْمِل الشيخ في هذه الليلة - بإذن الله- تفسير قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ﴾، ثُمَّ يجيب – حفظه الله- على الأسئلة الواردة على الموقع، تفضل شيخنا.
الشيخ:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله وحده، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد:
فحيَّاكم الله أبناءنا وبناتنا، وطبتم وطاب ممشاكم - إن شاء الله-، كُنَّا في لقاءٍ سابق شرحنا الشطر الأول من آية الأنعام هذه؛ وهو قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ﴾، أمَّا الشطر الأخير؛ فهذا موضع حديثنا معكم هذه الليلة التي أسأل الله – جلَّ وعلا- أن يجعلها مباركة علينا وعليكم أجمعين.
يقول الحق – جلَّ ثناؤه وتَقَدَّست صفاته وأسماؤه-: ﴿أُولَـٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾، والكلام على هذا الشطر يتضمن أَوْجُهًا:
· الوجه الأول: قال أهل العلم من أئمة السُّنة والجماعة: إنَّ الأمن أمنان، والهداية هدايتان؛
- فأَمْنٌ من دخول النار؛ وهذا في حَقِّ من ماتَ على التوحيد سالمًا من المعاصي؛ فهو آمنٌ من دخول النار.
- الثاني: وهو الأمن الناقص؛ وهذا في حقِّ من مات موحِّدًا، ولكن لَقِيَ الله بكبيرةٍ أو كبائر دون توبة؛ فهذا الصنف من المؤمنين آمنٌ من الخلود في النار، غَيْرُ آمنٍ من دخولها.
ومِمَّا يدلُّ على ذلكم؛ قولُ الحقِّ – جلَّ ثناؤه -: ﴿إِنَّ اللَّـهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ﴾؛ فهذه الآية صريحة في أنَّ العبادَ يوم القيامة صنفان:
- صنفٌ؛ من مات على الشرك، فهذا لا يُغفر له، ﴿إِنَّ اللَّـهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ﴾، وسيأتي لهذه المسألة – إن شاء الله وأرجو أن يكون قريبًا- مزيدُ بَحْث .
- الثاني: من هم تحت المشيئة؛ إن شاء الله غَفَرَ له وأَدْخَلَهُ الجنة، وإن شاء عَذَّبه ثم مَآله إلى الجنة، إمَّا بمحض رحمته – سبحانه وتعالى – دون شفاعة أحد، أو بشفاعة من يُؤذَن لهم فيهم بالشفاعة؛ من الملائكة، والنبيين، وصالحين عباد الله.
وأمَّا أقسام الهداية؛ فهي كذلك هدايتان:
- هدايةٌ تامة، وهذه ثمرتها الأمن التام، وكما يُقال تفسير هذا تلاوته، يعني أنها لا تحتاج إلى توضيح.
- القسم الثاني من الهداية: هدايةٌ ناقصة، وهذه ثمرتها الأمن الناقص، فالأمن التام ثمرةٌ للهداية التامة، والأمن الناقص ثمرةٌ للهداية الناقصة؛ هذا هو الوجه الأول.
· الوجه الثاني: في هذه الآية شاهدٌ لِمَا أَجْمَعَ عليه أهل السُّنة والجماعة، من أنَّ الفاسق المِلِّي - يعني فُسَّاق المُوَحِّدين- مؤمنٌ بإيمانه، فاسقٌ بكبيرته، وقد يقولون أحيانًا: مؤمنٌ ناقص الإيمان، فمُسَمَّى الأُخَوَّة الإيمانية ثابتة لهؤلاء، يعني: الإيمان العام والمطلق، فالزاني، والقاذف، والسارق، وشارب المسكر، وغيرهم من أهل الكبائر؛ هم تحت هذه القاعدة، مؤمنون بإيمانهم فُسَّاقٌ بكبائرهم؛ وقد يَتَجَرَّأ بعض المتفلسفة، والمتحذلقة، ودعاة التكفير من جماعة الإخوان المسلمين، وما تفرَّع عنها من السرورية والقطبية؛ فيُلصقون بأهل السنة تُهمة، يعلم الله أنهم برءاء منها، ويوم القيامة تلتقي الخصوم، أهل السُّنة يخافون عند حدود الله، عند ما أنزله الله على رسوله، وسواءً كان الوحيُ آي الكتاب الكريم، أو صحيح السُّنة عن النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم–، وسواءً كانت هذه السُّنة آحادًا أو متواترة؛ فمن الكتاب الكريم بالإضافة إلى آية الأنعام هذه؛ آية النساء التي قدَّمناها، ومن السنة المتواترة:
- حديث جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – عن النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: ((مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ))، انظروا يا عباد الله! يا معشر الناصحين لأنفسهم! الحازمين في أمورهم؛ من كانت طُلْبَتهم الحق من الكتاب والسُّنة، وعلى وفق فهم السلف الصالح، ((مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ لَقِيَهُ يُشْرِكُ بِهِ دَخَلَ النَّارَ)) أخرجه مسلم.
- الثاني: حديث عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – كلمة وقلت أخرى، قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم –: ((مَنْ مَاتَ وَهْوَ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ نِدًّا دَخَلَ النَّارَ))، وقلت أنا – يعني عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه –:((ومَنْ مَاتَ لا يدعو للهِ ندًّا دَخَلَ الجَنَّة))، وأسلفت أنَّ الأحاديث في هذا الباب متواترة، وذكرت الإجماع، فإيَّاكم إيَّاكم يا معشر السَّلفيين من المسلمين والمسلمات أن يَغَرّكم هؤلاء، واحذروهم واحذروا كذلك بريق الكتب الفكرية، ومنها كتب سيد قطب دون استثناء، وبالأخص: معالم في الطريق، فإنَّ من خَبَرَ هذا الكتاب، عَلِمَ عِلم اليقين أنَّ سَيِّدًا هذا ضالٌّ مُضِل، وهو بلا نزاع حاملُ لواءِ التَّكفير في هذا العصر، والرَّجل ضمن جماعة الإخوان المسلمين، كما صَرَّح بذلكم ... علي عشماوي قال: لم تخرج جماعة من الجماعات إلَّا من تحت عباءة الإخوان المسلمين، وقد بسطت الكلام على هذه الجماعة الضَّالة المُضِلّة، وبَيَّنت أمرها من حيث التاريخ والمنهج، فليُراجع ذلكم من شاء، وهو في أشرطة مبثوثة ومنها على الأخص؛ أشرطة دورة الإمام محمد بن إبراهيم في جدة، كانت قبل في جامع الأميرة حصة ثم انتقلت إلى جامعٍ آخر، وبَيَّنت هذا في كل موطن يُتاح لي البيان فيه - ولله الحمد والمِنَّة-، هذا هو الوجه الثاني.
وبهذا انتهى ما منَّ الله به عليّ وفَتَحَ به عليّ من الحديث عن هذه الآية، وفي اللقاءات القادمة – إن شاء الله– لقاءاتٌ متتابعة، منها ما هو تفسير لآيات ومنها ما هو شرح لأحاديث.
وليتفضل صاحبنا أبو زياد القائم على هذه الإذاعة – شكر الله له – بعرض ما تَيَسَّر من أسئلتكم، على بركة الله.
السؤال:
جزاكم الله خير شيخنا، هذا السؤال الأول؛
تقول السائلة من السعودية: قرأت فتواكم – حفظكم الله– فيما يتعلق بآيات السكينة فأُشْكِلَ عليَّ ما أورده ابن القيم – رحمه الله – في مدارج السالكين قوله: وكان شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله– :"إذا اشتدت عليه الأمور قرأ آيات السكينة ... إلى آخر ما قال – رحمه الله– إلى أن وصل بقوله: وقد جرَّبت أنا أيضًا قراءة هذه الآيات عند اضطراب القلب مما يرد عليه فرأيت لها تأثيرًا عظيمًا في سكونه"، أرجو أن توضحوا لنا، وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الجواب على هذا السؤال يتضمن أمورًا عدة:
· الأمر الأول: ما قرره علماؤنا أئمة أهل السُّنة والجماعة، ويشاركهم بعض الطوائف من المبتدعة، وتلكم القاعدة، أنَّ الأصل في العبادات الحظر – يعني المنع- إلَّا بنص.
· الأمر الثاني: لم أقف حتى هذه الساعة على دليل ما نقله شيخ الإسلام ابن القيم –رحمه الله – من شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله- حتى أقول كلمتي: هل هذا الدليلُ صحيح يُسلَّمُ له؟ أو هو حديث ضعيف؟ أو إجماع؟ لأن نحن الذي ورثناه عن أئمتنا (الحكم على الشيء فرعٌ عن تصَوُّرِه).
· الأمر الثالث: أهل السُّنة يزِنون ما يرِد عليهم من الأقوال والأعمال بمزانِيْن، وذلكم الميزانان هما: النصُّ والإجماع، فمن وافق نصًّا أو إجماع قُبِل منه، ومن خالف نصًّا أو إجماعًا رُدَّ عليه كائنًا من كان، ثُمَّ إن كان هذا المُخالف من الأئمة والعلماء المعتبرين، يُرَدُّ خطؤه ويُصَانُ عرضُه وتُحفظ كرامته، وأهل السُّنة مُجمعون على أنَّ شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله- من أئمتهم المعتبرين.
هناك أمر نسيته؛ وهو قد يكون شيخ الإسلام بن تيمية – رحمه الله- وَقَفَ على شيء، أو مثلًا نظر في آيات معينة فأدخلت عليه السكينة والطمأنينة، والقاعدة عندنا: أنَّ ذكر الله يطمئن القلوب، كما قال تعالى: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّـهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾، وفي المقام الأول آياتُ القرآن الكريم؛ لاسيما سورة الإخلاص، والمعوذتين، وخواتيم سورة البقرة، وآية الكرسي، كذلك ما يتبع منه في المقام الثاني؛ التسبيح والتهليل والتكبير، فإنَّ هذه لها آثارها على القلوب. نعم.
السؤال:
جزاكم الله خير شيخنا، وهذا السؤال الثاني؛
تقول السائلة من فرنسا: هل يجوز في حفل زواج وضع منظومات؛ مثل منظومة القحطاني، وابن القيم، وغيرهما، للاستفادة بدلًا من وضع المعازف المحرَّمة والأناشيد المسماة بالإسلامية؟
الجواب:
يا بنتي هذه مواعظ، والمحقِّقون من أهل السُّنة على أنَّ حفلات الزواج، العروسات؛ هذه فرح وسرور فلا تُشرع فيها الموعظة؛ هذا في قول جملة من المحقِّقين، فلا تُشرع فيها الموعظة، لأن النبي – صلَّى الله عليه وسلم - لم يُنقل عنه أنه وعظ، والمشروع الذي جاءت به السنة ضرب النساء على الدف، هذا مُرَخَّص في العُروسات، والدُّف ينبغي أن يسمعه الكل الرجال والنساء وخارج مكان الحفل؛ لا مانع، ثم إن كان المنشدات بالغات أو قريبًا من البالغات؛ فيجب أن يقصرن أصواتهن على مكانهن، ويجب أن يغطِّي الدُّف على أصواتهن، وإن كان بنيات صغيرات - بعضهم قال دون السبع، وبعضهم قال دون التسع - فلا مانع أن يسمعهن الرجال.
ثُمَّ يجب التنبيه إلى انه لا يجوز إحياء الليل كله في هذا، وإنما ما يكون به إعلان الفرح والسرور لمدة ساعة أو ساعتين أو ثلاث، وما دَرَجَ عليه جماهير الناس في زماننا من إحياء الليل كله، واستئجار من يسمونها الدَّقاقة، وبعضهم يقول فيها الطقاقة، إلى غير ذلك من التسميات؛ هذا خطأ، وإنما واحده أو اثنتان تضربان على الدف بقدر ما يكون به الإعلان، والأشد فضاعة وشناعة أن تستأجر مطربة؛ مثل: فلانة وعلَّانة تٌحيي الحفل من قبل وقت العشاء إلى الفجر و قد يستمر بعد الفجر! هذه من الأخطاء الفاحشة والمنكرات التي بُلِيَ بها جماهير من المسلمين، ونسأل الله لنا ولكم جميعًا العفو والعافية في الدِّين والدُّنيا والآخرة .
السؤال:
جزاكم الله خير شيخنا، وهذا السؤال الثالث؛
تقول السائلة من الإمارات: هل يجوز أن نستشهد بأقوال الغزالي؟ وأنا أعرف أن عقيدته ليست بصحيحة، ولكن لدي كتيب للشيخ رسلان - حفظه الله - يتكلم فيه عن الإخوان وعن منهجهم ومدى خطورته، ويستشهد بأقوال الغزالي عن الإخوان المسلمين، فالتبس عليَّ الأمر، أرجو من فضيلتكم توضيح هذا الأمر.
الجواب:
يا بنتي أولًا يجب أن تعرفي ما يأتي:
الأمر الأول: أنَّ قاعدة الإخوان قاعدة سياسية تجميعية من غير فرقان؛ وهي قاعدة المعذرة والتعاون، (نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه)، وقد بسطت القول - ولله الحمد- كما بسطه غيري من أهل العلم والفضل في كشف عوار هذه القاعدة، وبيان زَيْفِها وضلالها، وهذه القاعدة مستمدةٌ من قول العنبري المتقدِّم - لا يحضرني اسمه الآن- (كل مجتهد مصيب) تلقَّفتها مجلة المنار أولًا، ثم رفضتها وتلقفها حسن البنَّا إمام الجماعة ومؤسِّسها.
الأمر الثاني: في كلام علماء أهل السُّنة الذين عاصروا هذه الجماعة غُنْيَة عن كلام الغزالي وغيره، الغزالي المُتَكَلِّم، فهذا فيلسوف وليس من أهل السنة، قيل - والله أعلم لكن هذه لم نجد مستندٌ لها- أنه مات وصحيح البخاري على صدره، ولكن هذا لا يُبَرِّر ما هو عليه الذي يزيح ما هو عليه من ضلالة وانحراف فلسفة؛ التوبة الصريحة.
الأمر الثالث: ما كان للأخ محمد بن سعيد رسلان أن يستشهد بكلام هذا الضَّال المنحرف المبتدع، فإنَّ كلام أهل السُّنة - كما قدَّمنا- فيه الغُنْيَة، وكتب هذه الجماعة من تأليف محمود عبد الحليم وغيره؛ فيها شاهد على ضلالها.
بقِيَ كشف الباطل، هذا من كلام أهل السُّنة ولله الحمد. نعم.b>
السؤال:
جزاكم الله خير شيخنا، وهذا السؤال الرابع؛
يقول السائل من ليبيا: شخصٌ به مسٌّ من الجن، ويرقي نفسه ولله الحمد، ولكنه يراهم في المنام يريدون قتله وهو خائف؛ وهو يسأل؛ هل يستطيعون قتله؟ وما نصيحتكم له والحالة هذه؟
الجواب:
أولًا: لا غرابة أن يَتَسَلَّط الشياطين على من قدَّر الله تسلَّطهم عليه لسببٍ أو لآخر؛ هذا أمرٌ واقع، وقد تفلَّت على النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم- عفريتٌ من الجن يقطع عليه صلاته، ولكن الله أمكنه منهم، والحديث في صحيح البخاري وغيره، فإذا كان نبينا – صلَّى الله عليه وسلَّم- ما سَلِم من أذى الشياطين، ولكن الله يعينه عليهم، ويُحبط كيدهم، فَحَرِيٌّ بصاحبِ السُّنة أن يُعان - إن شاء الله- كما أُعين النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم-، وبعبارةٍ أفضل أقول: من كان على السُّنة المحضة التي لم تَشُبها شائبة البدعة، فهو حريٌّ – إن شاء الله- أن يعينه الله – سبحانه وتعالى- على ما يعرض له الشياطين بمكايدهم.
أمر آخر وهو: نذكِّر هذا المريض - شفاه الله- بقوله تعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّـهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ﴿٢﴾ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ فإذا توكَّل على الله، وَوَثِقَ بأنَّ الله لا يُخلف وعده بما وعَد المتقين من المخرج، لن يَصِلُوا إليه – إن شاء الله تعالى-، ولا مانع أن يستعين بمن يعلم صلاحه وتقواه وتمسكه بالسُّنة ليَرْقِيه، والله أعلم.
السؤال:
جزاكم الله خير شيخنا، وهذا السؤال الخامس،
يقول السائل من المدينة النبوية: كيف يتحقَّق الإخلاص لله في طلب العلم؟ وما هي النية التي يجب على من يدرس في الجامعات الإسلامية أن يعقدها في قلبه حتى لا تكون دراسته للشهادة أو للوظيفة؟
الجواب:
عافاك الله يا بُنَي، سؤالك هذا ضمن وساوس تَرَدَّدت على مسامعنا كثيرًا.
النية الخالصة هي خيرُ ما يتسَلَّح به صاحب القرمة، من يعبد الله – عزَّ وجل- ويتقرب إليه بصالح الأعمال، وأنا لا أستطيع أن أقول لك: هذا السبب وهذا السبب، فأنتَ أخلص نيتك لله، واعزم على أنك محبٌّ للعلم، أخلص محبَّتك للعلم، وأنك درست هذا العلم لتعرف به الحق من الباطل، والهُدى من الضلال، والسُّنة من البدعة، يهيئ لك الله الرُّشد من أمرك، وقد تَلَوْتُ في السابق على سؤالك الآيات، وأظنك سمعتها، وكان الصحابة -رضي الله عنهم - يَغْزون مع النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم- ويأخذون ما تَيَسَّر لهم من الغنيمة، فمنهم من يعود بالأجر والغنيمة، ومنهم من يُقتل في سبيل الله شهيدًا، ولم يعرض لهم هذا مثل هذا السؤال، فإياك إياك يا بُنَي أن تفتح قلبك لمثل هذا، فإنه من الوساوس. نعم.
السؤال:
جزاك الله شيخنا، وهذا السؤال السادس؛
تقول السائلة من المغرب :هل يجوز أن أهجر زوجي عندما يحدث بيننا سوء تفاهم؟ ومقصودي من الهجر عدم الكلام معه، وأمنعه من لمسي.
الجواب :
مسكينة، لماذا يا بنتي؟ ما عَلِمْنَا أن امرأةً فعلت من نساء الصحابة ولا من بعدهم أنها صنعت مثل هذا الصنيع، وخيرُ ما أوصيكِ به أنتِ وزوجكِ - والله من وراء القصد- يجب على كُلِّ واحدٍ منكما الاعتقاد الجازم بأنَّ صاحبه أمانةٌ في عنقه، يجب عليه أن يؤدِّي حقوقهُ تامَّة، ولا يعتدي عليه بِبَخْسِ حَقِّه؛ هذا أولًا.
وثانيًا: أوصيكما بالتسامح والعفو عمَّا يبدر من أحدكما من تقصير، فإذا قَصَّرت المرأة فيُنصح زوجها بالعفو؛ ما قَدِر على ذلك، وإذا قَصَّر الرجل تُنصح المرأة بأنها تعفو، فالكمالُ لله، فإيَّاكما إيَّاكما أنتِ وزجك من نزغات الشيطان، وأُذَكِّركما بهذه الآية: ﴿وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا﴾؛ فاحذري أنتِ وزوجكِ نزغات الشيطان. نعم.
السؤال:
جزاكم الله خير شيخنا، وهذا السؤال السابع؛
يقول السائل من الجزائر: أنا شابٌّ مَنَّ الله عليَّ بالاستقامة، وما زِلْتُ مبتلًا بحبِّ فتاةٍ، وأريدها زوجةً لي، لكني لازلت في العشرين من عمري، ووجدت نفسي أهتم بها؛ فبماذا تنصحوني فأنا حديث الاستقامة؟ بارك الله فيكم.
الجواب:
إن كانت من ذوات الدِّين والخُلق الجميل فاخطبها، ثُمَّ إن كان لك أبٌ فاعرض عليه الأمر، ولو عن طريق والدتك، هذا ما أوصيك َبه الآن. نعم.
السؤال:
جزاكم الله خير شيخنا ، وهذا السؤال الثامن؛
يقول السائل من ليبيا: رجلٌ قتل بِنْتَيْه الاثنين مع اشتراك أولادهِ معهُ في قتلهن، بقضيةِ شرف؛ فما حكم ذلك؟
الجواب:
يا بُنَي من ليبيا، لا أستطيع أن أُفْتِيَكَ في هذه المسألة، فهذه مَرَدُّها إلى النظر الشرعي لديكم.
السؤال:
جزاكم الله خير شيخنا، وهذا السؤال التاسع،
يقول السائل من المغرب: يتصل بنا بعض الأخوة ويخبروننا بأنَّ في أحد المساجد صلاةُ الجنازة فنذهب ونصلي، وفي يومٍ آخر يتصِّلون ويخبروننا بجنازة أخرى لكي نحضر؛ فهل هذا الإخبار جائز؟
الجواب:
لا بأس بذلك إن شاء الله - سبحانه وتعالى-، هذا من النَّعْيِ المُبَاح مادام يُطلب من ذلك تكثير المُصَلِّين على هذه الجنازة المسلمة، ولا أظنها غير مسلمة، لكن إن كان من أصحاب البدع الكاشرين عن العداوة؛ فترك حضور جنازته والصلاة عليها أَوْلى، زَجْرًا، وإن كان من أهل السُّنة؛ فهذا من القُرَب - إن شاء الله تعالى- فاحضروا. نعم.
السؤال:
جزاكم الله خير شيخنا، وهذا السؤال العاشر؛
تقول السائلة من مصر: زوجي ذَهَبَ لجهادٍ مزعوم في سوريا، وتركني منذ عامٍ ونصف، فما هو الحكم الشرعي في هذا؟ علمًا بأنه قد انضم إلى تنظيم القاعدة؛ فهل هذه الجماعة تسير على منهج النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم-؟ وقد طَلَبَ منِّي زوجي أن أذهب للعيش معه هناك؛ فهل يجوز أن أذهب؟ علمًا أنه قد تزوج من أخرى، ويقول أنه لم يظلمني لأنه يدعونني لأذهب ليعدل بيني وبينها.
الجواب:
· أولًا: أحسنتِ إذ لم تذهبي مع زوجك وتجيبيه إلى ما دعاكِ إليه، لأن هذه الجماعة ليست على السُّنة، بل هي جماعاتٌ مبتدعة ضالة وبعضها يجالدُ بعضًا، جماعة النصرة، وداعش، وتنظيم القاعدة؛ كُلّها ضلال؛ هذا أولًا.
· ثانيًا: في ذهاب زوجك إلى هناك افتياتٌ على ولي أمره، وولي الأمر عندكم في مصر مسلم؛ لا يجوز الافتيات عليه.
· الأمر الثالث: ما أظنه يرجع إليكِ أبدًا، وقد تزوج أخرى، أظنه تَزَوَّج واحدة على شاكلته، فما أظنه يرجع إليك إلَّا أن يشاء الله.
· الأمر الرابع: إن قدرتِ فاصبري واحتسبي وتفرغي لأولادك، ونشِّئيهم التنشئة الحسنة الصالحة، واستعيني على ذلك بإلحاقهم بالمساجد التي أئمتها على السُّنة، وأوصيك أن تَتَصِّلي بالشيخ حسن بن عبد الوهاب البنا، وأخينا كذلك الشيخ خالد بن محمد عثمان؛ سيدلَّانك - إن شاء الله- على رجالٍ أصحاب سنة، وإن لم تقدري على الصبر، وخشيتِ على نفسك من المكروه؛ فاذهبي إلى الحاكم الشرعي ليفسخ عقد النكاح، أو يُوَجِّهك بتوجيه آخر. نعم.
السؤال:
جزاكم الله خيرا شيخنا، وهذا السؤال الحادي عشر؛
يقول السائل من ليبيا: أريد أن أسأل عن كيفية صلاة المعاق الذي بُتِرتَ أطرافه كاليدين والقدمين؟
الجواب:
عوَّضه الله خيرًا مما ذَهَبَ عليه، وأعظم له الأجر، يا بُنَي ليس عندي إلَّا قوله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّـهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾، وقوله - جلَّ في علاه-: ﴿فَاتَّقُوا اللَّـهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾، وقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم-:((إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ)) .
وأظنك تشير إلى أنَّ الرَّجل لا يستطيع أن يتوضأ، وهذا له حالتان :
الحالُ الأولى: أن يكون عنده من يُعينه، فيَغْسِلُ ما بَقِيَ من أطرافه، يَغْسِله له.
الحالُ الثانية: أن لا يكون عنده من يُعينه، فهو يهوي بيديه إلى الأرض - يعني ما تبقى- ويمسحهما على بعض، ويمسح وجهه .
فصلاته صحيحة - إن شاء الله-، وإن دعا الأمر إلى أنه يستنجي فحسب استطاعته، وأظن الدولة عندكم لا مانع لديها أن تُرَكِّب له أطراف صناعية، هي تعينه - إن شاء الله تعالى- .
وأقول هنا أمر نسيته؛ بقدر الإمكان يستعمل الحفائظ على العورة، وتبقى حتى يهيئ الله له من يُعينه على سحبها بما فيها .
السؤال:
جزاكم الله خير شيخنا، وهذا السؤال الثاني عشر؛
تقول السائلة من السعودية: انتشرت في بعض الأفراح مؤخَّرًا ظاهرة وضع رجلٍ في غرفةٍ مستقلة، يُغَنِّي وصوته يَصِل بالمكبر إلى قاعة النساء؛ فما حكم هذا العمل؟
الجواب:
يا بنتي؛ هذا تَحَيُّل على الطرب، فهؤلاء يَعْلَمونَ تحريم الطرب؛ فأَتَوْا برجل يغنِّي للنساء، وهذا أشد فتنة من امرأةٍ تُغَنِّي للنساء؛ هذا أشد،لأن بعض المطربين أصواتهم أرق من أصوات بعض النساء، فهذا مُحَرَّم ومنكر مِمَّا أُحدث في الأفراح من منكرات، وقد تَكَلَّمْتُ على مسألة ضرب الدُّف في أول إجاباتنا على أسئلتكم .
السؤال:
جزاكم الله خير شيخنا، هذا السؤال الثالث عشر والأخير؛
يقول السائل: كنت أصلي وبعد الرفع من الركوع تذكَّرت أني قرأت أذكار السجود نسيًا مني؛ فماذا عليَّ أن أفعل؟ هل أعيد الركعة أم الصلاة كُلها؟
الجواب:
يا بُنَي؛ لك حالتان:
الحالُ الأولى: أن تكون منفردًا في صلاتك .
الحالُ الثانية: أن تكون مأمومًا.
- فإن كنت منفردًا؛ فلكَ حالتان :
الحال الأولى: أن تتذكَّر حال الرفع؛ فالحكم أنك ترجع إلى الركوع، وتُسَبِّح تسبيح الركوع، سبحان ربي العظيم، أو سبحان ربي العظيم وبحمده، وإن زدت على ذلك؛ سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي، وهذا في صحيح البخاري عن عائشة - رضي الله عنها -: ((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ))، تُشير إلى قوله تعالى: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ۚ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾، إلى آخر ما رُوِيَ في هذا الحديث.
· الحالُ الثانية: أن تكون شَرَعْت في السجود، أو قاربت من السجود، ففي هذه الحال: لا تعود إلى الركعة، أتم صلاتك، صَلْ بقية أركان الركعة، يعني أدِّي السجدتان، والجلوس بينهما بقية الركعات من صلاتك، ثم تسجد سجود السهو في كِلَا الحاليْن، حتى لو عُدْتَ إلى الركوع - كما ذكرنا في الحال الأولى- لابُدَّ من سجود السهو.
- أمَّا إن كنت مأمومًا، فأظنك في هذه الحالة لا تَسْلَمْ من مخالفة إمامك، فإذا فرغ إمامك فاسجد سجود السهو، والله أعلم .
بارك الله فيك يا أبا زياد وكذلك الحضور من أبنائنا وبناتنا، ونقول لهم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.