بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وليُّ الصالحين، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله - صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه بإحسانٍ إلى يوم الدِّين-.
أمَّا بعد:
فإنَّ ثَمَّة شيءٌ أحبُّ التنبيه عليه، أَلَا وهو ما يَتَعَلَّق بالكتابات في المواقع الإلكترونية في الإنترنت، أُحب أن أقول لأبنائي وإخواني وأحِبَّتي في كلِّ مكان مِمَّن يسمع هذا الكلام ويَصِل إليه، أقول:
أولًا: على النَّاظر في هذه المواقع أن يَتَرَيَّث حتَّى يثبتَ عنده يقينًا أنَّ هذا الكلام لفلان، إمَّا أن يكون بخَطِّه ونَزَلَ مُصوَّرًا عن طريق اللاقط – بالسكنر كما يقولون – فيكون بخطِّ يَدِهِ، وهذا أعلى درجات التَّوثيق، أو تكون هذه المادَّة التي نزلت مُفرَّغة من شيءٍ مسموع، فتسمعه وتتيقَّن منه؛ أنَّ هذا الكلام لفلان، فتسمعه وتُقارن بينه وبين ما نُقِل مُفرَّغًا مطبوعًا، لأنَّه قد يعتري التفريغ شيءٌ من الحذف، فينبغي للإنسان إذا رَأَى شيئًا من ذلك ألَّا يَتَعَجَّل، ويطلب التَّثَبُّتَ والبراءةَ لدينه في هذا الباب، فيُقارن هذا المطبوع المُفَرَّغ بالمادة المسموعة، فيتأكَّد، فإذا تأكَّد فحينئذٍ باب آخر.
الأمر الثاني: الذي أحب أن أنَبِّه عليه، وهو في هذا الباب ما يُكتب بالكُنَى: أبو فلان، أبو فلان، فالكُنى ضَيَّعت الأسماء، ولذلك احتاج العلماء في القديم إلى أن يجعلوا كُتُبًا للكُنى؛ مَنْ كُنيته كذا، ثُمَّ يُسرد تحتها: فلان ابن فلان ابن فلان، فلان ابن فلان ابن فلان، فلان ابن فلان ابن فلان، ثُمَّ ينتقل إلى الكنية الأخرى، وهكذا، وكيف يُعرف صاحب هذه الكنية؟ بأنَّ المُراد به في هذا الموضع فلان الفلاني؛ يُعرف بالطبقة في التلاميذ والشيوخ، فأقول لإخوتي وأبنائي وأحِبَّتي مِمَّن يَصِل إليهم هذا الكلام؛ لا يُعَوِّلوا على ما يُكتب باسم فلانٍ وفلان، أبو فلان أبو فلان، حتى يَتَيَقَّنوا أنَّ هذا هو فلان ابن فلان الفلاني بعينه، لأَنَّه قد ثبت عندنا أنَّ بعض من يَتَكَنَّى إِمَّا أن يريد بهذا التَّمويه فيَتَسَتَّر حتى لا يُكشَف باسمه، فيكتب ما أرادَ أن يكتب، وإمَّا أنَّه أراد أن يُشَبِّه على غيره، فقد يكون ثَمَّة شخصٌ يُكنى بهذه الكُنية، وأراد أن يَلبس على النَّاس بأنَّ هذا الكلام لفلان وليس له، فهذا مِمَّا يوجب علينا أن نَتَرَيَّث.
وبهذه المناسبة؛ الذي أدعو إليه أبنائي وإخوتي وأحِبَّتي أن يُسمِّيَ كُلُّ واحدٍ نفسه باسمه، فإذا جاءَ يكتب فيقول: فلان ابن فلان ابن فلان، وإذا جاءَ يُرْسِل للمشايخ يقول: أنا فلان ابن فلان ابن فلان، وإن جاء يَتَّصل ما يقول أنا أبو فلان! أنا فلان ابن فلان ابن فلان، والنَّاس يُكرِمونه بالتَّكنية، ما هو يُكَنِّي نفسه، هذا الذي جاء في الآداب النبوية، فينبغي ملاحظته، واليوم كلّما يتَّصل معك أحد يقول أنا أبو فلان، من أبو فلان أنت؟َ! قل أنا فلان ابن فلان ابن فلان، أمَّا أبو فلان! هذا الكلام لا يصلح، لا بُد أن تعرَّف عينك بما يُخرجها من حَيِّز الجهالة، ومن حَيِّز اللَّبس، أبو فلان إذا كنت أنا أعرف هذا الإنسان بعينه أنَّ كنيته كذا، أمَّا أن تتصل بي من أوَّل مرَّة تقول: أنا أبو فلان؛ هذا غلط، خلاف السُّنة، السُّنة الإنسان يقول أنا فلان، كما أنّه لا يقول: "أنا أنا" إذا استأذن، كذلك لا يقول أبو فلان، قد يكون عند الإنسان عِدَّة أشخاص بهذه الكُنْيَة، فيظُنُّك هو، فيفتح فإذا بك شخص آخر، فالواجب على الإنسان أن يقول أنا فلانٌ، ويُسَمِّي نفسه، فأُنَبِّه إلى هذا أيها الإخوة والأحِبَّة، هذا كُلُّه في هذا الجانب.
جانبٌ آخر؛ أَلَا وهو إذا حصل سوءُ تفاهمٍ بين اثنين من الإخوان؛ أصبح بعضهم يَكْتُبُ في بعض، وهما كلاهما على طريقةٍ واحدة، على منهجٍ واحد، وعلى شيوخٍ موَحَّدين! هذه الطريقة غير طيِّبة، فإن كان عندك عليه ملحوظة، فهذا أخوك، أعْطِه، أمَّا أن تكشفها في النت، وترسل في النت، وتكتب في هذا النت، فهذا من نشر العيوب التي لا يجوز.
أمَّا العلم؛ فهذا بابه بابٌ آخر، وأمَّا الرَّد على الأخطاء التي ينحرف فيها أصحابها فهذا بابٌ آخر، وحتى الأخطاء، منها ما هو خاص ومنها ما هو عام، فما كان خاصًّا فلا ينبغي نشره على سبيل العموم، وأمَّا ما شاعَ وذاع وانتشر بين النَّاس، فالرد يكون عليه بإشاعته وإذاعته ونشر الصواب بين النَّاس، حتى يعلمه النَّاس فيصَحِّحوا الخطأ، لكن أنا الذي عَنَيْتهُ بهذا الكلام؛ إن كان بينك وبين أخيك شيءٌ فلا تعجل على طول تنشره في هذه المواقع! فإنَّ هذا خلاف النصيحة، وهذا خلاف الأدب الذي ينبغي بينك وبين أخيك، فأنتَ بهذه الطريقة تفتح الباب على مِصْرَاعَيْه لتطوّر الشرور بينك وبين إخوتك، فَيَا معشر الأحِبَّة والإخوة والأبناء؛ أرجو أن تَفَهّموا ذلك وأن تنقلوه إلى من خلفكم من إخوانكم، وهذا مسموع، إن شاء الله تعالى يَصِل إلى الجميع، هذا الباب بابٌ يُفسد فيه كثير من العلاقات بين الإخوان، وكُلُّها أمور شخصية، نسأل الله العافية والسلامة.
السؤال:
هذا شخصٌ يقول إنه متزوج من عشر سنين، ولم يُرزق الولد، فيطلب من إخوانه الدعاء له.
الجواب:
نحن نسأل الله - جلَّ وعلا- الخالق سبحانه بصفاته العُلا أن يُقِرَّ عينه ويرزقه الولد الصالح، اللهم أَقِرَّ عينه وارزقه الولد الصالح الذي يعبدك لا يشركُ بكَ شيئًا.
وأوصي أخي السائل أيضًا هو أن يُكثر دعائه لربه والتضرع بِمثل ما دعا به الأنبياء؛ ﴿رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ﴿٨٩﴾ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ﴾، فأنت أكثر من الدعاء في هذا، واسأل ربك - سبحانه تعالى-، واعلم أنَّ الخيرَ فيما يختاره لكَ الله - سبحانه وتعالى- فهو﴿يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ ﴿٤٩﴾ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ۖ وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾، عليمٌ بما يصلح لِكُلِّ إنسان، وقدير على أن يرزق كُلَّ أحد، وقد يمنعك ما هو خيرٌ لك،قد تُرزق بولدٍ يكون عاقًّا فاجرًا - نعوذ بالله من ذلك-، سَبَقَ في علمِ الله ذلك فمنعك الله الولد الذي يكون كهذا، فما تدري الخير فيما يختاره الله - جلَّ وعلا -، ولكن أَكْثِر من الدُّعاء والله - سبحانه وتعالى – يستجيب، وخصوصًا في أوقات الإجابة التي أحرى بأن يُجاب فيها الدعاء بين الأذان والإقامة وعند السجود، أثناء سجودك، فكما قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ))، يعني حَرِيٌّ وجديرٌ بأن يُستجاب للداعي وهو في هذه الحالة التي فيها كمال الذُّل والعبودية لله لأنه أقرب ما يكون إلى رَبِّه سبحانه وهو ساجد، كذلك في جوف الليل ثُلِث الليل الآخر؛ إذ قمت في وِترك فادعوا الله - سبحانه وتعالى -، ساعة الإجابة يوم الجمعة على أرجح القولين ما بين صعود الإمام الخطيب، أو آخر ساعة من اليوم، فاستغل هذه الأوقات، وادعُ الله - جلَّ وعلا-، ونسأل الله - سبحانه وتعالى- أن يرزقكَ الخير.
السؤال:
سؤاله الثاني يقول: هو في بداية رحلته للعلم؛ فبماذا تنصحه؟
الجواب:
ننصحه بكتاب الله - جلَّ وعلا- الذي هو ينبوع العلوم الشرعية كُلّها، كتاب الله - سبحانه وتعالى- تقبل عليه قراءةً وحفظًا وتدبُّرًا؛ بالكشف عن تفسيره ومعرفة ما دلَّ عليه هذا الكتاب العظيم، ثُمَّ بعد ذلك تقبل على السُّنة النبوية بحفظها، وتقرأ ما يعينك على معرفة صحيحها من ضعيفها، وهو أيُّ كتابٍ في المصطلح، وتبدأ بالكتب المختصرة مثل النخبة وشرحها للحافظ - رحمه الله تعالى- ابن حجر، فتعرف بهذا ثبات الدَّليل، إذا ثبت الدليل بعد ذلك يكون الاستدلال، تنتقل بعد ذلك إلى ما يعينك على فَهْمِ الدَّليل وذلك بالحرص على قراءة نوعين من الكتب، العربية التي تَفْهَمُ بها مثل دلالات الألفاظ، وعلم أصول الفقه الذي تَعْرِفُ فيه كيفية الاستنباط وكيفية الاستدلال، فكما أنك تقرأ الكتاب الذي يفيدك في الاصطلاح لمعرفة الصحيح من الضعيف لتستدل، كذلك تقرأ كتابا يفيدك فيما يتعلق بكيفية الفهم لهذه الأدلة ولهذه النصوص، والحمد لله المتون معروفة وقد تكلم العلماء فيها، وقد تَكَلَّمت أيضًا أنا على ذلك في عِدَّة مناسبات.
السؤال:
هذا يسأل يقول: ابنة خالتي اعْتَلَّت ودخلت المستشفى وهي ابنة عشرين سنة؛ فهل يجوز له عيادتها مع حضور محارمها؟
الجواب:
لا بأس، إذا كانت محتجبة عن الرجال لا يرونها، وتَغَطَّت – غُطِّيَت- لا بأس أن تزورها، ومن وراء الساتر هذا؛ (كيف حالك يا فلانة؟ عساكِ بخير، طهورٌ إن شاء الله) ولا بأس، تُكَلِّمها من خلف الستار، المستشفيات فيها الساتر ولله الحمد، لا بأس بذلك مع وجود المحارم، لا بأس بذلك، ولكَ الأجر في ذلك.
السؤال:
هذا يقول: له قريبٌ مُبْتَلًا بلعب القمار، ويجني أمواله من القمار، ودَعَاهُ إلى مَأْدَبه؛ فهل يجيب دعوته؟
الجواب:
إن كانت أمواله كلها من القمار فلا تُجِب دعوته، لأن هذا المال حرام، سُحت، لا يجوز لك أن تأكل مع صاحِبِهِ، أمَّا إذا كان المال مخلوط فيه حلال وحرام فيُجيب، أَجِب، الأمر عائد إليك، إن أجبته جائز ولله الحمد فأجب، وإلَّا فأنتَ أدرى بوَضْعِكَ.
السؤال:
هذا يقول: عمُّهُ مُكَلَّف من قبل ولي الأمر، في بنغازي بما يسمى اللجنة الأمنية المشتركة، وقد تعرض لعدة محاولاتٍ لاغتيالهِ بعد تنصيبيهِ، ومنذ ذلك اليوم وهو معهُ في منزلهِ - يعني في منزل عمه-، أقوم بحماية أسرتهِ، حيث إنَّ لديه ولدان؛ أحدهما بالغ والآخر صغير وابنتان، والمعلوم أن الخوارج - هذا معلوم كله من كلامهِ هو- قاموا بالاختطاف العديد من أبناء العقداء، وعمداء الجيش، وأصحاب المناصب، فهل يمكنني المكوث عنده في المنزل حيث أنني أحمل السلاح داخل المنزل، وكنت أخرج برفقته أول الأمر وبعد أن توفَّر حراسة معهُ؛ أصبحت أهتم بحراسة المنزل والأولاد في حال خروجهم، مع العلم بأنَّ الحي الذي يسكنون فيه مليءٌ بالخوارج؛ فهل عليَّ شيءٌ في بقائي عنده؟ مع العلم بأني عملت بالحديث دون عرضهِ.
الجواب:
إذا كان قد كُفِل عَمّك بالأمن والحماية من الدولة؛ الحمد لله؛ هذا شيء.
الشيء الآخر؛ عليه أن يتحول - إن أمكنه- من هذا الحي المليء بالخوارج، هذا أول خطوة ينبغي له، فيرتاح منهم ومن شَرِّهم، إن لم يستطع التحول، ولا أظن، لكن لو فُرِض أنه لا يستطيع التحول والخروج من هذا الموقع الذي أصبح بؤرةً للخوارج - كما تقول-؛ فلا بأس ببقائك لحمايتة للأسرة، ولاسيما أنتَ تقول عندهم أخٌ كبيرٌ بالغ، فمادام عندهم أخٌ كبيرٌ بالغ فلتكن أنت في طرفٍ من البيت؛ لا يأتيك البنات ولا النساء، وتجلس مع الكبير البالغ فتحميهم، مادامت أنتَ تُحسن الدفاع؛ تحميهم ولا بأس بذلك، ولكن الذي أوصيك به أنك إن ابتليت بشيءٍ فلا تكن حريصًا على القتل، كُنْ حريصًا على التخويف أولًا؛ بأن تطلع فوق الرأس وفي الهواء ونحو ذلك، فإن لم تستطع دفعهُ بالتخويف ضربتهُ في غير مقتل، كأن تضرب رجلهُ التي يمشي بها فيطيح، أو يده التي يُصَوِّب بها فتنكسر، فما استطعت دفعهُ بدون القتل؛ فهذا هو الواجب، فإن صَالَ الصائل ولم يُسْتطع دفعهُ إَّلا بالقتل أقصى الأحوال؛ جازَ لك أن تقتله دفاعًا عن نفسك وعن أولادِ عمك ومحارمه، فإن محارم أولاد عمك حُرَماتٌ لك، يلحقك عارها إن صار عليهم شيء، فأنتَ تدفع بما تستطيع، وهكذا ذَكَرَ الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- في الأمر مع اللصوص ومع الخوارج، ونسأل الله - جلَّ وعلا- أن يكفينا وإياكم شَرَّ ذلك كُلّه إنَّهُ جوادٌ كريم.
وصلَّى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين.