هذا سائلٌ يقول: النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم- يقول: ((الدِّيْنُ النَّصِيْحَةُ، قُلْنَا: لِمَنْ يَارَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: للهِ، ولكتابه، ولِرَسُوْلِهِ، وَلأَئِمَّةِ المُسْلِمِيْنَ، وَعَامَّتِهِمْ))؛ فكيف السبيل إلى نصيحة وليِّ الأمر إن لم يُسْتَطَع توصيل النصيحة له؟
يَحْسِمُ لكَ الأمر، بل ويوضِّحه ويُجَلِّيه ويُسلِّيك عمَّا عَجَزَت عنه من نُصح الحاكم؛
أولًا: قوله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّـهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾، وقوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّـهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾، وقوله – صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((مَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ؛ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم، ومَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ؛ فَاجْتَنِبُوهُ)) حديثٌ صحيح، فهذه الآيات مع الحديثِ بعدها؛ تُسَلِّيك، وتُبيِّن لكَ أنه لا عُهْدَةَ عليك حين عجزت عن مناصحة الحاكم، وأَظنُّك تعني مشافهة، وهذا سيُبَيَّنُ قريبًا إن شاء الله.
الثاني: الفصل في هذه القضية، لأن بعض الناس يقول: لا أستطيع الوصول إليه، أو لا يقبل مني، ولو كتبتُ إليه لا تَصِلُه، يُحالُ بينه وبينها،
فالجواب: اسمع آتاكَ الله رُشدك وألهمك الصواب وسدَّدك في الأقوال والأعمال، اسمع جيِّدًّا؛ قال – صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِسُلْطَانٍ بِأَمْرٍ فَلَا يُبْدِ لَهُ عَلَانِيَةً وَلَكِنْ لِيَأْخُذْ بِيَدِهِ فَيَخْلُوَ بِهِ فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ وَإِلَّا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ لَهُ))، هذا الحديث استوفى طرقه الإمام المُحَدِّث الألباني - رحمه الله وصَحَّحه-.
ومِمَّا نرشدكم إليه - كما استرشدنا به قبلكم- كتابه النَّفيس (في ظلال الجَنَّة في تخريج السُّنَّة) لابن أبي عاصم، فمن ينظر فيه فَسَيَجِدُ هناك ما يروي الغليل ويشفي العليل.
فهذا الحديث يدلُّ؛
أولًا: على أنَّه لا وَجْهَ لمناصحة الحاكم يسلكه المرء غير ما تَضَمَّنه الحديث، وبهذا تعلمون أنَّ التشهير بأخطاءِ الحُكَّام، والنَّيل منهم؛ ليسَ من مسلكِ أهل السُّنَّة لأنّه مخالفٌ لهذا الحديث، ومخالفٌ لمسلك السَّلف الصّالح؛ فهو إذًا بدعة، وكذلك مثلُ هذا؛ ما كان منهم في المحافل كالندوات، والمحاضرات، أو وسائل الإعلام من مقروءة، ومسموعة، ومَرْئِيَّة؛ فكُلُّ هذا من سُبل الخوارج القاعدية – أو القَعَدِيَّة، وبهذا يُعلم أنَّ من يسلك هذا المسلك ويُشَهِّر بولِيِّ الأمر- باسمه، يشهره باسمه؛ "اتَّقِ الله يا خادم الحرمين، بَلَغَ عمرك كذا.." في جريدة سبق وغيرها، أو شبكة الإنترنت، فقد جعل نفسه تُكْأَة ومترسًا للخوارج القَعَديَّة، ومن نشأ على مسلكه لأنَّه تتلمذ عليه وتربَّى عليه؛ فإنَّه ينالُ وزره ووزرَ هذا.
فليتَّقِ الله من ينتسب إلى العلم، وليأخذ بسُنَّة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -، قال الشافعي – رحمه الله –:"أجمع المسلمون على أن من استبان له سنة رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – فليس له أن يَدَعَها لقول أحد من البشر"، وكان الإمام أحمد – رحمه الله – يقول: "عَجِبْتُ لمن عرف الإسناد وصحته أن يذهبوا إلى رأي سفيان"، وسفيان هذا هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، من أجِلَّاء أئمة أهل السُّنة، إمام في السُّنة، وأئمة أهل السنة مُجْمِعون على ما قاله الشافعي، وقاله الإمام أحمد – رحمه الله –، وقد قَدَّمنا في مواطنَ أُخرى بَسْط القول في هذه المسألة، فَلْيُراجعه من شاء. نعم.