بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد ..
فسبق أن أجبنا على سؤالٍ في آخر اللقاء؛ يسأل فيه صاحبه عن أسباب صلاح القلب, وذكرنا عدة أسبابٍ لذلك، وأَوَّلها قراءة القرآن الكريم, هذا الكتاب الذي قال الله – سبحانه وتعالى– فيه: ﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّـهِ﴾، ثُمَّ عَقَّب ربُّنا – جلَّ وعلا – قائلًا في هذا المساق؛ ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾, فالأمثال ينتفع بها أصحاب العقول السليمة ويستفيدون منها, فانظر إلى قول ربنا – جلَّ وعلا-: ﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّـهِ﴾، الجبل الأصم إذا نزل عليه هذا القرآن تفطَّر وتصدَّع وتشقَّق خوفًا من الله – تبارك وتعالى– وإعظامًا له، وإجلالًا لهذا الوحي الذي نزل فكيف بالقلوب الضعيفة؟! إن القلب الذي لا يتأثّر بقراءة القرآن ولا بسماعه لا خير فيه, لأن الله – جلَّ وعز– قد مَدَحَ أهل هذه القلوب الصالحة, بقوله – جلَّ وعلا– مُبيِّنًا حالهم مع هذا القرآن العزيز حينما قال:﴿اللَّـهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّـهِ﴾، فالذي لا يلين قلبه مع القرآن الكريم الذي اشتمل على الوعد والوعيد، وعلى التخويف والتَّهديد، وحال أهل الجنَّة وما هم فيه من النَّعيم، ويُحبَرون فيها بين روضاتها، وظِلالها، والأنهار التي تَطَّرِدُ من خلالها؛ هذا قلبه أقسى من الحجر؛ فعليه أن يطلب علاجه، وعليه أن يبحث عن الأسباب التي أَدَّت به إلى هذه القسوة، نعوذ بالله من ذلك، ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾،أصحاب القلوب الحيَّة والعقول الحاضرة التي تعي هذا القرآن، وتعلم ما اشتمل عليه، ولذلك الجِن وهي الجِن ما لبثت بعدما سمعته أن انقلبت تقول: ﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا﴿1﴾ يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا﴾، وفي الأحقاف ﴿فَلَمّا حَضَروهُ قالوا أَنصِتوا فَلَمّا قُضِيَ وَلَّوا إِلىٰ قَومِهِم مُنذِرينَ ﴿٢٩﴾ قالوا يا قَومَنا إِنّا سَمِعنا كِتابًا أُنزِلَ مِن بَعدِ موسىٰ مُصَدِّقًا لِما بَينَ يَدَيهِ يَهدي إِلَى الحَقِّ وَإِلىٰ طَريقٍ مُستَقيمٍ﴾، فالجن أَذْعَنَت له، وقريش- على فصاحتها وبلاغتها وقُوَّتها في هذه اللغة نزل بها القرآن – أَذْعَنَت له، فتحدَّاها الله - سبحانه وتعالى- به، فما استطاعوا أن يأتوا بمثله، ولا بعشر سورٍ من مثله، ولا بسورةٍ من مثله، ومع ذلك لم يزالوا في عنادهم، وقالوا﴿إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ﴾، فاطلبوا الهداية في هذا الكتاب الذي هو حبل الله المتين، وهو النُّور المبين الذي من اقتفاه فقد هُدِيَ إلى صراطٍ مستقيم، فاطلبوه، تأمَّلوه، اقرؤوه، كرِّروه، اطلبوا تفسيره حتّى تعلموا ماذا فيه؛ هذا الواجب، فإنَّ العبد إذا قرأ وهو لا يفهم ما يقرأ لا يتأثَّر، وإنَّما يتأثَّر من عَلِم وفَهِم الخطاب الذي يُخاطَبُ به، فاطلبوا علم العربية لتعلموا به هذا الكتاب، تعلموا إعجازه، تعرفوا تفسيره، تعرفوا المعاني العظيمة التي اشتمل عليه، هذا الكتاب الذي جعله الله - سبحانه وتعالى- خاتمة الكتب السماوية والذي جَمَعَ الله - سبحانه وتعالى- فيه الخير كله؛ ﴿مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ﴾، ﴿وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا﴾ هذا الذي يُحْيي الله - سبحانه وتعالى- به القلوب ﴿وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚوَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴿٥٢﴾ صِرَاطِ اللَّـهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ أَلَا إِلَى اللَّـهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ﴾، فهو روح القلوب؛ بدونه لا حياة لها، وبدونه لا سعادة لها، وبدونه لا طمأنينة لها، وبدونه لا لَذَّة للحياة لها وفيها، فهذا الكتاب جعله الله -سبحانه وتعالى- المعجزة الخالدة لهذا النبي - صلوات الله وسلامه عليه-، ولهذا كان أعلم الناس به بعد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم- أبو بكر -رضي الله عنه-، فكان إذا قام به في الصلاة لا يكاد يتمالك نفسه، كان رجلا أسيفًا - يعني كثير الخشوع والبكاء - لأنه من سادات هذه اللغة - سادات العربية- ورجالها وفحولها؛ فيعلم ما اشتمل عليه هذا الكتاب، هذا الكتاب الذي من قام يقرأه كأنما خاطب الرحمن بالكَلِمِ.
والكلام في هذا معشر الأخوة كلامٌ يطول ولا يمكن أن ينتهي، فإن هذا الكتاب لا تنقضي عجائبه، وأوصيكم ونفسي بالاعتناء بكتب التفسير المُعَوَّل عليها عند أهل السنة المختصرة التي يستطيع المسلم وطالب العلم خاصة أن يمر عليها سريعًا ولا تأخذ منه وقتًا كبيرا، ومن هذه الكتب: كتاب تفسير البغوي - رحمه الله تعالى- وتفسير ابن كثير واختصاره الآن الذي بين أيدينا، وأوصيكم بكثرة القراءة في هذين الكتابَيْن حتى يعلم الإنسان ما يقرأ فيعرف هذه المغازي التي اشتملت عليها هذه الآيات العظيمة في هذا الكتاب المبارك.
وأسأل الله - سبحانه وتعالى- أن يجعلنا وإياكم من أهل الله وخاصته الذين هم أهل القرآن الكريم.
وصلَّى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
السؤال:
هذا يسأل يقول: خَرَجَ من بلده ناويًا أداء العمرة عن والده المتوفى – رحمه الله-؛ فكيف يكون العمل في النية عن والده من الميقات؟
الجواب:
يقول: لبيك اللهم عن فلان، وإذا اتَّجه إلى بيت الله الحرام طافَ بالبيت وسعى بين الصفا والمروة داعيًا لنفسه ولمن اعتمر عنه، اللهم اغفر لي ولأبي، اللهم ارحمني وأبي، اللهم تجاوز عني وأبي وهكذا إلى آخر الدعاء الذي يدعو به، يُشرِكُ أباه ولا ينسى في هذا الدعاء الذي يدعو به، فإذا طافَ بالبيت سبعًا وطافَ بين الصفا والمروة سبعًا وحلَق أو قصَّر فقد انتهت عمرته.
السؤال:
هذا يسأل؛ ما حكم الفتوى والكلام على الله بغير علم؟
الجواب:
هذا من كبائر الذنوب، بل أكبرها على الإطلاق، وهو سببُ كلِّ بلاء وما وقع الشرك فما دونه إلَّا بسبب ذلك، قال – جلَّ وعلا- : ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّـهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّـهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾، فرَتَّب في هذه الآية هذه الأمور المُحَرَّمة بادئًا بالأخف، ومنتهيًا بالأشد والأغلظ والأثقل؛ ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ ثُمَّ تَدَرَّج إلى أن وصل إلى ﴿وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّـهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾؛ فما عُبِد غير الله إلَّا بسبب القول على الله – سبحانه وتعالى- بغير علم، ولا انحرف من انحرف إلَّا بسبب الإعراض عن الله - تبارك وتعالى- والاعتداء على جنابه – سبحانه وتعالى-؛ وهذا رأسُ كلِّ بلاء، فإن القول على الله بغير علم أكبر الذنوب على الإطلاق، فيجب على المسلم أن يراقب الله – سبحانه وتعالى– وألَّا يتكلم في شيءٍ من دينه إلَّا ببينة وبرهان ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾،﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّـهِ كَذِبًا لِّيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾، وليَبْشِر إن فعل ذلك؛ فإنه سيحمل وزره وأوزار الذين أضَلَّهم بغير علم يوم القيامة، ﴿أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾، فالقول على الله – عزَّ وجل – بغير علمٍ أكبر الذنوب على الإطلاق.
وأمَّا الذين ينقلون الفتوى عن العلماء فالواجب؛
أولًا: عليهم أن يكونوا ضابطين لِمَا ينقلونه عن ذلكم العالم فلا يزيدون في كلامه ولا ينقصون منه؛ هذا أول ما يجب.
والثانية: يجب عليه أن يُسْنِد الفتوى إلى صاحبها فإن من بركة العلم عزوه إلى قائله، فهذا هو الواجب أن يُسْنِد الفتوى إلى قائلها، وإذا كان لا علم عنده وليس هو من أهل العلم وليس هو من طلبة العلم وليس ممَّن سمع من هذا الباب شأنًا؛ فليَتَّق الله وليسكت، ولا دخل له في هذا الباب، وليرشد الناس إلى من كان عنده العلم الذي يفيدهم به.
هذا الكلام عن الجرح بس ما فهمت السؤال.
السؤال:
يقول: امرأةٌ عمياء طلبت مني أن آخذ بيدها لتجتاز الطريق؛ هل يجوز ذلك؟
الجواب:
لا، لا تأخذ بيدها، وإنَّما خُذْ بواسطة؛ كعصا أو ثوب أو نحو ذلك، ولا تُمْسِك بِيَدِها ما دامت أجنبية.
السؤال:
وهذا يقول: امرأةٌ عجوز سقطت أمام عيني؛ فهل يجوز أن أساعدها وألمسها؟
الجواب:
إذا لم يكن عندها ولي فهذا من باب الضرورات، من باب الإنقاذ، فأنت الآن قريبٌ - في صورتك هذه- من الطبيب الذي لا يوجد سواه، والمرأة مضطرةٌ إلى أن يداويها فلا بأس بذلك، ولكن عليك أن تَتَحَرَّز بقدر الاستطاعة، فإن كان يكفي أن تأخذ بطرف يدها كان ولا تجاوز ذلك، فإن كان خُذْ بمجامع الثياب كالعباءة ونحو ذلك، ولا تلمسها هي كفى ذلك، وهكذا.
السؤال:
وهذا يقول: أحد البنوك الرِّبوية طَلَبَ من أخ أن يبيعهم عمارته لتوسعة المصرف؛ فهل يجوز للأخ أن يبيع عمارته للمصرف؟ أم إنه من التعاون على الإثم؟
الجواب:
أقول: إذا كان هذا المصرف ليس فيه إلَّا من الرِّبا خاصَّةً لا يَشْركه معاملات صحيحة؛ فلا يجوز، أمَّا إن كان بنك عام يجوز لك؛ فإنه فيه التعاملات الصحيحة والمعاملات غير الصحيحة.
السؤال:
وهذا يسأل يقول: صاحب حِرْفَة بعض الأحيان تفوته صلاة الجماعة؛ فهل يُعْتَبَر كسبه مُحَرَّم؟
الجواب:
يعني تفوته صلاة الجماعة كأنه يريد وهو يعمل؛ على كل حال فهو آثم والأجر إنَّما أخذه على العمل. نعم.
وهذا سؤال أنا لا أعرف جوابه، فأقول لا أدري وما أبردها على كبد محمد بن هادي أن يقول لا أدري.
السؤال:
وهذا يسأل سؤال مُلَخَّصُه؛ أن يستعين ببعض قرابته - أخيه أو نحوه- وهو من أهل الأهواء والبدع فيأخذ منه مالًا في تنمية مشروعه.
الجواب:
أقول: لا تستعن بأهل الأهواء، ولا تَمُدْ يَدَكَ إليهم، ولا تَرْزَأهم شيئًا؛ فيَسْتَرِقُّوك بذلك.
السؤال:
وهذا يسأل يقول: تأخَّر في السحور وهو يريد الصوم حتى دخل وقت الصبح لعدم انتباهه على الوقت، هذا الصوم تطوع.
الجواب:
إذا أكلت بعد دخول الصبح - سواء كان تطوّع أو كان فريضة- فهذا لا ينعقد، هذا الصوم لا ينعقد ، لأن الله – سبحانه وتعالى- قد بيَّن ذلك بقوله- جلَّ وعلا-: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾، فهذا هو، أمَّا إذا لم يَتَبيَّن فلا بأس.
السؤال:
وهذا يسأل عن مشقَّة البول عليه، وأنه يخرج طوال مدة التبول، وقد يَصِل – أكرمكم الله – إلى ربع ساعة وهو يتبوَّل، ويضطر للانتظار حتى ينقضي ذلك؛ وبعد ذلك يطلع منه قطرات؛ فماذا يعمل؟
الجواب:
إذا كانَ انتهى من بوله، فإن الواجب عليه أن يتطهَّر، وأن يمس على ذكَره حتى يخرج مثل هذه القطرات إذا تعوَّد أو إذا استمر معه هذا، ثُمَّ بعد ذلك إذا كان على هذه الحال رَبَط عليه بمنديل أو نحو ذلك وخرج إلى الصلاة ولا يضره إذا كانت حاله المستديمة كما يذكر على هذا النحو، ولكن لا يُصَلِّي بالناس إمامًا، يُصَلِّي بمن كان مثله.
السؤال:
هذا يقول: بعضهم يقول في الحلبي لقد تكلمت فيه اللجنة الدائمة بحق فلم تتركوه، وتكلم فيه الشيخ ربيع بحق فتركتموه، فهذا ليس ترككم إياه لأجل الحق الذي قيل فيه، وإنَّما لأجل الشيخ ربيع؛ فكيف نقول لهذا الشخص شيخنا – بارك الله فيك-؟
الجواب:
قُل له: كَذَّاب، لأنه لمَّا تكلمت اللجنة جاءنا ونصحناه، نصحهُ الشيخ ربيع - حفظه الله-، وكذلك في حينه - يعني إذا ما نسيت، أظن أظن، لَسْتُ متأكدًا- الشيخ فالح، فحصل منه أن كتب واعتذر، فسرّنا ذلك، أمَّا الآن فرَكِبَ رأسه وتغطرس، لأن اللجنة يخاف منها، أمَّا ربيع وزعمه ما يضره، وهو لا يعلم المسكين وغيره؛ أنَّ الإنسان يخفضهُ معاندتهُ للحق، ويرفعه إتباعهُ للحق، فنعم لأن تكلمت فيه بحق وجاء، وأنتم باستطاعتكم أن تَرَوْا كتاباته التي اعتذر فيها من ذلك اليوم، من ذلك تقريظه لكتاب لمراد شكري، وبَيَّن هذا والحمد لله، فرحنا بذلك كثيرًا، والله وإلى الآن لعودتهُ إلى الحق أحب إلينا وأعز وأغلى علينا، لكن الآن لما تكلم الشيخ ربيع فيه، وتَكَلَّم فيه عموم السلفيين ظن أن هؤلاء ليسوا كأولئك، فذهب يجادل بالباطل، حتى انتهى أمرهُ إلى الديمقراطية، فصار مع الديمقراطية، وإن شئتم فاقرؤوا ما نَشَرَه في كتابته التي على حسابه، التي يُبَيَّنُ فيها الطريق لحلِّ الأزمة في مصر، ومن هذه النقاط يدعو إلى إخراج الإخوان المسلمين من الاعتقالات، وإعادتهم إلى الحكم، وإعادة مرسي إلى الحكم ولو صوريًا، ليُحفظ للديمقراطية بقايا ماء وجهها، هذا موجود في كلامه، ما شاء الله صار كالأم الحنون على الديمقراطية، وبعد ذلك لا يستحي يقول: كَذَبُوا علي، هذا موجود كلامك أنت، وحتى الذي عَقَّب به - يقول: بتروه من كلامه- لا علاقة له بالموجود، أنا رأيته، فما شاء الله رجع مع الديمقراطيين، وحنون على الديمقراطية، وحافظٌ لِمَا بقي من ماء وجهها، ما يريد كماء الله وجهها ينكفي كله، فرجع مع الديمقراطية رغم أنفِ الكَذَّابين الذين يدافعون بالباطلِ عنه.
وأمَّا الذي لا علم له بما يقول علي الحلبي فمعذور بالجهل، ولو لامَنا، ومثلنا ومثله كمثل ما قال الخليل:
لو كنْتَ تعْلَمُ ما أقولُ عذَرتني أو كُنتَ تعلمُ ما تقولُ عَذَلْتُكَ
لكن جَهِلتَ مقالتي فعذَلتني وعَلِمْتُ أنَّك جاهِلٌ فعذرتُكَ
الذين لا يعرفون حقيقته ويدافعون عنه يجهلونها، معذورون بالجهل، ولكن الحجة صاحبها يُقدَّم، فهذا الذي يقول هذا الكلام كذَّاب بصريحِ العبارة.
وقد استبان أمره، وآخر ما سَمِعنا كلام الرضواني الذي وَجَّه إليه علي الحلبي هذه المقالة حينما كان يتكلم عن الإخوان ويُبيِّن حالهم؛ يقول له: ليس من المروءة ولا من الرجولة الكلام في الإخوان الآن؛ يعني لمَّا صارت الفتن في مصر، هذا هو ليس من المروءة ولا من الرجولة الكلام في الإخوان الآن، فما شاء الله، المروءة والرجولة السكوت عن الإخوان يفسدون كما يشاءون، فالمروءة والرجولة هي: رجولته ومروءته، الدعوة لعودة الإخوان، وإخراجهم من السجون، وإعادة مرسي، وإعادة الحكم ولو صوريًّا؛ ليُحافَظ على بقايا ماء وجه الديمقراطية، هذه هي المروءة والرجولة الذي يبقى الناس يكونون مثله فيها، والآن يقول: أنا ردّيت على الإخوان من ثلاثين سنة! طيب هذا ثلاثين سنة، لكن الآن ما حالك؟ هذا الحال المتأخر منك، العبرة به، فذاك على ما صار، وهذا على ما يصير، فقد كشفت هذه الأحداث تعاونه وتعاطفه بِقَالِه وحَالِه، مع هؤلاء المفسدين؛ الإخوان المسلمين، ودعوكم من بقية الأمور الأولى التي عنده، لكن هذا آخر ما عنده، ومن آخر ما رأيت له؛ تلك الجلسة الهزلية الفاسدة مع عدنان عرعور؛ في مسألة السيف الذي باعوه، تمثيلية، تهريج، وللأسف، يا أسفاه! أن يكون من يتصَدَّر للدعوة ويتكلم ويقول أنه سلفي يكون هذا حاله، وفي الأخير يقول لعدنان: أنتَ نذرت على نفسك، ومن باب التذكير يا فضيلة الشيخ أنَّ من نذَر على نفسه شيئًا فإنه يجب عليه الوفاء به، وإذا ما كنت تستطيع فالفتوى موجودة جاهزة، التلاعب في دين الله والتمثيل على الناس عنده سهل.
نعوذ بالله من الهوى، ونعوذ بالله من الرَّدى، ونعوذ بالله من الغواية بعد الهداية، ونسأل الله – جلَّ وعلا- الثبات على الحقِّ والهدى، ونسأله – سبحانه وتعالى- أن يعيذنا وإياكم من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، إنه جوادٌ كريم.
وصلَّى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.