جزاكم الله خيرًا شيخنا، وهذا السؤال الثَّاني من الجزائر؛
يسأل عن حكم اجتهاد الصَّحابة، وهل يُؤخذ بهذا الاجتهاد أم لا؟ ويسأل أيضًا عن حُكُم قراءة الفاتحة في الصَّلاة خلف الإمام في الصّلاة الجهريّة.
هذا السؤال يتألَّفُ من شِقّيْن كما سمعتم، وكلُّ شقٍّ منه يستدعي الجواب على حدة.
· فالشقُّ الأوَّل: في اجتهاد الصَّحابة، الصَّحابة هم ورثة محمَّدٍ – صلَّى الله عليه وسلَّم – وهم خِيارُ هذه الأمَّة، هم خيارُ أمَّة محمّد – صلَّى الله عليه وسلَّم ورضيَ عن صحابته- وإن كانوا يتفاوتون في الرُّتبة، يتفاوتون في الفضل، وقد بَيَّن علماؤنا ذلك، فإذا أَجْمعوا على مسألةٍ من المسائل وَجَبَ قَبولُ هذا الإجماع، ولا يشذ عنه إلَّا جاهلٌ لا يعرِفُ مواطن الإجماع والخِلاف، أو مبتدعٌ ضالٌّ صاحبُ هوى، وهم – رضيَ الله عنهم – مُجْمِعون على أصول الدِّين وعلى كثيرٍ من الأحكام.
بقِيَ اجتهاد الأفراد منهم، أؤكِّد فأقول: هم – رضي الله عنهم- أعني صحابة محمَّد – صلَّى الله عليه وسلَّم – أسْعَدُ النَّاس حظًّا بهذا الحديث:((لن تجتمع أمّتي على ضلال))، ((إِنَّ أُمَّتِي لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ))؛روايات مختلفة، وهو حديثٌ بمجموع طُرقه صحيح، وقد يحسِّنه بعض أهل العلم، لكن حينما يجتهدون اجتهادًا فرديًّا فيُخالف المجتهد مجتهدٌ آخر، أو مجتهدون آخرون، أو يجتهد مجتهدون ويخالفهم آخرون، فالواجب هنا النَّظر، فمن كان قوله أو فعله أَسْعَد بالدَّليل وجَب قبوله، والله أعلم.
وأنبِّه؛ هم معصومون يعني من الاجتماع على ضلالة كما قدَّمت، ولا يظن أحد أنَّ كلامي هذا مُطلَق، أمَّا أفراد منهم يقع منهم خطأ، ولكن نحن مأمورون بالأدب مع أصحاب النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم- لقوله: ((إِذَا ذُكِرَ أَصْحَابِي فَأَمْسِكُوا))، نردُّ المخالفة من الصَّحابي فمن دونه، لكن نتأدَّبُ معهم ومع من هم أئمَّةٌ في العلم والإيمان والدِّين. نعم.
· الشقُّ الثَّاني: في قراءة الفاتحة خَلْفَ الإمام، وهذا فيه تفصيل من حيث الصَّلاة، فالصلوات منها ما هو سرِّي ومنها ما هو جهري، فأَعْدَلُ الأقوال وأصوَبُها أنَّه في الصلاة السريَّة تجب قراءة المأموم؛ تجب على المأموم قراءة الفاتحة لحديث: ((لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ))، وأحاديث أخرى.
وأمَّا الصلوات الجهرية, نقول القراءة الجهرية, فأعدل الأقوال في هذا؛ أنه لا يُقرأ خلف الإمام في الصلوات الجهرية, يعني حيث يجهر, وإن أمكنك أن تقرأ الفاتحة بَدَل دعاء الاستفتاح - وهو سُنَّة - فلا بأس, يعني بعد تكبيرة الإحرام, والحُجَّة لهذا القول وهو أنَّ لا تجب الفاتحة على المأموم في القراءة الجهرية.
الحجة؛ - أولًا: في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا﴾الآية, وهذه في الصلاة.
- الثاني: قوله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ))فذكر الحديث وفيه: ((وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا))، والشاهد منه أن رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – جعل الإنصات لقراءة الإمام من الائتمام به والاقتداء به. نعم.