بارك الله فيكم شيخنا، وهذا السؤال الثاني؛
تقول السائلة من اليمن: كيف أتعامل مع أهلي وقرابتي في العزاء عندما يطلبوا مني أن ألقي درسًا فيه، ويحتجُّون بالاستفادة من الوقت، وإذا قلت لهم أنها ليست من السُّنة، قالوا إذًا افعلي الدرس عن العزاء والسنة في العزاء ليستفيد الناس من الوقت، فماذا أفعل؟ وبماذا أرد عليهم حفظك الله؟ وهل من نصيحة لهم؟
يا بنتي ما ستسمعينه من الجواب - إن شاء الله تعالى - هو نصيحة لمن أحبَّ النصيحة وقدَّم السُّنة في الأقوال والأعمال على غيرها، وجعل السُّنة حاكمة على أقوال الناس وأعمالهم.
فأقول أولًا: لِتَعْلَمي أنتِ وكلُّ مُحبٍّ للسُّنة من أبنائنا وبناتنا وإخواننا وأخواتنا؛ أنَّ العمل لا يكونُ صالحًا مقبولًا عند الله - عزَّ وجل - حتى يستجمع شرطين:
· أحدهما: تجريد الإخلاص لله وحده.
· وثانيهما: تجريد المتابعة لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -.
قال علماؤنا: "العمل إِنْ فقد الإخلاص لله كان شركًا أو رياءً، وإن فقد المتابعة لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان بدعة، ومتى جَمَعَ العمل الإخلاص لله كان عمل أهل السنة"، وسئل الفضيل بن العياض - رحمه الله - عن قوله تعالى: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ قال: ((أَخْلَصه وأَصْوَبه، قالوا: يا أبا علي ما أَخْلصه وأَصْوبه؟ قال: أن يكون خالصًا لله صوابًا على سُنَّة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم –)).
وأئمة أهل السُّنة أئمة العلم والإيمان مُجمِعون على هذا، ومن خالفهم في ذلك فهو إمَّا جاهل من همج الناس الرِّعاع أتباع كل ناعق، أو مبتدع ضالٌّ صاحب هوى.
وثانيًا: لا تعملي هذا ولا تُجيبيهم إلى طلبهم، فإنه لا يُتابَع الناس على ما يَهوَوْن، ولهذا كان أهل السُّنة يَزِنِون ما يَفِد عليهم ويَرِد إليهم من أقوال الناس وأعمالهم بميزانيْن، أتدرين ما ذانكم الميزانان يا بنتي؟ إنهما النص والإجماع، فما وافق نصًّا أو إجماعًا قُبِل، وما خالف نصًّا أو إجماعًا رُدَّ على من جاء به، وإن كان هذا الذي جاء من أهل الإمامة في زمانه.
وأقول ثالثًا وأخيرًا: لمَّا رأى القوم أنكِ اعتذرتِ لأن هذا ليس من السُّنة لجئوا إلى حيله وهي قضاء الوقت بالكلمة، فهم فرُّوا - كما يُقال - أنا أعيده مثلًا (فَرَّ من قَطْرٍ فوقع في بحر) أرادوا أن يتحيَّلوا منكِ على البدعة بهذه الحُجَّة فلا تجيبيهم، وبلِّغيهم هذه النصيحة، ولو بقيتي وحدكِ أنتِ في الميدان، لا يَضرك مخالفة هؤلاء، تحضرين وتَدْعين تؤدِّين ما يحتاجونه من عونٍ ومساعدة ثُمَّ تنصرفين. نعم.