جديد الموقع

8882161

السؤال: 

جزاكم الله خيرًا شيخنا، وهذا السؤال الثالث عشر من السعودية؛

ما نصيحتكم - حفظكم الله - لمن فقدت ابنها في حادث سيارة وتبكي عليه كثيرًا كلما ذكرته، وتقوم بإرسال رسالة إلى الأهل والأصدقاء عبر الجوال فيها دعاء باسم الميت وتطلب قراءة هذا الدعاء له؛ فهل هذا العمل جائز؟ وهل ينفعه قراءة القرآن بنية إهداء الثواب إليه؟ وما نصيحتكم لها؟

الجواب: 

نبدأ بالفقرة الأخيرة وهي إهداء الثواب إلى ميِّتها؛ هل تنفع ميِّتها أو لا

وأقول: قال بعض أهل العلم هذا؛ يعني يجوز للحَيْ أن يعمل عملًا ويهدي ثوابه إلى ميِّته، لكن هذا غير سديد وهو محدودٌ بقوله تعالى: ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ﴾ فإنَّ هذه الآية قاضيةٌ بعمومها على أنَّه لا يَصِل إلى الميِّت شيئًا من عمل الحي هذا هو الأصل، وخُصَّ من هذا العموم الدعاء له، قضاء الصوم عنه، وكذلك قضاء الحج والعمرة والصدقة، فما لم يخُصَّه الدليل فلا يجوز الإفتاء به، لأن هذا عمل تعبُّدي والأصل في العبادات كما قرَّر علماؤنا الحظر إلَّا بنص، يعني المنع، هذا أول ما نبدأ به.

ثانيًا: ليَعْلَمَ كلّ مسلمٍ ومسلمة أنَّ الله - سبحانه وتعالى – يبتلي بالمصائب، ليُظهر صبر الصابر على قضاءِ الله وقدره، ويبتلي بالنعم ليظهر شُكر الشاكر، وفي الحديث الصحيح ((عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ))، ولهذا قال بعض أهل العلم: "المؤمن على النعماءِ شكور، وعلى المصائب صبور، وعند الشدائِدِ وَقور".

وهذه ثلاثة أمور هي عنوان السعادة كما نصَّ عليها العلماء، الشُّكر على النعمة، والصبر على المصيبة، والاستغفار من الذنب،

والصابر على المصيبة الذي لا يَجْزع موعودٌ بالأجر العظيم الذي لا يعلمُ أَحَدٌ حده ولا قَدْرَه ، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾، وقال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴿١٥٥﴾ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴿١٥٦﴾ أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾

فهذه الآيات تضمَّنت عدَّة أمور يَجِبُ على كلِّ مسلمٍ ومسلمة أن يَعِيَها:

الأول: أنَّ ما يجري على العبد من مصيبة في نفسه، أو أهله، أو أمواله مِن فَقْد أو حوادث غير ذلك؛ فيه ابتلاء حتى يظهر الصادق من الكاذب في إيمانه.

الثاني: أنه لابد منها حتمًا ما جرى به ممَّا سبق به علمه - عز وجل - وجرى به قلمه في اللوح المحفوظ، ممَّا قَدَّره الله على العباد قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.

الثالث: أنَّ الموقف الحق هو الاسترجاع (إنا لله وإنا إليه راجعون)، وفي الحديث ((قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيَقُولُ قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيَقُولُ مَاذَا قَالَ عَبْدِي فَيَقُولُونَ حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ فَيَقُولُ اللَّهُ ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ))، سَمِعته من بعض الإخوة ولم - في الحقيقة - أقف على درجته من الصحة والضعف.

الأمر الرابع: أن الجزع عند المصيبة بأيِّ شكل كان ليس من الهُدى بل هو من الضلال، لأنَّ الله – عزَّ وجل - أثبت الهِداية لهؤلاء الصبر عند المصائب.

أما ثالث ما نذكره في هذه القضية؛

أوصيكِ يا بنتي بأن تقلعي عن هذا المسلك، فإذا ذكرتي ابنكِ فاستغفري له، وادعي له، وتصدَّقي عليه؛ هذا هو المسلك الحق مسلك السُّنة، أمَّا إرسال الرسائل بدعواتٍ معيَّنة أو غير معينة فليس هذا مسلكًا صحيحًا، بل أخشى أن يُدخِلَ عليكِ الشيطان الوساوس فيهوِّل عليكِ المصيبة، ويُضَخِّمها في نفسك فيدخل عليك الجزع من حيث لا تشعرين.

الشيخ: 
عبيد بن عبد الله الجابري