جديد الموقع

888234

الجواب: 

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على نبينا مُحَمَّد وعلى آله وصحبه.

قبل البداية في لقاء هذه الليلة في دراسة حديث أصحاب الغار؛ أُنَبّه بناتنا إلى أنَّه لا حرج عليهنَّ أن يحْتَضِنَّ أطفالهنَّ في الصلاة، فلها أن تحمله ولها أن تُلْقِمَهُ ثديها إن كان رضيعًا.

فإلى درس هذه الليلة، وحديث هذه الليلة، تفضل يا شيخ عبد الواحد.

القارئ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (بَيْنَمَا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ يَتَمَشَّوْنَ أَخَذَهُمْ الْمَطَرُ فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ فِي جَبَلٍ فَانْحَطَّتْ عَلَى فَمِ غَارِهِمْ صَخْرَةٌ مِنْ الْجَبَلِ فَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْظُرُوا أَعْمَالًا عَمِلْتُمُوهَا صَالِحَةً لِلَّهِ فَادْعُوا اللَّهَ تَعَالَى بِهَا لَعَلَّ اللَّهَ يَفْرجُهَا عَنْكُمْ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ لِي وَالِدَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ وَامْرَأَتِي، وَلِي صِبْيَةٌ صِغَارٌ أَرْعَى عَلَيْهِمْ، فَإِذَا أَرَحْتُ عَلَيْهِمْ حَلَبْتُ فَبَدَأْتُ بِوَالِدَيَّ فَسَقَيْتُهُمَا قَبْلَ بَنِيَّ وَأَنَّهُ نَأَى بِي ذَاتَ يَوْمٍ الشَّجَرُ فَلَمْ آتِ حَتَّى أَمْسَيْتُ، فَوَجَدْتُهُمَا قَدْ نَامَا فَحَلَبْتُ كَمَا كُنْتُ أَحْلُبُ فَجِئْتُ بِالْحِلَابِ فَقُمْتُ عِنْدَ رُءُوسِهِمَا أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا مِنْ نَوْمِهِمَا، وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْقِيَ الصِّبْيَةَ قَبْلَهُمَا وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَيَّ فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي وَدَأْبَهُمْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا مِنْهَا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ، فَفَرَجَ اللَّهُ مِنْهَا فُرْجَةً فَرَأَوْا مِنْهَا السَّمَاءَ، وَقَالَ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَتْ لِيَ ابْنَةُ عَمٍّ أَحْبَبْتُهَا كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرِّجَالُ النِّسَاءَ، وَطَلَبْتُ إِلَيْهَا نَفْسَهَا، فَأَبَتْ حَتَّى آتِيَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ فَتَعِبْتُ حَتَّى جَمَعْتُ مِائَةَ دِينَارٍ، فَجِئْتُهَا بِهَا فَلَمَّا وَقَعْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا، قَالَتْ يَا عَبْدَ اللَّهِ: اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَفْتَحْ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ فَقُمْتُ عَنْهَا، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا مِنْهَا فُرْجَةً فَفَرَجَ لَهُمْ، وَقَالَ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنِّي كُنْتُ اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرَقِ أَرُزٍّ فَلَمَّا قَضَى عَمَلَهُ قَالَ: أَعْطِنِي حَقِّي فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ فَرَقَهُ فَرَغِبَ عَنْهُ فَلَمْ أَزَلْ أَزْرَعُهُ حَتَّى جَمَعْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرِعَاءَهَا فَجَاءَنِي فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَظْلِمْنِي حَقِّي قُلْتُ اذْهَبْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ وَرِعَاءَهَا فَخُذْهَا، فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَسْتَهْزِئْ بِي فَقُلْتُ إِنِّي لَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ خُذْ ذَلِكَ الْبَقَرَ وَرِعَاءَهَا، فَأَخَذَهُ فَذَهَبَ بِهِ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا مَا بَقِيَ فَفَرَجَ اللَّهُ مَا بَقِيَ)، الحديث متَّفقٌ عليه واللفظُ لمسلم.

الشيخ: هذه من القصص التي أوحاها ربُّنا - جلَّ وَعَلا- إلى نبيه - صلى الله عليه وسلم-، وصَحَّ بها النَّقلُ عنه، فالحديث متَّفقٌ عليه في الصّحيحين، والصَّحيحان صحيح البخاري وصحيح مسلم هما أصحُّ الكتب بعد كتاب الله، وأجمَعَ أئمة العلم والدِّين والإيمان على قبولهما، وإن قال قائل: قلتم إنهما أصَحُّ الكتب بعد كتاب الله فكيف العمل بقول الشافعي - رحمه الله-: (أصحُّ الكتب بعد كتاب الله المُوَطَّأ)، يعني موطأ الإمام مالك - رحمه الله-، أو كما قال.

والجواب: أنَّ مقولة الشافعيّ هذه -رضي الله عنه ورحمه- كانت مُتقدِّمة قبل وجود الصحيحين، فهو -رحمه الله- من شيوخ شيوخِهِما؛ فمن شيوخ البخاري ومسلم الإمام أحمد، والشافعي أخذ عنه الإمام أحمد فهو شيخُه.

وهذه القصة معاشر السامعين من المسلمين والمسلمات فيها عِبَرٌ عظيمة، ومواعظ قوية، بل ومنها ما هو من أصول هذا الدين، ومنها ما هو في حُسْنِ المعاملة -أصول كذلك- وسنأتي بقدر ما يُيَسّر الله - سبحانه وتعالى- لنا من التعليق هذا الحديث العظيم كبير القدر، فنقول - وبالله التوفيق-:

في حدوث هذه الحادثة ووقوع هذه الواقعة على أولئكم النَّفر كُرْبَةٌ عظيمة، وفاجئة ما كانوا يتوقعونها، وذلكم أنهم لجأوا إليها لِمَا أصابهم من المطر، ومُشاةُ الطريق والسائرون في البَرِّية إذا اشتدَّ عليهم المطر يأوون إلى ما يتحصَّنون به عن شدة المطر والوحل.

الثانية: في انحطاط تِلكُمُ الصخرة العظيمة التي لم يقدروا على أن يُزحزحوها عنهم، سدَّتْ فَم الغار فبقوا في حيرةٍ من أمرهم، فلا خلاص لهم مما هم فيه إلا أن يجعل الله منه رحمة تَدارَكُهُم، وهذا بلاء، بلاءٌ عظيم وامتحان، وقد مضت سُنَّةُ الحقِّ - جَلَّ وَعَلا- أنه يَبتلي أهل الإيمان بالمصائب ليُظْهِرَ صبر الصابرين والمُحتسبين، وكيف يصنعون حيال هذه المصائب، كما أنه يبتلي بالنِّعم ليُظْهِرَ شُكْر الشاكرين، كيف يُقابل المُنْعَمُ عليه هذه النِّعم التي ساقها الله إليه بلا حولٍ منه ولا قوة، فهي من الله -جلَّ وَعَلا-، وما هيأه الله لحصوله هذه النعم فهو ضمن النّعم، جعل الله تلكم النعم التي أنعمها على من شاء من عباده، بأسبابٍ هيأها حتى يَحْصُل عليها العبد، فعلى سبيل المثال النِّكاح سببٌ لنعمتين:

الإعفاف فكلا الزوجين يُعِفُّ أحدهما صاحبه.

كما أنه سبب لحصول الولد - بإذن الله عزَّ وَجلَّ-.

وبَذْرُ العبد بَذْرَهُ من بُرٍّ أو شعير أو غير ذلك، أو يغرسُ غرسًا في أرضٍ رأى أنها صالحة ووافِرَةُ الماء وتربتها جميلة هذا سبب لإنبات الثمرة لاستخراج الثمرة من الأرض إلى غير ذلكم.

وفي الكتاب العزيز ما يشهدُ لهذين الصِّنفين من الابتلاء، قال تعالى:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة:١٥٥]، فهذا لا بد منه؛ ابتلاء في النفس، ابتلاء في المال، ابتلاء في غير ذلكم أيضًا، وهو تابعٌ للابتلاء في النفس كالابتلاء في الولد في الزوجة، ابتلاء يكون في الدِّين إلى غير ذلكم، لكن صنيع المؤمن ما هو؟ الصبر على ما حلَّ به والاحتساب، قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن:١١]، الآية، قَالَ عَلْقَمَةَ، -رحمه اللَّهُ: (هُوَ الْمُؤْمِنِ -أوقَالَ- الرَّجُلُ تُصِيبُهُ الْمُصِيبَةُ) - ( الرَّجُلُ) يعني به المؤمن (الْمُؤْمِنِ )- (هُوَ الرَّجُلُ تُصِيبُهُ الْمُصِيبَةُ فَيَعْلَمُ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَيَرْضَى وَيُسَلِّمُ).

فقوله - رحمه الله-: (هو الرَّجُلُ) يعني به الْمُؤْمِنِ ، وهو كذلك من عبارات التَّغليب التي يُذْكَر فيها الرجال تغليبًا والنساء تابعات، حتى المرأة إذا ابتُلِيتْ بمُصيبة فعلِمت أنها من عند الله فصبرت واحتسبتنالت الأجر، وقال تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [آل عمران:١٧٩]، هذا أمرٌ حكم الله به، فلا بد من التمْحيص ولا بد من التّنقيح ولا بد من التَّصفية؛ لأنَّ دَعْوَى الإيمان وصدق النية سهلة كُلٌّ يدَّعيها، لكن من هو؟

هو أَهل التُقى وَالإِيمان والعمل الصالِح، هذا هو الطيّب، من طيّب الله لَهُ أَقوالهُ وَأَعماله وأَصلَح لهُ قلبه، فهو طيّبٌ في اعتِقادِه، وطيبٌ في عملِ جَوارِحه، وطيّب فيما يَقولهُ من الأَقوال، تقرّبًا إِلى اللهِ –عزَّ وجَلَّ- والآخر الخبيث؛ إِما كافر وإِما مُنافق، وأَخرج مُسلم من حديث صُهَيْبٌ بْنِ سِنَانِ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عن النَبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : (عجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَر فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ)،فحالةُ المؤمن هي الشُكرُ على النعماء والصبرُ على البأساءِ والضَراء، فلا يجزع حال المُصيبة، ولا يسخط ولا يبطر حال النِعمة.

وَأَركان الشُكر التي من استجمعها كان شاكِرًا للهِ حقيقة ثلاثة:

أحدها: الإقرار بالنعمةِ باطِنًا، يَقينًا أَنها من عند الله وأنه إن شاء أبقاها وَإِن شاءَ سلبها.

الثاني: التحدُثُ بالنِعمةِ ظاهِرًا، ولابد من قيد وهو عند الحاجة إلى ذلك، كأَن يكون في مجلِس مع الطيّبين، فيأَتي مثلًا أَولادُه فيقول: (أُبشركم أَنهم حفظةٌ لِكتابِ الله)، أَو آخر يقول: (الحمدُ لله مَن اللهُ علي بزوجة صالِحة، أَو زوجتين بعد عدة نسوة)، (الحمدُ لله أَغناني من فضلِه بعدما كُنتُ فقيرًا).

الثالِث: صرفُ هذهِ النِعمة في مرضاةِ موليها، ومُسديها وهو الله- سُبحانهُ وتعالى- فلا يُنفِقُها إِلا في مَحابِّه، وَمراضيه هذا هو الشاكِرُ حقيقة، فليحذر من ينفقون مما أتاهم الله من فضلِه في مواطن اللهو والطرب والفسق والفجور، فإِن ذلِك خطرٌ عليهم إِما في العاجل والآجل أَو في الآجل، كما يشاءُ الله، لأَنهُ ظلمَ نفسَه، وأَساءَ الأَدب مع المُنعِمِ عليه، وفي الحديث الصحيح: (إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ) قَالَ: (ثُمَّ قَرَأَ: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) ، فإِن الله سُبحانهُ وتعالى - معاشر المُسلمين والمُسلِمات- يُمهل ولا يهمل .

الثالِثة: دليلٌ على نوع ٍ من التوسُل، فالتَوسُل المَشروع ثلاثةُ أَنواع:

أَحدُها: التوسُل باللهِ - سُبحانهُ وتعالى- بِاسْمِهِ العلم، أَعرف المعارِف، الذي لا يُشركهُ فيهِ أَحد (يا الله) أَو يَقل ( يا إِلهي).

الثاني: التَوسّلُ بِأَسماءِ الله وصفاته، أَو صِفاته، فمن الأَسماء كأَن يقول: (يا حي يا قيوم، يا ذا الجلالِ وَالإِكرام)، ومن الصِفات كأَن يقول: (ربي أَسأَلُك برحمتِك التي وسِعت كُلَ شيء) ثُم يذكُر حاجته.

الثالث: التوسُلُ بالأَعمال الصالحة، فإِذا وقع العبد المُسلم رجلا كان أَو إمرأة في كُربة شديدة وضنك وضيق من الحال، ويعلُم أَعمالًا صالِحة فليتوسل إِلى اللهِ بذلِك مثل أَن يقول: (ربي تعلم أَن عبدك فلان وقع في ضائِقة فأتيته من مالِك الذي آتيتني ما فُرِّجت بِه كربته، - اللهم إِن كنت تعلم ذلك - إلى آخره- ففرج عني كُربتي)

الفائِدةُ الرابِعة: الإِخلاص، فهؤلاء قبل اللهُ مِنهم دُعائَهم وفرج اللهُ بِه كُربَتَهم، وَ خَرَجوا بِسلام، لأَنهم مُخلِصون.

والإِخلاصُ أَيُها المسلمون، هو أَحد شَرْطَي قبول العمل، فالعمل الصالح المقبول عند الله هو الذي استجمع أَمرين:

أحدهما: الإِخلاص لله.

الثاني: المُتابعة لرسولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

ومن علامات أَهل البِدع، التَفصيل المُفرط الذي يستّدرون به بُكاء بعض الناس، وهذا كُلُه في الإِخلاص، تفصيلًا بالِغًا.

أَما المُتابعة فهم بين حالين - أَعني شرط المتابعة- وإِن شئت فقل صِنفان:

· صنفٌ يُجمل إِجمالًا ولا يُفصّل في المُتابعة.

· والصنف الآخر من يُهمل المُتابعة، ويكون تركيزه وتقعيدُه وَتأَصيلُهُ في الإِخلاصِ فقط، سُئِلَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاض- رحمهُ الله -عَنِ معنى قولِهِ تعالى: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)[الكهف67] قال: (أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ)، قَالُوا : يَا أَبَا عَلِيٍّ مَا أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ؟ قال: أن يكون خالِصًا لله، صوابًا عَلَى سُنَّةَ رَسُول اللَّه).

وقد بسطنا القول في المسأَلة- والحمدُ لله- بما يَسَّر الله به لنا، ومنَّ به علينا في مواضع كثيرة، ومنها ما هو قريب في هذا المسجد - جامع الرضوان-، جعلهُ الله على الدوام صرحًا تنتشر منه السُّنة وتُقمعُ منهُ البِدعة، اللهم آمين.

الفائِدةُ الخامسة: جواز الإِشتراط في العمل، فانظروا كُلُّ واحد قال:(اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ )، ومن ذلكم دعاء الاستِخارة، وهو في صحيح البُخاري من حديث جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما – أنَّ المرءَ إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ قال: (اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ) فذكر الحديث وفيه: (اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ) الحديث، فالشاهِد الاشتِراط.

الفائِدة السادسة: وهي ما الأَعمالُ الصالِحة التي نجى الله بها هؤلاءِ القوم جماعةً وَأَفرادا؟

فالأَول: نجاه الله ببرَ والديه وقف على رؤُوسِهما بالغبوق، والغبوق معروف هو: شرب اللبن في الليل، ولم يغبق أَحدًا لا زوجهُ ولا صبيته، مع أَن الصبية يتضايغون، يعني يتصايحون، أعطنا أَعطنا ولعل منهم الذي يبكي، لا يُحسن السؤال، ومع هذا وقف على رأسي أَبويه، حتى برق الفجر، فاستيقظا وشربا الغبوق مع أَنه لو غبق الأَولاد والزوجة وترك غبوق الوالدين لم يكن عليهِ بأَس، لكن هذا من غايةِ برّه بوالديه، وقد قرن الله - سُبحانهُ وتعالى- بِر الوالِدين بعبادتهِ في كثير من آي تنزيلِه، ومنها: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [ الإسراء 23] ومنه: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [الكهف14] إِلى غير ذلكم، ولهذا يقول العُلماء في بر الوالدين: هو ثاني الحَقّيْن، واستنبطوا هذا من الآيات التي ذكرنا بعضها.

الثاني: نجاه الله - سُبحانهُ وتعالى- بأَمانته، فقد جاء في بعض طرق الحديث، أَنهُ استأجر أُجُراء فأعطى كُل واحد منهم أجره، إِلا واحدًا منهم ترك أُجرتهُ عنده، قال: (فنمّيته وثَمّرته، حتى صار واديًا من الإِبل، وواديًا من البقر، وواديًا من كذا وواديًا من رقيق)، قال: (فجاء بعد حين فقال: يا عبد الله أَعطني حقي، قلتُ له: يا عبد الله؛ كل ما ترى عيانك فهو لك)، (قال لا تستهزئ بي لا تسخر مني أعطني حقي)، قلت له: (كل ما ترى عيناك فهو لك)، (فاستاقه كُله ولم يُعطني منه شيئًا)، (اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ فَعَلْتُ ذَلِكَ..) إِلى آخر الدعوة، فلو أَنه ترك أُجرة ذلِك العامل عنده ولم ينمّها ولم يُثّمرها، أَبقاها على ما هي فإِن ذلِك ليس بلازم له، لأنَّ العامل لا يستحق هذا وجوبًا عليه، لكن هذا إِكرام منه لِعامله وعِرفان منه بجميله وصَدقةٌ منه عليه، فنجّاهُ الله بِهذِه الأَمانة.

والأمانة يا عباد الله كُل ما اؤتمن العبدُ عليه أن يؤديهُ كاملًا، وسواءً كان المؤتمنُ عليهِ عبادة، إخلاص الدين لله أو عبادات عملية أو مُعاملة، إلى غير ذلكم، ومن ذلكم ما ائتمن الله عليه الزوجين من حفظِ كل واحدٍ منهما سرّ الآخر فلا ينشره، ليتقّ الله الثرثار الذي إذا جلسَ في مجلس (فعلتُ معها وفعلتُ معها وقالت لي وفعلت كذا)، ربما قال: (فضربتها حتى طرحتها على الأرض، ثُم قضيتُ حاجتي رغمَ أنفها)، فيقول الجَهَلَة (للهِ درك، والله القرم الشجاع)، وإلا (ما يقولون كذا؟)، (إيه والله ما تستولي علي الحُرمة)، عجيب! ما زوّجوك حِمار تضربهُ، زوّجوك امرأة لك عليها حق ولها عليك حقّ، فليتق كلُّ واحدٍ منكما ربه في صاحبه.

ولربما هي ثرثرت أمام جاهلات وقالت: (والله فعلت، والله فعلت، والله كذا أشهر ما قدر يصل إلي)، (والله إنك قوية، وينك أنتِ قوية، ما نقدر) فتفخر، شجاعة ترى أنها شجاعة في هذا، وما علِم هذا وهي أنّ هذا خيانةٌ للأمانة في هذا الباب.

الثالث: نجّاهُ الله بشيئين :

أحدهما: خوفه من الله وعفّته عن تلكم المرأة.

والثاني: التصدّق عليها بما أعطاها، وفي بعض طرق الحديث قال: (إنهُ لِيَ ابْنَةُ عمٍّ، وكُنْتُ أُحِبُّهَا أَشد مَا يُحبُّ الرِّجَالُ النِّسَاءِ، فَرَاوَدْتُها عَنْ نَفْسها، فَتمْنَعَتْ عليَّ حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَة فَأَعْطَيْتهَا مِئَةَ وعشرين دِينَارا- الفصحى عشرين دينارًا ومئة-فخلّت بيني وبين نفسها، فلمّا قعدتُ بين رجليها-وفي رواية (مقعد الرجل من امرأته)- قالت: (يَا عَبْدَ اللَّهِ! اتَّقِ اللَّهَ، وَلا تَفُضَ الْخَاتَمَ إِلا بِحَقِّهِ)، فهذه المرأة:

أولًا: هي ابنة عمٍ له، ويظهر لي - والعلِمُ عند الله- أنها ليس لها وليٌّ غيره.

وثانيًا: هي بكر، وأصحابُ السوء والمولعون بالمكروه يتشوقون إلى هذا الصنف من النساء، يفتخرون بهذا الأمر أيضًا.

وثالثًا: أنها فقيرة فهو قادرٌ عليها حِسًّا، من حيث الحسّ قادرٌ عليها، لكن تلكم المرأة عفيفة، وتقية فيما يظهر، ولهذا ذَكّرته بهذه الكلمة (اتَّقِ اللَّهَ، وَلا تَفُضَ الْخَاتَمَ إِلا بِحَقِّهِ) يعني النِّكَاحِ الصَّحِيح، والرجل مؤمن، ولهذا ذُكَّرَ فَتَذَكَر، وفي التنزيل الكريم: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} [الأعراف 201]، والتَذّكُر قد يكونُ بتذكير، وقد يكون بوازعٍ من نفس المرء وقلبه، (فَقُامْ عَنْها وتَرَكَ الدَنَانِيرَ

لها) فنجاهُ الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - بهذا، والمقصود أنَّ الأعمال الصالِحة التي أَخلص القوم فيها لله توسّلوا إليهِ بها فأجابهم وأعطاهم الله سؤالهم - ولله الحمد والمنّة-.

هذا ما يسّر الله- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- من التعليق والاستفادة من هذا الحديث العظيم كبير القدر.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين.

إلى ما تيّسر من الأسئلة يا شيخ عبدالواحد.

 

القارئ: بارك الله فيكم شيخنا ونفع بكم الإسلام والمسلمين.

الشيخ: اللَّهمّ اغْفِرْ لِي مَا لا يَعْلَمُونَ، وَلا تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ، واجْعَلْنِي خَيْرًا مِمَّا يَظُنُّونَ.

 

السؤال الأول:

السؤال الأول في هذا اللقاء، يقول السائِل: هل يمكن أن نقول أن هؤلاء النفر الثلاثة قد حصلوا على الثواب في الدنيا؟ ثبتكم الله على الحقّ.

الجواب:

لا شكّ أن هذا ثواب، لكن نقف حيث وقف النصّ، فلا نجاوزه، وهذه من قواعد أهل السُّنة، القومُ مؤمنون فلا تجاوزوا النص أيها الناصحون لأنفسكم من المسلمين والمسلمات، هذا ثواب، لكن لا نقول ثوابهم مقصورٌ على هذا، لا.

أنا أُعطيكم مثالًا: لو افترضنا إنّ رجل وزوجه عقيمان ثم بالدعاء والأسباب حصل لهم التوالد، فوُلِدَ لهم ذكور وإناث، هل نقول هذا عاجلُ ثواب؟

كلّا، هذا خطأ، هذا دخولٌ فيما لا يعلمهُ إلا الله، نعم نقول هذا من حسن ثوابهم - إن شاء الله- في الدنيا إذا كانوا صالحين، أما إذا كانا فاسقين فاجرين فهذا قد يكون استدراجًا.

 

السؤال الثاني :

بارك الله فيكم هذي سؤالين يا شيخ عبر موقع ميراث الأنبياء، السؤال وهو السؤال الثاني:

يقول السائل: المحكمةُ العُليا في أمريكا قد شرعَت حُكمًا حديثًا بجوازِ الزواج رجلًا مع رجل وامرأة مع امرأة، وتجد بعض المسلمين - هداهم الله- يوافقون بهذا الحُكم، ويقولون لو يريد الرجل أن يتزوج برجل لا بأس به؛ فهل من نصيحة لهم؟

الجواب:

أعوذ بالله، هؤلاءِ حمير، وليسوا أوادم، حمير في ثياب أناسي، وهذا العملُ كُفر، ونكاح الرجل من الرجل مما هو معلومٌ من الدين بالضرورة، ففاعلُ هذا والولي والزوجان الحماران والشاهدان كُفّار، لأنَّ هذا معلومٌ تحريمهُ من الدين بالضرورة، وكون دولة كافرة رخصت؛ هذا ليس حُجة، حجةٌ واهيّة، هذا لواط، وهو معلومٌ من الدين بالضرورة.

يروون عن عبدالملك بنِ مروان أحد خلفاء بني أُمية، معروف عبدالملك بن مروان، ويُقال أبُ الخلفاء؛ لأنَّ أكثر خلفاء بني أُمية إما من أبنائه أو من أحفادهِ، يقول: ( لولا إنهُ ذُكرَ في القرآن لمّا قُلتُ إنهُ يقعُ في هذه الأُمة)، يعني معلوم حتى عند عوّام الناس، باللهِ عليكم لو سألتم عجوز من عجائز المسلمين التقيّة عاميّة، فقيلَ لها: فُلان من الناس يُريدُ أن يتزوج رجلًا، هل تظنون أنها تكفُّ دون لعنه؟ والله ما أظن إنها تكف دون لعنهِ فتلعنه وتسبّه.

أقول: هذا معلومٌ من الدين بالضرورة، معلوم من الدين بالضرورة، والنكاح استحلال، لماذا أمرَ النَّبيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وسَلَّم- سريةً- والحَدِيث في السُنن صَحِيحٌ - بقطع رأس رجلًا نَكَحَ امرأةَ أبيهِ؟ يعني فَرِّقوا بين النِكاح وبين مُجَرّد الفعل، افهموا هذا، فرقٌ بين الأمرين، فنِكاح الرجل زوجة أبيه سواءٌ طلقها أو مات عنها، هذا استحلالٌ لها، كذلك من يتزوج الرجل مثلها هذا وهذا لا فرق بينهما، فلا يختلط عليكم، فعلُ الزنا فسق ومن استحلّهُ عالِمًا عامِدًا اجتمعت فيهِ الشروط، وانتفت عنه الموانِع وكان الاستحلال بصريح القول هذا يكفُر، أما من فعل الزنا مجرد الفعل حتى لو يزني بمئة امرأة هذا فسق، يجبُ عليه التوبة منه، وهو واقعٌ في مغضبة من مغاضب الله - عَزَّ وَجَلّ-وقد فصّلنا مثل هذه الأمور.

واللواط كذلك فرّقوا بين فعلهِ وبين النِّكاح، فمن نكح رجلًا هذا مُستحلٌّ له شاء أم أبى، الآن نحن بما استحللنا زوجاتنا؟ أخذناهن بأيديهن من بيوت آبائهن؟ بماذا؟ بالعقد الصحيح، أليس كذلك؟ وهذا عقد، هذا يعملوا له عقد، ففرِّقوا بارك الله فيكم يا طلاب العلِم من الحاضرين والمستمعين وطالباته، كذلك فَرِّقوا بين الأمور المتشابهة.

 

السؤال الثالث:

بارك الله فيكم شيخنا- وكذلك هذا السؤال الثالث عبر الموقع، يقول: كثيرٌ من الناس في أمريكا - حسب السؤال- يقول يولدون من الزنا، فيقول: رجل مولود من الزنا لو أسلم كيف يتعامل مع أقاربهِ من النساء الكافرات؟

الجواب:

هو يجبُ عليهِ برُّ أُمه أولًا هو منا ونحن منه، ولا نعيبهُ بهذا، ولا نحب أنه يقول هو ولد زنا، يقول: أنا فلان ابن فلان، يبرّ أمه وخالاته أخوات أمه، أما العمّات ما نقول له عمّات، لماذا؟ لأنه لا يُنسبُ إلى أبيهِ من الزنا، يُنسب إلى أمهن فنقول: أُمه وأخواته وخالاته - أخوات أمه-، يبرّهنّ بما يتيسرُ له من العطاء، ويتعهدهن بالدعاء إلى الإسلام، ويُرغّبهُن في الإسلام بمحاسن الأخلاق بالعطايا الطيّبة والهدايا الطيّبة حسب قدرته، والزيارة أو الاتصال بالهاتف يطمئن على أحوالِهِن، وفي كل مرّة يُرغّبهن في الإسلام ويدعوهن إليه، ويُبيّن أن هذا العمل من محاسن الإسلام.

أما الرجل فأبعده الله عنه، لا صلة بينهما، لكن لو أسلّم هذا الرجل الذي زنى بأمه وولدته من ذلك، لو أسلم وتزوج أمه يكون هو زوج أمه، يكون ماذا؟ زوج لأمه محرمًا لبناته، واضِح؟ محرمًا لبناته، يعني إذا تزوج الأم هي جدتهم - جدة أولاده وبناته- وهذا جدّهم؛ مادام أسلم فهو جدّهم، فهو محرم لبناته من زوجتهِ التي تَزَوّجها بعد إسلامه.

 

السؤال الرابع:

بارك الله فيكم شيخنا، السؤال الرابع، يقول: هل زخرفة الصوت بالقرآن منفردًا أو إمامًا عبادة أم رياء؟

الجواب:

ليس عندنا في الإسلام زخرفة في الصوت أبدًا، زخرفة الصوت ليس من الدين في شيء، ولعلك تُشير إلى ما يُسمى بالمقامات الحجازية والمصرية وما أدري الشامية وكذا! كأنها مواويل، هذا حرام، فسق، استِهانة بِكتاب الله، وَإِنما المشروع عِندنا في ديننا التَغني بالقُرآن، يُحسّن صوتَهُ بالقُرآن، حسب ما جَبَلُه الله عليه، ولا يلجأ، لا يُنصح قارئ القُرآن أَن يُقَلِّد أَحدًا، التقليد هذا فِتنة.

 

السؤال الخامس:

بارك الله فيكم شيخنا، السؤال الخامس يقول: هل يُشترط النصيحة في بيان خطأ الذي أَخطأَ في المنهج ونَشَر هذا الخطأ، أَو لابد أَن يُنصَح هذا الرجل أَولا؟

الجواب:

حالتان: طالما كرّرناهما، ونعيدهُما الآن فتفطّنوا لها وأصغوا إِليهما جيّدًا وفرّقوا بينهما:

الحالُ الأُولى: أَن يكون الخطأ - في العقيدة، في المنهج، في أي شيء- لم ينتشر، في مجلس ضَيّق أَو أَخطأ فيما رأَيتهُ هو، فهذا يُنصح في حينِه ولا يُنشر، وشَواهد هذا كثيرة ومنها حديث المسيء صلاته، النَبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال :(ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ) ثلاث مرات، كلما ركع جاء فسلم على النَبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يقول لَهُ :(ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ) ثُم عَلّمهُ أخيرًا لما ذكر الرجُل أَنهُ لا يُحسن غير هذا، وكذلِك قولُه لرجل آخر قال: (مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ يا رسول الله) قال: (ويحك! أَجعلتني للهِ نِدًّا؟!) وإِنما روتهُ كُتب السُّنة للتعليم.

الحال الثانية: أَن ينتشر الخطأ ويذيع ويشيع ويتلقاه من يتلقاه على أَنهُ من دين الله، فهذا يجبُ أَن يُسلك نفس المَسار، لرد الخطأ، فمن عدالةِ أَهلِ السُّنة وحسن أَخلاقِهم وأمانتِهم، أَنهم يسلكُون مسلك الخطأ كما ذكرت في الحالين، شخص أَخطأ فيما بينك وبينه، أَو في مجلس يحويك وإِيّاه، فأَنت رُدّه؛ قل: هذا بِدعة، هذا خطأ، هذا فسق، هذا فجور، هذا شِركٌ بالله، وهكذا، ولا تنشر، أَما إِذا نشَر خطأَه فرُدَّ عليهِ بِمثلِه، وهذا هو مسلك السلف بدءً من الصَحابةِ إِلى اليوم، وأَذكر عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قال: (واللهِ ما أَظن أَن أَحدًا أَحبَّ إِلى الشيطان هلاكًا مني اليوم) قيل: وكيف؟! قال: ( تحدثُ البِدعةُ في المشرِق أَو المَغرب، فيحمِلُها الرَجُلُ إِليّ فإِذا انتهت إِليّ قمعتُها بالسُّنة، فتُردُّ عليه) وكان الأئمة، وأهل الصَلاح والتُّقى إِذا كانت الكِّفةُ الرَّاجِحةُ لهم، والشَوكَةُ القويةُ بأَيدِيهم فإِنهم يُحَذّرون من البِدع وأَهلِها تحذيرًا علنِيًا، ويصيحون بِهم مِن كُلِ حدبٍ وصوب، أَما إِذا كانت المسأَلةُ عكسية فهم ضُعفاء، الكِفةُ الراجِحة للمبتدعة، والصولة والجولةُ لهم، وقوةُ الشَوكةُ عندهم، فإِن أَهل السُّنة يكتفون بالتَحذير من البِدع، وتَعليم الناس السُّنة فقط، ولا يذكرون فلان ولا عِلان، هذا يُسمى جانب المُداراة، والله أَعلم.

 

السؤال السادس:

أَحسن الله إِليكم شيخنا وثبتنا الله وإِياكم حتى نلقاه، السؤال السادس: يقول السائل: أَرجو من فضيلة الشيخ توجيه كلمة أَو نصيحة للأَزواج الذين يسعون جاهدين في طلب العِلم مع اهتِمامهم الشَديد بأمور دينهم وأُسرتِهم ولكنهم مُبالِغون جدًّا في إِهمال ما تطلبهُ الزوجة من النظر إِليها والإِهتِمام والحِرص على الشعُور بِمكانتِها واحتِرامها وأَنها دائِمًا ملزومةٌ بالصبر ولكن أَولًا وأَخيرًا هي أُنثى ولها شُؤُونُها؟

الجواب:

أَولًا: حسب علمي أَن هذا نادر وليس كما يُفهم من ظاهر سؤالِ السائِلة.

وثانيًا: على هؤلاء الذين حدث منهم ما ذكرتهُ في سؤالِها من الإِعراض عن الحقوقِ الخاصة لزوجهِ كالمبيتِ معها، وجماعِها وملاطفتِها إِلى غير ذلك من الحقوق، يُنصحون بأَن يُسدّدوا ويُقاربوا، وأَن يُعطوا كلَّ ذي حقٍّ حقّه، يعطوا أَنفسهم حقّهم من العِلم - يعني التزود- ويعطوا أَبناءهم وَبناتهم وزوجاتهم حقوقهم من الرعاية الخاصة والعامة، هذا ما أَقولُهُ الآن.

 

وبهذا القَدر أَكتفي وأَرجو أَن تعذروني ولعل الله ييسر إِتمام هذِه الأَسئِلة مع أسئِلة الحلقة القادمة.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

الشيخ: 
عبيد بن عبد الله الجابري