وهذا يسأل عن حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها في الصَّحيح أفطرنا على عهد النَّبي - صلَّى الله عليه و سلم - يوم غيم ثم طلعت الشَّمس ولم نؤمر بالقضاء، هل يُحمل الفطر هنا على غلبة الظَّن في الغروب، كذلك كيف يجمع مع قاعدة الأصل بقاء النهار؟ ما الفرق بين غلبة الظَّن والشَّك؟
ما شاء الله هذا عدة سؤالات، ومسائل أصولية عنده جزاه الله خير.
أقول: حديث أسماء في الصَّحيح: (( قالت أَفْطَرْنَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ غَيْمٍ ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ ))،
قال الرَّاوي لهشام بن عروة - وهو أحد رواته، ورجالإسناده -: ((فَأُمِرُوا بِالْقَضَاءِ قَالَ لَا بُدَّ مِنْ قَضَاءٍ))، هذا اجتهاد منه هذااجتهاد منه - رحمه الله و رضي عنه -، وإلَّا الصَّحيح أنه لم يثبت عنالنَّبي - صلَّى الله عليه وسلم - أنه أمرهم بالقضاء،
وهذا الحديث دليل على أن من أفطر في رمضان بانيًا أفطاره على غلبةظنه أن الشمس قد غربت، وجاء من العلامات ما يدل على ذلك، ثم طلعت الشَّمس يمسك بقية يومه وصومه صحيح ولا شيء عليه، فهو مثل أو بمثابة من أكل أو شرب ناسيًا،
والنَّبي - عليه الصَّلاة والسَّلام يقول: ((إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَاهُنَا - وَأَشَارَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ - وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَاهُنَا - وَأَشَارَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَغْرِب - فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ))، وفي صحيح مسلم، جاء في حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن النَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَاهُنَا، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَاهُنَا، وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ))، فلابد من ذكر هذه الأمور قالوا قوله وأقبل من هاهنا وذهب من هاهنا، وأضاف على ذلك قوله وغابت الشمس لما، أضاف غيبوبة الشَّمس للدَّلالة على التيقن من الغروب، فإن المرء قد يكون في أرض منخفضة أو تحت جبل، أو شجر، أو يأتيه ما يحول بينه وبين التَّأكد من الرؤية فينبغي له ذلك.
لكن إن حصل شيء من هذا فلا ضير عليه بإذن الله تبارك وتعالى، والصوم صحيح، والأصل بقاء النهار هم خرجوا عن هذا الأصل بغلبة الظن، والخروج بغلبة الظن جائزة، لكن لما تبين لهم أنهم هنا أخطئوا، فإنهم حينئذ يُعذرون ولا شيء عليهم، أما الشَّك فلا يجوز، فالشَّك ليس بغلبة الظن،
فالظن الغالب هنا أن النَّهار قد ولَّى، واللَّيل قد دخل، أمَّا الشك أن يستوي الأمران، الطرفان، دخل اللَّيل، لم يدخل اللَّيل، خرج النهار، لم يخرج النهار، فهذا هو الشَّك فحيئنذ لا يجوز،
أمَّا البناء على غلبة الظن فإنه يجوز بناء الأحكام على غلبة الظَّن، بل أكثرها مبنيٌّعلى غلبة الظَّن وأيضًا حتى القسم إذا أقسمت على غلبة الظن فإنك لا تحنث ولا تكون فاجرًا في يمينك.
ولعلنا بهذا نكتفي والله أعلم.
وصلَّى الله عليه وسلَّم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.