الشيخ: الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا مُحَمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
في هذه الليلة، وهي ثاني ليلة نلتقي بكم فيها لدراسة بعض الموضوعات في السنة النبوية، فدرس هذه الليلة في حديث عَنْ أَبِي سَعِيدٍ اَلْخُدْرِيِّ- رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُ- عَنْ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أنَّ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا)، وقبل أن يبدأ أخونا وصاحبنا الشيخ عبد الواحد إمامنا وخطيبنا قراءة هذا الحديث أُنبِّه إلى أن زيادة (وكفارته كَفَّارَة يمين) في حديثِ عَائِشَةَ صحيحة بمجموع الطُّرق، فمن نذَرَ نذْرَ معصية فإنه يَحرُم عليه الوفاء به، ويتحلل من هذا النَّذر بكفارة يمين.
وإلى قراءة الحديث.
القارئ: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا، فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: لا، فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً، ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ، فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ، فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ، انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا؛ فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُد اللَّهَ مَعَهُمْ وَلا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ، فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلائِكَةُ الْعَذَابِ، فَقَالَتْ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ: جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ، وَقَالَتْ مَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ: إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَ الأَرْضَيْنِ فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ, فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ، فَقَبَضَتْهُ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ، قَالَ قَتَادَةُ: فَقَالَ الْحَسَنُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ لَمَّا أَتَاهُ الْمَوْتُ نَأَى بِصَدْرِهِ))، حديثٌ متفقٌ عليه واللفظُ لمسلم.
الشيخ: هذا حديثٌ عظيمٌ، كبير القدر، يحوي أصولًا وقواعدَ في الوعظِ والمنهج والعقيدة فوائد عظيمة.
الفائدة الأولى: هذه القصة في بني إسرائيل كما صرَّحَ بها البخاري في روايته (كَانَ رَجُلٌ مِنْ بَني إسْرِائِيل)، وقد يستدّلُ بعض الجَهَلة المفرطين في الوعظ بغير قاعدته الشرعية، وبضاعتهم إما حكايات وقصص لا أصل لها، وقد تكون منامِيَّة مرويَّة عن بعض الناس، وإما أحاديث موضوعة مكذوبة على رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-فيستدلّون على منهجهم المنحرف الفاسد بمثل هذا الحديث فيقولون مثلًا: كيف تنهَوْنَنا وقد جاءت قصة كذا وكذا وكذا؟ مثل هذه القصة الصحيحة.
والجواب: بئس ما قلتم، أتدرون ماذا يترتب على حجتكم هذه الدّاحِضة وقاعدتكم الفاسدة الميتة؟ يترتب عليها:
أولًا: نِسْبَة النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- إلى مثل ما تنتهجون من القصص والحكايات المكذوبة.
وثانيًا: لم يقلْ هذه النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- وما ماثلها من القصص الصحيح - وسيأتي بعضها- إن شاء الله- في لقاءاتنا القادمة- من عند نفسه، بل هو بالوحي، قال تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى(3)إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:٣-٤]، فكيف تستدلون بالوحي على ما هو كذبٌ واختلاقٌ وافتراء وبدعةٌ مُنْكَرة.
هذا المنهج لا ينتهجه إلا الجَهَلة الذين ليس عندهم ما يُعَلِّمون به الناس الفقه في دين الله، أو إنسانٌ صاحب هوى حاقدٌ على السُّنة، وعلى علمائها فيريد أن يصرف الناس عنهم بهذه الوعظيات المحبوكة المزخرفة أقوالها، فاحذروا هذا وهذا معاشر المسلمين والمسلمات، واعلموا أن خُطَبَ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - ومواعظه تُقرِّرُ أصول الدين وقواعده الكلية.
الفائدة الثانية: أثر الجليس السيء على صاحبه - وإن شئتم- فقولوا أثر الجليسين كُلٍّ على صاحبه، الجليس الصالح وجليس السوء، وإن شئتم فقولوا فيه دليل على أنه يجب على المسلم الحازم في أمره، الناصح لنفسه أن يختار الصالحين، فالرجل يختار الرجال من هؤلاء، والمرأة تستعين بالله على نكاح الرجل الصالح، ولها إذا عرض وليُّها عليها رجلًا فاسقًا شرِّيرًا أن ترفُضَه، وحتى تتخذَّ طريق السلام من شرِّ أهلها فلتقل لهم اعرضوا عليَّ غير هذا، أنا لا أريد هذا، وأنا أمانة في رقابكم، فإذا عُرِضَ عليها من يُرْضى دينه وخلُقُه فلتستخر الله - عزَّ وجلّ- فيه، قال - صلى الله عليه وسلم-: ((مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ، والْجَلِيس السَّوْءِ كبائع الْمِسْكِ، ونافخِ الكِيْرِ)) فبائع المسك: إِما أن يُحْذِيَكَ، أو أن تجِدَ منه ريحا طيِّبة، وإِما أن تبتاع منه، ونافخُ الكير: إِما أن يُؤذِيَك أو يَحرقَ ثِيَابَكَ، أو تجد منه ريحًا نتِنَة))، وفي الحديث الآخر الصحيح (( لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِنًا، ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّ))
فهذا الحديث فيهِ عُمومان:
قولهُ: (ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّ) هذا خُصَ منهُ أَن الضِيافة عامة قد يستظيف المرء إِنسانً كافرا.
وأَما ( لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِنًا ) فهذا على عٌمومه، وهاهنا سؤال: ما دليلُ هذا من هذا الحديث؟
فنقول: جليسُ السوء من كان معهم مُساكِنًا لهم في أَرضهم وهي أَرضه، فانظروا ما الدافع على قتلِهِ تسعةً وتسعين نفسا؟
الدافع أَمرٌ دُنيوي، شهوات، قد تكون مالية وقد تكون شَهوانية، الله أَعلم، لم أَجد لها ذِكرًا فيما وقفتُ عليه من رواياتِ هذا الحديث، فهؤلاء جُلساء سوء، لو كان بين صَالحين بررة أَتقياءَ لم يفعل ما فعل، فالجليسُ الصالح إِن نسي جَليسهُ ذَكَّره، وإِن عجزَ أَعانه، وإِن جِهلَ عَلمهُ، وإِن غَفلَ عن أَمر أَرشَدهُ إِلى ما هو خير، وإِن استشاره فإِنهُ لا يُشيرُ عليه إِلا بما هو خيرٌ له، فيما يظهر للمُستَشار في العاجل والآجل، وسيأَتي مزيد تفصيل.
الفائِدة الثالثة: فَضلُ العالم الراسِخ في العِلم على العابد الزاهِد الجاهل، وكيف ذلكم؟ انظروا حينما سَأَل الراهب يَأَّسّه وقَنّطه من رحمةِ الله –عزَّ وجلَّ- فقال :"لا " يعني: ليست لكَ توبة، وهذا قد حميت جذوةُ الشَرِّ في قَلبة، واستحكمت الشَهوة في نفسهِ، فالنتيجة أَنهُ كَمّلَ بِهِ المئة، وأَظن لو وجدَ كثيرين صَنعوا معه مِثل صَنَيع الرَاهَب لِقَتلهم كُلهم.
أَما العالِم الراسخ في العِلم فإِنهُ سَلَك مَعهُ مَسلكين:
المسلك الأَول: تهدية جذوة الشَرِّ في نفسِهِ وَقلبه، فقال: (ومن يَحولُ بينهُ وبين التوبة)، وهذا يوجَّه بتوجيهين أَعني قَولَهُ: (ومن يَحولُ بينهُ وبين التوبة)، هذا التِفات من الخِطابِ إِلى الغَيْبة، ويُوَجَّه بتوجيهين:
أَحدهما: أَنهُ لَمَّا رأَى فيهِ من الاندفاع والتشَوّف إِلى الخلاص، خَشي أَن يَفهم خطأً، فخاطبَ جالسيه، (من يحول بينهُ وبين التوبة).
أَو أَن الراوي-هذا التوجيه الثاني- غيّر الصِيغة فَجَعل الضَمَير مُحولًا من الخِطابِ إِلى الغيبة، والأَصل أَن يقول: (ومن يحولُ بينك وبين التوبة) هذا هو المَسلَكُ الأَول، فلما رأَى ذلكم العالِم دين المرء ومَيلهُ إِلى النُّصح، سَلك مَعهُ المَسلَك الثاني أَمرهُ في هذا المسلك بشيئين:
الأَول: أَن لا يعود إِلى أَرضه لأَنها أَرض سوء، وهذه فراسةُ عالم، فإِن العُلماء الراسخين يوفقهم الله - سُبحانهُ وتعالى- إِلى فِراسةٍ صَادِقة، يدركون بها من خطاب المُستَفتي، فهذا العَالم الراهب ما أَظُنه يعرف قريته، لكنهُ أَدرك مِن حَالِ الرجُل، فتفَّرسَ أَنَّ قريتهُ قريةَ سوء، فأَمرهُ بعدمِ العودِ إِليها.
الثاني: أَرشَدهُ إِلى من يَصلُحُ له ساكِنًا وَمسكُونا، فالساكن أَهلُ القرية الصَالِحة، والمسكون أَهل تلك القرية، فالأَرضُ بسلوكِ أَهلِها فهم إِما أَن يُصلِحوا فيها بِما يوافقهم الله إِليه من حُسن التَدين، إِخلاصًا لله وَمُتابعَةً لرسَولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتعليم الناس الخير بمن يوجدُ فيهم العُلماء؛ من أَهل العلم وإِن كان قَليلا، وهذا يدلنا على فائِدة أُخرى؛وهي: أَنهُ يَنبغي للأُمة ذُكُورِها وإِناثِها، أَن يَحرصوا على الإِفادة من عُلمائِهم والإِرتِباطِ بِهم، وَ أَن يَنأَوا بِأَنفسِهم عن القَصاصين وَالجَهلة وَأَهل الهَوى، فهذه الأَصناف الثلاثة فاسدة مُفسدة، وإِن أَتوا بالمواعِظ ما يُبكي الناس، ويَجَعَلُهُم ينوحون كما تنوح الثَكالى، وقد يوجدُ منهم العَوّاءَ الذي يَعوي كما يعوي الكلب، فإِنها فاسِدة مُفسِدة، وقد جاء الحضُّ على مُلازمة أَهل العلم الراسخين فيه، الناصحين للأُمة، الذين يدعون إلى الفقه في دينِ الله، والتمسك بسُنة رسولهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعلى وفق فهم السلف الصالِح، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:(إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ ، فإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا ، وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ ، فَمَنْ أَخَذَهُ فَقَدْ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ) .
وقال ابْنِ سِيرِينَ - رحمه الله-مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، التابعي الخيّر الإمامقَالَ : (إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ ، فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ)، وأبلغُ من هذا قولهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ، يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ، وَانْتِحَالِ الْمُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلِ الْجَاهِلِينَ)،وقديمًا كانوا- أعني أهل الأقطار، أعني العلماء منهم يقولون: (امْتَحِنُوا أَهْلَ المَدِينِةِ فِي مَالِك، وَأَهْلَ المُوصْل فِي المُعَافَى بْن عِمْرَان، وَامْتَحِنُوا أَهْلَ الشَّام فِي الأَوْزَاعِي، وَامْتَحِنُوا أَهْلَ مِصْر فِي الليث بن سَعد)، فإن وجدوهم يُثنون على هؤلاء العلماء، ويُعلنون محبتهم، والثناء عليهم، وذكرهم بالخير؛ قرّبوهم وأكرموهم، وإن وجدوهم على العكس من ذلك، وعلى الضدّ منه؛ فإنهم لا يُقربونهم منهم، ولا يُكرمونهم كما يُكرمون وافدة الأقطار الطيبة، الذين أثنوا على علمائهم خيرا، وبهذا يبطُل شيئان حيال الامتحان:
أحدهما: المنع من الامتحان مُطلقا وأنهُ لا يسوغ، وإن قال قائِل هذا وُجد في مجموع الفتاوى لابن تيمية أوغيره!
نقول: لكن الراجح خلفه، وابنُ تيمية في بعض المواضع رجّح هذا وهو الراجح كما ذكرتُ لكم الحكاية قبل.
الثاني: إطلاق الامتحان، وهذا خطأ، فالوسطُ وهو التفصيل؛ هو الذي ينبغي، وهو أنه يُمتحنُ من يُجهلُ حاله؛ إما لجهالته، فإذا رُؤِيَ أنهُ يتقرّب بالطيبين ويتّمسح بهم فهم يمتحنونه، أو جُهِلَ تدينه ويدلُّ لهذا قصة مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه- وهي في صحيحِ مسلم، ومُلخصها أنه كانت له جارية ترعى الغنم بسلع-وهو معروف عند أهل المدينة إلى اليوم- فعدا الذئب فخطف واحدة من الشياة، فلمّا قَدِم سيدها أخبرته فلطمها، ثُم بعد ذلك تأثّر وتأسّف ونَدِم، فأتى رَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبرهُ الخبر، فقال يا رَسُول اللَّه: إني بشر أغضب كما يغضب البشر، أخبرهُ الخبر، أفلا أُعْتِقُهَا؟ قال: جئني بها أنظر أمؤمنة؟ فلمّا جاءَ بها إلى رَسُولِ اللَّه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- قال لها: أَيْنَ اللَّهُ؟ قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ، قَالَ: مَنْ أَنَا؟ قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّه، قَالَ: "أَعْتِقْهَا ؛ فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ".
فهذا الحديثُ دليلٌ على أنّ من جُهِلَ حالهُ أو جُهِلَ تدينه فإنهُ يُمتحن.
ثُمَّ في سدّ الباب، سدّ باب الامتحان؛ فيهِ نيلٌ من علمائنا الحاضرين، من مضوا مثل الشيخ محمد بن إبراهيم والشيخ عبدالرحمن بن سعدي والشيخ بن عثيمين والشيخ بن باز وكلهُم أئمة، فمن عُرِفَ أنهُ من الجماعات الضّالة مثل جماعة التبليغ، وجماعة الإخوان المسلمين وكلتا الجماعتين ضالّةٌ مُضلّة، منحرفةٌ عن سبيل المؤمنين، سالِكة سبيل المُضلين، إذا شُكَّ في إنسان أنهُ ينتمي إلى إحدى هاتين الجماعتين فإنهُ يُمتَحَن حتى يُستبان أمره أو حتى يستبين أمره، بل وزارة الشؤون الإسلامية منهجها مع المتقدمين للإمامة أو الدعوة أو غير ذلك، فإن اللجنة الاستشارية في الفروع، أو اللجان الاستشارية تختبره وتنظر أكفؤٌ أو لا، هذا معمول ولا يُنكرهُ أحد.
وأما الأحياء فأذكر رجلين خَيّرين وغيرهما كثير - ولله الحمد- ولكن قصدي التمثيل، الشيخ صالح بن فوزان الفوزان - حفظهُ الله-، والشيخ صالح بن اللحيدان - حفظه الله- فنحن والله نمتحن من لا يظهر لدينا أنه يحبهما، فمن أبغضهما أبغضناه، ونحسبهما على رسوخ وفقه، على رسوخ في العلم وفقه - ولله الحمد- ودعوة حكيمة جميلة، فمن أبغضهما أبغضناه ومن أحَبّهما قرّبناه، فإذا ظهر منه ضد ذلك مقتناه وأبعدناه وتخلينا عنه، وأسلمناهُ إلى شيطانه، قلنا لست مِنّا ولسنا منك فاطلب غيرنا.
فهذا العالِم كما قلنا أرشدهُ أولًا إلى هجر دويرته، وأرشده ثانيًا إلى أهل الصلاح، مكان الصلاح والتُقى، وجماعةُ التبليغ الضالّة المُضلّة التي يتبعها الملايين، تواتر النقلُ عنهم أنهم يحتّجون بالحديث (أُخرُج مِنْقَرْيَتِكَ فَإِنها قَرية سُوء) انظروا! المملكة العربية السعودية التي هي بلدُ التوحيد ودولتها دولة التوحيد، وقُراها - ولله الحمد- توحيد، مليئة بالمُوَحِّدين، أهل التوحيد والسُّنة، وأعظمُ قُراها مكة- حرسها الله- والمدينة- حرسها الله- كذلك، فمقولتهم هذه قاعدة مُضطردة، لا تسلم منها القريتان، لا مكة ولا المدينة، ناهيك عن أنها عامّة في كل بلدٍ مُسلِم السُّنةُ ظاهرةٌ فيه، فتفطّنوا إلى ضلالات الجماعتين، جماعة الإخوان المسلمين وجماعة التبليغ، وهما كبرى أو كبريان الجماعات الدعوية الحديثة التي كلها على ضلال وانحراف وفساد.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الأعمال بالخواتيم، فهذا الرجل فطرتُهُ طيِّبة وقَبِلَ النُّصْح، وسعى إلى المكان الطيب ذي السُّكان الطيبين، ولكن وافته منيَّتُه فكان من رحمة الله به ما كان، فلمَّا نصفَ الطريق بينَ القريتين وأدرَكتهُ المنيَّة هيَّأ الله ملائكة الرحمة وملائكة العذاب يختصِمون عنده، وقد سمعتم خصومتهم، خصومة الطائفتين من الملائكة - عليهم الصلاة والسلام-؛ فملائكة الرحمة تحتج بأنه خرج تائبًا، والتوبة تَجُبُّ ما قبلها، هذه حُجَّة قوية، وملائكة العذاب تقول إنه لم يعمل خيرًا قط، وحجتهم من حالِهِ، فبعث الله ملكًا على صورة رجل يحكم بينهما فحَكَمَ بما سمعتم بأن يقيسوا ما بين الأرضين، فأيَّة أرضٍ هو أقربُ إليها كان مع أهلها، فكان من رحمة الله أنَّه أدنى بوحْيِهِ الأرض الصالحة مسيرة شبر، فأخذَتْهُ ملائكة الرحمة، وهذا يدلُّ على أنّ الله - سبحانه وتعالى- لا يتخلّى عن عبده الذي يذْكُر إذا تَذَكَّر، ويتَّعِظُ إذا وُعِظَ، وينْتَصِحُ إذا نُصِح، فهو على تقوى، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} [الأعراف:٢٠١]، بَصَّرَهُ الله -عز وجل- على يديّ ذلك العالم، وكان طائفُ الشيطان يلعب به لعبًا، ويُمَيِّلُهُ تمييلًا والله أعلم بحاله، مائة نفس قتلها ظُلمًا وعدوانًا فغفر الله له ومحى عنه بتوبته تلك السيئات العظيمة.
وقد جاءت روايات بعضها سمعتُموها في لفظ مسلم أنه هو نأى بصدره، وبعضُها جاء أيضًا أنّ الله أوحى إلى هذه أن تَقَرَّبي - وقد سمعتموها- ولهذه أن تباعدي، ولا معارضةً بين هذه الروايات أبدًا، وإنما يُقالُ كيف دنى؟ كيف نأى بصدره؟ نقول: لعلَّه حين أحسَّ بالموت حاول نأى بصدره إلى الأرض التي سيقدم عليها لولا موافاته المنية.
هذا ولا أقول إني استوفيت كلَّ ما في الحديث، لكني أوجزت وإن كان الإيجاز وإن كان في بعض المواضع طول وما أردْت إلا إفادة نفسي والحاضرين والمستمعين من أبنائي وبناتي.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تفضل بارك الله فيك إلى قراءة ما تيسر من الأسئلة.
القارئ: بارك الله فيكم شيخنا ونفع بكم الإسلام والمسلمين.
السؤال الأول:
يقول: هل يحِقُّ لي أن أخرج لطلب العلم وأنا معتكف؟
الجواب:
هذا له حالتان:
إحداهما: أن تكون حلقة العلم التي يعقدها صاحب السنة الفقيه الرّاسخ في نفس المسجد، فلا يظهر لي بأسٌ في ذلك.
الثاني: أن تكون الحلقة في مسجدٍ آخرٍ يُكَلِّفُهُ الخروج، فلا أرى الخروج، ويمكنه الحصول على ما يستأنس بمذاكرته في اعتكافه من أشرطة بعض الأشياخ الفُضلاء، أو كتب أئمة في السُّنة يتدارسُها مع نفسه أو بعض أو مع بعض إخوانه المعتكفين معه، والله أعلم.
السؤال الثاني:
بارك الله فيكم شيخنا، السؤال الثاني يقول: هناك أختٌ أجهضت هذه الأيام...
الشيخ: كيف؟
القارئ: أجهضت أي كأنها في الولادة...
الشيخ: أجهضت؟
القارئ: يعني يقصد أسقطت وليدها يا شيخ، هل تصوم أم لا يا شيخ؟
الجواب:
إذًا أصبحت لدينا ثلاث فقرات مثل الاختبار، ألف باء جيم.
أقول: هاهنا ثلاثة أمور:
- إن كانت أسقطته هي؛ عمِلَتْ شيئًا كما تعمله بعض الحمقاوات فهي آثمة، ويجب عليها التوبة والاستغفار.
- الحال الثانية: أن يكون سقط هو، وهذا هو الظنّ بكل مؤمنة بالله واليوم الآخر، فإنَّا ما عرفنا امرأة عاقلة حسنة التَّديُّن ترضى هذا لنفسها، بل تُحاول حتى لو أتعبها وأجهدها تحاول أن يبقى رجاء منفَعَتِهِ لها، ولا تستجيب إلا بعد نصح من أطبة حاذقين استشاريين أو أساتذة، فتقول إنَّا لله وإنا إليه راجعون، ونسأل الله أن يُعوِّضها خيرًا منه.
- بقي الصِّيام وهذا له حالتان:
الحالة الأولى: أن يسقُط الجنين فيه صورة، صورة آدمي؛ وجه، رأس، يد، رجل، فهي نُفَساء في هذه الحال، ولا تصوم حتى تَطْهُر وتغتسل، تُمنَعُ مما تُمنَع منه النفساء.
الحال الثانية: أن لا يظهر فيه صورة، كأن يظهر قطعة لحمة أو كتلة دم، فهذا الدم دمُ فساد، لا يمنَعُها من شيء، فتصوم إن قدرت.
السؤال الثالث:
بارك الله فيكم شيخنا، السؤال الثالث في هذا اللقاء، يقول: شخصٌ سافر فبَيَّتَ نية الصوم في سفره، وأثناء النَّهار وطأ زوجته ناسيًا صومه، وزوجته طاوعته له ظانًّا أنه مُفطِرٌ بسبب السَّفر؛ فماذا عليهما؟ علمًا بأن الأخ يعني يقول نسيَ صومه؟
الجواب:
يظهر لي أولًا أنهُ في البلد، ومادام ناسيًا فلا شيء عليه، يُتم صومه، وأمَّا زوجه فهي في الحقيقة تساهلت.
القارئ: لا يا شيخ، السؤال إنه سافر.
الشيخ: سافر؟
القارئ: نعم يا شيخ.
الجواب: وزوجه إذن لا بأس عليهما، أفطر بالجِماع كالذي أفطر بالطعام والشراب سواءً كان ناسيًا أو مُتعمدا، لا شيء عليه، أنا كنتُ أظنهُ في البلد.
القارئ: لا، يقول: سافر.
الشيخ: مادام سافرَ لا شيء عليه.
السؤال الرابع:
يقول: ما حكم الزيادة في دعاء الوتر والتأمين عليها، لعله يا شيخ يقصد الزيادة على ..؟
الجواب:
معروف معروف، حديث (اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ) أولًا هذه الزيادة لها صورتان:
زيادة يسيرة مثل: (اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً) زيادة بسيطة، فهذه لا بأس بها- إن شاء الله تعالى- لأنَّ قول الحسن- رضي الله عنه- (كلمات أقولهّن في الوتر) لفظة في (الوتر) شاذّة قالهُ بعضُ أهل العلِم، وأنا في الحقيقة لم أدرسها.
الحال الثانية أو الصورة الثانية: التطويل، أن يكون الدعاء يُعادِلُ مثل القراءة في ركعة أو أكثر فهذا ليس من السُّنة، بل يُنصحُ الأئمة أيضًا أن يقنتوا تارّة، وأن يتركوا تارّة بما علمه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحَسَنْ من الدعاء أو بما ماثلهُ أدعية قليلة، فعَنْ عَائِشَةَ - رَّضِيَ اللّهُ عَنْها- قالت كان رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتخيّر جوامع الدعاء، ويدعُ ما سواه.
السؤال الخامس:
بارك الله فيكم شيخنا، يقول: إذا صليتُ العشاء خلف إمام، ثم خرجت وصليت القيام في مسجدٍ آخر لأنهُ يؤخرُ صلاة القيام، هل أدخل في قولهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ﻣَﻦْ ﻗَﺎﻡَ ﻣَﻊَ ﺍﻟْﺈِﻣَﺎﻡِ ﺣَﺘَّﻰ ﻳَﻨْﺼَﺮِﻑَ ﻛُﺘِﺐَ ﻟَﻪُ ﻗِﻴَﺎﻡُ ﻟَﻴْﻠَﺔٍ) أم لابُد أن أبدأ معهُ من صلاة العشاء؟
الجواب:
أنت بين حالين فيما يبدو لي والعلمُ عند الله.
الحالُ الأولى: إما أن تجعل صلاتك صلاة العشاء والقيم مع إمامٍ واحد ولكَ هذا الأجر - إن شاء الله تعالى-.
الحالُ الثانية: أن يكون إمام الحي هو إمامك، وذاك ليس إمام حييك، خارج حييك، فالأوْلَى أن تُصلي معهُ ما قدرت عليه، حتى تنال - إن شاء الله- ما في قوله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الأجر (ﻣَﻦْ ﻗَﺎﻡَ ﻣَﻊَ ﺍﻟْﺈِﻣَﺎﻡِ ﺣَﺘَّﻰ ﻳَﻨْﺼَﺮِﻑَ ﻛُﺘِﺐَ ﻟَﻪُ ﻗِﻴَﺎﻡُ ﻟَﻴْﻠَﺔٍ) أو قالَ ( قيام الليلة)، والأَوْلَى أن تُصلي حتى يقضي صلاته، لكن لو طرأ لك طارئ من تعب أو عجز أو إرهاق فانصرفت، فلا شيء عليك - إن شاء الله تعالى-.
السؤال السادس:
بارك الله فيكم شيخنا، وهذا السؤال السادس، يقول السائل: نحن مؤسسة تمويل مسؤولون عن تقديم الأكل للمهندسين غير المسلمين ويعملون في مشروع يبعد عن المدينة تقريبا ثلاثين كيلو متر، والعقد يشمل فتره رمضان؛ فهل يجوز تقديم لهم الأكل في النهار؟ وجزاكم الله خيرا.
الشيخ: الأكل لمن؟
القارئ: لمهندسين غير مسلمين.
الجواب :
بالنسبة لغير المسلم لهم ذلك، لكن- الحمد الله- الدوله عندنا تمنعهم من إظهار هذا أمام زملائهم أو أمام المسلمين عامة.
بقيت المؤسسة؛ هذه بين حالين:
الحال الأولى: تحاول إلغاء هذا العقد في رمضان، وتتركه لمؤسسة أخرى, لا تتدخل فيه.
الثاني: إذا لم يمكن ذلك فأرى أن تسلمه موظفين من نفس المؤسسة من نفس العاملين الكفار، تُسَلِّمهم إياه، ثم تتركهم، فالنبي- صلى الله عليه وسلم- ترك من كان في المدينة من اليهود على ماهم عليه من الفطر في رمضان, تركهم لأنهم لا يدينون لله بهذا، يُسلمون أولًا.
السؤال السابع:
بارك لله فيكم شيخنا، يقول السائل: هل من شروط المهاجر أن يستأذن الوالدين؟
الجواب:
حقيقة مسألة الهجرة كثير من الناس يجهل ضوابطها، وإنما يأخذهم الحماس، وقد فصلنا القول في هذه المسألة في مواطن لا أُحصيها, منها إجابات، ومنها تقريرات مسائِل في أثناء دروس.
أقول الآن: هذا الذي يُهاجر له أحوال:
الحال الأولى: أن يتمكن في البلد الكافر بإقامة شعائر الله التي تَعبّده بها من أداء الصلوات الخمس في أوقاتها ولو تأخرت قليلًا لا بأس، ولو أَدَّى الأمر إلى أن يجمع الظهر مع العصر جمع تقديم أو تأخير، كيف ما تيسر، وكذلك المغرب والعشاء جمع تقديم أو جمع تأخير كيف ما تيسر، والجمعة، ويؤدي الزكاة إذا كان له مال زكوي، وكذلك يصوم رمضان ويحج و يعتمر إذا استطاع، ويبيع ويشتري بالحلال، فهذا لا تجب عليه الهجرة، بل إذا كان له والدان مسلمان فيجب عليه البقاء فيما أراه بينهما حتى يُبَرَّهما، وإن كان والداه كافرين أرى كذلك أن يبقى ويتأَلَّفهما لعل الله يهديهم للإسلام؛ هذا أولًا.
الثانية: أن لا يتمكن من أداء ما افترضه الله عليه وتعبده به في تلك البلدة الكافرة، فهذا إن أمكنه الهجرة إلى بلد مسلم فذاك, وإلا فليهاجر إلى بلد كافر لكنه يؤدي فيه ما افترضه الله عليه.
هذه ضوابط الهجرة - بارك الله فيكم-، نعم بعض الناس ينتقل مؤقتا مثلًا ينتقل للمدينة أو مكة أو بلد مسلم مثل مصر, يلتقي برجال صالحين فضلاء عندهم من العلم ما يزودونه به، فهذا يستأذن والديه حتى يحصل على علم يُمَكِّنه من أداء ما افترض الله عليه على الوجه الصحيح ويُعَلِّم غيره إذا قَدِرَ على ذلك.
هذا ما لديّ في هذه المسألة الآن.
السؤال الثامن:
يقول: هناك بعض البلدان يطول فيها النهار، يعني إلى تسعةَ عشر ساعة أو عشرين ساعة، ويقول: كيف يكون صيامهم؟
الجواب:
هذا بلد أُوربّي أو أمريكي، هذا فيما يظهر لي, أذكر أنه صَدرَت فتوَى لعلَّها مِن المجمع الفِقهي أو هيئة كِبار العُلماء, نسيت الآن, أنّهم يَعملون على أقرَب بَلَد مُسلم, فَيَصومون بِصيامه ويَفطرون بِفطره, والله أعلم.
القارئ: يا شيخ, يعني ما يَصومون النَّهار؟
الشيخ: هو النَّهار تِسعة عشرةَ ساعة.
القارئ: نعم, أو عِشرون ساعة يا شيخ.
الشيخ: والباقي كم؟ ليلًا, إذًا يَصومون النَّهار, أنا ظننت يَشتبِه عليهم الليل بالنَّهار, إذًا يَصومون بالنهار ويَفطرون بالليل.
القارئ: يصبرون.
الشيخ: يَصبرون وأجرَهم عند الله – عزَّ وجلّ -, ثم غالِب هذه الأقطار باردة, أبرد مِن المَدينة.
القارئ: أحسن الله إليك شيخنا.
الشيخ: نحن النَّهار عندنا الآن خمسةَ عشرة ساعة ودقائق, على ما أظُن ثلاث عشرةَ دقيقة, أو ثِنتا عشرةَ دقيقة, خَمسة عشرةَ ساعة, يعني باقي بيننا وبينَهم شيء بسيط, أربع ساعات إلّا.
السؤال التَّاسع:
أحسن الله إليك شَيخنا، السؤال التَّاسع, يقول السائِل: هل يَجوز للمُعتكف أن يَخرج في خِدمة أهله وقضاء حَوائِجهم, حيثُ ليس لهم مَن يَقوم بِخدمَتهم.
الجواب:
السائِل سأَل وأفتى, لا بأس بذلك - إن شاء الله تعالى-, لكن لا يَتَحدّث مع الزوجة أو الزَّوجات حَديث مُتعة, يسألهم عن حالُهُم وماذا تَحتاجون, ثم يَقضيها لَهم.
السؤال العاشر:
بارك الله فيكُم شيخنا، السؤال العاشِر، نفس السائِل يقول: ما هي المدّة التي اعتكف فيها النَّبي – صلى الله عليه سلم – في المَسجد؟
الجواب:
هو اعتَكَف, يعني هو اعتِكافه كان لَه صُوَر, اعتَكَف مرة رَمضان كلّه, ومرَّة اعتكف عِشرين ليلة, ومرَّة اعتَكَف العشر الأوسَط, وآخر ما استَقرَّ عليه الأمر أنه اعتَكف العشر الأواخِر مِن رمضان, وفي رِواية أنه اعتَكف عِشرين ليلة مِن شوَّال, هذا كلُّه في تحرّي ليلة القَدر منه –صلى الله عليه وسلم -, وهذا دليل على أنه لا يَعلم مِن الغَيب إلَّا ما علَّمه الله.
السؤال الحادي عشر:
بارك الله فيكم شيخنا، السؤال الحادي عشر، يقول السائِل: أنا مريض بِصعوبة التَّنفس, فما حُكم استخدام البخَّاخ مِن الفَم ليسهُل التَّنفُّس وذلك في نَهار رمضان؟
الجواب:
أقول هذا يَرجع إلى مادَّة البخَّاخ, هَل هي مُجرَّد هواء أو مادَّة جُرمِيّة؟ يعني فيها جُرم سائِل, فإن كان الأولى فالصِيام صحيح ولا شيء عليه, يُتِّم صَومه, ونَسأل الله الكَريم أن يَشفيه, وأمَّا الحالة الثانِية؛ فهذا يُفطِر, فإذا شفاه الله, إذا كان مرضه أحيانًا يكون مؤَقَّت، الربو هذا مؤقَّت, يزول, فعليه أن يَستشير الطَّبيب, هل يُرجى شِفاؤُهُ أو لا, فإذا أفتاه استشاري أمراض الصدرية وما حولها أو أستاذ مُسلِم مأمون بأنهُ لا يرجى شفاؤه فعليه أن يُطعم عن كُلِ يومٍ مسكينا، فإذا أفطر الناس في عيد الفطر يُطعم بقدر ما أفطر الناس، فإن صاموا ثلاثين أطعم ثلاثين مسكينًا، وإن صاموا تسعةً وعشرين أطعمَ تسعة وعشرين، وهذا الإطعام وجبة من أوسط ما يأكُل، وإن قُدِر على الأعلى فهو خير، وجبة فطور أو غداء أو عشاء.
السؤال الثاني عشر:
بارك الله فيكم شيخنا، يقول السائل: لقد بلَّغني والدي أَننا من آل البيت؛ فهل يَحل لي أَن آكل مما يُقدمهُ الناس في المساجد الإِفطار والماء علمًا بأَنهُ يكون من صَدقاتِهم، ثم قال: وأيّ أَنواع الصدقة مُحرَّمة على أن أَخذها وَأَنتفِعَ بِها؟
الجواب:
أَولًا: الأَمر ليس كما أَطلقتَهُ يا أَخي، فهذه تفطير صائِم وليس عندنا وليس عندك بُرهان أَنه صَدقة، تفطير صائِم.
القارئ: تفطير الصائِم يشمل الغني والفقير يا شيخ يعني.
الشيخ: هذا هو يعني يأَكُل مِنها من حضر، غني وَ فقير وَمسكين، فهي عامة، وَأَما قَولُك: أيُّ أَنواع الصَدقة؟
فالجواب: الصَدقةُ صدقتان:
إِحداهما: صدقةُ التطوع؛ وهذه لا إِشكال فيها، أَفتى بِهذا بَعضُ أَهل العِلم.
الثانية: الصَدقةُ الواجبة للزكاة المَفروضة، فمن كان فَقيرًا من آل البيت حلّت لَهُ كَذلِك، لماذا؟ لأَن نَصيبهم كان في الخُمس من الغَنيمة وخُمس الغَنيمة غير موجُود فَتَحِلُّ لهم ضَرورة، تحلُّ للغارم والفقير والمسكين تحل لهم.
السؤال الثالث عشر:
تقول: سَماحة الوالد أَنا ابنتكم من تونس من الله عليها أَنها قَدمت معَ زَوجها إِلى المَدينة، وسؤالها: أَنها كيف توفق بين طلب العِلم و خدمة الزوج وشؤون البيت؟
الجواب:
سددي وقاربي يا بنتي، كان المُسلمات والصحابيات والتابعيات ومن بعدهن يُسدِّدن وَيُقاربن، يُمكنك الحصُول على كُتب أَهل العِلم، وَأَنا لا أَدري عن مُستواكِ العِلمي، أَنتي خِريجةَ كُلية أَو ثانوية أَو دون ذلِك، فسَدِّدي وَقاربي، وَاخدمي زوجك وأهل بيتك، وزوجك - إن شاءَ الله- سَيجلب إِليكِ ما استفادَهُ من أَهلِ العِلم، وَأَنتِ على نيتك- إِن شاء الله تعالى.
السؤال الرابع عشر:
وهو السؤال الثاني للسائِلة: أريد توجيهكم لي بما يتعلق بِحفظ القرآن؛ هل تنصحني بِحفظِهِ كُلِه ثُم الرجوع إِلى تَفسيره، أَم أَحفَظهُ مع التَفسير، وجزاكم الله خيرا.
الجواب:
وهذا -يا بنتي- حسب قُدرتك، ولكن ننصَحُكِ أَن تتعلمي مع القُرآن السُّنة، قال -أَظُنهُ - أَبا سَلمة بن عبد الرحمن -رحمه الله-: ( حدثنا الذين كانوا يُقرِؤننا القُرآن عُثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود - وذكر آخرين - أَنهم لم يَكونوا يُجاوزوا عَشر آياتٍ من فَمِ رسولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى يَتعلموا مَعناها وَالعَملَ بِها،) قال: (فكانوا يَتعلمون العِلمَ والعَمل) فَتعَلَّمي من القرآن، وتَعَلَّمي من الحَديث.
السؤال الخامس عشر:
بارك الله فيكم شَيخنا، هذا السؤال الخامس عشر، يقول السائل: شيخنا أحسن الله إِليكم، حفظكم من كل شَر وَمكروه.
الشيخ: آمين وإِياكم والسَامعين في الدين والدُّنيا والآخرة.
والسؤال يقول: في بَلدِنا رَجُلٌ تاجر وَفي مُستَودَعِهِ بَضائِع كَثيرة، حَصلَ عليها في أَوقاتٍ مُختَلِفة، عِلمًا أَن العُملة أَحيانًا ترتَفع وَأَحيانًا تنخفض، والسؤال: كيف يُقيّم سِعر البَضائِع، وَكيف يُخرج الزَكاة؟ وجزاكم الله خيرا.
الجواب:
هذه ما يُعرف عند الفُقهاء بِعروض التِجارة وقد صَحَّ عن النَبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنهُ قال: ((من استَفادَ مالًا فلا شيء فيه حتى يأَتي عليه الحول)) أو كما قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهذا صَاحِبك يَجمع ما عِندهُ من نُقود وَ ما لديهِ من بَضائِع، فيُسَعّر البضائِع ويقوّمها بِسعر السوق في الحاضِر، وَ يَضمّها إلى ما لديه من النقُود ثُم يُزكيها، كأَنها كُلها نُقود، وإِن رأَى أَن المَصلحة دَفع - مثلًا- مواد غِذائِية أَو أَكسية لِفقراء يرى من حالِهم أَنهم لو أَتتهم نقود عبثوا فيها فلا بأَس بذلك، وكان بودِّي لو لَقِيَني صاحِب الشأن في بعض لِقاءَاتِنا فأَصورها له تَصوير أَكثر من هذا، لكن هذا يَكفي - إِن شاءَ الله-.
هذا السؤال الخامس عشر؟ نعم، وبِهِ نكتفي و سيعرض علينا صاحبنا وَأَخونا شيخنا عبد الواحد ما لم نتمكن من الإِجابةِ عليه في هذِهِ الجَلسَة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آلهِ وَصحبهِ أَجمعين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.