يقول: يُرمى العلماء الصالحون بلقب مرجئة الحكام؛ فما سبب هذه التسمية؟
هذه يرميهم بها من ركِب مذهب الخوارج، لأنهم لا يكفِّرون الحُكَّام بسبب المعاصي أو الفسوق أو ما يروْنَ أنه من المنكرات، وأنَّ الحُكَّام قد أقرُّوه ولو لم يعلموا به، هكذا يقولون، فيرونك أنت حينما تنكر عليهم هذا، وتقول هذا ليس من الطريق الشرعية، الطريق التي كان عليها أصحاب النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم - وسلف الأمة الصالحين، قالوا أنت مرجئ مع الحكام، ليش مرجئ مع الحكام؟ يعني ما تُكفِّرهم, تكفرِّهم بالمعاصي؟! هذا لا يجوز، ما يجوز، التكفير بالمعاصي ليس من سمت أهل الإيمان، وإنَّما هو من سمت أهل البدع، وعلامات أهل البدع، الخوارج.
أمَّا الحاكم ما دامَ يُصلِّي ويقيم الصلاة، ويأمر بالصلاة، فالنبي – صلَّى الله عليه وسلم - أمرنا بالصبر عليه، وإن جاروا وظلموا، وإن ضربوا الظهر وأخذوا المال، بل قال النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم - حينما سَأَل كيف بكم إذا كان عليكم أُمراء يسألونكم حقهم - يعني من السمع والطاعة - ويمنعونكم حقكم، فيه أبلغ من هذا يا أخوتي؟! في الصحيح، أبلغ صراحة من هذا الحديث فيه؟! قالوا: ((فما تأمُرُنا يا رسولَ الله قالَ أدُّوا إليهِم حقّهُم – يعني من السمع والطاعة - واسألوا اللهَ حقكم - أنتم -، فإنَّ الله سائلهم عمَّا استرعاهم))، وذلك لأنَّ في مطالبة كُل واحد منَّا بحقِّه من السلطان، يورث هذا الفوضى، فتختل الأمور، ويتزعزع الأمن، فأُمرنا أن نتنازل عن المصلحة الخاصة والحق الخاص في تحصيل المصلحة العامة، الأكثر من هذا أمر النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم - بالسمع والطاعة للحكام وإن جلدوا ظهورنا وأخذوا أموالنا, أموالنا نحن الخاصة مالك ورثته من أبيك عن جدك، كابر عن كابر أو اشترَيْتَهُ بحُرِّ مالك، أخذه منك وجلد ظهرك قال النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم –: ((وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ)) ولم يرخِّص إلَّا في حال واحدة بالخروج عليهم؛ إذا أعلنوا الكفر البواح، ويُروى ((براح))، والبراح؛ قال الحافظ بن حجر:"البراح: هو الأرض المستوية التي لا يحجبك فيها عن الشيء ورؤيته شيءٌ"، يعني الكفر واضح ما فيه شبهة، تراه رأي العين، ما فيه شبهة تمنع من التكفير، ويقوم به أهله، هذا يجوز لك حينئذٍ الخروج، ومتى؟ إذا توافرت العدة وانتفى المخوف، وهو الشرط - أن تكون عندنا القوة - ما نخرج مثل ما خرجوا في بعض البلدان فأهلكوا أنفسهم، هذا ما هو خروج على الكافر، لكن أنت ما تستطيع ما لك به قَدر ولا قوة، صحيح يجوز لك عليه أن تخرج شرعًا إذا وصل إلى الكفر، لكن انظر أنت في العواقب؛ هل تكون إزالته بِشَر أخف ممَّا هو حاصلٌ منه أو بأكثر أو بمساوي؛
· فإن كان بأكثر ولو كان كافرًا حَرُم، وعليكم أن تصبروا وتعدُّوا العدة.
· وإن كان بأقل جاز الخروج بل وجب في حينه، إذا كنتم تستطيعون إزالة هذا الكافر.
· وأمَّا إذا تساوى فهنا محل اختلاف العلماء، فالنبي – صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((أَلَا مَنْ وُلِّيَ عَلَيْهِ وَالٍ فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا يَنْزِعَنَّ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ))، أحبَّتي؛ هذه نصوص النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم - يجب أن تكون على الرأس والعين، نقول سمعنا وأطعنا، ولا تملكنا العواطف العواصف، ما من إنسان إلَّا وفي قلبه يناله شيء من الحاكم، لكن العاقل هو الذي يتنازل عن الخاص لبقاء المصلحة العامة.
الآن اضرب لكم مثالًا يُنزع دارك من هذا الطريق نزعًا، وتعوّض عليه بالمال، وأنت لا تريد أموال الدنيا كلها، ما تريد إلَّا هذه الدار، فيُقال هذه مصلحة عامة، العُقلاء كلهم يلومونك، يقولون لك أنها مصلحة عامة يا أخي، الحمد لله قد أرضوك، فكيف بما هو أعظم من هذا؟!
إنَّ الخلافة حبل الله فاعتصموا منه بعروته الوثقى لمن دانَا
كم يدفع الله بالسُّلطان معضلة في ديننا رحمة منه ودنيانا
لولا الخلافة لم تؤمن لنا سبلٌ وكان أضعَفُنا نَهْبًا لأقوانا
يقوله عبد الله بن المبارك - رحمه الله تعالى -، فالواجب علينا أن نتقيَّد بخطاب رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -، وأن نبتعد عن العواطف العواصف.
وأسأل الله بأسمائه وصفاته العُلا أن يرزقنا وإياكم الفقه في دينه، والبصيرة فيه، والثبات على الحق والهدى حتى نلقاه، إنَّه جواد كريم.
وصلَّى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.