جديد الموقع

888287

الجواب: 

الشيخ: الحمد لله وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين، لا نزالُ في أحاديث الصيام من عمدة الأحكام، وقبل البدء في درس اليوم أُنبّه الحاضرين والمستمعين إلى أن لقاءاتنا خلال شهر رمضان وقبل العشر الأواخر منه ستكونُ في الليل بعد العشر الأول من صلاة التراويح، وسيُعلنُ إمام المسجد عن هذا إن شاء الله تعالى.

القارئ: بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آلهِ وصحبهِ ومن والاه أما بعد فاللهم اغفر لنا ولشيخنا ولوالدينا والسامعين.

قَالَ الحَافِظ أَبُو مُحَمَّدُ المَقْدَسِيِّ-رحمه الله-في كتابهِ عُمدة الأحكام في مَعَالِمِ الْحَلَالَ والْحَرَامَ عَنْ خَيْرِ الإنام مُحَمَّدٍ- عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-مما اتّفق عليه الشَّيْخان الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ ، قال في كتِابِ الصِّيَام:

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ : سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ : أَنَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ : نَعَمْ، وَزَادَ مُسْلِمٌ: وَرَبِّ الْكَعْبَةِ.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : لا يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ, إلاَّ أَنْ يَصُومَ يَوْما قَبْلَهُ, أَوْ يَوْما بَعْدَهُ.

الشيخ: في هذين الحديثين من الفوائِد:

أولًا: النهي عن تخصيص يَوْمَ الْجُمُعَةِ بصيام، فلا يحلُّ للمُسلِم أن يَعمِدَ إلى صومِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فيُخصصهُ بصيامِ نهاره أو قيام ليلهِ والأصلُ في النهي التحريم ما لم يصرفهُ صارِف، وهذا مُقيّدٌ بشيئين:

الأول: في نصّ حديث أبي هريرة-رضي الله عنه-: (إلاَّ أَنْ يَصُومَ يَوْما قَبْلَهُ , أَوْ يَوْما بَعْدَهُ)، فاليوم الذي قبلهُ هو يومُ الخميس، واليوم الذي بعدهُ يوم السبت، فإذا صامَ أحد هذين اليومين مع يوم الجمعة ساغَ لهُ الصيّام.

وعن جُوَيْرِيَةَ، –رَضيَّ اللهُ عَنْهَا- أنَّ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتاها من يوم الجمعة فأخبرته أنها صائمة،فقال لها أصمتِ أمس؟ فقالت: لا، قال هل تصومين غدًا أو يوم غدٍ؟ قالت: لا، قال: فأفطري.

الثاني: إذا وافقَ عادةً له، كأن يكون أحد أيام البيض، أو يوم عرفة، أو يوم عاشوراء، فلا مانع من هذا، لأنهُ والحالةُ هذه؛ لم يتّقصّد صيام يومُ الجمعة، وإنما صامهُ لموافقته يومًا مشروعًا صيامهُ، ولو تركهُ لفاتهُ ذاك اليوم.

القارئ: المسألة الخامسة، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ وَاسْمُهُ سَعْدُ بْنُ عُبَيْدٍ - قَالَ: شَهِدْت الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه- فَقَالَ: هَذَانِ يَوْمَانِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ صِيَامِهِمَا: "يَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ, وَالْيَوْمُ الآخَرُ الذي تَأْكُلُونَ فِيهِ مِنْ مِنْ نُسُكِكُمْ".

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صَوْمِ يَوْمَيْنِ : الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ، وَعَنْ الصَّمَّاءِ, وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ ، وَعَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ} أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِتَمَامِهِ وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ الصَّوْمَ فَقَطْ.

الشيخ: ونحن نكتفي بالصوم، فالحديثان نصٌّ عن تحريمِ صوم يوميّ العيدين، عيد الفطر وعيد الأضحى، قالَ أهل العلم علّةُ النهي أمر لازِم، وهو الإعراض عن ضيافة الله - سبحانه وتعالى- في ذيْلكم اليومين، فيوم الفطر هو الفطر من الصيام، أذِن اللهُ للعباد أن يُفطروه، فهو يومُ عيدهم، ويومُ الأضحى هو يوم النُسُك وهو يوم أكلٍ وشرب وذكرٍ لله - سبحانه وتعالى- فالذي يصوم هذين اليومين رَكِبَ مُنكرا، رَكِبَ مُحَرَّما، وهو آثم لأنَّ الأصل في النهي- كما قدّمنا آنِفا- التحريم ما لم يصرفهُ صارِف، وهنا لا صارف له، وإن قال قائِل كان بعض السلف يصوم العيدين نقول: هذا اجتهادٌ منهم، ومهما يبلغ المرء من الإمامة في الدين والسابقةِ في الفضل، فإن اجتهادهُ لا يُحتج به على النصّ ولا يُعارض به النصّ، فالنصّ صريحٌ في النهي عن صومِ هذين اليومين.

القارئ: المسألة السادسة عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه- قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم-: مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا .

الشيخ: إذا أُطلِقَ (سَبِيلِ اللَّهِ) فهو الجهاد في سبيل الله لقتال الكفّار إعلاءً لكلمة الله، والجهادُ على ضربين:

جهادُ طلب: وهذا من خصائص الإمام المسلم الحاكِم قُطرًا أوأقطارا، فهو إليه تجييش الجيوش وتجنيد الجنود وإعداد العدّة وعقد الألْوِية لأُمرائِهِ وقوادِهِ لقتال من يليهِ من الكفار إعلاءًا لكلمة الله، وليس لأحدٍ من البشَر أن يدعو إليه أبدًا هذا من خصائِص الإمام، فمن سمعتموه يدعو إليهِ ويُحرّض عليهِ فهو إما صاحبُ هوى وإما جاهِل بالسُّنة في هذا الباب، نصَّ علماء الإسلام وأئِمته على هذا.

الثاني: جهاد الدفع: وهو التصدي لمن صالَ على بلاد الإسلام من الكفار، فأهلُ هذا البلد إن كان يمكنهم الاتصال بالحاكم، وكان الحاكِم ذا نجدة وقوة ضاربة، اتصلوا به وطلب نجدتهِ واستعانوا به، وإن كان الحاكِمُ ضعيفًا ليس ذا نجدة، أو كان ذا نجدة لكنه لا يهتم، يهتم بالسياسة ولا يهمه إلا كُرسيّه، ففي هذه الحال إن كانت عندهم عُدّة قوية تمكنهم من دحر هذا الصائِل الكافِر استعانوا بالله على حربهِ وولوْا أميرًا منهم وانضووا تحت لوائِه، وإن لم تكن بهم قوة وعدّة وعتاد فإنهم يُصالِحون هذا الصائِل بما قَدِروا عليه، ولو على التنازل عن شيء من أرضهم وأموالِهم، وإن لم يقبل منهم ذلك فرُّوا بدينهم إلى حيث يأمنون، ولعله يأتي - إن شاء الله- وقتٌ نتمكن فيه من دراسة الجهاد دراسةً كاملة.

ويشمل سبيل الله غير ذلك، كالذي يزور رحِمًا، يعني يَصِل رحمًا بزيارتهِ، أو كان في طريقهِ إلى طلبِ علِم، فهذه - إن شاء الله- كلها من (سَبِيلِ اللَّهِ)، كلها موصلة إلى مرضاتهِ - جلَّ وعلا- لمن أخلَصَ لله واتّبع سُنة رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والله أعلم.

القارئ: قالَ (باب لَيْلَةَ الْقَدْرِ):

المسألة الأولى: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُرُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْمَنَامِ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّاهَا فِي السَّبْعِ الأواخِر).

الشيخ: (الْقَدْرُ) هو إعلاءُ المكان والشأن، وسُمّيت تلكم الليلة وهي في العشر الأواخر من رمضان في آخر ما استقرّ عليه الأمر منهُ-صلى الله عليه وسلم-لأنَّ الله - سبحانه وتعالى- يمتنُّ فيها على من يشاء بمغفرة الذنوب والرحمة، ويُفيضُ على عبادهِ من جوده وكرمه وإحسانهِ، ونوّه الله - سبحانه وتعالى- بذكرها في محكم كتابهِ فقال: { إنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) [القدر] يعني العبادة فيها من صيامٍ وقيام خيرٌ من ألفِ شهر خلَت منها، وهذا يُقدّر بثلاثة وثمانين عامًا وأشهر، فنسأل الله الكريم لنا ولكم من فضله.

{ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)} فهي تدوم من غروب الشمس إلى طلوع الفجر الثاني ثُمَّ تنتهي ويأتي تفصيلٌ إن شاء الله تعالى في ثنايا قراءة أحاديث هذا الباب.

القارئ: المسألة الثانية:

عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ : "تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي فِي الْوِتْرِ مِنْ الْعَشْرِالأَواخِر".

الشيخ: الوتر المقصود به ليالي الوتر وهي إحدى وعشرون ، وثلاث وعشرون، وخمس وعشرون، وسبع وعشرون، وتسع وعشرون من شَهر رمضان, وهذا بيانٌ لِما أجملهُ قَبل في الحديث الذي قبل هذا فمن كان مُتحرِّيَها, فليتحرَّها في السبع الأواخِر, فالحديث الأول مُجمل وهذا بيانه, وأنها تُتحرَّى في هذه الأوتار من العشر الأواخِر, وهذا هو آخر الأمرَين عنه – صلى الله عليه وسلم – فقد اعتَكَف أولًا العشر الأوسَط, ثم بَعد ذلك اعتَكَف العَشر الأواخِر مِن الشهر. نعم.

القارئ: المَسألة الثالثة, عَن أبي سَعيد الخُدريّ – رضي الله عنه – أنَّ رَسولَ الله – صلى الله عليه وسلَّم – كانَ يَعتَكِفُ في الشَّهر الأوسَط مِن رَمَضان, فاعتَكَفَ عاما حتَّى إذا كانَت ليلةُ إحدى وعِشرين, وهي الليلةُ التي يَخرُجُ مِن صَبيحَتها مِن اعتِكافِه, قال: مَن اعتَكَف مَعي فليَعتَكِف في العَشرِ الأواخِر فَقَد أُريتُ هذه الليلة ثُمَّ اُنسيتُها, فَقَد رأيتُني أسجُد في ماءٍ وطينٍ مِن صَبيحَتِها, فالتَمِسوها في العَشر الأواخِر, والتَمِسوها في كُلِّ وِتر, فمطرت السَّماء في تِلك الليلة وكان المَسجِدُ على عَريش فوَكَف المَسجد, فأبصَرَت عَيناي رَسول الله – صلى الله عليه وسلم –وعلى جَبهَتِه أثَرُ الماءِ والطِّين مِن صُبحِ إحدى وعِشرين.

الشيخ: هذا الحَديث, هو كما سَمعتم في المسألةِ الثالثة من باب ليلة القَدر, وفيه عدة أمور:

الأمر الأول: حرصُ النبي – صلى الله عليه وسلم – على إصابة هذه الليلة واجتِهاده في ذلك, ولذلكم اعتَكَف العَشر الأوسط طلبًا لها.

الثانية: أنه – صلى الله عليه وسلم – لا يَعلم مِن أمر الغَيب إلا ما علَّمه الله, ولذلكُم اعتَكف العَشر الأواخر وأمر مَن أراد أن يَعتَكف أن يَعتكف معه فيها.

وهنا الفائدة الثالثة وهي أن الاعتِكاف سُنة ولَيس بِواجب, ولا يَجب إلا بالنَذر, والعتِكاف يَجوز في الليل والنَّهار ويجوز في الليل ويجوز في النهار، للمسلم أن يعتكف اليوم النهار ثُمَّ يخرُج، وله أن يعتكف الليلة ويخرج، فمن أرادَ أن يعتكف النهار فليبدأ من بعدِ صلاة الصبح، ويخرج بعد غروب الشمس، ومن أرادَ أن يعتكف الليلة فليبدأ اعتكافهُ من بعد صلاة المغرب ويخرج من معتكفهِ صلاة الصبح، ولهُ أن يعتكف أيامًا ما لم ينذر، فإذا نذر وجبَ عليهِ الاعتكاف بقدرِ ما نذر، وسواءً كان الاعتكاف في رمضان أو في غيره لكنّ النصُّ على الاعتكاف في رمضان لأنهُ أفضل وهو آكد، فللمسلم إذا قدِم إلى أحد المسجدين الفاضلين المسجد الحرام ومسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في المدينة، فأرادَ أن يُجاورَ ويعتكف فلهُ ذلك كما قدّمنا، إن شاء اعتكفَ الليالي والأيام، وإن شاء اعتكف الأيام، وإن شاء اعتكف الليالي، كل ذلك سائِغٌ في حقّه - إن شاء الله تعالى-.

الفائدة الرابعة: فيهِ أن الله أخفى ليلة القدر، ألا ترون نبيكم - صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنِّي أُرِيتُها ، ثُمَّ أُنْسِيتُهَا)، وفي حديثٍ آخر ذكرَ سبب ذلك قَالَ: (أُرِيتُ لَيْلَةِ الْقَدْر، تَلاحَى فُلانٌ وَفُلانٌ ثُم رُفِعَتْ)، قال أهل العلم الحكمة في إخفائها حتى يجتهد الناس في طلبها والتماسها, والمسلم مأمور بقيام رمضان كله, والعشر الأواخر منه خاصة وآكد، قال - صلى الله عليه وسلم-: (من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا, غفر له ما تقدم من ذنبه) كما أنه مأمور بتحري ليلة القدر في العشر الأواخر تامة, يعني عامة وفي الأوتار خاصة - هي المنصوصة- قال - صلى الله عليه وسلم-: (من قام ليله القدر إيمانًا واحتسابًا, غفر له ما تقدم من ذنبه) .

الفائدة الخامسة: علامة من علامات هذه الليلة وهي المطر ليلتها, تكون ليلتها مطيرة وإن لم يكن موسم مطر، وننبه ها هُنا إلى شيئين:

أولًا: أن لها علامات أخرى وهي أن تكون ليلتها هادئة ساكنة وباردة حتى في شدة الحر، العلامة الثالثة أن الشمس تطلع صبيحتها يعني يطلع قرص الشمس دون شعاع.

الأمر الثاني: ما ابتلي به كثير من الناس من الهوس وهو في الحقيقة من أسباب الرياء في القلب وذلكم الأمر أنهم يصورونها, يصورون مثلا المطر في تلك الليلة, ويصورون قرصها, قرص الشمس عند طلوعها ثم ينشرون ذلك فهذا افتى كثير من أهل العلم بعدم جواز ذلك, وذكروا أسباب؛ أنه يبعث الرياء في القلب؛ هذا من أسبابه، ومنها أنه قد يورث الحسد فيقول بعض ضعاف النفوس كيف لم أرها أنا، فيحسد الآخر, وسدّ الذريعة من الوسائل المطلوبة، سدّ ذريعة الشرك, سد ذريعة الحسد, سد ذريعة الرياء؛ إلى غير ذلك من الأسباب، من الأمور, يعني سدّ الذرائع حتى لا تدخل على الناس هذا من الواجبات.

القارئ: قولكم (باردة) يا شيخنا في ليلة القدر، تكون باردة في شدة الحرّ، هل تقصدون إنها معتدلة؟

الشيخ: باردة نسبية وليس البرد القارس، برودة نسبية، يُحسها الناس.

القارئ: قال: (بابٌ الاعتكاف).

الشيخ: (الاعتكاف) نجعلهُ في لقاءاتنا يُعلنها الشيخ عبد الواحد -إن شاء الله تعالى- والآن تفضلوا بارك الله فيكم بما تيسّر من الأسئلة.

القارئ: هي أربعة أحاديث، وهي آخر باب الصيام.

الشيخ : في لقاءاتنا معكم في ليالي رمضان - إن شاء الله تعالى- وهي ليلتانِ في الأسبوع.

 

السؤال الأول:

أحسن الله إليكم شيخنا وبارك فيكم وفي علمكم ونفعَ بكم الإسلام والمسلمين، يقول السائِل: من أساليب أعداء الدين تثبيط المسلمين عن العبادة، وإشغالهم عنها بشتى الطُرُق، ومن ذلك أنهم يُشيعون في وسائِل الإعلام هذه الأيام أنَّ رمضان هذا العام أشدُّ حرًا من الأعوام الماضية؛ فنرجو منكم نصيحة لعامة المسلمين تشحذ الهمم وتشفي الصدور.

الجواب:

الصبر والاحتساب، المسلمون في عهدهِ - صلى الله عليه وسلم- صاموا في شدة حرّ وشدةِ برد، بل وجاهدوا في رمضان ومنهم الصائِم ومنهم المُفطِر، فهذه الإشاعات- ولله الحمد- لا يكترثُ بها أولوا الهمم العالية، والنيات الخالِصة والعزائِم الصادقة، بل المُسلم دافِعه كما قَدَّمنا الصبر والاحتساب، مهما يكن الوقت من شدّة بردٍ وشدّةِ حرّ، يُروى أنَّ الحجّاج كانَ قادِمًا من العراق إلى مكّة، قالوا: وكان يُحبُّ أن يدعو إلى غدائِه أو عشائِهِ من حوله، فبعثَ من بعث فوجدوا راعي غنم مُستظلًا تحت شجرة، فقيل له: أجب الأمير-الحجّاج-فجاءَ، فقال له: (كُل معنا يا شيخ)، قال: (إني صائِم)، قال: (سبحان الله- في هذا اليوم الشديد الحرّ)! قال: (صمتهُ لِمَا هو أشدُ منه حرًّا)؛ يعني يوم القيامة.

 

السؤال الثاني:

بارك الله فيكم شيخنا، يقول: هل ابتلاع البلغم أثناء الصيام يُفطِّر؟

الجواب:

لا يُفطِر، هذا ما ظهر لي، ابتلاع الريق والبلغم، لكّن إن استطاعَ إخراجهُ أخرجه.

 

السؤال الثالث:

بارك الله فيكم، يقول: هل يجوز للحامل والمُرضع أن يُطعما عن كُلِّ يومٍ مسكينا إذا خافا على أنفسهما وولديهما معًا؟ ويقول هذا بدون القضاء.

الجواب:

هذا قاله ابنُ عمر وابن عباس، فتواهما - رضي الله عنهما- وأنا في هذه المسألة متوقف، وقد ذكرت هذا في بعض هذه الدروس على ما أظنّ، وقد سمعتم من الخطبة ما يشفي ويكفي بارك الله فيكم.

 

السؤال الرابع:

بارك الله فيكم شيخنا، يقول السائل: في بلدنا يعتمد أذان المغرب على الحسابات الفلكية, يقول: ونحن نعيش أسفل جبل لا نرى قرص الشمس قبل الأذان بربع ساعة, فذهبنا في منطقة تبعد عنا بساعتين بالسيارة, وهي أرض منبسطة, فوجَدنا أن الشمس تَغرب عندهم قَبل الأذان عِندنا بأربع دقائق, عِلمًا بأن مَنطقتنا مُتقدمة عليهم في التوقيت بِمقدار دقيقتين؛ فهل لنل الفطر قبل الأذان بِخمس دقائق؟ لأن الكثير مِن الإخوة يفعل ذلك.

الجواب:

كم مرةً أُنبّه إلى أن من كان خارج المصر, خارج القَرية, فهوَ يُصلي معهم ويفطر معهم ولا يشذ, لأنه لا يرى الفَجر, أما مَن كان في البَرّية فهو على رؤيتِه.

 

السؤال الخامس:

بارك الله فيكُم شَيخنا، يقول السائل: هل يمكنني أن اعتَكف في العَشر الأواخِر بهذه الكَيفيّة, أعتَكف كل يوم مِن الفَجر إلى المَغرب, ثُم أخرج كل يوم مِن المَسجد آخر الليل لِقضاء شؤوني وشؤون بَيتي.

الجواب:

أنا ذَكَرت في الدَّرس أن المُعتكف له أن يَعتَكف الليالي والأيام، وله أن يَعتكف الأيام، وله أن يَعتكف الليالي, الأمرُ فيه سَعة، لكن السُّنة الماضِية عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه يَعتكف الليالي والأيام, فهذا أفضل, ولكن إن بدى للمُسلم أنه يَكتفي بالاعتكاف في الأيام والخروج مِن مُعتكفه في الليل, فلا بأس بذلك, يَكتَفي بالاعتِكاف نهارا ويَخرُج مِنه ليلا, لا بأس بذلك - إن شاء الله تعالى-, لكن العَمَل على النِّية, يَعني يَنوي أنه يَعتكف هذا اليوم, كما قَدَّمنا, وإذا نوى الاعتِكاف في الليل يَنوي كذلك أن يَعتكف الليل إذا أراد الاعتِكاف في الليالي، وهكذا.

 

السؤال السادس:

بارك الله فيكُم شَيخنا, يقول السائِل: هَل يَجوز وَصل شَعبان بِرمضان بِصيامٍ أم لا؟

الجواب:

هذا على الكراهة, لأن من فعل هذا يُخشى أن يَضعف عَن صِيام رمضان.

نعم مَن كانت له عادة كصيام الاثنين والخميس, فوافقت عادته آخر مثلًا خَميس مِن شَعبان على أن رَمضان يوم الجُمعة, أو مثلًا كانت عادته صيام الاثنين والخميس, وافق الاثنين التاسع والعِشرين مِن شَعبان, فلا بأس وهذا لا يُقال إنه وصل, الوَصلُ يُقال فيمن تَعمّد.

 

السؤال السابع:

بارك الله فيكم شَيخنا، يقول السؤال: هَل يَجوز جَمع صلاتي المَغرب والعِشاء بسبب التَّعب الشَّديد؟

الجواب:

صحَّ عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه جَمع بين الظُّهر والعصر, وبين المَغرب والعِشاء مِن غير خوف ولا مَطَر, فسئُل ابن العبَّاس –رضي الله عنهما – لماذا؟ قال : لئلا يُحرج أمَّتَه.

فمن وَجد في نَفسه غَلبت ضنّه لإرهاق أو تَعَب شديد أو مَرض أن صلاة العشاء تفوته فلهُ أن يجمعها مع المغرب جمع تقديم لكن بدون قصر، هذا إذا كان نازلًا في بلدهِ - إذا كان مقيمًا في بلدهِ- أما إذا كان نازلًا في بلدٍ غير بلدهِ وهو مُسافِر فله القصر مع جمع التقديم والحالة هذه.

ومن هنا نذكر إننا أفتينا بعض من سألنا في أوروبا وغيرها الذين يضيق عليهم الوقت ما بين صلاة العشاء وصلاة الصبح أن يجمعوا جمع تقديم، فإذا صلَّوا المغرب جمعوا معها العشاء، نعم في حالة واحدة أستثني؛ وهي إذا كان الشخص سيسهر، إما في زيارات أو مثلًا في أشياء كأن يكن في المقاهي، أو في المتنزهات، فهذا في الحقيقة ليس عليه حرج، يُصَلِّي كل صلاة في وقتها، لكن من أراد أن ينام مثلًا في رمضان استعدادًا للسحور وصلاة الصبح، أو نام في غير رمضان يريد أن ينام مبكرًا حتى يستيقظ لصلاة الصبح، فهذا هو الذي يُرْفَع عنه الحرج فيُفْتى بأن يجمع بين المغرب والعشاء جمع تقديم كما قدمنا.

 

السؤال السابع :

بارك الله فيكم شيخنا، السؤال السابع يقول: فضيلة الشيخ نشهد الله أننا نحبكم في الله. يقول: لي قريب مقيم في ألمانيا ويعمل عند رجل يسُبُّ بعض الصحابة مثال معاوية -رضي الله عنه-، فهل يجوز له أن يستمر بالعمل معه؟

الجواب:

هذا له حالتان فيما يظهر لي:

الحالة الأولى: أن يسمع هذا السَّبّ، أن يحضُرَهُ ويسمعه منه، منه مباشرة، كأن يكون يعمل معه في مكتبه ويصدر هذا منه ويسمعه، فأرى أن يُذَكِّره بالله ويُخَوِّفَه به، ويذكر له الأحاديث مثل قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا ذُكِرَ أصحابي فأمْسِكوا))، وحديث ((لا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلا نَصِيفَهُ))، إلى غير ذلكم من الأحاديث، ويذكر له كلام أهل العلم في النهي عن سب الصحابة سواء كلهم أو بعضهم، فإن انزجر فبها ونعمت، انزجر واتعظ وقبِلَ النصيحة فبها ونعمت، وإن لم ينزجر فهو رافضيِّ، فهذا من عمل الرافضة فأخشى أنه رافضي، فإن لم يكن رافضي فقد تأثر بمخالطة الرافضة، فليُنكرعليه، فإن انشمر وكفَّ عن السب فلا مانع أن يعمل معه.

الثانية: أن يسمع عنه أنه يسب ولم يسمعه معه ولم يسمعه منه، فهذا يعمل حتى يتيقن أنه يسب من سب من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم-، ففي هذه الحال يناصحه ويُخَوِّفَه بالله وعليه أن يستعمل لين الخطاب، وحسن الكلام معه، لعلَّ الله يهديه، فإن اهتدى وقبل النصيحة فبها ونعمت، وهذا هو المطلوب، وإن أصرَّ وعاند فإنا نوصيه أن يبحث عن عملٍ آخر.

 

السؤال الثامن:

بارك الله فيكم شيخنا السؤال الثامن: هذه سائلة من تونس، تسأل وتقول: إنها تريد الزواج وليس لها ولي إلا خالها، ولكن خالها واقعٌ في الشرك الأكبر من الذبح لأصحاب القبور والنذر لهم والاستغاثة بهم وغير ذلك من الشركيات التي يعملها ويدعو إليها؛ فما نصيحتكم لها ولمن يريد الزواج منها؟ مع العلم أنها تسكن عند خالتها.

الجواب:

أقول أولًا يا بنتي: هل ناصحتي خالكِ وبيَّنتِ له أن ما هو عليه من الذبح لأصحاب القبور أو لا؟

فإن كنتِ ناصحتِه ولم يقبل النصيحة وعاند فلكِ أم تُوَلّي غيره، إلا إن أرغمتِ من قبل الجهات المختصة على أنه وليُّكِ فأمركِ لله، يُزَوِّجكِ رجلًا صاحب سنة، وإن كنتِ لم تنصحيه فناصحيه وبيِّني له ذلك بما يحضرك من الآيات والأحاديث وكلام أهل العلم في ذلك، فإن انتصح فهو المطلوب والحمدلله، وإلا فكما قدّمت اختاري وليًّا من عصبتكِ كأبناء العم أبناء العمات أبناء الخالات هكذا، أبناء العم أقرب، فإن تيسَّر فبها ونعمت، وإن لم يتيسر فأبناء العم إن وُجِدوا رغم أنفه، هم أَوْلى بكِ منه، والله أعلم.

 

السؤال التاسع:

بارك الله فيكم شيخنا، هذي سؤالان يتعلقان بالطلاق ويعتبر السؤال التاسع، يقول: هل يُقبل الطلاق مع شِدَّة الغضب بحيث لا يتذكر ماذا يقول؟

الجواب:

فهمت من سؤالك أنّ الغضب مُسْتَوٍل على ذلكم الرجل المُطَلِّق، فإن كان الأمر كما تقول فالطلاق غير واقع.

 

السؤال العاشر:

يقول: هل يُشترط للطلاق شهيدان كما يُشْتَرط للنكاح؟

الجواب:

الطلاق يصح بدون شهود، وإنما الشهود للتوثِقَة فقط.

 

السؤال الحادي عشر:

يقول السائل: هل هناك صلةٌ بين قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((لعنُ المؤمن كقتله)) وقوله -تعالى-: ((ومَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ)) [النساء:٩٣]؟

الجواب:

الآية أَشَد، أشدُّ وعيدًا، والحديث وعيد، وهذه من نصوص الوعيد التي يُمِرُّها أهل السنة على ظاهرها، فلا يعرضون لها بتأويل كي تكون أبلغ في الزَّجر، وأوقع في النَّفْس.

 

السؤال الثاني عشر:

يقول السائل: أعرف رجلًا موحدًا يزكي من ماله ويتصدق ولا يقرب المال الحرام ويسبح ويستغفر ولكنه فاسق؛ يشرب الخمر ولا يصلي ولا يصوم، وما نصيحتكم له؟ لأنه يريد أن يتوب، وهل يُحسب له عمله الصالح لو وفقه الله للتوبة، وإن تاب فهل يدخل ضمن من تُبَدَّل سيئاته حسنات؟

الجواب:

التوبة تجُبُّ ما قبلها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، فباب التوبة مفتوحٌ أمامه، فشَجِّعوه على التوبة، وسينال ما ذكرناه آنفًا من تكفير ذنبه، وكذلك سينال تبديل سيِّئاته إلى حسنات كما قال الله تعالى في سورة الفرقان حين قال: ((وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)) [الفرقان: ٦٨-٧٠]، قال أهل العلم: يبدِّل الله سيِّئاتهم حسنات يعني يضاعف حسناته؛ هذا قول.

وبعضهم قال: السَّيئات يجعلها الله حسنات له، هذا من فضله -سبحانه وتعالى- وإحسانه.

 

السؤال الثالث عشر:

بارك الله فيكم شيخنا، السؤال الثالث عشر يقول: هل طالب العلم يدخل في قول النبي - صلى الله عليه وسلم-: ((مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا))؟

الجواب:

أنا ذكرت إذا كان مسافر لطالب العلم ولم أتجاوز، فطالب العلم قد يطلبه في بلده وقد يُسافر من أجل ذلك، وذكرت في أثناء الدرس المسافر من أجل طلب العلم فهو - إن شاء الله- في سبيل الله.

أما من كان يطلب العلم في بلده فهذا يشمله قوله - صلى الله عليه وسلم-: ((مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ)).

 

السؤال الرابع عشر:

يقول السائل: ما الأفضل لمن يدخل المسجد يوم الجمعة، أن يجلس في الصف الأول لكن بعيد عن الإمام، أم يجلس في الصف الثاني لكنه قريب من الإمام؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

قال - صلى الله عليه وسلم-: ((لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا))، فاطلب الصف الأول بارك الله فيك، فهو أفضل من جلوسك في الصف الثاني وإن كان قريبًا من الإمام.

 

السؤال الخامس عشر:

يقول: عندنا في بلادنا حمامات تنقسم إلى قسمين، قسمٌ يختلط فيه الرجال وقسم للنساء، وعند الاستحمام يكشفون عن عوراتهم، السؤال: هل يجوز الذهاب إلى هذه الحمامات؟ وما حكم الصلاة فوق أسطحها؟

الجواب:

هذا جوابه من شقين، أو من ثلاثة أوجه؛

بالنسبة للنساء فإنه يحرم عليهنَّ قصد الذهاب إلى الحمامات العامة، وإن كانت تلبس عشرين ثوبًا، يدُلُّ لذلكم ما رواه أهل السنن أن عائشة - رضي الله عنها- قدم عليها نسوةٌ من الشام، وفي رواية من حمص سألتهن: من أين؟ قلن: من الشام، قالت: أنتن اللاتي تذهبن إلى الحمامات؟ قلن: نعم، قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: ((مَا مِنْ امْرَأَةٍ تَضَعُ ثِيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِ زَوْجِهَا إِلَّا هَتَكَتْ السِّتْرَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَبِّهَا)).

ومن هنا يبتدع بعض الجماعات الدعوية التي تجعل ضمن أنشطتها حمامات سباحة للطالبات، ولكل فئةٍ منهنَّ سباحة معيَّنة، فماذا تبغي المسلمة إذا هُتِك الستر الذي بينها وبين الله؟! من هتك الله ستره فضحه يوم القيامة، وإن بقي مستورًا في الدنيا.

الثاني: بالنسبة للرجال فهذا الأصل فيه الإباحة، وإن كان الاستحمام في بيته أفضل، لكن قد يحتاج الرجل إلى حمام مختص فيه بخار الاستحمام بالبخار أو غير ذلك، فلا بأسَ بذلك.

وإنما - وهو الوجه الثالث- يحرم على الرجال كشف العورات أمام بعضهم، هذا محرَّم لا يجوز، ومن طريف ما يُرْوَى أن أبا حنيفة -رحمه الله- دخل حمامًا - يعني من الحمامات العامة- فرأى رجلًا عاريًا، فقال ذاك الرجل لأبي حنيفة، فأبو حنيفة - رضي الله عنه- غضَّ بصرهُ شديدًا، فصار يتخبَّط يخبط كذا كالأعمى، فقال له: الرجل المستحم - متهكِّمًا وساخرًا-: يا شيخ متى أخذ الله بصرك؟ قال: حين هتكَ سِتْرك.

 

القارئ: بارك الله فيكم شيخنا.

الشيخ: هذا الخامس عشر؟

القارئ: هذا السؤال الخامس عشر والأخير.

الشيخ: والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وستكون لقاءاتنا كما نبَّهنا أولًا في ليالي رمضان - إن شاء الله تعالى-، وبعد العشر الأول من التراويح، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الشيخ: 
عبيد بن عبد الله الجابري