من تونس يقول السائل:
هل تثبت صفة الملل والهرولة لله وما هو ضابط التأويل في الصفات؟
أولاً: يجب إثبات ما أثبته الله لنفسه من أسمائه وصفاته والوقوف عند ذلك ، وكذلك ما أثبته له نبيه - صلى الله عليه وسلم - وصح به النقل عنه ، فأهلُ السنة في باب الأسماء والصفات يثبتون ما أثبته الله لنفسه في كتابه أوصح به النقلُ عن النبى - صلى الله عليه وسلم - وكذلك ينفون عن الله ما نفاهُ عن نفسه في كتابه أو نفاهُ عنه رسوله - صلى الله عليه وسلم - ثبت لله العلم والسمع والبصر والوجه واليد والفرح والرضا وغير ذلك من الصفات الذاتية والفعلية ، وثبت نفيُ العجز ، نعم, والعمى والصمم والعَور ، نعم ، وغير ذلك.
وأهلُ السنة مسلكهم في هذا إثباتٌ بلا تمثيل وتنزيهٌ بلا تعطيل ، وبهذا يُعلم أن التأويل ليس من مسلك أهلُ السنة والجماعة بل هو من مسلك المبتدعة نعم هذا وجه.
وثمة وجهٌ آخر: وهو سؤالك عن الملل.
أقول في الحديث الصحيح ((عَلَيْكُمْ مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ ، فَإِنَّ اللَّهَ لا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا)) أهلُ التأويل يقولون (فَإِنَّ اللَّهَ لا يَمَلُّ) يقول لا يقطع ، وهذا من التأويل فالحديثُ عندي على ظاهره ، لكن لتتفطن أنت ومن حضر جلستنا هذه إلى قاعدة ، وهي قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌوَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾فإذا أثبتنا الملل نقول ليس كملل المخلوق المخلوق ملله ضعف لأنه ينشأ عن عدم قدرة على ما يتلقى برؤية أو سماع وكذلك يتضجر فهذا لا يقال في حق الخالق – جل وعلا - .
فهذه الصفة عندي مثل صفة التردد التي جاءت في قوله - صلى الله عليه وسلم - وهو حديث قدسي أناأقول قوله لأنه يرويه عن ربه - عز وجل - والصواب أن يقال في - قوله تعالى - كما رواه النبي - صلىالله عليه وسلم - ((وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ ، وأَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ، ولا بُدَّ لَهُ مِنْهُ)) فهنا الحديث يدل على صفة التردد لكن ليست على الإطلاق فسرها بقوله يكرهالموت وأكره مساءته ، ثم تردد المخلوق ناشئ عن عدم فقه للأمر وإدراك وجهل ، أما الخالق - سبحانهوتعالى - فتردده فسره في الحديث.
والخلاصة أن من الصفات من لا يثبت على سبيل الإطلاق بل ينظر في نفس ما ورد فيه فيثبت حسب مايقتضيه المقام ، من ذلكم الكيد والمكر فهذه لا تثبت لله إثباتا مطلقا ولا تنفى عنه نفيا مطلقا ، بل لابدمن القيد كما جاءت في القرآن الكريم فإن الله - سبحانه وتعالى - ذكرها على سبيل المقابلة لبيان قدرته- سبحانه وتعالى - على أنه مجاز من رد دعوة رسله بأقوى مما صنعوا ، فلو قيل لك هل الله يكيد إنقلت نعم أخطأت وإن قلت لا أخطأت لأن الكيد يحتمل المدح والذم ، والله لا يوصف إلا بما هو أكملالمدح ، فسبيل النجاة والخلاص والتوقي والبراءة للدين والعرض أن تجريها كما جاءت في القرآن فتقوليكيد بمن يكيد كما قال تعالى: ﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا ﴾ هل الله يمكر ؟ نقول يمكر بمن يمكر كما قالتعالى: ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّـهُ﴾ وهكذا .