جديد الموقع

888321

الجواب: 

القارئ: بسم الله والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله  وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد.

فاللهم اغفر لنا ولشيخنا ولوالدينا والسامعين.

قال الحافظ أبو محمد عبد الغني المقدسي في كتابه (عمدة الأحكام): قال في كتاب الصِّيام: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْوِصَالِ، قَالُوا : إنَّكَ تُوَاصِلُ . قَالَ : إنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ , إنِّي أُطْعَمَ وَأُسْقَى)، ورواه أبو هريرة وعائشة وأنس بن مالك.

وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ- رضي الله عنه-: (فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ إلَى السَّحَرِ).

الشيخ: هذه مسألةُ الوِصال، تَنْضافُ إلى ما تَقَدَّمها من المسائل، والرَّقم عِنْدَكُم فارْقُمُوها، والوِصالُ الكلام فيه من أوجه:

- الوجهُ الأول: في معنى الوصال؛ من المواصلة، فِعالٌ من المُفاعَلَة، يُقالُ واصلَ يواصِلُ ووِصالاً ومُواصَلَة، ومعناهُ: صِيامُ جزءٍ من الليل مع النَّهار، وذلكم أنَّ الصِّيام المأمور به ينتهي بغروب الشَّمس كما تقدم، فالمُواصِلُ يزيد على هذا، فيصوم من الليل ما يَقْدِرُ عليه، فقد يصومُ رُبع الليل أو ساعة من الليل، أو ساعات أو ثلث الليل.

- الثاني: في قوله، في قولِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ –رضي الله عنهما- قَالَ: (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) والنَّهي معناه: المنع، ومنه سُمِّيَ العقل نُهْيَه لمَنْعِهِ صاحبَهُ من ارتكاب القبيح قولاً أو فعلاً أو كليهما.

ومعنى النَّهي: هو المنع من الشيء بالقول الدَّال عليه على جهة الاستعلاء، وهذا مبسوطٌ في مواضعه، ومنها كتب الأصول.

والنَّهي الأصل فيه التَّحريم ما لم يَصْرِفْهُ صارِف.

- الوجه الثَّالث: في محبة الصَّحابة - رضي الله عنهم - الاقتداء بنبيهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإن كان ذلكم الأمر يَشُقُّ عليهم -رضي الله عنهم وأرضاهم-.

وهذا يَدُلُّ له قولهم - رضي الله عنهم- (إنَّكَ تُواصِل)، والمعنى: نحن نواصل لأنَّا رأيناك تُواصل، فهو دليلٌ على ما تقدَّم؛ من أنَّهم يُحِبُّون الاقتداء برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإن كان الأمر يَشُقُّ عليهم فعله.

- الوجه الرابع: (مَنْ حَفِظَ حُجّةٌ عَلى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ)؛ هذه قاعدة سلفية، ورديفتها أو مُرادِفتها (مَنْ عَلِمَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَعْلَمْ)، وقد بسطنا القول فيهما في مواطنَ كثيرة.

في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ : (( إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إِنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى))- وفي رواية:(( إنّي أَبِيتُ يُطْعِمنُي رَبّي وَيَسْقِينِي))

هذا فيهِ فائِدتان:

· الأَمر الأَول: أَنْ مُوَاصَلَةَ الليلِ وَالنَّهَارِ جَميعًا أَيَّامًا مُتَعدِدة، هَو مِنْ خَصَائِصِهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاللهُ آتاهُ مِنْ القُوة وَ القُدرة ما لا يُطِيِقُهُ أَحدٌ مِن البَشَرِ، حتى في المَصَائِب - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصابُ بِمثلِ ما يُصابُ بِهِ الرَّجُلان مِن أُمتِه، هذا أَنه كان لما أَتى المَدينة حصَلَ لَهم مِن الحُمّى، فقالوا: ( إِنَّكَ تُوعَكُ يَا رَسُولَ اللَّهِ)، قالَ:((أَجَلْ إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلانِ مِنْكُمْ)) وللهِ في ذلكم الحِكمة البالِغة.

وهذا كما قَدَّمنا تَطيِبًا لِخواطِرِهم، وتخفيفًا عَليهم، وَ تَهوين الفِطر لأَن القوم لا يُحبون عدمَ الوِصال وَ نَبِيُهم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُواصل، اُنظُروا أَصحابَ سُنة، بل هُم سادةُ أَهلُ السُنة - رضي الله عنهم- نَبِيُهم ينهاهُم وَيقولَون:( يا رَسُوَلَ الله، إِنَّكَ تُوَاصِلُ) خِلافَ أَهل البِدع، فإِن النَبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأَمرهم وَ ينهاهُم في جُملة المُسلِمين وَهم يَأَبون إِلا مُخالفَته بِتركِ أَمرهَ وَفِعلِ نَهيهِ، وهذا مِن الحِرمانِ لَهُم، مِن حِرمانِهُم السُّنة، وَ رُكُوبِهم الهوى، فَهُم مَحرومون من السُنة مُتَجَرِأون على رُكوبِ الهوى، لِمُخالَفَتِهم رَسُولَ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

- الوجه الخامس: في حديث أَبي سعيد الخُدري ، قَبلَهُ، جاءَ في بَعضِ طُرقِ الحديث :أَنْ النَبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا ثُمَّ يومًا حتى رَأَوْا الْهِلَالَ، فَقَالَ: ((فلَوْ تَأَخَّرَ الْهِلَالُ لَزِدْتُكُمْ)).

قالَ الراوي: "كالْمُنَكِّلِ لَهُم".

إِذًا يَسوغُ للإِمام إِذا أَمر جُندهُ بِأَمر وهو اجتِهادي فأَبوا لَهُ أَن يُنكِّلَ بِهم، فَيُكَلِفهم أَشَياءَ، حتى إِذا عجزوا عادوا إِلى ما نهاهم عنه واتِباعَ أَمره، وَمن المُتَقررِ من أُصولِ أَهل السُّنة أَن وجوبَ طاعةِ الإِمام إِذا أَمرهُم بِأَمر هو اجتِهادي، يَجِبُ عليهم طاعتُه، وَلا يَسَعُهم خِلافه، كذلِك إِذا نَهاهُم عن أَمر فيهِ مجالٌ للاجتِهاد، وَجبَ عليهم طاعَتُه، في ِتركِ ما نَهاهُم عنه.

الخامس: في حديث أَبي سَعيد، وهذا فيهِ التنبيه إِلى شَيئين:

· الأَول: كراهيةُ الوِصَال، وَ هذا في قَولِهِ: ((إِيَّاكُمْ أن تواصلوا)) هذا تَحذير، وَ التَحذيرُ مِن صِيغَ النَهي الفرعية، وَلكن هُنا صَرفَه عَنْ التَحريم إِلى الكَراهة، ما يأَتي بعد - إِن شاءَ اللهُ تعالى-.

· الشيءُ الثاني: تحديد المواصلة لِمن قَدِرَ عَلى ذلِك، وَهذا بَيَنَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَولِهِ: (( من أَرَادَ منكم أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ إِلى السَّحَرِ)).

فَبان بِهذا وَتَحصَلَ مِنهُ شَيئان:

الأول: كراهية الوصال بصفةٍ عامة.

الثاني: النهي عن الوصال بعد السَّحر، وجوازه في ما بين السَّحر وغروب الشمس، والله أعلم.

المتن: قال: (باب أَفْضَلُ الصِّيَام وَغَيْرُهُ).

الشيخ: طيب دقيقة، حَسْبك.

(بابٌ) الصواب (بَابٌ) خبر لمبتدأٍ محذوف تقديره هذا (بابٌ)، وما بعده بيان، فكأن قائِلًا قال ماذا؟ (بابٌ) في ماذا إذًا؟

قال: (أفضل الصيام وغيره (بابٌ)، (هذا بابٌ أفضل الصيام وغيرهُ) ويجوز (بابُ أفضل الصيامِ وغيرهِ) هذه جُمل إعرابية يعلمها من يعلمها، ومن لا يعلمها فلا شيء عليه، لا يترتب عليه شيء.

والمقصود أن هذه الترجمة تتضمن شيئين:

الأول: (أفضل الصيام) يعني بعد صوم رمضان من النوافل.

والثاني: (غير أفضل الصيام)، يعني أمورًا أخرى ليست هي أفضل الصيام، (بابٌ أفضل الصيام) وغيره أو (باب أفضل الصيام وغيرهِ)، و(باب وغيره)، يعني مسائل أخرى، فلابد يا طُلاب العلم وطالباته من الحضور والمستمعين، من رقم المسائل، بسم الله المسألة الأولى، تابع.

المتن: عَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رضي الله عنهما- قَالَ : أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ أَنِّي أَقُولُ: لأَصُومَنَّ النَّهَارَ وَلأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ. فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ قُلْتُهُ بأبي أنْتَ وَأمِّي، فقال: «فَإِنَّكَ لا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، فَصُمْ وَأفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاثَةَ أيَّامٍ، فَإِنَّ الحَسَنَةَ بِعَشْرِ أمْثَالِهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ». قُلْتُ: فإِنِّي أُطِيقُ أفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، فقال: «فَصُمْ يَوْماً وَأفْطِرْ يَوْمَيْنِ»، قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قال: «فَصُمْ يَوْماً وَأفْطِرْ يَوْماً، فَذَلِكَ صِيَامُ دَاوُدَ، وَهُوَ أفْضَلُ الصِّيَامِ»، فَقُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، فَقال «لا أفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ»، وَفِي رِوَايَةٍ: (لا صَوْمَ فَوْقَ صَوْمِ أَخِي دَاوُد – شَطْرَ الدَّهْرِ – صُمْ يَوْما وَأَفْطِرْ يَوْما).

الشيخ :في هذا الحديث بمجموع رواياته فوائد:

الأولى: حرصُ ابن عَمرو- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما - على الاستكثار من الصيام بصيام الدهر، لقدرته على ذلك، وهذه منقبةٌ من مناقبه -رضي الله عنه- وإخوانه الصحابة- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم - وعلى رأسهم العشرة، وعلى رأس العشرة الأربعة وإمام الجميع وأفضل الجميع الصِّدِّيق- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإن مناقبهم جمّة -فلعن الله- من كفّرهم، أو كفّر بعضهم، سادةُ ألأمة ولعلي أعلنت لكم أنّ الخوارج كُفَّار، لأنّهم يكفرون عليًّا ومن معه من الصحابة، وخيار التابعين، ولنا -ولله الحمد- سلف، لا نُثَرِّبُ على من خالفنا لأنه له سَلَف، ولا نُحِلُّ لهم التثريب علينا لأننا لنا سَلَف.

الفائدة الثانية: في تواضعه- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-لنبيه-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وإيضاحه أنه أقرّ بما بلغ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-عنه من خبره،هذا وجه.

والثاني: في قوله: ((بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِي))، وهذا مسلكٌ عرفناه عن الجمِّ الغفير من الصحابة –رضي الله عنهم-، كلهم إذا خاطب محمدًّا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُخاطبه باسم الرسالة، وبقوله: ((بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِي)) يعني: (أفديك بأبي وأمي)، أغلى ما لدى الإنسان، أمه وأبوه.

الفائدة الثالثة: وهي أنَّ من وَلِيَ أحوال المُسلمين، وبلغه عن أحدهم أمرًا لا يَقدر عليه أن يرشده إلى ما هو في قدرته تأسِّيًا برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهذه الخَصْلَةْ أو الفائدة يَدُلُّ لها تدرج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو –رضي الله عنهما- في أمره بالصيام، فقال: ((صُمْ وَأَفْطِرْ)) يعني صم وأفطر، وكان رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما صحَّ عنهُ أنّه يَصُومُ حَتَّى يُقالْ لاَ يُفْطِرُ ، وَيُفْطِرُ حَتَّى يُقال لا يَصُوم، تَّرْوِيح عَنِ النَّفْسِ، وترويضًا لها حتى لا تَعْجَزْ، وحتى لا تَفْتَرْ، قال النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((إِنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَهْ - يعني: نشاط- وَفَتْرَةْ، فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّةْ فَقَدْ اهْتَدَى، وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى بِدْعَةْ فَقَدْ ضَلّ)).

 والمقصود: أنك أيُّها المسلم –رجلًا كنت أو امرأة- أن تُرَوِّضَ أنفسكما على ما تُطيق، ولا تفتحوا على أنفسكم باب الوساوس، فتُجهدوها بما لا تقدر عليه، فعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- عن النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏- قالت: ((إِنَّهُ لَيَدَعُ الْعَمَلْ وَهُوَ يُحِبُّهُ خَشْيَةَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَى الْأُمَّةْ))، فَتَأَسَّوْا بنبيكم- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((اكْنُفُواْ مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونْ –يعني ما تقدرون عليه- فَإِنَّ أَحَبَّ الْعَمَلِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلّ)).

فثانيًا: لما قال ابْنَ عَمرو- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -:((إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكْ))، قال: ((صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمَيْنِ)) يعني كم يصوم من الشهر؟ عشرة، صم يومًا وأفطر يومين، قال إنه يطيق أكثر من ذلك، أرشده إلى النهاية التي لا أفضل منها، قال: ((صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا فَهُوَ صَوْمُ دَاوُودْ))، هذا أفضل الصيام، كما جاء في الرواية الأخرى: ((لَا صِيَامَ فَوْقَ صِيَامِ دَاوُودْ))، أقول - عليه الصلاة والسلام-، وقد بلغتني فَتْحُ وَساوِسْ مِنَ الشَّيْطَانْ فكثير من المسلمين والمسلمات إذا صاموا يومًا وأفطروا يومًا انفتح لهم باب وسوسة، فيقول: ماذا أصنع بصيام ثلاثة أيام؟ ماذا أصنع بصوم الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ؟

 فالجواب الذي يجب أن يفقهه الحضور والمستمعون من الطلاب والطالبات: أن الذي شرع لك صَومْ يَوْم، وَإِفْطِار يَوْم، وَهُوَ صَوْمُ دَاوُودْ – عليه الصلاة والسلام- عَلِمَ أنه يدخل فيه الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، فلا تسلك هذا، هذه وسوسة، كيف أصنع بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّام؟ كيف أصنع بصيام الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ؟ هذه صومك يوما وإفطارك يوما يدخل فيه صومك الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ والجُمْعَة وَالسّبت، جميع أيام الأسبوع، فعليك بما رّخصّ الله لك به ولا تجاوز، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ))، فهذه الوساوس حين تفتحونها على أنفسكم أيها المسلمون والمسلمات، فإنكم تُشادّون الدّين، والنهاية ستُغلَبون، ثُمَّ يفتح الشيطان عليكم بابا آخر فتتركوا هذه السُّنّة وتزهدوا فيها، صوموا ما قدرتم عليه.

المتن:

قال: المسألة الثانية: عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا تعالى- قَال:

مداخلة من الشيخ عبيد: شيخ مهند عندك فيه (تعالى)؟

القارئ: لا شيخ.

الشيخ عبيد : إذن إقرأ كما هو أمامك .

هذه مسألة العرض أنبهكم فيها - بارك الله فيكم- إذا عرض أحدكم على شيخه كتابًا فليقرأه كما هو ولا يزيد، فمثلا صاحب الكتاب لم يصلِ على النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أسكت أنت، وقل (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لا تصلها بكلام صاحب الكتاب.

المتن:

عن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ- رضي الله عنه- قال: قالَ: رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ : (إنَّ أَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ ، وأَحَبُّ الصَّلاَةِ إِلَى اللَّهِ صَلاَةُ دَاوُدَ وَكَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ، وَيَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا).

الشيخ:

في هذا الحديث بالإضافة لما تقدم من المسألة الأولى فوائد :

الأولى : ثبوت نبوة دَاوُدَ- عَلَيْهِ الصّلاة وَالسَّلاَمُ-،وهذه النبوة ثابتة بالكتابِ والسُّنة والإجماع، وحتى لو ثبتت نبوة نبي من أنبياء الله - عَلَيْهِم الصّلاة وَالسَّلاَمُ – بالسُّنة وَجبَ الإيمان بها، والذي يحضرنا مما نصّت السُّنة عليه فقط، يُوشَعَ بْنِ نُونٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فهو رفيق مُوسَى- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سفره المعروف وخادمُهُ فيه، ثم صارَ بعد خليفة مُوسَى وَهَارُون- عَلَيْهِا الصّلاة وَالسَّلاَمُ - فهو يقرر شريعة مُوسَى- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

الفائدة الثانية : إثباتُ صفة المحبّة لله- عزَّ وجّل-، وهذه المحبّة دلَّ على ثبوتها الْكِتَاب وَالسُّنَّة والإِجْمَاع، إجماع أئمة أهل السُنَّة ولا نعتد بأهل البدع، ولا نعدُّهم معنا، وافقونا أم خالفوا لا شأن لنا بهم، فمن الكتاب العزيز قوله تعالى: ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة 195]، ﴿وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الحجرات 9]، ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ [آل عمران 146]، إلى غير ذلكم من الآيات، ومن السُّنة المتواترة أو مستفيضة، حديث الباب، وقد قدّمت لكم حديث (إنَّ أَحَبَّ العْمَل إلى اللَّهِ أَدْوَمُه)، فالسُّنَّةِ إن لم تكن متواترة في هذه الصفة فإنها مستفيضة، وأجمع عليها أَهْل السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، فهم يثبتونها لله – عزَّ وجّل- بِغيرِ تَأويل وَلا تَعْطِيلٍ وَلَا تَكْيِيفٍ وَلَا تَمْثِيلٍ، يثبتونها كما جاءت في الكتاب والسُّنة علي ما يليق بجلال الله- عَزَّ وَجّل-.

الفائدة الثالثة: في نهج دَاوُدَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الصلاة، في صلاة الليل فإنه يقسم الليل ثلاثة أقسام:

القسم الأول: النوم، ينام نصف الليل.

الثاني: القيام، يقوم ثلثه.

الثالث: نوم الترويح، ولعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يستعد لصلاة الصبح أو يستعد لأموره الأخرى في الرعية في بيته ورعيته، وهي أنه ينام سدس الليل، وهذا اقتصاد في النافلة، والأصل في النوافل الاقتصاد، يعني التخفيف، لأنَّ الاستكثار من النوافل فوق القُدرة نهايته الكسل في الفرائض، ولهذا قال من قال من أهل العلم: (يُستّحب الاقتصاد في النوافل) لأنه يُشغِل عن الفرائض، والفرائض واجبات، والنوافل سُنن، لكن المسلم مندوبٌ إلى الاستكثار من النوافل، مع حفظ الفرائض كما في الحديث الصحيح القُدُسي ومنه: " وَمَا تَقَرَّبَ إِلِيَّ عَبْدِيْ بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلِيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ، وَلا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ "  فالصلاة لها نوافل، والصوم له نوافل، والصدقة المفروضة لها نافلة وهي الزيادة على القدر الواجب، والعمرة لها نوافل وهي ما بعد الأولى، والحَجّ له نوافل، وهو ما بعد الحج الأول، وقوله:(وَكَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا)، هذا تقدم في المسألة قبلها.

 

وبهذا القدر نكتفي حتى لا نضيق عليكم، ونتيح فرصة لما قدرنا عليه من الجواب على أسئلتكم.

 

القارئ: بارك الله فيكم شيخنا ونفع بكم الإسلام والمسلمين.

الشيخ: اللهم اغْفِرْ لِي مَا لا يَعْلَمُونَ، وَلا تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ، واجْعَلْنِي خَيْرًا مِمَّا يَظُنُّونَ.

 

السؤال الأول:

في هذا اللقاء يقول: هل يقال أن من السنة صيام يوم وإفطار يومين؟

الجواب: 

هذا جاء النص عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: (صُم يومًا وأفطر يومين) هذا من السُّنة، لكن يُرشَد كما في حديث عبد الله بن عمر صم يومًا وأفطر يومين، قال: (صُمْ وَأَفْطِرْ)، (صُمْ كل شهر ثلاثة أيام)، هذي كلها سُنة لأنها من السُّنة.

 

السؤال الثاني:

يقول السائل: رجل جامع زوجته في نهار رمضان متعمدًا، ولكنه يقول أنا لا أعرف أنَّ الجماع في نهار رمضان حرام؛ فماذا عليه؟ 

الجواب:

هذا يحتاج الى تحليف، هذا لا يخلو أمرين أو ثلاثة.

أو ثلاثة:

الأمر الأول: أنه يكذب، حتى عوام المسلمين في بلاد الإسلام وفي غير بلاد المسلمين يعلمون، هذا إن كان يعيش في بلاد مُسلمة مثل: السعودية ومصر واليمن وغيرها من البلدان الإسلامية، فهذا يعلم.

الثاني: أن يكون صادقًا، وهذا في حقّ من أسلم حديثًا، عرف الإسلام أن أوله الشهادتين، ثم الركن الثاني إقام الصلاة وهكذا، لكنه لم يعلم أن الجِماع في نهار رمضان مُفَطِّر وحرام؛ فهذا معذور، هذا معذور، والأحوط أنه يقضي يومًا مكانه.

الأمر الثالث: أن يكون مستهترًا، من المستهترين الذين لا يُبالون بشيء من شرائع الإسلام وشعائرة، صَلَّى ما صَلَّى، صام ما صام، كله واحد عنده، حسب هواه، يمشيها كيف ما يمشيها، فهذا إذا كان في بلاد مسلمة والاستهتار لا يكون إلا في بلاد مسلمة، فهذا أرى أنه يجب عليه الكفارة، إلا عند القاضي فإنه يُحْلَّف أنه صادق، ما علم أن الجِمَاع في نهار رمضان مُحَرَّم، والله أعلم.

 

السؤال الثالث:

بارك الله فيكم شيخنا، السؤال الثالث يقول: هل يجوز الصلاة خلف الإمام الذي يعتقد أن القرآن مخلوق، وينكر رؤية الله تعالى يوم القيامة؟

الجواب:

ما دام أظهر هذا فلا يُصلى معه أبدًا، لكنه بين رجلين، رجل قامت عليه الحُجَّة وهذا تعيّن كُفره، ورجل عنده إشكال وشبهة؛ فنناصحه ونزيل الشبهة عنه، فإن أقرَّ بأن القرآن كلام الله صَلَّيْنا خلفه وإلا ألحقناه بالكُفَّار.

 

السؤال الرابع:

بارك الله فيكم شيخنا، السؤال الرابع امرأة تسأل: هل يجوز عمل عملية شفط دهون؛ لأن زوجها يأمرها بذلك، وهي تعاني من السمنة؛ فما حكم ذلك؟ وجزاكم الله الجنّة.

الجواب:

لا مانع إذا خشيت على نفسها فلا مانع المصلحة راجعة لها هي، ولا ينبغي لزوجها أن يأمرها أمر إيجاب، لكن إذا خشيت أو رأى هو –تيّقن- أن هذا نهايته إهلاكها، فيأمرها أمر إيجاب ويجب عليها أن تستجيب، لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ﴾ [النساء:29].

 

السؤال الخامس:

بارك الله فيكم شيخنا، السؤال الخامس، يقول السائل: ماتت الوالدة وتركت كمية من الذهب لم تُخْرج عليه الزكاة، ونحن الأبناء نسأل ما حكم ذلك؟ وهل يوجد على الوالدة ذنب؟

الجواب:

أولًا: نقول رحم الله والدتك - رحمها الله-.

ثانيًا: نحن لا ندري عنها هل هي جاهلة أو عالمة، فإن كانت جاهلة أو أفتاها عالم بأنه لا زكاة في الحُلي كما هو مذهب كثير من أهل العلم، ولعله الجمهور، فلا شيء عليها أخذت بفتوى ولا شيء عليها.

أما إن كانت تعلم وتُقرّ بوجوب الزكاة، كما هو فتوى بعض أهل العلم وهو الراجح عندنا وعند غيرنا، ومن سلفنا في ذلك الشيخ عبدالعزيز بن باز- رحمه الله- فهنا تزكُّون أنتم؛ لأن هذا دَيْن يُقَوَم الذهب ثم يُخرج النِصاب، كم نصاب تأدون أنتم الزكاة عنها والباقي يُقسم على الورَثَة، والله أعلم.

 

السؤال السادس:

بارك الله فيكم شيخنا، هذا السؤال السادس، يقول السائل: في مسألة قتل المرتد قال النووي: اختلفوا في استتابته، هل هي واجبة أم مستحبة، و في قدرها، وفي قبول توبته، وفي أن المرأة كالرجل في ذلك؛ فما الراجح في هذا – بارك الله فيكم-؟

الجواب:

الذي أرجِّحهُ وجوب قتله، ولا مانع من استتابته، كما قال بعض أهل العلم، هذا أولًا، يعني وجوب قتله بعد الاستتابة، لأنه قد تكون عنَّت له شبهة، وساوس، فيُبيَّن له، فإن تاب فالحمد لله، فالتَّوبة تجبُّ ما قبلها، وإن لم يتب قُتل، والمرأة كالرجل، لعموم قوله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:(( مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ )) [ صحيح النسائي الجزء أو الصفحة:4076]، هذا عام، فمن أخرج المرأة وجب عليه الدليل، ولم أعلم مُخصِّصًا حتى هذه الساعة، مع أني شرحت الحديث في كتابي: (إمداد المسلم)، الذي صدرت منه ثلاثة أجزاء.

 

السؤال السابع:

بارك الله فيكم شيخنا، السؤال السابع، يقول السائل: كيفية الجمع في صفة اليد التي وردت بصيغة الإفراد، والتثنية والجمع، وكذلك في صفة العين.

الجواب:

العين واليد من صفات ربِّنا – جلَّ وعلا- الذَّاتية، نؤمن بها كما جاءت، وقد قدَّمتُ لكم القاعدة في أوَّل الدَّرس.

ثانيًا: لا معارضة بين الإفراد والتَّثنية، أعني في مثل قولهِ تعالى: ﴿لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾، وفي آية :﴿لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ [ ص:75]، وقوله تعالى :﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾[ المائدة 64]، فهو له يدان – سبحانهُ وتعالى-، فالإفراد إخبار عن الجنس أنهُ لهُ يد، والتثنية بيان أن لهُ يدان، وأمَّا الأيدي، فالأيدي مثل قوله تعالى: ﴿مِّمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا﴾ [ يس:71]، فليس المراد بها يدُ الذات، المُراد القُدرة، وكذلك في مثل قوله تعالى:﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ﴾[ الذاريات :47] يعني بقوة، ولو كان المراد باليد القدرة لاحتجَّ إبليس- لعنه الله - فقال: وأنا خلقتني بيدكَ، أو بيديك، هذا هو ما تحصَّل إلينا.

وأمَّا العين فقد جاءت في القرآن، مُفردة ومجموعة، ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي﴾ [ طه:39]، هذا الإفراد، وجاءت في سورة (اقتربت الساعة):﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا﴾ [ القمر:14]، قال أهل العلم: (بمرأىً منا وحفظ)، والمعنى أنَّ الله – سبحانه وتعالى- يرى، يعني: حفِظ موسى، فصُنع على عينه، وحفِظ سفينة نوح فهي تجري بمرأى منه –سبحانهُ وتعالى-، وجاءت السُّنة بما يدُلُّ على الاثنين، في قوله –صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يُخبر عن الدجَّال، قال: (( وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ)) [المصدر:صحيح الجامع الجزء أو الصفحة 7875]

يعني له عينين، هذا آخر ما استقرَّ الأمرُ عليه عندي، وسنبيِّن هذا إن شاء الله، في عقيدة الرَّازيين، حينما ييسِّر الله شرحها، وقد رجعتُ عن قولي الأوَّل وأنَّ الله لهُ عينٌ واحدة، رجعتُ عنهُ لمَّا ذُكِّرت، وقد بينَّتُ لكم أصلي في هذا وطلبت منكم حفظه، وإرجاع خطأي إليه حتى بعدي، وهو الرجوع عن الخطأ الذي صدر مني، فإذا بلغني خطأ في كلامٍ لي أو كتابٍ لي بالدليل رجعت عنه علنًا؛ وأمرت بإصلاح الكتاب، وإذا كان كلامي أعلنته في درس، أو في مثل هذا المجلس من المجالس، وأما بعدي فطلابي الذين هم خواصي وغيرهم أرجو منهم أن يرجعوه إلى الأصل الذي أصَّلته لكم.

 

السؤال الثامن:

يقول السائل: إذا صام رجلٌ صيام داؤود ثم صادف يوم فطره صيام عرفةٌ أو عاشوراء؛ فما هو الأفضل له؟

الجواب:

هذا ما حذرتكم منه أثناء الدرس؛ لا بأس أن تصوم عرفة وتتنازل عن فطرك، أنت بين حالين:

الحالة الأولي: أن يكون يوم عرفة موافقًا لفطرك فصومك ليوم عرفة لا بأس بذلك، لأنه يليه أيام العيد وأيام التشريق ولا صوم فيها.

أما إن كان عرفة يُوافق صومك الذي اقتديت به بصوم داوود – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – كما أخبر نَبِيُّنَا – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلك الأجر مرتين - إن شاء الله تعالى-، ولا تتبع الوسوسة فتقول: أنا أقضي يومًا مكانها هذا، هذا من التكلف؛ والتكلف منهيٌّ عنه، فرَوَى الْبُخَارِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ – عَنْ عُمَرَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "نُهِينَا عَنِ التَّكَلُّفِ" وفي الكتاب العزيز: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّـهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾[البقرة:286].

 

السؤال التاسع:

امرأة خارج البلاد، زوجها غائبٌ عنها تريد أن تذهب وتجلس مع أخواتها في مدينة أخرى، لأنها استوحشت في البيت وحدها وهى تخاف من شدّة الانفراد، علمًا بأن معها ولدها الصغير وعمره ثلاث سنوات وابنتها الصغيرة ستة أشهر، فالسؤال تقول: فهل يجوز لهذه المرأة أن تسافر بدون محرم لأن جميع أوليائهاخارج البلاد؟ والمحرم الوحيد الذي هو أبو زوجها مريض، وكذلك ممنوع من سياقة السيارة، وهي تُريد أن تذهب مع أخواتها؟

الجواب:

أولًا يا بنتي أقول: هذا له أحوال:

الحال الأولى: ماذا تريدين بالبلاد؟ هل المدينة التي تقيمين فيها؟ أو تريدين القُطر؟ فإن كنت تريدين المدينة، فسافري إليه ولو بدون محرم، واقيمي عنده ولو في غرفة؛ فإنك تعصمين نفسك- إن شاء الله- من الفتن وتؤانسين زوجك في غربته.

الحال الثانية: أنك تُريدين خارج القطر؛ ففي هذه الحال وقد ذكرتي ما ذكرتي أن أولياءك خارج البلد فلا مانع أن تسافري إلى أهلك أو مع أخواتك هذه ضرورة.

 

السؤال العاشر:

هل يجوز لمن هاجر من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام أن يفتح مركزًا لتعلم اللغات الأجنبية كاللغة الفرنسية واللغة الإنجليزية لغير الناطقين بها؟ وجزاكم الله خيرا.

الجواب:

هذا لا مانع منه بشرط إذن الدولة التي هاجرت إليها، فإذا أعطتك الإذن ورَخَّصت لك فاعمل على ذلك كما تحدد لك الجهة المختصة مواصفات ذلك المعهد.

 

وبهذا القدر نكتفي، وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَّبِيِّناَ مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

والْسَّلامِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الْلَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.

الشيخ: 
عبيد بن عبد الله الجابري