جديد الموقع

8883231

السؤال: 

يقول السائل: لو تفضلتم شيخنا الشيخ ربيع بتفسير قوله تعالى ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ احسن ﴾

الجواب: 

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه،

الله-تبارك وتعالى- أرسل الرسل أفضل البشر أعلاهم منزلة وأفضلهم أنسابًا، اختارهم لدعوة أمَمِهم إلى توحيد الله -تبارك الله تعالى- وكانُوا يدعون إلى الله -تبارك وتعالى- بالحكمة والموعظة الحسنة.

الحِكمة: هِي العِلم، فالدّاعي بالعلم والحُجّة والبرهان دَاعٍ إلى الله بالحِكمة، والموعظةِ الحَسنة،

ورسول الله - صلَّى الله عليه وسلّم- أعظم النّاس أخلَاقًا وأعلَاهم عِلمًا وحِكمة -عليه الصّلاة والسّلام- وقد دعا إلى الله -تبارك وتعالى- في مكّة والمدينة بالحُجَّة والبُرهان وهو أرسخُ النّاس -عليه الصّلاة والسّلام-ومع ذلك لا تُجدي هذه الحِكمة والموعظة الحسنَة عند أهل الضلال من الوثنين، وأهل البدَع فيلجَأ رسُل الله أحيانًا إلى القوة سخِروا من نُوح -عليه الصّلاة والسّلام- وهو يصنع الفُلك ﴿ قَالَ إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ  ودعاهم إلى الله ألفَ سنَة إلّا خمسين عامًا ليلًا ونهارًا، وسِرًّا وجِهارَا، بالحُجَج والبَراهِينِ الوَاضِحَة والقاطِعَة ومع ذلك يُصرُون على الشِركِ بالله والكُفر به وعبادة الأوثان فاضطُرَّ نُوح أن يدعُو عليهم قال: ﴿ وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴿٢٦ إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا  فدعى عليهم فأَهلكهُم الله -تباركَ وتعالى- أَهلكَهُم بالطُّوفان، وقال الله فِيهُم الخُبثاء: ﴿ وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَىٰ﴾ كم صَبِر علَيهِم نُوح وعلى كذبهم يسخَرُون منه ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ   بجانبهم الجبناء الخُبثاء في دعوتهم إلى الله وإلى التّوحِيد بالسُّخرية وكذلك ﴿وَمَا يَأْتِيهِم مِّن نَّبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ  فيضطَّر حينئِذِ  الرّسُول الكريم من الرُّسُل الكِرام -عليهم الصَّلاة والسلام- أن يشتدَّ عليهم والرّسول -عليهِ الصلاة والسّلام-كمَا قال الشّاعِر:

دعَا المُصطَفى دهرًا  بِمكَّة لم  يُجب   ***   وقد جانَا مِنهُ جانِبٌ وخِطابُ

فلَمَّا دَعَا  والسَّيفُ  سلطٌ   بِكفِّهِ    ***   لهُ أسلَمُوا  واستَسلَمُوا  وأنَابوا.

وقد يضطَّر الدَّاعية يَدعُو إلى ربِهِ بالحكمة والموعظة الحسنة لكن يواجه مواقف تضطرُّه إلى أن يقول بشِّدة ويتكَلَّم بشِّدة -بارك الله فِيك- وإذا تكَلَّم بِشِدَّة السّلفي دعا إلى الله بالحكمة والمَوعظةِ الحسنَةِ دهرًا ثمَّ اشتدَّ في بعضِ المُناسبات مسَحُوا كُلَّ جهوده هذه وصبرهُ وحلمَهُ وحِكمَتَهُ دفَنُوها تمامًا وأظهروا أنَّه مُتَشدِّد -بارك الله فيكم- الشِّدة في بعضِ الأَحيان مطلُوبة: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ  وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ بارك الله فيكم الله -سبحانه وتعالى- دَعَاه إلى أن يشتَدَّ على أعدائِه من الكُفَّارِ والمُنَافقين لمَاذا؟ دعاهُم، ودعاهُم، ودعَاهُم باللِّينِ والحِكمَة فمَا بقِي إلّا السّيف واللِّسانُ الصَّارِم والعمَل الحَاسِم،

وانَا أظُنُّ أنَّ السّائِل والله أعلم رآنا أننا نأخذ الكلَام بِشِدة، فسأل هذا السُّؤال يدعونا إلى الحِكمَة، والله أعلم، هَداهُ الله تَارِك منهجَ الأنبياء -عليهم الصَّلاة والسّلام ومنهجَ السّلف الصّالح، الصحابة كانوا قد يشتَّدون إذا دعت الحاجة إلى ذلك، يلينون، ثم قد يشتدون -بارك الله فيك-، وإذا قرأت للسلف الصالح في بعض ما كتبوه قد ترى عندهم شدَّة، وكان حمَّاد بن أبي سلمة شديدًا على أهل البدع والضلال،فكانت مزيَّة،هذه الشدة مزيَّة من مزاياها، وكان أئمة الإسلام مثل أحمد بن حنبل وغيرُه يجعلونه مقياسا لأهل الباطل، يميزونه به أهل الباطل

"إذا سمعتَ الرجل يطعن في حمَّاد بن سلمة فاتهمه على الإسلام"، وجعلوا من أئمة الإسلام مقاييس فارقة بين أهل السنة وبين أهل الضلال، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الحكمة، فالحكمة هي العلم، والدعوة إلى الله باللطف، والحكمة وهذا الصبر الجميل ثمَّ عند الشدة لا يُلام إذا اشتد الإنسان في مواجهة أهل الباطل، نسأل الله أن يوفقنا وإياكم في دينِه، إن ربنا سميعُ الدعاء 

الشيخ: 
ربيع بن هادي عمير المدخلي