جديد الموقع

888362

الجواب: 

الشيخ: الحمدلله ربِّ العالمين، والعاقبةُ للمتَّقين، اَشْهَدُ اَنْ لا اِلـهَ اِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، الْمَلِكُ الْحَقُّ الْمُبينُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ أَجْمَعِين صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعلى آلهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِين.

تفضَّل.

القارئ: بِسْمِ الْلَّهِ، والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ وَالْصَّلاةُ وَالْسَّلامُ عَلَىَ رَسول الْلَّهِ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالاه.

أما بعد..

فاللهم اغفر لنا ولوالدينا ولشيخنا وللسامعين.

قال الحافظ عبد الغني المقدسي- رحمه الله- في كتابه (عمدة الأحكام):

(كتاب الصيام).

الشيخ: (كتاب الصِّيام)، الصِّيامُ له معنيان:

أحدهما لُغَوي، والآخر شرعي.

- فالصِّيَام اللُّغوي: هو مجرَّدُ الإمساك عن الشيء بدون نيَّة، فَيُقالُ (صَامَ عن الكلام)؛ أي (أَمْسَكَ عَنهُ) ، (وَصامَ عَنْ القُعودِ في البيت، ولَزِمَ المَسْجِد)؛ يعني (أَمْسَكَ عَن القُعود في البيت)، إلى غير ذلكم من الأشياء اللُّغوية.

- وأما المعنى الشرعي للصِّيَام: فهو إمساكٌ بنِيَّةٍ مِنْ طلوع الفَجْرِ الثَّاني إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ عن شَهْوتَيِ البَطْنِ وَالفَرْجِ.

- ويُقالُ أيضًا: عن جميع المُفَطِّرات من طعامٍ وشرابٍ وما في حُكمهما.

فالفارق بين المعنيين: النِّية.

وبهذا تعلمون أنَّ صِيَام السِّياسيين الذي قد يزيد على الشهور عن الطَّعام والشَّراب فليس هو صيامًا شرعي، بل ولا لغويّ حتى، هو من البدع المُنْكَّرة.

فالذي يصوم عن الطعام والشراب لقاءَ ما يَجِدُهُ من الكُفَّار، فهذا ضررٌ على نفسه وتعريضٌ لها للقتل، خالف بذلك نَهْيَ الله - عزّ وجل- في قوله: ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾[النِّساء:٢٩].

وفيه مَضَرَّةٌ أُخرى وهي أنَّ العدوّ يفرح بهذا، فالعدوُّ من يهود ونصارى وغيرهما من الْكُفَّار حينما يُمْسِكُ المسلم في سجونهم احتجاجًا على ما يلقاه من التَّعذيب أو غير ذلك، هو يفرَحُ بهذا ويَوَدّوا أن يموتوا؛ يوَدُّوا أن يُمْسِكوا حتى يموتوا.

إذًا هذا المُمْسِك لَمْ يُفِدْ وَلَمْ يسْتَفِد سوى فرْحَةِ العدو عليه وعلى بني جِنْسِهِ، فهو لو أُتِيحت لَهُ الفُرصة لسجن جَميعَ المُسلِمين في سُجُونِهِ حتى يَموتوا ممسِكينَ عَن الطَعامِ وَالشَراب.

وَاعلموا أَيُّها المُسلِمون أَنَّ الصِيامَ أَنواع:

·              أَحَدُها: الواجِبُ أَصلًا بِإِيجابِ الشَرع إِيجابًا عينِيًا، على كُلِّ مُكَلفٍ من المُسلِمين ذَكرًا أَو أُنثى، حُرًّا أَو عَبدا، وَهذا هو صِيامُ رَمضان- نَسأَل الله أَن يُبَلِغنا وَ إِياكم فيه-، نَسأَل الله أَن يُبَلِغنا وَ إِياكم جَميعًا هذا الشَهر، وَ يُعِيننا وَ يُتِمَ لنا وَ يَتَقبل منا- فهو واجِبٌ بالكِتابِ العَزيز، وَبالسُّنةِ المُتَواتِرة وَبِإِجماعِ المُسلِمين عوامِهم وَخَواصِهم، حتى العَجائِز ذَواتِ الفِطرةِ الطَيبةِ السَّليمة، وإِن كانت لا تُحسِنُ فاتِحةَ الكِتاب، فإِنها تعتَقِدُ وجوبَ صِيام هذا الشَهر.

واعلموا - هدانا اللهُ وَإِياكُم- مراشِدَ الأُمور، في الأَقوالِ وَالأَعمال، أَن وجوبَ هذا الشَهر لَهُ شُروط:

أَحدها: التكليف كما أَشرنا، وَ يشملُ البلوغ والعقل، ولا إِيجاب لِحقِ الله - سُبحانهُ وَتعالى- دون تَكليف، بل هو مَناطُ جميعِ أَحكامِ الله- عزّ وَجل- حقوقَ نفسِهِ – عزَّ وَ جل- أَما حقوقَ الآدمينَ فهذِهِ لها مجالٌ آخر، وَقد بُسِط الكلامُ فيها مراتٍ وَمرات، فمن أَراد فليُراجِع تلكُم المواطن، بَعضُها في هذا المَسجِد وَبَعضُها في غَيره.

الشرطُ الثاني: دُخولُ الشَّهر، وَدُخولُ الشَّهر لَهُ طَريِقان:

أَحدُهُما: البَيِّنة، رؤيَةُ الهِلال وَتَثبُتُ بِشهادةِ عَدلٍ مِن ذُكُورِ المُسلِمين، وهو المُسلِم البَالِغ العَاقِل.

الثالث: الإِقامة، وَدليلُ هذا قَولُهُ - جَلَّ وَعَلا- : ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾[البقرة:185]، يَعني رَمضان.

الطَريقُ الثُاني: إِكمالُ شَعبان ثلاثينَ يومًا، كما سَيأَتي إِن شاءَ الله، هذا هو الشَرطُ الثاني، وَ عرفتُم أَنهُ يتَأَلّفُ مِن فرعَين:

الثالث: الإِقامة، وَقد مضَت قبل قليل، تَقَدَّمت عن موضِعِها نِسيانا.

الرابِع: السَّلامة مِن الأَمراض المُسَوِّغة للفِطر، وَهذا تَقدِيرهُ إِلى الطَبيب المُسلِم المَوثُوق، هذا هو الشَرط الرابِع، هذا هو الشرط الرابع.
وتزيد المرأه شرطًا خامسًا وهو خُلوّها من الحيض والنفاس؛ هذا هو الواجب العَيْني بأصل الشرع على كل مسلمٍ بالغٍ عاقل ذكرٍا أو أنثى - كما قدمنا- وهو صيام رمضان بدلالة الكتاب والسُّنة والإجماع.

·              الثاني: الواجب لأمرٍ عارض، وهذا يعمُّ النذر والكفارة، كفارة قتل الخطأ، وشبه العمد، وكفارة اليمين، وكفارة الظِهار، والكفارة بالفطر جِماعًا في نهار رمضان كما سيأتي - إن شاء الله تعالى- فهذه واجبة لكنها ليست على كل مسلمٍ بالغٍ لا، بل لأمرٍ عارض فمن نذر أو ركب ما يوجب كفارة، وَجَبَ عليه الصيام هو نفسه، هو نفسه فقط لا غيره من الناس.

·              الثالث: صوم النفل صوم التطوع، وقد كفانا أخونا وخطيبنا وتلميذنا الشيخ عبد الواحد بن هادي - وفقه الله- فما ذكره في هذه الخطبة يُغني عن الحديث عنه هنا، فالإحالةُ إليه - بارك الله في الجميع-.

القارىء: عن أَبِي هُرَيْرَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم- (لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَو يَوْمَيْنِ، إِلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ).

الشرح: هذا الحديث الكلام عليه من أوجه:

الوجه الأول: (لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ) أي: لا تتقدَّموا صيام رمضان.

الثاني: (بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ) والمقصود التعجل قبل دخول الشهر، إما بالبيّنة أو بالرؤية أو بإكمال شعبان ثلاثين يوما، هذا حين تُعْدم الرؤية لغيمٍ أو قتر أو غير ذلك.

الثالث: قوله: (إِلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ)، قوله: (رَجُلٌ) ليس للتخصيص بل هو للتغليب، وذلكم أن غالب من يحضر مجالسه - صلَّى الله عليه وسلَّم- الرجال وقد يحضر النساء ولكنهن قليلات فالرجل والمرأة في هذا الخِطَاب سواء.

وقوله: (كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ) هذا يحتمل وجهين من أوجه الصيام أو ثلاثة :

الوجه الأول: قضاء رمضان، ضاق به الوقت فلم يتمكن إلا قبل رمضان بيوم أو يومين.

الثاني: من عليه واجبٌ عارض- كما قَدَّمنا- من صيام كفارة أو نذر أو غير ذلك كما تَقَدَّم.

الثالث: من كانت عادته الإثنين والخميس فلا مانع أن يصوم عادته.

وها هنا سؤال، رُوِيَ عن بعض الصحابة - رضي الله عنهم- أنهم يتقَدَّمون رمضان بأيام، يوم، يومين، ثلاثة أيام.

والجواب: هذا اجتهاد منهم - رضي الله عنهم-، والنصُّ حُجَّة، فإذا تعارض اجتهاد صحابي ونصٌّ صحيح عن المعصوم – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فالمعتمد هو نص المعصوم – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولهذا قال علماؤنا في القواعد الأصولية: ((لَا اجْتِهَادَ مَعَ النَّصْ)).

الشيخ: من روى هذا الحديث؟ رواه البخاري تعليقًا؟ هو مُخَرَّجْ عندك؟

القارئ: الحديث رواه البخاري ومسلم، واللفظ لمسلم، وللبخاري: ((لَاْ يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدَكُمْ رَمَضَانْ)).

الشيخ: الذي أحفظه أن البخاري رواه تعليقه عن عَمَّارْ بن يَسْرْ، هذا عن أبي هريرة؟

القارئ: نعم، عن أبي هريرة..

الشيخ: جميل، إذًا لا بأس، هذا تعليقي الذي أردته، ظنًّا مني أنه حديث عمار، هذا مجال آخر، تفضل.

القارئ: عَنْ عبد الله بن عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما- قال: سمعت رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: ((إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُواْ، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُواْ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُواْ لَهْ))

الشيخ: هذه المسألة الثانية، المسألة الأولى في هذا الباب هي المُتقدمة، وهي نهيه – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن تقدّم صيام رَمَضَان بِيَوم أو يَوْمَيْنِ آخر الحديث، وهذه المسألة تتعلق بشيئين وهما:

دخول الشهر:

-              أحدُهما: البينة، ونَصَّ عليها – صلى الله عليه وسلم- بقوله: ((إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا)).

و(الرؤية) بشهادة العدل – يعني رؤية الهلال- بشهادة العدل من ذكور المسلمين.

-              الثاني: حال تعذر الرؤية بقتر أو غيم، فالواجب التضييق عليه، وهذا جاء مُفسّرًا في بعض الروايات: ((فَأَكْمِلُوا شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا)).

أنت معك عمدة الأحكام أو الفتح أو تيسير العَلّام؟

القارئ: لا يا شيخ، عندي (تأسيس الأحكام) للشيخ النجمي –رحمه الله-

الشيخ: لا، الاعتماد –بارك الله فيكم- المعروف عند أهل العلم اصطحاب المتون.

القارئ: أنا عشان التعليق يكون يجمع بين الحسنيين.

الشيخ: لا بأس، هذا لك.

القارئ: بجانب تعليق الشيخ النجمي – رحمه الله-

الشيخ: لكن أُنَبّهك، أُنبه الجميع – بارك الله فيكم- من الحاضرين والمستمعين، رجالكم ونساءكم، المُعَوَّلْ عليه في مثل هذه هو المُتون.

القارئ: ابشر يا شيخ.

الشيخ: أبدًا، الشروح شيء آخر، عرض آخر، تابع.

القارئ: بارك الله فيك شيخنا، عن أنس بن مالك – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: ((تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةْ)).

الشيخ: هذه المسألة الثالثة وهي: الأمر بالسّحور، فقوله – صلى الله عليه وسلم- ((تَسَّحَّرُوا)) يعني: عليكم بأكلة السَّحُور.

والسَّحُورُ: المراد الأكل، وسُمِّي سَحُورًا لخَفائِه على غير الصائمين، إلا من يخدمهم، من يخدم الصائم فإنه يعلم ذلك.

وقوله – صلى الله عليه وسلم-: ((فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةْ)) هذا تعليل للأمر بالسّحور، والبركة تحصل بتقوية الصائم على عبادات النهار من قراءة قرآن، ومن تنفّل بين الظهر والضحى، وغير ذلك من العبادات التي يحتاج الصائم فيها إلى قوة، فالسحور يقوّيه، ويقوّيه  أكثر إذا أخّره حتى يقرب من طلوع الفجر، لاسيما حينما يُوافق الصيام صيام رمضان الصيف، والأمر عام، أمر الصائم بالسّحور هذا عام  يشمل ما كان فرضًا وما كان نفلًا، والحظ على تأخيره كذلك عام.

القارئ: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رضي الله عنهما- قَالَ: ((تَسَحَّرْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالسَّحُورِ؟ قَال: قَدْرَ خَمسين آية)).

الشرح: أولًا: هذا هو النص على الحث، على حث الصائم على تأخير سحوره حتى يقرب من الفجر كما قدّمنا.

وثانيا: قوله قدر خمسين آية؛ هذا في شأن أو في حَقّ من يرتل القرآن ترتيلا، فيقرأ مدًّا كما كانت قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وهذا هو ما أخرجه أبو داوود وهو صحيح عن أم سلمة - رضي الله عنها- سُئلت كيف كانت قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، قالت : كان يقرأ مدًا، فقرأت "بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدلله رب العالمين" وهكذا، ولا معوّل على قراءة الهاذِّين الذين يُمكنهم أن يقرؤوا خمسين آية في دقائق معدودة، فهذا هذّ الشعر، وليس هو كما أمر الله - سبحانه وتعالى- نبيه - صلى الله عليه وسلم- ولكلّ مؤمن ومؤمنة فيه أسوة حسنة كما أخبر - سبحانه وتعالى- عن ذلكم بقوله: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ﴾ [الأحزاب 21] فقراءة نبينا - صلى الله عليه وسلم- مدًّا وليست هذًّا ولهذا إذا سمعتم من يقول (الحمد الله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين) إلى آخر الفاتحة ، ماشاء الله بعضهم بنفس واحد ويقرأ عشر آيات بنفس واحد، هذا هذّ كهذّ الشعر، وليس هو من الآداب المحمودة لتلاوة القرآن بل هو من المذموم، وفي الحديث لطيفة إسنادية وهو أنه يرويه صحابي عن صحابي، يرويه أنس بن مالك عن زيد بن ثابت - رضي الله عنهما- وفي هذا دليل على أدب من آداب طلب العلم وهو القصد إلى الأكابر إن وُجِدوا.

 تابع بارك الله فيك، كّمّل هذا الباب.

القاريء: عَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ - رضي الله عنهما-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- كَانَ يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُومُ.

الشرح: هذا الحديث نص صريح في جواز تأخير الصائم ذكرًا أو أنثى غُسله إلى الفجر، وأنّه سائغٌ له، ولكن يُعَكّرُ عليه حديث آخر أخرجه مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أصبح جُنُبًا فلا صوم له)) وهذا نص صريح في أنه يَحرُم على الصائم تأخير غسله من الحدث الأكبر حتى يُدركه الفجر، وإنه إن فعل ذلك بَطَلَ صومه، فكيف الجواب؟

والجواب عن هذا: أنَّ حديث الباب ناسخٌ لحديث أبي هريرة الذي ذكرناه فالعمل عليه، وفي حديث الباب فوائد منها ما تَقَدَّم بيانه.

الفائدة الثانية: جواز إفشاء أسرار البيوت لمصلحة شرعية لا يوصل إليها إلا به.

القاريء: الحديث السادس، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-،عَنْ النَّبيّ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ"

الشرح: قوله (مَنْ نَسِيَ) هذه الجملة الشرطية، وقوله: (فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ)، قوله: (مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ)، هذه الجملة الشرطية، وقوله: (وَهُوَ صَائِمٌ)، هذه الجملة حالية، يعني وقته هو صائم، وقوله: (( فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ)) هذه جملة الجواب، والحديث دليل على أن من هذه حاله فلا قضاء عليه لقوله: (فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ) هذا أمر.

والأمر الثاني: وقد ذهب بعض أهل العلم، أقول قبل أن أذكره أذكر مذهب بعض أهل العلم وأظن منهم الإمام مالك- رحمه الله- قال: "يرتفع عنه الإثم وعليه القضاء" ويرَدُّ هذا القول أنه لو كان ثمة قضاء لأمر به النبي - صلى الله عليه وسلم-، ولقال: (فليتم صومه وليقضي يومًا مكانه)، فعُلِمَ أنه لا قضاء عليه، هذا أمر.

وأمرٌ آخر وهو مقرر في علم الأصول (أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة) هذه قاعدة أصولية مشهورة، وهي حُجّة قوية على من أراد أن يُلزم الناس أمرًا لم يُلزمهم إياه الشارع.

وبهذا القدر نكتفي، ثم ننتقل إلى الأسئلة.

وأرجو من جميع أبنائنا وبناتنا من حضور ومستمعين، أن يُحضروا (عمدة الأحكام) المتن فقط - بارك الله فيكم-، فلا تُحضروا الشُّروح، لا( تيسير العلاَّم)، ولا غيره، هذا مُخالِفٌ لِمَا هو معروف من طلاب العلم مع أشياخهم - بارك الله في الجميع-، فَعَرض المتون شيء، وعرض الشُّروح شيءٌ آخر.

القارئ: بارك الله فيكم شيخنا، وجزاكم الله خير على التوجيه.

 

السؤال الأول:

السؤال الأول في هذا اللقاء، هذا سؤال خارج البلاد، يقول: دار الإفتاء عندنا يعينون بالتقويم، وليس بالرؤية، وعامة المسلمين يقتدون بهم، فماذا علينا السَّلفيين، هل نتابعهم، أو نتابع السعودية، ونصوم خُفية؟ أفتونا مأجورين.

الجواب:

أقولُ:

أولًا: نصُّ الشَّارع على أمرَيْن قدَّمتهما، أولًا الرؤية، أو إكمال شعبان ثلاثين يومًا، ولا غير ذلك شيء.

ثانيًا: الأخ قال: على التقويم، والذي أعرفه في دول المغرب، أنهم يعملون على الفَلَك؛ على الحساب الفلكي، وهذا خطأ، مُخالفٌ لإجماع المسلمين، فلا يُتابعون على هذا، وإن كان ثمة إلزامٌ لهم من وليِّ أمرهم، فإنهم يُفطرون سرًّا، ويتَّبعون في الرؤية أوثق البلدان عندهم.

 

السؤال الثاني:

بارك الله فيكم شيخنا، السؤال الثاني، يقول: هل يُعتدُّ برؤية المرأة الواحدة، في دخول شهر رمضان؟

الجواب:

لا أعلم في هذا نصًّا شرعيًا أعتمدُ عليه هذه الساعة ، وإذا وقفتُ على شيء يَستندُ على الدليل بيَّنته.

 

السؤال الثالث:

بارك الله فيكم شيخنا، السؤال الثالث يقول: الإفطار قبل الأذان وعند غروب الشمس؛ ما حكمه؟

الجواب:

نحن ننصح كل مسلم، أن يتَّبع الأذان في بلده، لأن المؤذنين حريصون - هذا فيما نحسب- حريصون على دخول الوقت، هذا وجه.

ووجهٌ آخر: من أراد أن يتبيَّن هل غربت الشَّمس، أو لا؟ فإن كان في البلد فإنه لا يمكنه ذلك، والتقويم لا يُعمل عليه، أمَّا إن كان خارج القرية، خارج مدينته، في مكانٍ يتحقَّق له غروب الشمس، فليعمل على ذلك، حتى لو سمع في الراديو أذان البلد لا يعمل عليه، يعمل على نظره.

 

السؤال الرابع:

السؤال الرابع، يقول: شيخنا – بارك الله فيكم- هل يجوز شرب الماء والتَّسوّك أثناء خطبة الجمعة؟

الجواب:

إذا احتاج الخطيب إلى ماء، كأن شرِق، أو حسَّ بجفاف في حلقه، فلا بأس بذلك- إن شاء الله-، والتَّسوك يُنصح به عند خروجه إلى المسجد، أو حال ما يدخل قبل أن يبدأ في الخطبة، حتى لو تسوَّك على المنبر، أثناء الأذان، فلا شيء عليه في ذلك - إن شاء الله تعالى-.

 

السؤال الخامس:

بارك الله فيكم شيخنا، السؤال الخامس يقول : ما حكم العمرة في ليلة رمضان، أي في أول ليلة؛ هل يكون الفضل مثل العمرة في رمضان؟

الجواب:

إذا أحرم للعمرة، بعد ثبوت رمضان في أول ليلةٍ منه، وقعت عمرتهُ في رمضان - إن شاء الله تعالى-، لأن الشارع أطلق: قال: «فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً أَوْ حَجَّةً مَعِي» [البخاري:كتاب الحج/1764] رواية مسلم: «فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً» [مسلم/كتاب الحج/1256] حديثٌ صحيحٌ عن النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سواء كانت في أول يوم أو أول ليلة، لكن لو أحرم وأدى العمرة عصرًا ليلة الثلاثين من شعبان أو يوم التاسع والعشرين من شعبان لم يكن اعتمر في رمضان، وإنما تكون في رمضان إذا أتت أعمال العمرة وهي الطواف والسعي في أول ليلة، ومثلها في أول يوم.

 

السؤال السادس:

هل من كان صائمًا صومًا نافلةً وأتى أهله ناسيًا؛ ماذا عليه؟

الجواب:

إذا كان ناسيًا فلا شيء عليه - إن شاء الله-، أتى أهله ناسيًا يظنه مفطرًا يُتم صومه ولا شئ عليه إن شاء الله، قال تعالى: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾[البقرة:286]، قَالَ اللَّهُ: ((قَدْ فَعَلْتُ))

 

السؤال السابع:

فضيلة الشيخ وفقك الله؛ أنا طالب في الجامعة الإسلامية وقد أشكل عليَّ أمرٌ وهو هل أنا مسافر أم لا؟ وما هو الراجح في ذلك، لأني سأبقى في رمضان هنا؟ وجزاكم الله خيرا.

الجواب:

هذه مسألة الخلاف فيها كبيرٌ وكبيرٌ جدًا، فهذا الطالب إذا كان قادمًا من غير المدينة، حتى ولو كان من الرياض فهو مسافر، إلَّا إذا أثَّث منزلًا كما يؤثّثه المقيمون في المدينة، وأصبح كأنه واحدٌ منهم فهو مقيم، والله أعلم.

 

السؤال الثامن:

هل المعول في الرؤية أن تكون بالعين المجردة؟ أم لا مانع من استعمال التلسكوب؟

الجواب:

أنا لا أعرف هذا الذي ذكرته لكن لابد من العين المجردة، ولعله إذا لبس منظارًا يُقَوِّي نظره، لا بأس بذلك - إن شاء الله- ولا أجزم، أقول: "لعله"، لأن في الحقيقة لبس المنظار يدلُّ على ضعف النظر.

 

السؤال التاسع:

هل يُفهم أن من يتعمد ترك السحور يأثم؟

الجواب:

الأصل أنه لا يأثم، فبعض الناس عندهم قوّة جسمية يأكل أول الليل أو قبل الثلث الأخير، يأكل عُدة وجبات فيرى أنه لا داعي فلا بأس بذلك، نعم إذا كان ترك السحور يضر به ويخشى أن يُفطر، فهذا الظاهر أنه يأثم، والله أعلم.

 

السؤال العاشر:

من كان عليه صومٌ عارض كصوم الكفارة؛ فهل له أن يتطوع؟

الجواب:

كيف يتطوع؟ هذا يختلف باختلاف الحال؛ فمن كان عليه صوم شهرين متتابعين فلا يتطوع، لأنه لو تطوع والحال هذه؛ نَقَضَ التتابع، فأعاد من أول ولا يبني، أما إن كان فيه سعة مثلًا لو قال إنه عليه نذرٌ أن يصوم عشرين يومًا من محرم، ولم يحدد أطلق، فله أن يتطوع يصوم أيامًا من نذره ويصوم أيام تطوع، لكن إذا عاد إلى نذره لابد من تجديد النية.

 

وبهذا القدر نكتفي، وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَّبِيِّناَ مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، والْسَّلامِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الله وبركاته.

الشيخ: 
عبيد بن عبد الله الجابري