الحمد لله الذي أرسلَ رَسُولَه بالهدى ودين الحق لِيُظْهِرَهُ على الدين كُلِّه وكفى بالله شهيدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقرارًا به وتوحيدًا، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله - صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وَسَلَّم تسليمًا مزيدا-.
أما بعد..
فمعاشر الحاضرين والمتابعين من المسلمين والمسلمات تحدَّثْنا بما يَسَّرَ الله بهِ لنا في اللِّقاء الماضي عن الحقِّ الأول وهو عبادتهُ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وفي هذه الجلسة - إن شاء الله- نُحَدِّثُكم بما يفتح الله به علينا من الكلام على الحقِّ الثاني من آية الحقوق العشرة آية النساء ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ الآية، وهذا الحقُّ هو حقُّ الوالدين على ولدِهِما، وهذا الحديث في هذا الحقِّ العظيم الذي ثنَّى الله بهِ في مواضِعَ كثيرة من مُحْكَم تنزيله وكريمِه بالإضافة إلى آية النساء هذه.
فأولًا نذكر بعض الآيات من هذا الأمر.
وثانيًا: نُتْبعها بما يَسَّر الله لنا من صَحيح سُنَّة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونختم الحديث بأمرٍ عظيم وهو التَّحذير من عقوقِ الوَالدين؛ فإنَّ الكِتاب والسُّنّة تضافرًا أولًا على الحضِّ على العناية بحقوق الوالدين، ثُمَّ انفردت السُّنّة بالتحذير من عقوقِهما وأنَّه أعظم الذُّنوب بعد الشركِ به؛ فَعظيم حَقِّ الوالدين - معاشر السامعين من المسلمين والمسلمات حيث ما كانت وجهتكم- لم يقتصر على الحضِّ على البرِّ فقط، وإنما أتبع ذلك بالتَّحذير مِن ضدّه، فالمسألة الأولى: بعض ما ثنَّى الله به - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بهِ بعد حقِّه - وإن شئتَ فقل- أرْدَفَه بعد حَقّه في هذا الباب.
الآيةُ الأُولى: من سورةِ الإسرَاء ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الإسراء23] أظُنُكُم أدركتُم تمامَ الإدراك أنْ هذِهِ الآية وإن اختلفَ لفظُها، فهي نظِيرةُ آيةِ النِّساء، فقولُهُ - جلَّ وَعلا- ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ﴾ [الإسراء23] أي أَمَرَ ووصَّى، وهذا القضاءُ قضاءٌ شرعي، لا قَدَري، هذا القَضاءُ الشرعيّ بدأهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بِحقّه، وهو زُبدةُ الرِسالات، وأصلُ الدِّينِ وأَساسُه، توّحيدهُ - جلَّ وعلا- ثُم أتبع ذلك بِثاني الحقِّ وهو حقُّ الوالِدين، قُلنا هذا الأمرُ وهذا القضاء، شرعيٌّ لا قَدري، وإيضاحُ ذلكم، أنهُ لو كان هذا القضاء قدريًّا ما تخلّفَ أحد عَمّا أمر اللهُ بِهِ وأعظمُهُ توّحيدُه، ثُم سائِرُ الفرائِض، ومنها بِرُّ الوالدين، وما تخلّف أَحدٌ عن اجتِنابِ ما نهى اللهُ عنه، وأَعظمُ ما نهى ربُّنا - جلّ في عُلاه- عنه الشّرك، ثُم سائِرُ المعاصي، كَبائِرِها وصغائِرِها، ومنها البِدعُ والمُحدثات في الدِين، فتّفطنوا إلى الفرقِ بينَ هاذين المعنيين، الشرعي والقدري.
الآيةُ الثانية: قولُهُ - جلَّ وَعلا-:﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ [لُقمان 14] وهذِهِ حقُّ اللهِ فيها قولُهُ: ﴿اشْكُرْ لِي﴾ [لقمان14] وشُكرُ اللهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عمُودُهُ وقوامُهُ وأصلُهُ وأساسُه عِبادَتُهُ الخالِصة، يُوضِّحُهُ ما تقدّم قبلهُ آنِفا، ((وَلِوَالِدَيْكَ)) [لقمان14]؛ والَمعنى: واشْكُر لوالِديك صنِيعهما بِك، منذّ كُنت حَمْلًا حتى بلغت ما بلغت منْ العُمر، وهُما معك عطفًا وحنانًا، وإشفاقًا، وخِدمة، ولَعلَكُم تَلْحظُون أنَّ بعض البالِغين لا يستغني عنْ والِديهِ لاسيما أُمُه؛ فهي تخدِمه، وتجِدُّ في خِدمتِه وترعاهُ رِعايةً بِبصرِها وسمعِها وقلبِها، فتزِيدُ على الأبِ أشياء، ولِهذا جاءَ حضُّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الاهتِمامِ بالأُمِ ثلاثةَ أضعافِ الأب ((قِيلَ : يَا رَسُول اللَّه؛ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: «أُمُّكَ». قَالَ:ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ». قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ:«ثُمَّ أُمُّكَ». قَالَ:ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَبُوكَ»))، قال في الثالثة أو الرابعة أبوك.
هذا في ما يتعلق بأمر الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - بالإحسان إلى الوالدين والسؤال هنا ما الإحسان إلى الوالدين؟
الإحسان هو بِرُهما، وبِرّهُما يتضمّنُ أمورًا عديدة:
أحدها: حُسن الخِطاب.
والثاني: الحَنان والعَطْف والشَفقّة.
وثالثًا: الجِد في خدمتهما.
ورابعًا: أن لا يَسأَم ولا يَمل وليَستَعمِل من قُدرتهِ ما أمكنه استعماله ولا يتضجر منهما لِطولِ خدمتهما.
هذا من الآيات وأما من سُنة النَبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّريحة في أنَّ حقّ الوالدين في الرُّتبةِ بعد حقَّ الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فالسُّنّة في هذا مُستفيضَة ونذكر حديثين اثنين، بل حَديثٌ واحد، والآخر مُرجى، وهذا الحَديث أَخْرَجَهُ الشَيخَان: (عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُ- قال: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا، قَالَ ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ، قَالَ ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) واقتصارنا هو على الأول والثاني، وأما الثالث وهو الجهاد في سبيل الله فقد كفانا صاحبنا وتلميذنا وأخونا إمامنا الشيخ عبد الواحد بن هادي المدخلي - وفّقهُ الله- فقد أَجاد و أَفاد ووجدَ - إن شاء الله- آذانًا صاغية.
أقول: الشاهِدُ هنا لا يخفى على ذي البَصرِ والبَصيرَة، من المسلمين والمسلمات أنَّ حقّ اللهِ وهو الأول في هذا الحديث، الصّلاة على وَقتها، والصّلاة هي عمود الإسلام، وهي الركن الثاني بعد الشهادتين، وهي أعظّم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي أعظم شَعائِر الإسلام وشرائعه العملية، الثاني: بِرُّ الوالدين.
هذا بإيجاز ما تيسّر من الحضّ على بِرِّ الوَالدين، كتابًا وسُنة، وأمّا التحذير من العقوق وأنه أكبر الكبائر بعد الشرك بالله، ولك أن تقول أعظم الكبائر بعد الشرك في الله، وهذا قد جاء في أحاديث نذكر اثنين منها؛
أحدُهما: حَديث أَبي بَكْرَةَ - رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُ - نُفَيّعُ بنُ الحَارِثِ الثَقَفيّ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَلَا أُنَبِّئُكُمْ مَا أَكْبَرْ الْكَبَائِرْ؟ قَالُوا: بَلَا، قَالَ: الْإشْرَاكُ بِاللَّه وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْن) الحديث.
وهذا ظاهر جدًا، فما بالك أيها المسلم بمعصية جعلها نبيك - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعظم الكبائر بعد الإشراك بالله؛ العقوق، والعقوق أصناف:-
- منه التضجّرُ من الوالدين.
- ومنه نهرهما.
- ومن ذلك القَسوة في التعاملِ معهما.
- ومنها الكذِب عليهما.
- والتحيّل على التّملص من خدمتهما.
والحديث الثاني: أَخْرَجهُ مُسْلِم عَنْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، رابع أُمراء المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم أَجْمَعين- قال: (حَدْثَنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفي رواية قال: حَدْثَني- بأربع كلمات قال:( لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّه، لَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْه) الحَديث، فالشاهِد من هذا الحديث الصَحِيح أنَّ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَدأَ أَولًا بِلَعنِ ذِي الشرِكِ اﻷَكبر، واﻹشارة إلى هذا بقوله: (لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّه)، كالذي يتّقي بذلك الحَسَد، أو الجِنّ، أو غير ذلك مما لا يدفعه إلا الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.
ثم ثَنَّى بِلَعنِ لاعِن وَالِدَيْه، بلعن لَعْنِ والديه.
وفي الحديث اﻵخر: (إِنَّ مِنْ أَكَبَرْ الْكَبَائِرْ أَنْ يَسُبَّ الرَّجُلُ وَالِدَيْهْ، قِيلَ: وَكَيْفَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّه؟ أَوْ كَيْفَ يَسُبُّ الرَّجُلُ وَالِدَيْهْ؟ قَالَ: يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلُ فَيَسُبُّ أَبَاْه، وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهْ)، وبهذا يُعلم أن لعن الوالدين - عافانا الله وإياكم في الدين والدّنيا وَالآخِرة- على ضربين:-
أحدِهما: مباشر، توجيه اللعنة إلى الأم أو الأب مباشرة.
والثاني: لعنٌ بواسطة؛ وهذا أشار إليه بقوله: ((يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلُ فَيَسُبُّ أَبَاْه، وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهْ))،
وهذا ما يسّرَ الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-من الحديث في هذا الحقِّ العظيم نسأل الله- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-أن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحُسنِ عبادته.
وأعتذر فإني لم أوفي الموضوع حقّه، فلو أردت أن أوفّي الموضوع حقّه لاستقطب منا محاضرة طويلة وهذا ما لا يسمح به الوقت، بل هو يشق عليكم ولا نريد المشقّة عليكم، فأردنا الإشارة وهي مُغنية - إن شاء الله- عن عبارة. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بارك الله فيكم شيخنا وفي علمكم وفي عمركم ونفع بكم الإسلام والمسلمين.
الشيخ: آمين وإياك.
السؤال الأول:
هنا سائلة من مصر عن طريق موقع ميراث الأنبياء لها سؤالان أختصرهما: تقول: لي ابنه تبلغ من العمر ثلاثة عشر عامًا وارتدت النقاب بعد أن بلغت مباشرة ولكنها يعني تغير سلوكها بعد ذلك وتركت النقاب، يعني تقول رأت مخالفة معاملة الناس لها تغيرت وأنها لا تستطيع أن تلعب ونحو ذلك، فتركت ذلك مع معرفتها أنه خطأ، تقول عاقبتها عقابًا شديدا في ذلك، فتسأل ما هو الحل معها - بارك الله فيكم- هل تلين معها؟ أو تستمر في عقوبتها ونحو ذلك؟
الجواب:
أولًا: أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يصلح بُنيّتك، ويردّها إليها ردًا جميلا.
وثانيًا: أقول لها يا بنتي - بنت هذه الأخت- كيف تلعبين في الشارع، وأنت عمرك ثلاث عشرة سنة؟!
إنَّ نسوة تزوجن على الثانية عشرة وأنجبن على الثالثة عشرة، ويحضرني قولٌ لعَائِشَةَ - رَّضِيَ اللّهُ عَنْها- قالت: (إذَا بَلَغَتْ الْجَارِيَةُ تِسْعَ سِنِينَ فَهِيَ امْرَأَةٌ) فحُق عليك يا بنتي أن تحتشمي وأن تنتقبي أو تجعلين غطاءً من الخمار يغطٍّي رأسك ووجهكِ هذه سُنة الله وأنت مسلمة فارضي بسُنة الله التي جاء بِها رسوله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾،[الأحزاب:36[ فلا خِيار لنا، ولا لك يا بنتي بل يجب علينا التسليم لقضاء الله، وقضاء رسوله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واحذري- يا أيتها الفتاة أنا يظهر لي أنك بالغة، وهذا أنتِ أعْرف وأمكِ تعرف، لكن خروجك مع الأطفال للعب في الشوارع؛ هذا أمرٌ يا بنتي يأباه العقل والعرف قبل الشرع، ذكرت لكِ أيتها البُنية ما قالته الصدّيقة بنت الصديق- رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُا وَعَنْ أَبيها- وإن رغمت أنوف الرافضة، وإن كانوا جالسين بجواري - وما أظنهم-، مَلَاعِين لا يحبون مَساجد المسلمين-، ثم عليك أنت يا بُنيتي أن تجتهدي في نصحها، ومحبّة الخير لها واجلبي عليها من كُتبِ أهل العلم في هذا مثل: رسائل الشيخ عبد العزيز بن باز- رحمه الله- وغيره، وكذلك أشرطة أهل العلم وأظن الموقع في هذا سيفيدك - إن شاء الله تعالى-.
السؤال الثاني:
بارك الله فيكم شيخنا السؤال الثاني: ابنتي الكبرى تدرس حاليًا في مدارس أزهرية عندنا في مصر ونحن بصدد الإقامة هنا في المدينة-إن شاء الله- وهي تِبعًا للقوانين ستدخل جامعة الأزهر، فماذا أفعل في نزولها من وإلى القاهرة لأداء الامتحانات في جامعة الأزهر؟ علمًا بأنه لا يتوفر لنا المحرم في كل مرة معنا، وهل تستطيع أن تدخل أو تنتسب في الجامعة الأسلامية؟ جزاكم الله خيرًا.
الجواب:
أولًا: أنا لا أدري هل أنتِ أقمتي في المدينة أم لا، ولكن يظهر لي أنك لم تُقيمي، قالت ننوي كذا؟
القارئ: نعم نعم.
الشيخ: يظهر أنك لا تزالين في مصر فاجعليها تكمل في الأزهر وهو فيما يظهر أفضل جامعة في مصر على ما فيها من البلايا لكن هي أخف حسب ما يبدو لي، والله أعلم.
ثانيًا: إذا أتيتم إلى المدينة وهاجرتم إليها والهجرة ليست واجبة في حقّكم؛ لأن مصر بلد مسلم، وأهل السُّنّة –ولله الحمد- لا يُحصَوْن في هذا البلد المسلم، نعم لا نقول مصر بلد سُنّة وتوحيد، لكن ولله الحمد فيها ما لا يُحصى من أهل التوحيد والسُّنة، ففي ذلك الوقت تَقَدَّمي للطلب لجامعة الإمام فلعل الله ييسر لابنتك، هذا ما عندي في أمرك.
ثم أقول أيضًا أمر ثالث الآن خطر لي؛ كيف تهاجرين؟ هل تهاجرين بدون محرم أو زوج؟ أو محرمك يوصلك ثم يعود؟ فإذا كان كذلك، فابقي في مصر يا بنتي ولا تتركي أهلك، واتصلي بأخينا القائم على ميراث الأنبياء وهو- إن شاء الله- يتصل بي ونتعاون على أن ندلّكِ على من يأخذ بيدكِ أنتِ وبُنيتك - إن شاء الله تعالى-.
السؤال الثالث:
بارك الله فيكم شيخنا السؤال الثالث؛ يقول السائل: أبي دائمًا يطلب مني أن آخذه إلى مجلس العزاء إذا توفي أحد الأقارب، وأتحرج من هذا؛ فماذا أصنع؟
الجواب:
خُذهما إلى التعزية، ولكن قبل ذلك بيَّن لهما أنه لا يجوز الأكل من هذه المآتم؛ لأنها مُحرّمة، وكذلك بيَّن لهما السُّنّة، قصر الجَلسة الاكتفاء بالتعزية والسلام ثم يَنصرف، والأَوْلى أن تصنع أنتَ ووالداك طعامًا للمصابين من أقاربكم وتدعونهم عندكم في الدّار، ولا مانع في هذه الحال أن تدعُوَ من علمت أنه يُسليهم، ويخفّف مصابهم أو يخفف منه، فإنّ لم يَكُن هذا ولا هذا فحضّهما على زيارة المصابين من أقاربكم في غير التجمع العام الذي فيه المأتم.
السؤال الرابع:
بارك الله فيكم شيخنا، السؤال الرابع يقول: هل يجب على طالب العلم استئذان الوالدين عند الزواج؟ وهل يجب عليه طاعتمها في اختيار الزوج؟
الشيخ: لا بأس، يعني هو قال الزوجة؟
القارئ: الزوج.
الجواب:
يعني لعلّ السائل امرأة، وأنا أقول إن كان السائل امرأة فأنصحك يا بنتي ومع حضرني من بنات المسلمين ومن يستمع إلينا عبر الشبكة أن لا تعرضن أنفسكن للرجال، فإذا أشارت عليك امرأة ثقة برجل توثقه هي فاطلبي منها أن توجهه إلى وليك، فمخابئ الرجال ومكامن أحوالهم لا يعرفها إلا الرجال، كم من امرأة رضَخَت وأعانها على ذلك وحرّضها مشورة امرأة مثلها قاصرة ضعيفة، ثم بعد ذلك شَكَت الأمَرَّيْن، يا بناتي إياكنّ ثم إياكنّ ثم إياكنّ أن تَتَمردن على العُرف، إذا خُطِبتِ من رَجُل وأرادت المُشيرَة عليك به فقولي لها لا أكلمه، وإن ألحّت عليه فشدّي عليها، وأغلظي لها القول بأنك لا تكلمينه عليه أن يطرق باب وليّك، فالمرأة يا بناتي أشبه بشجرة حَسنة الثَمَر في قلعة، فمادامت متحصّنة بالقلعة فلا مطمع فيها لمحتال أو مريض أو غير ذلك، فبعض الرجال يا بناتي يصدق عليه هذا المثل (تَمَسْكَنَ حتى تَمكَّن) وبعضهم يقول (أنا والله فيّ وفيّ من القصور وفلانة إن شاء الله أنها تعينني على ديني)، نقول: مالنا شغل فيك، نبينا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أرشدنا إلى خير وأنفع لنا ولمولياتنا، ماذا قال: (إِذا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ) (وأنت باعترافك غير مرضي الدّين، لا، لن نزوّجك مع السلامة، تجد من يروق لك، أمّا عندي فلا تصطد في رياضنا أبدًا، بعيدة محجورة عليك)، فإذا برزت المرأة وأبرزت هانت، وقديما قالوا: (المرأة إذا لانت هانت) والقلعة هو وليّك يا بنتي فلا تخرجي عن رأيه، إذا أراد أبواك أن يزوّجاك رجلًا عَلِمْتِ واشتهر عندك أنّه ليس مرضي الدّين والخلق، فقولي لهما: (أنا لا أعصيكما أمرًا، لكن ابحثوا لي عن مرضي الدين والخلق واعرضوه علي، لا أعصي لكما أمرا إن شاء الله تعالى)
أما إن كان السائل رجل فأقول له أولًا: أشعِر والدِيْك، أعلمها أنك تريد الزواج، وكَلّفهما بالخطبة لك، فإذا أرادوا أن يزوّجوك امرأة لا ترغب فيها لِسوء خُلقها أو سوء تديّنها أو غير ذلك، فارفضها وقل: (ابحثا لي، أو أئذنا لي) ، هذا ما فهمته – بارك الله فيكم- من استقراء أحوال ما يُعرضُ علي من الناس، والله أعلم.
السؤال الخامس:
بارك الله فيكم شيخنا، السؤال الخامس: يقول: والدي يشاهد في التلفاز بعض المبتدعة، وعندما لا أجلس معه للمشاهدة، فإنه يغضبُ؛ فما العمل؟
الجواب:
أولًا بلِّغه مِنّي السلام، ونصيحتنا له أن لا يسمع لهؤلاء المبتدعة، قال – صَلَّى الَّلهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: (يكونُ في آخِرِ الزمانِ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ، يأتونَكم من الأحاديثِ بما لم تَسْمَعُوا أنتم ولا آباؤُكم) صحيح مسلم، وأجمع أئمة العلم والدين والإيمان، بالتحذير من ذلك، قال عُمَرَ – رَضِيَ الَّلهُ عَنْهُ - : (إياكُم وأهلُ الرَّأيِ، أعْداءُ السُّنن؛ أَعْيَتْهُم أحَاديثَ رَسُولِ اللهِ – صَلَّى الَّلهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- أن يَحْفَظُوها، فَقَالُوا بَالرَّأيِ فَضَلُّوا وأَضَلُّوا)
وقال عَليّ – رَضِيَ الَّلهُ عَنْهُ-: ( لَوْ كَانَ الدِّينُ بالرَّأيِ لَكَانَ بَاطنُ الخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاه)، وقَالَ ابنُ عَباس- رَضِيَ الَّلهُ عَنهُما-: (واللهِ مَا أظُنُّ أنَّ أَحَدًا أَحبُّ إلَى الشيْطَانِ هَلاَكًا مِنِّي اليَوْمِ، قيلَ: وكيف؟، قالَ: تَحْدثُ البِدْعةُ فِي المَشْرِقِ أو المَغربِ فيَحْمِلُها الرَّجلُ إليَّ، فإذا انْتَهت إلَيَّ، قَمَعْتُها بالسُّنَّة)؛ وقال مُصْعَبِ الزُّهْرِيِّ بنِ سَعْدٍ بن أَبي وَقَّاصٍ– رَضِيَ الَّلهُ عَنْه-: (لَا تُجَالِس مفتونًا فإنَّهُ لنْ يُخطِئك منهُ إحدىَ اثنتَيْنِ، إمَّا أنْ يَفتِنكَ فتُتابِعه، وإمَّا أنْ يُؤذِيك قَبل أن يُفَارقَك)، وقَالَ ابنُ سيرين – رحِمَهُ الَّلهُ-: (إنَّ هّذَا العلم دِينٌ، فانظُروا عمَّن تأخذونَ دينَكُم).
وهذه الوصايا الجامعة الثمينة من وصايا التابعين ومن بعدهم، وسلفهم أصحاب رسول الله - صَلَّى الَّلهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، وقد ذكرتُ لكم من أقوال الصحابة قول الفَاروق، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِب وابن عباس- رَضِيَ الَّلهُ عنهُم أجْمَعينَ-، وذكرتُ لكم شيئًا من أقوال التابعين، فمن أحب الاستزادة فليقرأ على سبيل المثال: (شرح أصول اعتقاد أهل السُّنة)، للالكائي – رَحِمهُ اللهُ-، وكذلك (الإبَانة الكُبرى) لابن بَطَّة - رَحِمهُ اللهُ-، وغيرها من دواوين أهل الإسلام، من دواوين أهل السُّنة، الذين دَوّنوا فيها- رَحِمهُم الَّلهُ- الإسلام؛ أصوله وفروعه، وإيَّاكم يا معاشر المسلمين، والمسلمات أن تغتروا ببريق الكتب الفكرية، وزُخرف قول الحزبيين، فليس فيها إلا الضَّلال، فما تتلمذ عليها أحدٌ إلا ضلَّ وأَضلّ.
وقد بَسَطت القول في هذه المسألةِ في مجالس عديدة، ومن أكثر مجالستي عَرَفَ ذلك مِنّي، فراجعوا تلك المجالس.
وأوصيكم أن ترتبطوا بفضلاء أهل العلم، علماء أهل السُّنة الراسخين، الناصحين للأُمة، ومنهم في زماننا الأَخَوَان الشيخان الفاضلان الصالحان الشيخ: صالح بن فوزان الفوزان، والشيخ: صالح بن لحيدان، وفق الله الجميع.
السؤال السادس:
بارك الله فيكم شيخنا؛ ونفع بكم الإسلام والمسلمين، يقول فضيلة الشيخ: امرأة حامل منذ عشرين أسبوعًا، قد أخبرها طبيبٌ مُتخصّص بأن هُناك احتمالًا كبيرًا نسبة 60% بأن جنينها يموت أثناء الحمل، وأن هناك أخطارًا صِحّية على هذه المرأة من غير تحديدٍ لتفاصيل هذه الأخطار؛ ويسأل زوجها: هل يقومون بإسقاط الجنين في هذه الحال؟ أو يكملون الحمل متوكلين على الله؟ علمًا بأن الطبيب المذكور كافر.
الجواب:
أظن السائل سأل وأجاب:
أولًا: اطلبوا عددًا من الأساتذة في الطبّ المسلمين، ولا تَتعجّلوا في هذا الأمر.
وثانيًا: إذا تحقّق لديكم أنّ الطفل مِيّت فلا مانع من إسقاطه - إن شاء الله تعالى-.
السؤال السابع:
بارك الله فيكم شيخنا؛ هذا السؤال السابع - ويقع في عددٍ من المجتمعات- وهذا مثاله، هذه سائلة تقول: سلفية من ليبيا تسأل وتقول: أن زوجها متأثّرٌ بالحلبي ومتعصّبٌ له، ويدافع عنه، وينشر له، وقد نوصح من قِبَل بعض أقاربها مرارًا ولم يستجب، فَهَجرهُ السلفيون من قراباتها، وحصل بعض القطيعة، وتدخّل بعض كبار السن من العوام، وطلبوا من السّلفيين أن يُفْشُوا السلام على الأقل، فما هو الموقف الشرعي من زوجي؟ وأقاربي يضغط عليَّ، وساءت معاملته لي، وصار يُهددني بالطلاق إذا استمر أقاربي السّلفيون في هجره، نرجو منكم النصيحة والبيان، وجزاكم الله خيرا.
الجواب:
أولًا: نسأل الله- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أن يُرَدّ زوجك إليه ردًا جميلا، وأن يُمنّ عليهِ بالهداية.
وثانيًا: مادمتِ قد بُليتي به فاصبري واحتسبي، وأحسني صحبته وخاطبيه بلين ورفق، لا سيما إذا بينكما أولاد وخاطبيه بيا أبا فُلان أو فُلانة.
وثالثًا: الحلبي مبتدعٌ ضال ولا يدافع عنه إلا مثله أو جاهل، وبدع الحلبي معروفة فهو يريدُ أن يُسيّس الدعوة، ويجنحُ إلى التخذيل بل هو مُخَذِّل، ويُلطّف للِبدَع وأهلها ويُشيد بأهل البدع، وأما الطّلاق فهذا شيءٌ ما عليك منه، إذا مضى في الطلاق وعزم فثقي بأن الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- سُيهيّئ لك المخرج، قال تعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّـهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا﴾ [الطلاق:2]، هذا وعد الله فإذا اتقين الله سيُهيّئ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- المخرج.
وأمَّا أقارِبك السّلفيون فقولي له: أنا لا شأن لي، أنا لا سُلطان لي عليهم، هذا الأمر شأنك أنت وإياهم، أنا لا سلطان لي عليهم، حتى أقول لهم لا تهجروه، ولكن أرى لا مانع إذا التقي به في محفل عام وصافحهم أن يصافحه معهم، أو يكتفي بالسلام على الجميع ويترك المصافحة، ويترك هؤلاء السلفيون المصافحة، والله أعلم.
القارئ: بارك الله فيكم شيخنا؛ ونفع الله بكم الإسلام والمسلمين، انتهت الأسئلة يا شيخنا، بارك الله فيكم
الشيخ: حياكم الله جميعًا، وطبتم وطاب ممشاكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.