يسأل عن العمرة في رمضان، وكيف يُقصِّر أكثر من مرة في أسبوع؟
يعني في الأسبوع كم يبغي يعتمر هذا؟!
الإمام أحمد –رحمه الله تعالى- قد بيَّن حينما سُئل، ومثل أحمد فيما ليس عندنا فيه نصٌ، ملاُ السَّمعُ والبصر رضي الله عنه، متى تكون العمرة؟ يعني التّكرار، يعني النبي-صلى الله عليه وسلم- يقول: (تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةَ) كما مرّ معنا، فكيف هذه المتابعة متى تكون؟، الحجُّ عرفناه، لأنه إلا مرة، لكن العمرة بابها مفتوح، قال: "إذا حمَّم رأسُه"، يعني أنت الآن تحلق، فيأتي محل الحلق أخضر، بعد مدة، يأتي شوي من السَّواد، ثم يُغطيه السَّواد، فهذا السّواد هو التَّحميم، نسبةً إلى الحُمم التي هي الفحم، فإذا اسودَّ الرأس وغطَّى الخضار وهو قحف في الرأس، القرقف هذا، فإذا تغطَّى القُرقف بالسواد فلك أن تعتمر مرةً أخرى.
أما أن تكون كواحد سألني يقول: اعتمر في يومٍ واحد عن أمه وأبيه، وعن جدته المتوفاة، وعن خالته المريضة، وعن عمته، أنت ما جلست أبدًا أبدًا، يمكن عدَّ لي سبع عُمر أو ستِّ عُمر في يوم واحد، هذا حقيقةً نقول فيه، كما قال طاووس: لا ندري الذين يُكرِّرون أيأجرون أم يؤزروا؟
فلذلك النبي صلى الله عليه وسلم أيها الأحبه لما اعتمر اعتمر معه أصحاب ولا لا؟! طيب من اعتمر من هذا الميقات الذي الآن ترونه بمكة؟ النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة بعشرة آلاف وقيل باثني عشر ألفا، ما نُقلَ إلا عن عائشة في الحج لما حج في حجة الوداع كان معه مئة وعشرة، ولما دخل لفتح مكة كان في رمضان في العشرين من رمضان العشر الأواخر وبقي العشر الأواخر، وفي السادس من شوال خرج إلى حنين، بقي هذه العشر الأواخر بعد الفتح، أليس هو محل اعتمار؟ هل نُقِل عن الصحابة أنهم يكررون يكررون يكررون؟ اكتفوا بذلك. دخلوا مكة هكذا ولم يعتمر النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه يقول: (عمرة في رمضان تعدل حجة معي)، وقد فُتحت مكة وانتهى الأمر صارت بلد اسلام، لم يعتمر حتى غزا حنيناً ثم كان من بعد غزو حنين أن جمع غنائمهم وقدمها قبله إلى الجعرانة، وجاؤه زهير بن صُرد أبو صرد خطيب هوازن، يطلبون منه ما يطلبون من إعادة أموالهم وذراريهم إليهم فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يُوافيه في الجعرانة، ثم انطلق إلى ثقيف وحاصرهم مدة، ثم بعد ذلك نزل في بداية ذي القعدة إلى الجعرانة، فقسم بها الغنائم ورد على هوازن نساءهم وذراريهم والغنائم المالية التي هي الابل والبقر والشاة ونحو ذلك قسمها بين أصحابه، ثم خطب أصحابه لما بلغه ما بلغه عن بعضهم أنهم قالوا مقالتهم، ثم عاد اعتمر في ذي القعدة، ما اعتمر في رمضان.
والحج كما قلت لكم معه كم؟ مئة وعشرة آلاف، خرج من المدينة قيل بعشرة وقيل بما يزيد على العشرة آلاف، ما كرر أحد منهم العمرة إلا عائشة رضي الله عنها وهي التي ذهبت إلى أدنى نقطة من الحِلّ إلى الحرم، يعني أقرب نقطة من منطقة الحل إلى منطقة الحرم، فأنت إذا نظرت شرق وإذا نظرت غرب وإذا نظرت جنوب، هذه الجهات الثلاث من مكة كلها حدود الحرم فيها بعيدة جداً، فأقرب نقطة حلال إلى أقرب نقطة في الحرم هي التنعيم وهي التي صُلب فيها خُبَيب -رضي الله عنه- خرجت به قريش من الحرم فصلبوه خارج الحرم، فهذه أقرب نقطه في الحل إلى الحرم في مكة، فخرجت إليها عائشة رضي الله عنها فبعد ذلك صار الناس يتخذونها محلاً للقرب أول ما كان، فلهذا عبّر الفقهاء بقولهم "خرج إلى الحِلّ" وبعضهم يقول "إلى أدنى الحل" يعني أقرب نقطة من الحِل إلى الحرم.
فهي التنعيم؛ وسميت بعد ذلك مسجد عائشة وإلا هي التنعيم.
فما كان رضي الله تعالى عنهم هؤلاء الأصحاب منهم تكرار للعمرة بعد الحج، واليوم تعال وشف بعد الحج كيف تكرار العمرة في موسم الحج في مكة، انظر كيف! شيء عجيب بعضهم يكرر العمرة عن نفسه هروباً من التمتّع لأن فيه دم، من قال لك أن التّمتع إذا أحرزت أجره بإذن الله وهو أفضل الأنساك على الصحيح، من قال لك أنه يتعيّن في الدم، عندك ولله الحمد خيارات أخرى، فعندك الصيام، من جم يحد الهدي يصوم عشرة، ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، فأنت صُم يا أخي واحصل على هذا الفضل وهو أجر التمتع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لولا أني سُقت الهدي لأحللت معكم" واللفظ المشهور: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سُقت الهدي ولا أحللتُ معكم" فتأسف عليه، فدلّ على أنه الفاضل.
فدلّ هذا على أن هؤلاء الذين يحرمون أنفسهم من أجل التمتّع محرومون وفعلهم هذا خلاف السنة.
الشيء الثاني هناك من يكرر هذه العمرة عن غيره، وهذا في الحقيقة أيضاً فيه نظر يعتمر عن فلان وعن فلان وعن القبيلة كلها وعن البلدة كلها ونحو ذلك، هذا لم يكن عليه هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
إنما المعلوم عند العلماء أنه إذا اعتمر اعتمر عن واحد أو أرسله اثنين من بلده ينشئ، بل بعضهم يقول في العمرة الفريضة والواجبة وهو المذهب عند الحنابلة أنه من حيث وجب عليه الحج، يعني الوكيل في مكة ولكن الموكِّل في القاهرة يقولك من هناك تجي تنشئ فهؤلاء لو أدركوا هؤلاء المتلاعبين اليوم ماذا يقولون؟!
فأنا أقول لك أيها الأخ الكريم هذا الأمر ليس عليه هدي السلف رضي الله تعالى عنهم فأنت إذا اعتمرتَ لنفسك يكفي، وإن أردت أن تعتمر عن غيرك فاجعلها بأجرها التام مُنشَأة من بلدك، والعلم عند الله تبارك وتعالى.