جديد الموقع

888437

الجواب: 

الحمدلله ربِّ الْعَالَمِينَ، والعاقبةُ للمتَّقين، وأشْهَدُ اَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ شَهادَةً أرْجُو بِهَا النَّجاةَ يَومَ الدّين يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ نبِيَّنا وسَيِّدِنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيِنِ.

 

أما بَعْد..

فقد ثبت في حديث بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُمَا- أنّهُ قال: (كُنَّا نقولُ على عهد رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَفْضَل هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا؛ أبو بكرٍ، ثم عُمَر، ثُمَّ عُثْمَان، ثُمَّ نَدَع أَصْحَاب رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-لا نُفاضِل بينهم).

هذا الحديث مَعْشَر الأَحبّة حديثٌ صحيحٌ (مَرْفُوعٌ حُكْما)، ومعنى قولِنا (مَرْفُوعٌ حُكْما) يعني أنَّه أُضيفَ إلى عهد النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلَو كان هذا الشيءُ مما يُنْكَر لنزلَ الوحيُ بإنكارِهِ، كما هو الحال في قصَّةِ النَّفَر الذين سألوا عن عبادة رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فقال بَعْضُهُم: أَمَّا أَنَا فَأَقُومُ وَلَا أَرْقُد، وَقَالَ الآخَرُ: أَمَّا أَنَا فَأَصُومُ وَلا أُفْطِرُ، وقال الثالث: أَمَّا أَنَا َفَلا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ ، فقالوا هذا في عصْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فبلغَ ذلك النبيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فقام في أصحابه مُنْكِرًا له، فقال: (مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا)، ثُمَّ قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِله وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، وَإني أقومُ وأرقد، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي)، فأنْكَرَ عليهم وإلا لا؟! أنكرَ عليهم.

وهنا حديث ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يذْكُرُ فيه حال أصحابِ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أنهم كانوا يقولون هذا على عهدِهِ وفي حياتِهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلَمَّا لم يُنْكِرْهُ ولم يأتي شيءٌ في هذا الباب عنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَلَّ على أنَّ هذا القولَ صحيح، إِذْ لو كان مِمَّا يُنْكَر لأُنْكَر كما قال أولئك النَّفَر، فأصبحَ هذا مُقرًّا من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لأنّه لا يمكن أن يَحْدُثَ في عَصْرِهِ شيء من الأَقوال والأَفعال إلا ويَأْتي الوحي إمّا بإقرارِها وإما بإنكارها، وهنا لم يأتي الإنكار، فصارَ هذا الحديثُ له حُكم الرَّفع، فهو مثلُ حَدِيثُ الْعَزْلَ (كُنَّا نَعْزِلُ) - يعني في الْجِمَاعِ-، (والقُرآنُ يَنْزِل، فَلَو كان شَيْءٌ يُنْهَى عنه لَنُهِيَ النَّاس عَنهُ -أو لنُهينا عنه-)، والمرادُ بهذا إضافةُ الفعل إلى عهدِ النَبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وزمنَ نزولِ الوحي، فَلَو كان هذا الفعلُ مما ينبغي أن يُنْكَر لجاءَ الوحي بإنكارِه، فصار هذا الْحَدِيث - حدِيثُ جَابِر- من الأَحَادِيث الْفِعْلِيَّةِ المَرْفُوعَة حُكْمًا، وحَدِيث ابن عُمَر مِنْ الأَحَادِيث القوليَّة المرفوعة حُكْمًا؛ فهذان مثالان للحديث المرفوع إما قولًا (كُنّا نَقُولُ)، وإمّا فعلًا (كُنّا نَعْزِلُ)، فهذان حديثان مرفوعان حُكْما؛ يعني أُضيفا إلى زمن الوحي ولم يأتي فيهما الإنكار، إِذْ كما قال جَابِر (فوَلَوْ كَانَ شَيْئًا يُنْهَى النّاس عَنْهُ لَنَهَانَا عَنْهُ).

نعود إلى حديثِنا، هذا الحَديث - حَفِظكم الله- وهو حَدِيث ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- فيه بيانُ منزِلة هؤلاءِ الثَّلاثة الخُلفاء الأئمة الحُنفاء- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَ وَأَرضَاهُم-،أَبو بَكر ثُمَّ عُمَرَ ثُمّ عُثْمَانَ، وَعُثْمَانَ أقربُ هؤلاء الثلاثة إلى رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لأنّهُ من بني أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ ورسولُنا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من بْنُي هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ فهو ابن عمِّ رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وصِهْرُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ إِذْ صاهرهُ على ابنتيه ولم يَكُن ذلك لأحدٍ من الخليقة، فإن الله - جلَّ وَعَلا- لم يجمعْ بنتي نبيٍّ تحت رجل إلا لعُثْمَان- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-.

ثم يليه في القرب إلى رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عُمَرَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فإنَّه من بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ بن مُرَّة بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْر بْنِ كِنَانَةَ إلخ، فيلتقي مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في كَعْبِ ، والنبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ كِنَانَةَ إلى آخره، فالتقى معه في كَعْبِ ، فهو الدَّرجة الثانية بعد عُثْمَان، فَعُثْمان أقرب، ثم بعده أَبُو بَكر يَأَتي بَعد عُمَرَ، لأنه يلتقي مع النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مُرَّة، فإن هذا من بني تَيْمِ الله، بنو تيمٍ من مُرَّة؛ فيلتقون مع النبيّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيها.

وآخِرهم على الإطلاق عليٌّ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وهو أقربهم إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -مُطْلَقًا، فإنَّه عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الذي اسْمُهُ عَبْد مَنَاف بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ ، فهو على جدِّهِ عَبْد مَنَاف، لكنْ غلبتْ عليه الكُنْيَةَ، حتى أَنْسَتْ النَّاس اسمه، فهو ابن عمِّ رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شقيقًا، ابن عمه الشَّقيق، وأَبُو طَالِبٍ شقيق عَبْدِ اللَّهِ بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ .

والحاصل أنَّ أَفْضَل هذه الأُمَّة بعد نبِّيها أَبو بَكرٍ ثم عُمَر- رَّضِيَ اللّهُ عَنْهما- وقد اتفقت الأُمَّةُ على ذلك، فلا أحد أفضل بعد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أبي بكر، فأبو بكر أفضل الصّحابةِ على الإطلاق بإجماع الصّحابة، وهذا النَّص صريحٌ في ذلك، ثم بقول عُمَر- رَّضِيَ اللّهُ عَنْه-: (أَبُو بَكْرٍ سَيِّدُنَا, وَأَعْتَقَ سَيِّدَنَا) - يَعْنِي بِلالا-، ثُم بِشهادةِ عُثْمَان -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذّ قد أَسْلَمَ على يَديّ أبي بَكر، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثُم بِشهادةِ عليٍّ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقد جاءَ عنهُ الخَبرُ المُتواتِر مِن عَلى مِنبَرِ الكُوفَة أنهُ كان يقُول: (أَفْضَلَ هَذِهِ اَلأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّنَا: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ)

وقد نَصّ على هذا عُلماءُ الإسلام بأن هذا الأثر مُتواتِرٌ، قد رُوِيَ عن عليٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- منْ أكثرَ مِنْ سِتينَ وَجهًا، فهذِهِ شهادةُ عليٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لأبي بكرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو صاحِبُ رَسُولِ الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-و هو الذي أُنزل فيهِ ﴿ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾ [التوبة 40]، وهو الذي قال فيهِ النَبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلا)، وَهوَ الذيّ قال فِيهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا نَفَعَنِي مَالٌ قَطُّ مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْر( ، وهو الذي قَال فيهِ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا مِن أَحَدٍ عِنْدَنَا يَدٌ إِلا كَافَأْنَاهُ بها إلا أَبَا بَكْرٍ فاللَّهُ يُكَافِئُهُ)

فرضي اللهُ عنهُ وأرضاه، لقد حلَّ في الإسلام هذِهِ المنزِلةَ العظِيمة العالية وهو الذي ثَبَّتَ اللهُ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - بِهِ الديّن، ونَصرَ بِهِ هذا الدين بعد وفاةِ رسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذّ قد أُرتُجَّ الأمر على أصحابِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جميعًا بما فيهم الفاروق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولكن أَبَو بَكرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- ثَبَتَ ثُبوتَ الجِبال، وهو الذي دَخلَ فرَآهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- وقد سُجِّيَ فَكَشفَ عَنْ وَجْهِهِ، ثُم قَبّلَ بينَ عينيه فَقالَ: (بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يا رَسُولَ الله، طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا) ثُمَّ خرجَ على النّاس فقال: (أَلا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لاَ يَمُوتُ) وتلا الآيةَ؛ ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ﴾ [ الزمر 30] حتى قالَ عُمَر: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ كأني لَمْ أَسْمَعُها إلا السّاعَة)، وقد ثبَّتَ اللهُ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - بِهِ أَهلِ الإسلام، وأقام بِهِ الدين، وقطع بِهِ حُروبَ الرِدةِ، فأظهرَ اللهُ - جَلَّ وعَلا - بِهِ هذا الدين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فكانت خِلافتُهُ وهي القصِيرة - قرابة السنتين- فيها نفعٌ عظِيمٌ للإسلام، تقولُ أُمُ المؤمنين عائشة – رَضِي َاللهُ عَنْهَا-: (لقد وقفنا موقِفًا بعد رسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كِدنا أن نَهلِك فيهِ جميعًا لولا أن منّ اللهُ عَلَيْنَا بِأَبِي بَكْر، لَقَدْ نَزَلَ بِأبي مَا لَو نَزَلَ بالْجِبَال الرَّاسِيَات لهَاضَها) فرَضِيّ اللهُ عنهُ وأرضاه.

وأما الفاروق؛ فهو خيرُ الأُمةِ بعد أبي بكرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقد ولِيَ الخِلافة بِعهدِ أبي بكر -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إليهِ وكان أفضل أهلِ زمانهِ، وأقامَ اللهُ بِهِ الدينّ وأظهره وكَسرَ بِهِ دولتي الكُفر الظاهِرتين، دولةَ الفُرس ودَولةَ الروم، ولذلِك الفُرس يُبغِضونَهُ من ذلكَ الحين إلى يومنا هذا، فإن ورثَة هؤلاءِ المجوس هُم الروافِض- أخزاهُم الله وقَبَّحهُم-، ولا يزالون يُشيدون بقاتِلِهِ أبو لؤلؤةَ المجوسي، قبّحهُ الله، هو الذي اغتال أَمير المؤمنين عُمر، حينما قامَ في المِحراب النَبَويّ ليُصليَ بالنّاس، وهو الذي قال فيهِ عليٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه-: (أَنَّ أَفْضَلَ هَذِهِ اَلأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّنَا أَبُو بَكْرٍ ثُمَ عُمَر)ُ، وقد زوَّجَهُ بابنَتهِ أُم كُلثُوم بِنتِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، من فاطِمةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- فقَبَّحَ اللهُ الروافِض الذين يطعنون فيه، وأخزاهُم.

يقول أمير المؤمنينَ عليٌ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: (لَا أَوُتَى بِأَحَدِ يَفْضُلُنِي عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ إلَّا جَلَدْته حَدَّ الْمُفْتَرِي)، فالذين يطعنونَ في عُمرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الفاروق الذي فَرّقَ اللهُ بِهِ بين الحقِّ والباطِل، ويزعُمون أنهم شِيعةً لِعَلي، كَذّابون، يزعمون أنهُم شِيعةٌ لِعَليّ فيهم الكَذِبُ ظاهِر، لأنهم قد خَالفوا قَولَ أميرِ المؤمنين، ورابِعُ الخُلفاءِ الراشِدين، عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-.

وصَحَّ في صحيحِ مُسلِم، حينما كان عُمرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في بيتِهِ على سريرهِ بعد ما طَعنهُ أبو لؤلؤة المجوسي - قبّحهُ الله-، أن جاء عليٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- من حديثِ ابن عباس: (أن عليًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جاءَ وقد وجد الناس مُلتَفِّين على سريرِ عُمَر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فوضع مِرفقهُ على كَتِفِ ابن عَمِهِ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عَبَّاس- رَضِيَّ اللهُ عَنْهُم جَميعًا- ولم يلتفِت ابْنِ عَبَّاسٍ فلم يدرِ من هو هذا، فسَمِعهُ كما يقول - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: فسمعتهُ يقول: (رَحِمَكَ الله، لَطَالَما سَمِعْتُ رَسولَ الله – صلى الله عليه وسلم- يقول: جِئتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، خَرَجتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، ثُمَ قال: إنّي لأرجو أن يُلْحِقك الله بِصاحبيك)، قَالَ ابْنِ عَبَّاس- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما -: (فالتفتُ فإذا هو عليٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-).

فهذَهِ شهادةُ عليٌ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - المُتضافِرة بأقوالٍ مُختَلِفة، من أوجُهٍ مُختَلِفة تواترت عنهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في الثَناءِ على أمير المؤمنين عُمر-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - والإشادةُ بِه، وبيانِ رِفعةِ منزِلتِه، وقد كان عُمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُبادِلهُ ذلك، ويشهَدُ لهُ بالفِقه، وكان يقول: (قَضِيَّةٌ وَلا أَبُا الْحَسَنِ لها) يعني حَلّالًا لها، وهكذا بعضُهم مع بعضٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهمُ – فأبو بكرٍ وعُمر باتِفاقِ الأُمة أنهم أفضَلُ النّاسِ بعد رسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لم يُخالِف في ذلك إلا الروافِض ورثةُ المَجوس الفرِحون بِقتلِ أبي لؤلؤةَ المجوسي لِعُمر، أخزاهُم اللهُ وقبحَهُم.

وأما عُثمانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فبِدلالةِ هذا النص الصريحَة الظاهِرة دِلالة المنطوق التي هي أعلى الدِلالات، (أبوبَكْرٍ أَحَدًا ثُمَّ عُمَرَ ثُمَّ عُثْمَانَ ثُمَّ نَتْرُكُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لاَ تَفَاضُلَ بَيْنَهُمْ)، كيف لا يكون كذلك والنَبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد زوجَهُ بابنتيه؟! وقالَ فيهِ: (مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ )، وهي المعروفة ببئِرِ عُثمان، إلى الآن، (وَلَهُ الجَنّة) فاشتراها عُثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقد ذّكَرَ بِذلكَ الخوارج الذينّ خَرجوا عَليهِ يَومَ الحِصار، حِصارِ الدار، قال: ألم يقُل رسُول اللهِ - صَلَّى (مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ وَلَهُ الجَنّة)؟ فكُنتُ أنا الذي اشتريتها، وقال فيهِ رسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ يجَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ فَلَهُ الْجَنَّةُ)، فجَهزهُ عُثمانُ، -رَضِيَ اللهُ تَعَالى عَنْهُ- وقال فيهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَم-: (مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْم)؛ هذِهِ هي منزِلةُ عُثمان بِشهادةِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهذِهِ مكانتُهُ في الإسلام بِشهادةِ رسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد كان رَسُولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُجِلُهُ ويحتَرِمُهُ غايةَ الاحتِرامِ، بل ويستَحي مِنْهُ - صَلَواتُ اللهِ وسَلامُهُ عَليهِ- وَكيفَ لا يكونُ كذلكَ وقَد استَحيَت مِنهُ ملائِكةُ السّماء - رَضِيَ اللهُ تَعَالىَ عَنْهُ وأَرضَاه - وقد بشَرَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالجَنةِ على بَلوى تُصِيبهُ، وهذِه البَلوى قد جَاءَ بيانُها في الأحادِيث الأُخرى بِأنها الخِلافة، وقد صَحَ في المُسنَدِ وغيره؛ عن رسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: (يَا عُثْمَانْ إِنَّ اللَّهَ مُلْبِسَكَ ثَوْبًا إِنْ أَرَادَكَ النَّاسُ عَلَى خَلْعِهْ فَلَا تَخْلَعَهُ حَتَّى تَلْقَانِي)، فلما جاءت الفتنة سألوا عثمان –رضي الله عنه - فذكر لهم هذا الحديث، فسألوه عن تأويله، قال: ((فَأَوَّلْتُهُ الْخِلَافَةْ))، وكان كذلك حتى قُتِل –رضي الله عنه- شهيدًا، مظلومًا، صائمًا، يقرأ القرآن –رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ -، قد كَفَّ الناس عن أن يدافعوا عنه، ومنهم ابني علي – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، إذ أرسل بهما ليحوطاه ويحرساه، فأبى – رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ - وسَلَّم أمره وفوضه لله، لأنه قد أيقن بأن النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له هذا وقد أوَّله بالخِلافة، فالأمر واقعٌ لا محيص عنه، فقُتِلَ –رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مظلومًا – رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ -، هؤلاء الثلاثة من أصحاب رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، هذا ترتيبهم في حديث ابنِ عُمَر.

وقد حصل خلاف بين أهل السُّنة قديمًا في الأفضلية لا في الخلافة، في الأفضلية أيهما أفضل عثمان أم علي؟ فذهب بعض أهل الكوفة إلى أَنَّ عليًّا أفضل، ومن هؤلاء سُفْيَانَ الثَّوْرِي، لكنَّه ثبتَ عنه الرجوع عنه إلى ما عليه أهل السُّنّة.

وهكذا من كان في عصره نُقِلَ عنهم ذلك ثم استقرّ الأمر على هذا فارتفع الخلاف، وهو قول الأئمة جميعًا؛ قول الشَّافِعِي وأَحْمَدُ وأَبي حَنِيفَة، وهكذا مَالِك في المشهور من مذهبه، وقد نسب بعضهم إلى مالك تفضيل عليٍّ وهو خطأٌ عليه وغلط، وإنما غاية ما نُقِلَ عن مَالِك السكوت في أول الأمر، ثم نَقَلَ عنه بعض من أصحابه ما عليه الجماهير، وهو المشهور في مَذْهَب الْمَالِكِيَّةِ من القولين عن مَالِك، فالأئِمة الأرْبَعة على هذا وأهل السُّنّة كلهم على ذلك، فإن هذا الخلاف الذي حصل في أول الأمر ارتفع - وهو خلافٌ يسير- أما الخلافة فلم يختلفوا فيها، فالتربيع بعليٍّ – رضي الله عنه- وترتيب الثلاثة على ما سبق، ففضلهم وشرفهم مرتبون فيه على حسب ترتيبهم على الخلافة، بعد عثمان يأتي عَليٌ –رضي الله عنه-، قال الإمام أحمد – رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُ -: ((مَنْ قَدَّمَ عليًّا على عُثْمَانْ فَقَدْ أَزْرَى بِالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارْ))، لماذا؟ لأن المُهاجِرين والأنصار هم الذين بايعوا عُثْمان وقَدَّموه على عَليّ، فلو كانوا يروْنَ أن عليًّا هو الأفضل كانوا حينئذٍ ظَلَمة، ولا يقول هذا عاقل، فنسأل الله –سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أن يرضى عنهم جميعًا، وأن يجزيهم عنَّا وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وأن يحشرنا وإياكم في زمرتهم مع رسولنا – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقَبَّح الله من يطعن فيهم.

 وللأسف في الآونة المتأخرة بدأ ينتشر الكلام في بعض الأصحاب؛ أصحاب النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأما الروافض - وُرَّاث المجوس- فهم يطعنون في أبي بَكر وَعُمَر منذ القِدَم، لكن للأسف الكلام في عُثْمان - رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُ - صار في هذه الأعصار، وللأسف صدر من بعض من يزعم أنه من أهل السُّنّة، والله من طعن في عثمان ليس بِسُنِّي بل هو بِدْعِيُّ خارجيٌّ، لأنّه لا يطعن في عثمان إلا هؤلاء، الذين خرجوا عليه، وللأسف مع هذا الطعن العظيم في عثمان لا تتحرك شَعَرَة من بعضِ النّاس الذين أظلمت قلوبهم وإن زَعِموا أنهم يُحبون أصحاب رَسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أظلمت قلوبهم ولم تَستنِر بنور الحقّ وتّعصَّبوا لهؤلاء الجهلة المُعاصرين، وضَحُّوا بمحبتهم لأصحابِ رسول رب العالمين - صلوات الله وسلامهُ عليه ورِضوانِ الله عليهم أجمعين-.

فتَجِدهُ يُدافِع عن هؤلاء المُنحرفين أمثالَ سيد قُطب ومن كانَ على شاكِلَتهِ ويهونُ في عينهِ عُثْمان وهكذا آخرون نالوا من مُعاويةَ - رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُ-خيرُ ملوكِ هذه الأُمة، صاحِبُ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وابن عمّهِ، فإنَّ أبا سُفيان والدهُ وهو مُعَاوِيَةَ ابنُ أَبِي سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ بْنِ أُمَيَّةَ بنِ عَبْدِ شَمْسٍ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وصِهر رَسولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأُختهُ أُم المؤمنين أُمُّ حَبِيبَةَ تحت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهو خالُ المؤمنين، وهو كاتبُ الوحي لرسولِ ربِّ العالمين -صَلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه-.

قَالَ أَبُو تَوْبَةَ، الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ الْحَلَبِيُّ - رحمهُ الله تعالى- أحد شيوخ أبي داوود قالَ: "مُعَاوِيَةُ سِتْرٌ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هُتِكَ السِّتْرَ دُخِلَ الباب" يعني من استساغ واستسهلَ الكلام في مُعَاوِيَةُ فسيستسهلُ بعد ذلك الكلامُ في بقية الصّحابة ، فهو حِجابٌ وساتِر إذا هُتِك يعني مُزِق وقُطِع حصلَ الدخول بعد ذلك في الباب الذي هو بابُ الكلام في الصّحابة - رَضِيَ اللّهُ تعالى عَنْهُم وأرضاهُم- ومن هذا الباب يُدخَل، يدخُلُ الروافِض أعداءُ الإسلام والمُسلمين، وأعداءُ دولةِ بني أُميّة التي أظهَرَ اللهُ فيها الإسلام، وأكثر من كَذبوا على بني أُميةَ هُم، وأكثر ما دُسَّ في التاريخ على بني أُميةَ مِن طريقِهِم، فإنَّ العُلماء قد فَسّروا حديث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-المُتّفق عليهِ في الصحيحين من جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ-رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُما- أنَّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَال: لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ عَزِيزًا) وفي رواية (ظَاهِرا)مَنِيعًا إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً ، كُلُّهُمْ تَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ ، كُلُهم مِنْ قُريش) فقد فَسَّر العلماء هذا الحديث بالخُلفاءِ الأربعة وبخُلفاءِ بني أُميّة فعدّوا الاثني عشر، وفعلًا كانَ الإسلامُ عزيزًا قويًّا منيعًا دولةً واحدةً ظاهرة قويّة مرهوبةَ الجانِب حتى سقطت دولة بني أُميّة، ثُمَّ قامت دولة بني العباس وكانَ ما كانَ فيها، قامَت أولَ ما قامت شعوبية في مُقَدّمتها أبو مُسلِم الخُرساني ذلكم الشُعُوبي الخَبيث يقولُ الحافظ الذّهبي: (ثُمَّ ماذا؟) رادًّا على من طَعَن في دولة بني أُميّة قالَ: (ثُمّ ماذا؟ إن قُلتم أنّهم سَفَكوا فماذا حالُ دولة بني العبّاس أصحابُ الرايات السود التي تَقّدمها أبو مُسلِم الخُرساني، قامت دولةً شُعوبيةً ظالمةً بطّاشةً سَفّاكةً للدماء)، فإذا كانَ في بني أُميةَ سَفك ففي بني العبّاس أكثر، بل كانت الشُعُوبية حتى قضى أبو جَعفر على أبي مُسلِم الخُرساني، والشُعُوبية هنا بُغْضُ العَرَب والعربُ هُم جُرثومةُ الإسلام، لا يُبغضهم إلا مُنافق معشر الأحبّة، فبِهِم قام الدِّين وبهِم انتصر الدين وبِهِم نُشِرَ الدّين وفيهم جعلَ اللهُ رسالته الخاتِمة، فحُبّهم من علامات الإيمان، وبُغضُهُم من علامات الشعوبيّة والزندقة ونعني جنس العرب، أما الآحاد ففيهم الكافِر يهوديٌّ أو نصرانيٌّ أو مُشرِك لكن جِنس العَرَب هذا الجِنس أفضَل فإنَّ الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- اختارَ هذا النَبيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-منهم: (إنَّ الله اخْتَارَ مِنَ الْعَرَبِ كِنَانة، ثُمَّ اخْتَارَ مِنَ كِنانَة مُضَرَ قُرَيْشًا ، ثُمَّ اخْتَارَ مِنْ قُرَيْشٍ بَنيِ هَاشمٍ، ثُمَّ اخْتَارَنِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فَأَنَا خِيَارٌ مِنْ خِيَارٍ) صَلواتُ الله وَسَلامهُ عليه، والعرب هم الذين نزلوا جزيرَة العَرَب وقاموا بها على خِلافٍ بين أهل النَّسب أهم أربعُ طبقاتٍ أم ثلاث، والحاصِل أنَّ رَسول اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أشْرَف العَرَب بل أشرَف النّاس على الإطلاق فهو من ذُريّة إسماعيل ابنِ إبْرَاهِيم - عَليِهما وَعَلى نبينا أَفْضَل الصلاة والسلام- وهُم الذين قَطنوا هذه الجزيرة العربية وبقِيَ نسلهُ فيها وهُم العربُ العدنانيون وهو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ؛ هذا هو المُتّفقُ عليه، وما بعدهُ مُختلَفٌ فيهِ ولا خِلاف في أنهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من وَلَدِ إسماعيلَ بن إبراهيمَ - عليهِ وعلى نبينا أفضلُ الصلاة والسلام-.

وكانَ إسماعيلُ والِد العرب *** كما سيأتي عند ذكرنا النّسب.

وهْوَ الذبيحُ دونما مجادلة *** ومن يقل إسحاقُ لا برهان لهْ.

و هْوَ الذي أبوه قد أسكنهُ *** في حرم الله الذي آمنهُ.

وقد بنى الكعبة معْ أبيه عن *** أمر الإله ذي الجلال و المِنَنْ.

وقد رُوي بناؤها من قبل ذا *** وذاك عن أهل الكتاب أُخِذَا.

تَفّرَقَ أبناؤه - عليهِ وعلى نبينا أفضلُ الصلاة والسلام- في هذه الجزيرة العربية، وكانَ أكثرُ أبنائِهِ مِنْ قَيْسِ عَيْلان إذ هذا الفرع أكثرُهُم انتشارًا في جزيرة العرب.

فيا أحبتي إنَّ الإسلام قد بيّنَ لنا كُلَّ شيء، وقد جاءَ في السُّنة كُل شيء، وقد جاءَ في تاريخ الإسلامِ عن عُلمائِهِ المُحقِّقين كُلُّ شيء، وما مِن شُبهةٍ إلا وقد أقام الله لها من علماء الإسلام المحقّقين من يُدحِضُها، ومن أشهر الكُتب التي تُقرأَ في التاريخ البداية والنهاية للحافِظ ابنِ كثير - رحمهُ اللهُ تعالى-وتواريخ الذهبي - رحمه الله تعالى- فهُما عالِمان مُحققان مُحدِّثانِ كبيرانِ ناقِدان.

فينبغي لطالِب العلِم وللمُسلِم أن لا يأخذ بكلِ ما قيل في التواريخ، قال الشاعر:

لاَ تَأخُذنَّ مِنَ التَّوَارِخَ كُلَّ مَا جَمَعَ الرُّوَاةُ وَخَطَّ كُلّ بَنَانِ.

فالتاريخُ فيهِ شيءٌ مما دسّهُ أعداء المسلمين فينبغي لنا جميعًا - حفظكم الله- أن نَتَيّقنّ غاية اليقين أنَّ علماء الإسلام ما من شُبهةٍ إلا وبيّنوها لكن علينا أن نلتمسها في المصادِر الموثوقة وأنتم ترَوْنَ - حفظكما الله- في هذه الآونة - كما قُلت-الحَملةُ الشَرِسة الظالِمةُ الآثمة على الشيخين وعُثْمان وعلى مُعاوية - رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُم جميعًا وأرضاهُم-.

نسألُ الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بأسمائِهِ الحُسنى وصفاتهِ العُلا أن يُثبتنا وإياكُم على الهُدى وأن يُبصرّنا بِسُنةِ خيرِ الورى صلوات الله وسلامهُ عليه وأن يعصِمنا وإياكُم مِن مُضلات الفِتن وأن يُصلِح أحوالنا وأحوال المسلمين جميعًا في كُلِّ مكان حُكَّامًا ومحكومين إنهُ جوادٌ كريم.

وصَلَّى الله وسَلّم وبارَك على عبدهِ ورسولهِ نبينا محمد وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين.

 

السؤال الأول:

هذا يسأل يقول: هل جمال الدين القاسمي من عُلماء السُّنّة؟ ولاسيما وقد أثنى عليهِ بعضُهم؟

الجواب:

ليثنوا عليه، فكتبهُ تفضحهُ، ولو شئتم نمدّ هاء الكناية حتى ينقطعِ النفس، أبَت كُتبهُ أن تشهَد له، دفاعهُ عن عمرو بن عُبيد المعتزلي وعن المُعْتَزِلَة، ودفاعهُ عن جَهْمِ بن صفوان والجَهْمِية سَوءَةٌ في وجههِ ووجهِ كل مَن أراد الدفاعَ عنهُ، ولو كان هؤلاء المُدافعين عنهُ في عصر أَحْمَد لوجدتموهم جميعًا في القائِمةِ السوداء عِندَ أحمد ومن معه - رضِيَ اللّهُ عَنْهُ- أَظُنُّ يَكفي هذا.

 

السؤال الثاني:

وهذا يسأل؛ هل يُوجَد في القُرآن مجاز؟

الجواب:

لا، كلامُ الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- كُلُّهُ حقيقة، لماذا؟

لأنَّ تعريف المَجازعندَ أهلهِ يقولونَ فيهِ: ما صحّ نفيُهُ، فهل يصح نفيُ شيءٍ في القُرآن! هم يريدون بهِ الصفات، هذا كلامٌ باطِل، مُنْهدمٌ على أهله، وأُرشِدُ ابني السائِل إلى كتابٍ جميلٍ جدًا لعالِمٍ فَحْل سلفيٌّ أثري وهو الشيخ الأمين الشنقيطي - رحمهُ اللهُ تعالى- صاحِبُ أضواء البيان، الذي هو أضواءٌ، فإنَّ لهُ رسالةٌ في هذا مطبوعة في آخر الأضواء ومطبوعة استقلالًا اسمها (منع جواز المجاز في المُنزّل للتعبُّد والإعجاز) يعني القُرآن، وهو من هو في اللغة وفي أصولِ الفقهِ وخَصَصْتُ هذين الفَنَّيْنِ لأنَّ المُتكلمينَ في هذا هُم من يتقعرونَ في اللغة وينتسبون إلى علماء اللغة، وكذلك أصحابُ أصولِ الفقهِ، الأُصوليون والرجُلُ نحوِيٌ لغويٌ أُصوليٌ-رحمهُ الله تعالى- فعليك أيها الأخ الكريم السائِل بقراءة هذا الكتاب، فإنه كتابٌ نافعٌ جدًا فردٌ في بابه، وإن ارتقيت فاقرأ (مُختصّر الصواعِق المُرسَلة) للإمام الحافِظ العلامة البحر صاحب القلم السَّيال والسحرِ الحلال ابن القَيّم الجَوزية - رضِيَ اللّهُ عَنْهُ- فإنَّ الرسول- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في البيان العظيم الذي يسبي القلوب (إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا، أَوْ إِنَّ بَعْضَ الْبَيَانِ لَسِحْرٌ)، فمن هنا أخذَ العُلماء مقالتهم هذه (السحْر الحلال) يعني البَيَان، فاقرأ كسرهُ - رحمه الله ورضِيَ عَنْهُ- لهذا الطّاغوت، طاغوت المَجاز الذي أفسد بهِ أصحابهُ عقيدةَ أهل السُّنّة ولكنّ الله - جَلَّ وَعَز- يقيم لهؤلاء في كُلِ مكانٍ وزمان من ينقض بنيانهم، فقد بَيَّن في هذا في الصواعق المُرسَلَة هذا الأمر غاية البيان ونقَضَ على أصحابهِ ما لا يستطيعون الردَّ على عُشرِ مِعْشارهِ، أنصحُكَ بذلك أيُّها الأخُ الكريم.

 

لَعلّنا نكتفي بهذا القدر واللهُ أعلم، وصلى الله وسلم وبارَك على عبدهِ ورسولهِ نبينا محمد وعلى آلهِ وأصحابهِ وأتباعهِ بإحسان.

 

الشيخ: 
محمد بن هادي المدخلي