جديد الموقع

888450

الجواب: 
نص اللقاء:

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاةُ والسلامُ على نبينا مُحمد وعلى آلهِ وأصحابه وأتباعهِ بإحسانٍ إلى يوم الدين، أمَّا بَعْد:

 

أيُّها الإخوةُ في الله؛ سَمِعنا جميعًا ما قرأَ بنا الإمامُ هذه الليلة إذ استفتحَ القراءة بسورة الأنفال، والتي فيها من الآيات ما لو تُلِيَ على جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ .

فمن ذلك ذكرهُ - جَلَّ وَعلا-لأهلِ الإيمان الحقيقين الصادقين، وذلك في مطلعِ قولهِ - جَلَّ وعلا-: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [ الأنفال 2] هذه كم صفة؟ ثلاث، ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُم وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ثُمَّ قالَ فيهم، ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ﴾، ثُمَّ أَخْبرَ اللهُ - جَلَّ وَعَلا- عَنْ جزائهِ العظيم لَّهُمْ، بأنَّ لَّهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ، هذه الصِّفات العَظيمة التي وُصِفَ بِها أهل الإيمان، أهلُ القُرآنِ حقًا فينبغي للمؤمن أن يتأملها وينظُر في نفسهِ هل هو مُتّصِفٌ بها؟ والصِّفةُ الأولى هي: ﴿الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾، كيف لا يوجَل القلب - والوَجَل هو الخوف- وهو يُتلى عليهِ آياتُ الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يقُرأُ عليهِ هذا القُرآن العظيم، الذي فيهِ الوَعْد وفيه الْوَعِيدِ، الوَعْد لأوليائهِ- سُبْحَانَهُ-الْوَعِيدِ لأعدائِهِ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وأعداءِ أنبيائهِ ورُسلهِ، وأعداءِ أهل الإيمان، وما أَعْدّهُ الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لِهؤلاء وَهؤلاء من النعيمِ المُقيمِ لأهلِ الإيمان، ومن النّكَالُ والعَذَاب وَالْجَحِيمِ لأهلِ الكُفرِ والتكذيبِ والعِصْيان، إذا ذُكرت النّار وما فيها اقشعرّت الجلود ووجِلَت القلوب، هذا ونحنُ لم نرها - يا عباد الله- فكيفَ لو رأيناها؟ ونارُ الدُّنيا هي جزءٌ من تسع وتسعين جزءً من نارِ الآخرة، وقد غُمِسَت حتى خُفِّفت وخُفِّفَ حرّها ومع ذلك نحنُ نرى ما فيها من العذاب، بل الشمس وهي بعيدةٌ عنا جدًّا إذا دخلَ الصيف وتوسّط الناسُ فيه فإنهم يُعانونَ منهُ شدّة، والصيفُ وشِدّتهُ التي نجد من نفسِ جهنم الذي أذِن الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بهِ لها في الصيف، كما أن البرد وشدّته من نَفَسِها أيضًا وهو الزمهرير الذي أَذِنَ الله لها بهِ في الشتاء، فالإنسان إذا نَظَر فيما أعدّهُ الله - جَلَّ وَعَلا- لأوليائه وتَأَمّل فيه في جَنَّاتِ النَّعِيمِ، وما أعدّهُ الله لأعدائِهِ أوجبَ ذلك عندهُ الخوف والوجل من ربهِ - تَبَارَكَ وَتَعالى- فهو يعمل ويُسابِق ويُسارِع ويخافُ أن لا يُقبَل، وبعضُ النّاس ليس هذا منهُ على ذكر بل قد غَفَلَ عن الله وعن الآخرة، وهذا هو الذي قد علا الرَّانُ على قلبهِ- عياذًا باللهِ من ذلك- و الرَّان هو ما يُغلِف القلب مِنَ السَواد بِسبب الذنوب -نسأل الله العافية والسلامة- فلا تعودُ تنتفِع من التذكير، والذكرى إنّما تنفع أهلُ الإيمان جعلنا الله وإياكم منهم.

قالَ - جَلَّ وعلا-: ﴿ لوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾

[ الحشر 21]، وقالَ عن أهل الإيمان أهل العلِمِ بالله - جَلّ وعلا-: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾

[ الزمر 9]، فالذي يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه هو الخائِفُ الوجِل، يعمل وهو خائِفٌ وَجِل أن لا يُقبَل ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [ فاطر 28] هؤلاء هُم الذين يستفيدون وهُم الذين عَلِموا ما يجبُ عليهم وعرفوا ربهم حقّ المعرفة، فقاموا وجدّوا وشمّروا وأسرعوا في هذا الباب، وأخذوا أنفسهم بالعزم، فإنَّ المؤمن الصادِق هو الذي يأخذ نفسهُ بالحزم، والمُنافِق هو الذي يَدعُ نفسهُ مع التَكاسُل كما قالَ - جَلَّ وعلا-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الجمعة:9] وقال - جَلَّ وعلا-عن المنافقين: ﴿ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ ﴾ [ التوبة 54] فغفلةُ القلب والتكاسل عن الطاعات من صفات المُنافقين، وحضور القلب والتشمير والمبادرة إلى الطاعات من خصال المؤمنين - جعلنا اللهُ وإياكُم منهم- ﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ﴾، هؤلاء هم الذين ينتفعون ﴿الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾، الثانية ﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا ﴾، أي يَتَّعظُون ويتذكرون بالآيات، وأما الغافِل وأما المنافق فقد قال اللهُ - جلَّ وعلا- فيه وفي أمثاله ﴿ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [يونس 101]، لا تنفعهم ولا يتعظّونَ بها، فهذا من سِمات أهل النفاق والغفلة - عياذًا بالله من ذلك-، وفي هذه الآية دِلالةٌ لأهل الحقّ على أنَّ الإيمان يزيد، وكُلُّ شيءٍ يزيد فهو قابلٌ للنُقصان، فالإيمان قولٌ وعمل يزيدُ بالطاعة وينقص بالمعصية، هذا هو الإيمان اعتقادُ القلب، وقول اللسان، وعملٌ بالجوارِح، يزيدُ بالطاعة، وينقص بالعصيان، واللهُ - جَلَّ وعلا- قد أثبت هنا الزيادة ﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا﴾ فدلّ ذلك على أنَّ الإيمان يَزيد:

والدِّيْنُ قَوْلٌ بِقَلْبٍ واللِّسَانِ وأعْـمَالٌ بِقَلْبٍ وَبِالأَرْكَانِ مُعْتَمِدُ

يَزْدَادُ بالذِّكْرِ وَالطَّاعَاتِ ثُمَّ لَهُ بِالذَّنْبِ وَالْغَفْلةِ النُّقْصَانُ مُطَّرِدُ.

وَأَهْلُهُ فِيْهِ مَفْضُوْلٌ وَفَاضِلُهُ مِنْهُمْ ظَلُومٌ وَسَبَّاقٌ وَمُقْتَصِدُ.

وَهَاكَ مَا سَأَلَ الرُّوْحُ الأَمِيْنُ رَسُوْل اللهِ عَنْ شَرْحِهِ وَالصَّحْبُ قَدْ شَهِدُوا

فَكَانَ ذَاكَ الْجَوَابُ الدِّيْنَ أَجْمَعَهُ فَافْهَمْهُ عِقْدًا صَفَا ما شَابَهُ عُقَدُ

مافيهِ تَعْقيد أَهلُ الزِيغ والكلام، ما فيهِ تَعْقيد أَهل الأَهواءِ والبِدع، وفي هذا ردٌّ على القائِلين بأنَّ الأيمان اعتقادُ القلب وقول اللسان فقط، وأخرجوا الأعمال، وقالوا: (إنَّ أَهْلَهُ في أَصلِهِ سَواءَ)، هؤلاء هُم أخفُّ النّاس إرجاءً وهم مُرجِئة الفُقهاء، فكيف بِمن هُم أَعظم النّاسِ وأَفحَشُ النّاسِ إرجاءَ وهم الجَهميّةِ الذين قالوا: (إنَّ الإِيمان هُوَ المعرِفَة)؟ هذا الكلامُ من أبطلِ الكلام، وكلامُ ربّنا - جَلّ وَعَلا- كما سَمِعنا، ينصُّ نصًّا صريحًا على ردّه ﴿ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا ﴾ [الأنفال 2]، ﴿وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِين َاهْتَدَوْا هُدًى ﴾ [مريم 7] ، ﴿أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـذِهِ إِيمَانًا﴾ [التوبة 124] ،وَقَد ذَكرَ هذِهِ الآيةِ الإمام البُخاري - رحِمهُ الله تعالى- في الصَحيح، مُستدِلًّا بِها على زيادةِ الإيمان، فزيادةُ الإيمان ونقصُه هو مذهبُ أهلُ السُنةِ والجماعة، والقولُ بأنهُ لا يزيد ولا ينقُص، هذا قولُ أهل الإرجاء، إلى تفسيراتٍ مُتعددة لهم، فالله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أثبت هُنا زيادة الإيمان.

فنسأل الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أنَّ يجعلنا وإياكم جميعًا ممن يزدادُ إيمانُهُ بالذِّكر وبالطاعة، ومِمَّن يُحافِظُ على ذَلك، ويتجنّب ما يُنقّصُ إيمانهُ.

﴿وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [الشورى 36] ، هؤلاء هم الذين أخلّصوا دينهم للهِ - جَلّ وَعَلا- والتوكُلِ فيهِ آياتٌ كثيرة، ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [المائدة 23]، والله- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يحِبُّ أهل التوكل، ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾[ آل عمران 159]، ومن أخصلِ الكُتبِ التي بين أيدينا معاشِر المُسلمين كتابُ "رياض الصالحين" فاقرؤوه، فقد عقد فيهِ النووي - رحِمهُ الله- بابًا في هذا المَعنى؛ وأَسْماهُ (بَابُ التّوكُلِ وَاليَقين .

فَعَلى العَبدُ أن يُبادر إلى هَذا الجانِب وأن يُحقّقهُ، والتّوكل، وصِدق التّوكل على الله – جَلَّ وَعلا- دليلٌ على قوة الإيمان، ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾[ المائدة 23] فيجب على المؤمن أن يتوكل على ربهِ - جَلَّ وَعَلا- في جميع أمورِهِ الدينيةِ والدُنيوية فهو المُعين-سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- في طلبِ الرِّزق كذلك، يقول النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ "-هذه الطيور الضعيفة- "تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا" تَعود شبعانة ملآنة البطون والحواصِل، فالتوكُّلُ أمرُهُ عظيم والآياتُ فيهِ كثيرة والأحاديثُ كثيرة. إقامة الصلاة: هذِهِ من صفاتِ أهلِ الإيمان، فإن أهل الإيمان هم المُحافِظون عليها وقد امتدح اللهُ أهلها في آياتٍ كثيرة، في كِتابه العظيم، ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون 1-2] الآيات، وذم اللهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- المُنافقين الذين يقومون إليها وهم كُسالى وتوَعّد المُتخلفين عنها والمُتكاسلين ﴿فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّين الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ [الماعون 4-5] ، ﴿ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ، قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ﴾ [المدّثر 43]، والصلاةُ هي عمود الإسلام، وهي الصِلةُ بين العبدِ وربه، من حافظ عليها فقد حافظ على دينه، ومن ضيّعها فهو لما سِواها من أمرِ  دِينهِ أضيع، وهي العلامةُ الفارِقة بين المؤمنين والكافرين، كيف تشهدُ لِصاحِبك ولِجارك ولأخيك بأنهُ مُسلم وهو لا يحضر الجماعة مع الناس؟ لا تراهُ في المساجِد، لا تراهُ في مسجِدك في مسجِد الحي، وهكذا، " الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلاةِ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ " وهي قُرةُ عين النّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما قال- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- "وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاةِ "

قُرّةُ عَينِ المُصطَفى فيها كما عَنْ نَفسِهِ أَخبر نَصًّا مُحكَما

وَلَم يَزل مُبادرًا إِليها وَكَم لَهُ مِنْ بَيعةٍ عَليها

فالشاهِد هذِهِ الصلاة هي عمود الإسلام، إذا انهدم العمود طاح الفِسطاط، لا يقومُ إلا بالعمود، وهي علامةٌ فارقة بين أهل الإيمان وأهل النِفاق، عياذًا باللهِ من ذلك.

وهكذا إيتاءُ الزكاة من علاماتِ الإيمان؛ فيجب على المؤمن أن يبتعد عن الشُّح والبُخل وأن يؤدي حقّ اللهِ - جلّ وعلا- في مالِه، واللهُ -جَلّ وَعَلا- غني عن عِبادِه، وإنما هو لنا يدّخِرُهُ لنا يوم القِيامة، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها فمن جادَ فإنما يجُودُ على نفسِه، وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عن نَّفْسِه، نسألُ الله العافية والسلامة.

فالواجِب على العبد أن يجود في هذا الباب، وأن يؤدي أولًا ما أوجب الله - جَلَّ وَعَلا- عليه، وأن يبتعِد عن البُخل، ومن أنكر وجُوبها فقد كَفَر، ومن أقرَّ بِوجُوبها ومنع أدائها، عزّرهُ الإمام أخذها مِنهُ وشطر ماله، يأخُذها منه ويأخذ معها شطر مالِه، يعني نصف ماله، عُقوبةً له وتأديبًا وردعًا للآخرين، لأن هذِه الزكاة حقُّ المال، يجِب أن يؤدَّى، وهي رُكنٌ من أركان الإسلام وقد حارب  عليهِ الصديقُ - رَّضِيَ اللّهُ تعالى عَنْه- أهل الرِدةِ، وأهلُ الرِدة في هذا على أقسام منهم من ارتدّ، ومنهم من امتنع عن الزكاة، وقال إنما كانت تُعطى في حياة رَسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لرسولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

رَضِينَا رَسُولَ اللهِ إِذْ كَانَ بَيْنَنا فَمَا بَالُنا نَرْضَى بِحُكْمِ أَبي بَكْرٍ

أَيَورثُها بَكر إِذا مَاتَ بَعْدَهُ فَتِلكَ لَعمر اللهِ قَاصِمة الظَهرُ

فَقَالَ فيهم أَبُو بَكْرٍ: (وَاللهِ لأُقاتِلَنّهمَ حَتى يؤدّوها، وَاللهِ لَوْ مَنَعُوني عِقالًا) ويُروى (عَناقًا) (كَانوا يُؤَدُّونَها إِلى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَقاتَلْتُهُمْ عَليه)، فالواجِب على المُسلم، أن يجود في هذا الباب وأن يقوم بحقّ اللهِ – جلّ وعلا- عليه، قال اللهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا﴾ [الأنفال 2 – 4]، فأخبر أن هؤلاء هم أهلُ الإيمان الحقيقي، ووعدهم بأن لهم مغفرة عند ربهم، ولهم درجاتٌ عالية عندهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، في الجَنَّة وَلَهُم رِزقٌ كَريم، رزقٌ دائِم لا ينقطع عِندهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- في جَنَّة عَدْنٍ فيها مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ، وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ.

نَسألُ الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أن يُثبتنا وإياكم على الإسلامِ والسُّنّة حتى نلقاه، كما نسألُهُ- جَلّ وَعَلا- أَنْ يَجعلنا وَإِيَّاكُمْ مِمن يَتّعِظ، إِذا وُعِظ، ويتذكر إذا تذكر، وأن يُرقِّق قُلوبنا وأن يُورثنا الخوف منه في السِرِ والعلانية، إنهُ جوادٌ كريم، وصلى اللهُ وسلم وبارك على عبدِهِ ورسُولِه نبينا محمد وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين.

 

السؤال الأول:

الحمدُ لله، هذا يسأل يقول: شيخنا أحسنَ الله إليكم وبارك فيكم وزادكم اللهُ من فضلِه.

وإياك أخي السائِل الكريم.

يقول: قال الله تعالى : ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [فاطر 32]  

هل يؤخذُ منها دليل على نقصِ الإيمان؟

الجواب:

نعم، فإن الله - جلّ وعلا- قد ذكر في هذِه الآية أصنافَ أهل الإيمان، فذكر منهم ﴿الظَالِمٌ لِنَفْسِهِ ﴾، والظالم لنفسه فسرهُ أهل العِلم بأنهُ من أوبق نفسهُ بالمعاصي، ﴿وَمِنْهُمْ المُقْتَصِدٌ ﴾، وهو الذي جاء بالطاعات ولم يزد عليها، " وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَزِيدُ عَلَيْهِنَّ وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُنَّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ" أو " دَخَلَ الْجَنَّةَ إِنْ صَدَقَ " فهذا هو المُقْتَصِدٌ الذي جَاءَ بالفرائض ولم يتجاوزَها إلى النوافل.

وَأَمَّا السَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ فهو الذي جاء بالفرائض وزاد على ذلك أنواع النَّوافل، فسارَع إليها وازداد منها، وهذه الآية قال الله في آخِرِها: ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا﴾، ففيها رَدٌّ على الخوارج، ولذلك قال بعض العلماء ﴿ يَدْخُلُونَهَا﴾، الواو واو الجمع، تشمل الظالم لنفسه، وتشمل المقتصد، وتشمل السابق بالخيرات؛ فلهذا قال بعض أهل العلم: إن هذه الواو في قوله ﴿ يَدْخُلُونَهَا﴾، واو الجماعة، حَرِيَّة أو حقيقةٌ أن تُكْتَبَ بماء العين، وذلك لأن فيها ردًّا على الخوارج الذِّين يُكَفِّرون أصحاب الكبائر، والله- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-قد وصفَ هنا طائفَةً من الإسلام والإيمان بقوله ﴿ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ ﴾، ومع ذلك أدخلهم مع هؤلاء جميعًا وشملهم جميعًا واو الجمع فقال: ﴿ يَدْخُلُونَهَا﴾، فمنهم من يدخلها ابتداءًا، ومنهم من يدخلها بعد أن يُمَحَّص فيدخل النار بقدرِ ذنبه ثمَّ مآلهُ إلى الجنّة، لأنه لا يُخَلَّد في النار مُوَحِّد، فهذه الواو في آخر الآية رَدٌّ على الخوارج، ولذلك فرِحَ بها أهل الإسلام والسُّنة فقال بعض هؤلاء: (هذه الواو حقيقةٌ أو حرِيَّةٌ بأنْ تُكتب بماء العيْنين)، لما فيها من نُصْرةِ أهل الإسلام والإيمان والسُّنة، ولِمَا فيها من الرَّد على هؤلاء الخوارج الذين ذهبوا إلى منعِهِم من دخول الجنّة.

 

السؤال الثاني:

هذا يقول: ما حُكم الرَجُل الذي لا يُصَلِّي تكاسُلًا وهو مُقِرٌّ بوجوب الصلاة؛ ثُمَّ تاب إلى الله وبدأَ يُصَلِّي؟

الجواب:

الحمدلله ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس:٥٨]، مادام قد تَابَ إلى الله وعاد فنسأل الله -جَلَّ وعلا- أن يقبَل منّا ومنه، وأن يُثبِّتنا وإياه على الحقِّ والهدى، وأما الصلوات التي مضت أو ضيَّعها فليس عليه أن يقْضيها، ويكفيه التَّوبة وتجُبُّ ما قبلها، وعليه أن يُعَوِّض هذا النقص بالإكثار من النَّوافل، فيُصلي لله - جَلَّ وَعَلا- النوافل، يُكْثِر من ذلك، رَكعتي الوُضوء والضُحى وما يتعلَّق بصلاة الليل وهكذا، حتى يُعَوِّض مَا فَاته في هذه الْمُدَّة التي ترك الصلاة فيها، ونسأل الله التوفيق لنا وله.

 

السؤال الثالث:

هذا يسأل عن الخوف الذي يُعْذَر به الرجل عن حضور صلاة الجماعة؟

الجواب:

إذا خافَ على نَفْسهِ الضَّرب، أو الحَبس، أو القَتْل، فالقتل مثل أيام الحروب لَو خرج قُتِل، أو هجم أهل الشَّر على بلدته لو خرج أُسِر، أو طُلِب بدَيْنٍ أرهقته الديون وهو ساعٍ في تخليص نفسه منها ويكاتب من يعينه على ذلك ويرسل إليهم بالرُّسل لعلهم يغيثونه-بإذن الله تبارك وتعالى- ويُنجدونه بالإقراض حتى يَتَخَلَّص من غُرمائه، فلا بأس- إذا خَشيَ أنه إذا خرج سُجِن لا بأس أن يتوارى حتى يأتيَ سداد ديْنِه وهكذا.

 

السؤال الرابع:

وهذا يقول: هل الصحيح أن قيام الليل في الحاجة وحال الشدّة فقط مكروهٌ؟ فهنا من يُنكر ذلك.

الجواب:

إن كان لا يُصلِّي إلا لأَمرٍ يَحْصُل ثُمَّ يَدعْ فَهذا الذي قيل فيه:

صَلَّى وَصَامَ لأَمْرٍ كَانَ يَطْلُبُه  فَلَمَّا انْقَضَى الأَمر لاَ صَلى وَلا صَامَ!

فَنَعوذُ بالله - جَلَّ وَعَلا- ممن هذه حالُه، الصَلاة طاعةٌ لله - تَبارَك وتعالى- وعلى العبد أن يتقرَّبَ إليه - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بها، وأن يستكثر منها، فإنَّ النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلاةُ, وَلا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلا مُؤْمِنٌ " فَعلى العَبد أَنّ يقوم في هذا الجانب بما يجب عليه أولًا، ثم عليه أن يحافظ على الرّواتِب، ثم بعد ذلك يأتي بالنَّفل المُطلق، ولا شكّ ما من إنسان منّا إلا وعنده النقص والقصور في صلاته، فإذا هو لم يتدارك نفسه بالنوافل فإنه سوف يندم.

 

السؤال الخامس:

وهذا سؤال آخر، يقول: أحسن الله إليكم وبارك فيكم-وفيك أيها الأخ السائل الكريم-، سؤالي: ما هي أسباب إجابة الدعوة؟ وما يفعل المسلم إذا اشتد الابتلاء؟

الجواب:

أما أسباب إجابة الدعاء فهي كثيرة، ولكن من أهمها إطابة المَطعم كما قال النَبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أَطِبْ مطْعَمَك تكن مُجاب الدَّعوة"، وذَكَرَ "الرَّجُلَ يُطِيْلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاء،ِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لذلك" يعني كيف يستجاب له؟!

فذكر في هذا الحديث أسبابًا متعددة من أسباب إجابةِ الدعاء ومع ذلك مُنِعَ الإجابة لقيام المانع، فذكر السفر، والسفر من أسباب إجابة الدعاء، المسافر دعوته مستجابة، ثم الشعث والغبر فإن هذا صفة المتواضعين لله - جَلَّ وَعلا- ليست من صفات أهل الكبر، (يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاء) ، يرفع يديه والله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - حَيِيٌّ سِتِّير يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يرُدَّهما صُفْرا أي خاليتين، ومع هذا؛ هذا يرفع يديه ورفعُ اليدين من أسباب إجابة الدعاء، ثم يتملَّقُ ربه -جَلَّ وَعَلا-: (يَا رَبِّ يَا رَبِّ)، هذا سببٌ رابع لإجابة الدعاء وهو إظهار الفاقّة والحاجة والانكسار بين يدي الله - جَلَّ وَعَلا- ومع ذلك لم يستجب له مع وجود هذه الأسباب التي ذكرها رَسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لماذا؟ لأن مطْعَمُه حرام، وملْبَسه حرام، وغذِيَ بالحرام أوغُذِّيَ بالحرام، فأنَّى يُسْتَجاب لذلك؟!

فعليه هذا الحديث دالٌّ على أن إطابةَ الطَّعام والملبس من أسباب إجابة الدُّعاء، وخُبْثُ المطعم والملبس من أسباب منعِ الدعاء - عافانا الله وإياكم من ذلك-، فالأسباب كثيرة ولكن هذا من أظهرها ولعلَّ ابني السائل يراجع الكتب التي اعتنت بهذا.

 

السؤال السادس:

هذا يقول: أحد الإخوة يريد الزواج بثانية لكنَّ القانون يمنَعُه، وهو لا يريد التفريط في زوجته الأولى؛ فهل يجوز أن يطلقها قانونيًا وتبقى زوجه شرعًا؟

الجواب:

إذا طلقها قانونيًا طَلُقَتْ، إذا ذهب إلى البلدية كما هو في بلاد الكفر محل توثيق العقود وقال زوجتي طالق طَلُقَتْ، فإذا راجعها بعد وكانت رجعية يحِلُّ له إرجاعها رجعت، فإذا أراد أن يتزوج بعد ذلك يتزوج، لكن أنا أخاف على هذا أن يصبح مثل مُعَيِّد القريتين؛ مُعَيِّد القريتين قال: القرية الفلانية القريبة مِنّا يُبَكِّرون بأكل العيد يخرجون عيدهم إلى الشارع – طعامهم- فيأكلون، أتَعيّد معهم ثم أرجع آكل من عيد قريتي، فذهب إلى القرية تلك وهي قريبة فما جاء إلا وقد قاموا من على العيد، ما حصَّل شيء، فرجع إلى قريته التي تَأَخَّرت فيأتي إليها وإذا بهم قد قاموا من على عيدهم فما حصل شيء، فأخشى أنه لا يمسك زوجته ولا يتزوج الثانية، فعلى العبد أن يكون عاقلًا وأن ينظُرَ في أمرهِ، وباستطاعتك يا أخي أن تذهب إلى البلدان الإسلامية التي لا تحاربُ شرعَ الله - جَلَّ وعلا- ولله الحمد.

 

نكتفي بهذا القدر فقد أتممنا ثلاثين دقيقة وربع الدقيقة والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

الشيخ: 
محمد بن هادي المدخلي