الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد.
فيا معشرَ الأحبة سمعنا جميعًا ما قرأ بِنَا الإمام - جزاه الله خيرًا- في الركعة الأولى من قولِ الله - جلَّ وعزَّ-: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آل عمران:١٨٥].
هذه الآية من تَدَبَّرها بحقٍّ قَنِعَ من هذه الحياةِ الدنيا، وأَخَذَ منها ما له صلاحُهُ به في مَعَاده، واتَّخذها مزرعةً للآخرة يحمَدُ فيها حصادهُ الذي حصده في هذه الحياة الدنيا.
إنَّ الموت - معشر الأحبة - نهايةُ كلِّ حيٍّ، ينتهي كلُّ حيٍّ إليه من جميع المخلوقات، ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ﴾ و(كُلُّ) من ألفاظ العموم والاستغراق، ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ ﴾ [الرحمن:٢٦-٢٧]، ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ﴾ [الأنبياء:٣٤]، ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُون﴾ [الزمر:٣٠]، ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ﴾[المؤمنون 16] ويقول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَكْثِرُوا من ذِكْرَ هادم اللَّذَّاتِ - يَعْنِي الْمَوْتِ- فإنه ما ذُكِرَ في قليلٍ إلا كَثَّرهُ ولا في كثيرٍ إلا قلَّله".
بَهْرَجُ هذه الدنيا وزينَتُها مُنتهي، ولذلكَ قال - جلَّ وعلا- في آخرِ الآية: ﴿وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ [آل عمران:١٨٥].
المغرور هو الذي يَغْتَرُّ بهذه الحياة الدُّنيا ويَغْفُلُ عن أُخراه التي هي دار البقاء، رسولنا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُخاطِبُنا فيقول: "أَكْثِرُوا من ذِكْرَ هادم اللَّذَّاتِ" وكثيرٌ من النَّاس اليوم لا يريد أنْ يسمعَ ذِكْرَ الموت، وإذا ما ذُكِرْ قيل للذَّاكِر أنت صَاحِبُ نظرةٍ سوداويةٍ، أنت تريد أن تُأَيِّسَ النَّاس في هذه الحياة، أنت تريد أنَّ النَّاس يقبعون في المساجد ولا يَعْمُر الحياة، ونحوِ ذلك من الأقاويل التي ما عَلِمَ أصحابها أنَّهم يرُدّون بها على رَسُولِ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -القائل: (أَكْثِرُوا من ذِكْرَ هادم اللَّذَّاتِ).
إنَّ الموتَ - معشر الإخوة- وتَذَكُّرَه فيه فوائدُ عظيمة، فمنها:
- تَبَيُّنِ حقارةِ هذه الحياة الدُّنيا، ومعرفة أنها ظِلٌ زائل، ولذلك قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "إَنما مَثلي وَمَثَلُ الدُّنْيَا إِلا كَرَاكِبٍ سَارَ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ ، فَاسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا "، ظِل يزول، من عاشَ فيهِ من أوَّلِ النَّهار إلى وسط النهار، ثم زالت الشمسُ عليهِ انتقل، ومن عاش فيها من وسط النهارِ إلى آخر النهارثم غابت الشمسُ عنهُ انتقل وتحوّل.
والحاصل: المؤمن في هذه الدار في سفرٍ عنها إلى دار القرار، ولذلك شبه النَبِيُّ - صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حاله في هذه الحياة الدُنيا بحالِ الراكب المُسافر، الذي استظّل تحت ظِلِّ شجرةٍ ثم راحَ وتركها، وهذا يدلُ على أن الدُّنيا ظلٌ زائِل مُنتهي، وإذا كان كذلك فلا مُقامَ لك تحته، ينتقِلُ عنك، فالذاكِرُ للموت يستفيدُ هذه الفائِدة، يعرف أنَّ هذه الدُّنيا ليست بدارِ قرار، وإنما هي دارُ عبورٍ إلى دار القرار:
فَحَيَّ عَلَى جَنَّاتِ عَدْنٍ فَإِنَّها *** مَنازلِنا الأُوْلَى وَ فِيها المُخَيَّمُ
وقَد زعَمُوا أن الغَرِيبَ إذاَ نَأى *** وشَطَّتْ بهِ أوطَانُه فهُوَ مُغرَمُ
وأيُّ اغتِرابٍ فوقَ غرُبتنا الّتى *** لهَا أضحَتِ الأعدَاءُ فِينَا تَحَكَّمُ
فالعاقلُ لا يركنُ إليها:
ومالي وللدُّنيا و ليسـتْ ببغْيتـي * * * ولا مُنْتهى قصْدي ولسْتُ أنا لهـا
ولستُ بميّال إليها ولا إلـى * * * رئاسَتِهـا نَتْناً وقُبْحا ً لحالها
هي الدارُ دارُ الهمِّ والغمِّ و العَنا * * * سريعٌ تقضِّيها قريبٌ زوالُها
ظِلٌ زائِل معشر الأحبة، وإذا كانت هذه الحقيقةُ قد استقرّت في أذهان المؤمنين، أورثتهم الثمرة الثانية، ألا وهي إِصلاحُ العمل، والاستعدادُ للرحيل، إنَّ هذهِ الدُّنيا، لا تَدري أيُّها المؤمن متى يَفْجَأُك الأجلُ فيها، ﴿فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ﴾ [ الأعراف 34]، فإذا كنت لا تدري متى يَفْجَأُ الأجل، فاستعد للرحيلِ بالزادِ، والزادُ هنا هو صالحُ العمل.
ومن فوائِدِ ذكر الموت، أنهُ يورثُ الإنسان القناعةِ، فالفقيرُ إذا ذكر أنه منتقلٌ عن هذهِ الحياةِ الدُّنيا اقتّنع بما أتاهُ الله، وقَسَمهُ لهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ولم يمتدّ نظرهُ إلى ما في أيدي الأغنياء، ولم يُكَلِّف نفسهُ ويُتعبها حتى يكون مثلهم، بل يرضى بما قسمهُ اللهُ - جَلَّ وَعَلا- له، قَالَ - جَلَّ وَعَلا- مُخاطبًا رَسولهُ - صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ﴿وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَاۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾[ الكهف 28]، فهذهِ الحياةُ الدُّنيا إنما مَثلُها كما ذكرهُ رسولُ اللهِ - صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد جاء في الآياتِ كثيرٌ من مَثَلِ هذه الحياةِ الدنيا:
لَقَدْ جَاء في آيِ الحديدِ ويُونسٍ * * * وفي غافرٍ والكَهف تِبْيانُ حالِها
ومِمَّا جاء في الكهف ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا﴾[ الكهف 45]، فيورث الفقير القناعة بما أتاهُ اللهُ -جَلَّ وَعلا- فلا يُجهدُ نفسهُ بعد ذلك، إلا في طاعة اللهِ وفيما يعمروا بهِ آخرتهُ، وهكذا يورثُ الغني العمل للدارِ الآخرةِ ويورِثهُ التواضع، وأنَّ هذا المال ليس بشيء.
﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾[ الكهف 46]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [المنافقون 9]، فلا يشتغلُ بمالهِ عن حاله، والذي يُصلحُ مآله بين يدي ربه - جَلَّ وعلا-.
- ومن فوائد ذكر الموت ترقيق القلوب، وهذه من أعظم الفوائد أيضا، فإن القلوب إذا رَقتّ أَخبَتَت، وأَنابَت إلى بارئها - جَلَّ وَعَلا- وكانت قريبة منه - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بالعمل بطاعته والبعد عن معصيته - جَلَّ وَعَلا-.
- ومن فوائد ذكر الموت أيضا، أن يعلم اﻹنسان أنهُ محاسبٌ وموقوفٌ بين يدي الله - جَلَّ وَعَلا-، فَسيُسأل عن الصغيرة والكبيرة، فإذا كان كذلك استعدَّ لحالِهِ بما يُصلح مآله، وهيَّأ نفسه فيما ينفعها، وأشغلها فيما يعود عليها بالخير عند المنقلب.
- ومن فوائد ذكر الموت أيضا صلاحُ الدُّنيا، وذلك إذا ذكر المؤمن أنه ميت؛ فَلا يَسعى إِلا بِخير، وَلا يَقولُ إﻻ خَيرا، وَلا يَعْمَلُ إِلا خَيرا، وَيَدعو إلى الخَير، ويذّكر النَاس بِالخير، ويُحبُ للناس الخير، ويَنهى عن الُمنكر والشرّ، فَتَصلُح الحياةُ وتَستَقيم، فَإنَّ المرء إَذا ذُكّرَ بِالموت، وأَنهُ مُنقلبٌ إلى الله ومجازى عَمِلَ صَالِحا وَأَقلَعَ عَن المعاصي، فَتَصلُح الحياة، وإذا صَلُحَت الحياة كانت خير مزرعة للآخرة.
- ومن فوائدِ ذِكرِ الموت أيضا، التَسليةُ على من اُبتلي بِظلمِ الجَبابرة، فإن ذلك يورثهُ الصبر على قَدر الله المؤلم الذي نزل به من أعداء الله وأعداءرَسُوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ﻷنه يعلم أنه إما مُستريحٌ أو مُستراحٌ منهُ، إمَّا مستريحٌ هو من هذه الحياة الدنيا، فيَصبر ﻷنَّ الصبر عاقبته حميدة، وإما أنه يُنتَقلُ عنهُ ويُستراحُ منهُ -أي من عدَوّه- الذي تَسلّط عليه، فيعلم أن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- سَيقصِمُ الجَبابرة ﴿وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ مِّن وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيدٍ. يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ﴾ [إبراهيم:15، 16، 17 ]، فإذا تذّكرَ ذلك هوّن الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بهِ عليهِ المصائب التي تنزل به في حياته الدُّنيا، وينتظر فرجُ الله، وفرج الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- قريب، وصلاح القلبِ في هذا من أعظم الفوائد التي تنجلي عن ذكر الموت.
هُوَ المَوتُ ما منهُ ملاذٌ وَمهربُ *** متى حُطَّ ذا عن نَعشهِ، ذاكَ يَركبُ
ولكن الناس في غفلة من ذلك، نسأل الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى أن يجعلنا وإياكم ممن استعد له وأخذ له أُهبَتَه، وتَبلّغ من حياته ﻵخرته، إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.
السؤال اﻷول:
هذا يقول: جزاكم الله خيرًا، في بعض اﻷحيان يكذب اﻹنسان من باب المجاملة والملاطفة بين الناس؛ هل هذا يجوز؟
الجواب:
لا والله لا يجوز، ولو كان على سبيل المجاملة والملاطفة أو الممازحة "أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا" يقول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَبِبَيْتٍ فِي وَسَط الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسُنَ خُلُقُهُ " أو "حَسّنَ خُلُقُهُ " والكذب لا يجوز إلا في ثلاث؛ كما ذكر ذلك النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وليس هذا منها يا معشرَ الإخوة.
السؤال الثاني:
وهذا يسأل يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.
يقول: أُحبكم في الله.
أحبك الله الذي أحببتنا فيه.
يقول: فضيلة الشيخ أبناؤكم السَّلفيون في كندا يقولون إنَّ عندهم فِرقةً ضالةً خارجية في الصومال تُسَمَّى حركة الشباب، تدعو المسلمين المُقيمين في كندا أن يقوموا بجريمةٍ في أكبر مول في شمال أمريكا في كندا؛ فبماذا تنصحون المسلمين المقيمين في كندا؟
الجواب:
أقول: لا تُطيعوا هؤلاء، ولا تلتفتوا إليهم وأنتم مُقيمونَ في هذه البِلاد، ويجب عليكم أن تكونوا خيرَ سفيرٍ يُمّثلُ المسلمين في تلك البلاد، ولا تكونوا رُسلَ شُؤمٍ على الإسلام وأهل الإسلام، ولا تُطيعوا هؤلاء الذين يطلبون منكم هذا الطلب فإنهم إنما يدعونكم إلى السوء - عياذًا باللهِ من ذلك-، "مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى, كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ, لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا, وَمَنْ دَعَا إِلَى إثم كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ, لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أوزارهم شَيْئًا"، فلا يُطاعُ هؤلاء ولا يُلتفت إليهم لأنَّ هذا يعودُ بالضَّرر على المسلمين المُقيمين في كندا وفي أمريكا وفي العالم الغربي الكافر كله، بل ويزيدُ أشد من ذلك تصوير دين الإسلام بالصورة السيئة التي يتبجح بها الأعداء ويكذبون بها على المسلمين، فإذا عُمِلَ مثل هذه الأعمال وجدوا الفُرصة لتثبيتِ شائِعاتهم الظالِمة عن الإسلام، فلا يجوزُ لكم أن تستجيبوا لهؤلاء ويُحرمُ عليكم، وعليكم بحُسن الإقامة في هذه الديار التي قد أعطتكم حقّ الإقامة حينما اضْطُهدتم في دياركم.
السؤال الثالث:
وهذا يسأل عن المرأة التي تعيش في بلاد الكُفر وتُريد أن تُهاجر إلى بلد الإسلام؟
الجواب:
نعم، إذا حَصَلَ لها الفرصة تُهاجر هي وأولياؤها، أما إذا كانت تخرُج بدون ولي فلا، تبقى حتى يُيسر الله لها أو تتزوج، فيُيسر الله لها الهجرة إلى بلاد الإسلام، وهي معذورة في حال ضعفها ﴿إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ﴾ [ النساء 98] كما قَالَ رَبُنا - جَلَّ وَعلا-.
السؤال الرابع:
وهذا يقول: شخصٌ لهُ ابنٌ ويخشى أن يخرج به إلى الناس خوفًا من أن تُصيبهُ العين؛ فهل خوفهُ هذا يُعتَبَر شِركا؟
الجواب:
لا، لا يُعتَبَر، هذا خوف طبيعي على الابن، لكن عليه أن يُحصِّنه، هل سيبقى في البيت مقفل عليه أربعة وعشرين ساعة؟ ما يمكن، لكن عليهِ أن يُحصنّهُ بالأذكار والأوراد التي ثبتت في السُّنة ولا يضرّهُ شيءٌ بإذنِ الله إذا حصّنتهُ بهذه الأذكار، المهم أن تكون قد عقدّتَ نية التصديق لصاحب هذه الأذكار، وهو النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأنَّ من تحصّن بكذا وكذا لا يضرّهُ شيءٌ، فعليك أن تُحَصِّنهُ بالأذكار ولا يَضُرّه.
السؤال الخامس:
وهذا يسأل، مُحصل سؤاله أنه في بلدٍ يظهر فيه أهل الأهواء والبِدع ولهم قوة وشوكة؛ فماذا يعمل؟
الجواب:
أقول: داري أنت وأهل السنة إذا كان الحالُ كما ذكرت في سؤالك فعليكم بالمُداراة، تُدارونهم ولا تعطونهم من دينكم شيئًا، تتقونَ شرّهُم ولا تُعطوهم من دينِكم شيئًا، فالمُداراةُ شيءٌ والمداهنة شيءٌ آخر، فأنتَ تستطيع أن تدفعهُ بالكلمة الطيبة وبالسلامِ وردِّهِ ونحو ذلك، سُئل الإمامُ أحمد- رحمه الله تعالى- عن هجر الجهميّة؟ فقال: نعم، يُهجرون، يعني لا يُسلم عليهم، ثُمَّ قال ولكنّ إخواننا في خُراسان لا يُطيقونَ ذلك، لماذا؟ لأنَّ الشوكةَ في بلادِ خُراسان في ذلك الحين كانت لهم، فإذا كانت الشوكة لهؤلاء فعليكَ أن تُداريَّ، والمُداراة بذلُ شيء من الدُّنيا كطلاقة الوجه والهَشاشة والبشاشة والابتسامة والسلام ونحو ذلك، وأنتَ تعرف فبماذا يندفع، إن اندفعَ بالأخفّ لم تعطهِ الأكثر؛ إن اندفعَ بالسلام لم تهشَّ في وجهه، وإن اندفعَ بالهشاشة في وجهه والكشر في وجهه لم يجز أن يُعطى أكثر من ذلك، وهكذا حتى تدفعوا عن أنفسكم.
ولعلنا نكتفي بهذا القدر، والأربعاء القادِم لن آتي وإن كتبَ اللهُ لنا، نأتي إن شاء الله مثل اليوم الأحد القادم.
والله أعلم، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على عبدهِ ورسولهِ نبينا محمد.