إِنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيْهِ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنا ومن سَيِّئاتِ أَعْمالِنَا، مَن يَهْدِ اللهُ فَلا مُضِل لَهُ ومَن يُضْلِلْ فَلا هادِيَ لَهُ.وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ وأَشْهَدُ أَنَّ محمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلى آلهِ سَلَّمَ وأَصحابِهِ وَأَتباعِهِ بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أَمّا بَعْدُ:
فالحقيقة، ما أَدري ما أقولُ لكم، فإذا كَثُرَ المُطالِب وقَلَّ الرصيد فنسألُ الله-جلَّ وَعَلا-أنْ يُعينَ المطلوب على الأَداء، وَلكّن بما أنّا قرأنا سورة القيامة، وسمعنا ما فيها من قول رّبنا-جلَّ وعلا-﴿لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ﴾ [القيامة:١-٢]، هذا القرآن مأْدُبَةُ الله-جَلَّ وَعَلا-لا يَشبَع منه العُلماء،وكلَّما قَرَأْته ازدادَ غَضاضّة وطراوة، فهو غضٌّ طريٌّ كلما قرأتَه وتدبَّرتَه زادت حلاوته في قلوب أهل الإيمان، ومن قرأهُفكأنما خاطب الرحمٰن، من أراد أن يتكلَّم مع ربه فليقرأ القرآن:
|
هُوَ الكِتابُ الذي مَن قامَ يَقْرَؤُهُ |
كَأنَّما خاطَبَ الرَّحْمَنَ بالكَلِمِ |
يقول شيخُ شيوخِنا-رحمه الله تعالى-، ولكنّ هذه القراءة أنواع؛ فقراءةُ المُتَدبِّر هي القراءة النّافعة.
|
وبالتَّدبُرِ والتَّرْتِيْلِ فاتْلُ كِتَابَ اللهِ |
لا سِيَّمَا في حِنْدِسِ الظُلَمِ |
فالتدبر لما يُقْرَأ وفهم معانيه، والغوص في طلب ذلك مما يُفيدُ الإنسان عِظةً وعبرةً.
يقول رَبُنا-جَلَّ وَعَلا-:﴿وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴾، هذه النَّفس التي تَلومُ صَاحِبَها على التَّقصير إِنْ حصل، وعلى التَّفريطِ إِنْ وَقَع، وعلى الذَّنب والهفوة والعصيان إذا حدثت، هذه النَّفس فيها خير، ولابُدّ لنا مَعشَرَ الأَحبة من أنْ نتعاهد هذه النَّفس ونُربِّيها على مكارم الأخلاق، وصالح الأعمال، ومحاسن الطِّباع، وأشرف الشِّيم وأنبلِها، وأنْ نبتعد بها عن سفساف الأمور وما يفسدها ويوبقُ عليها آخرتها مع إفساد دنياها.
وأذكرُ في هذا الباب-باب تزكية النَّفس-كَلاماً لِبعضِ أهل العلِم:
فقد ذكرَ بعضُ أهل العلِم طرائقٌ أربع تُزكّى بها النَّفس، وتُستَصْلح بها النَّفس، وهذه الطرائق الأربع إذا سلكها العبد عرف عيوبَ نفسِهِ، وإذا عرفَ عيوبَ نفسهِ سعى في إصلاحها، وهذا فعل العقلاء والنُّبلاء والشُّرفاء، فكل من أراد نجاةَ نفسه حاول إصلاحها بمعرفة عيوبها ومُعالجتها.
- وأول طريقٍ يُسْتعان به على معرفة عيوب النَّفس لتُعالج فتَصِحَّ بعد ذلك هو:مُجالَسَةُ أهل الخير والعلِم والصَلاح والدين؛ فإنَّ مجالسة هؤلاء الصالحين ولا سيَّما علماء الشريعة العاملين المتَّبعين المتمسِّكين بما جاء به سيد الخلق أجمعين- صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسلامه عَلَيْهِ –أهل الحديث والسُنّة والأثر، أهل العبادة والزُّهد والورع، أهل الفقه والبصيرة في الدين، أهل الصلاح؛ الجلوس بين أيدي هؤلاء العلماء الفضلاء العُباَّد الصُّلحاء والزُّهاد النبلاء يُبَصِّرُ العبدَ بعيوب نفسه، لأنَّهُ إِنْ قَصَّر نصحوه، وإن تجاوزَ هذَّبوهُ، وإذا أخطأَ أدَّبوه؛ فيستفيد منهم ومن مصاحَبَتِهِم، فصُحْبَة أشياخِ الصلاح خَيْرٌ للعبد في دينهِ ودنياه، فلا تُهْمِلوا مُجالسة العلماء والعبَّاد الصُّلَحاء وأهل الورعِ والزُّهد، لا تُهملوا مُجالستهم، فإنَّ النَّظر في هديِهِم وسَمْتِهم ودَلِّهِم يورِثُ الإنسان المقارنة بينَ نفسِهِ وما هُو فيه وبينَ حالِ هؤلاء، هذا إذا لم يتفقَّدوهُ هم، والغالب أنَّ هؤلاءِ لا يخلونَهُ من نصيحة وتكميل وتهذيب وتصفية وتربية، فينتفع بمجالسة أهل العلِم والعبادة والصلاح والزُّهد والورع، والله-سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-قد أمرنا بذلك ورسوله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-قد أَمرنا بذلك، قال-جَلَّ وَعَلا-:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾[التوبة:119]،فالجلوس مع أهل الصلاح والصِّدق في الدين يورِث العبدَ الخير الكثير.
- أمّا الأمر الثّاني الذي يُعْرَفُ به عيوب النَّفس فَيُسْعى إلى صلاحِها فَهُو: التماس الصّاحب الصادِق النّاصِح غيرِ المُداهِن، الذي إذا طلبْتَهُ النَّصيحة نَصَح، وإذا رأى عليكَ ما يوجِب ابتدأك وَإِنْ لم تسْتَنْصِحْهُ،وقد كان سلفُنا-رحمهم الله تعالى-على هذا. ولهذا يقول النَّبِيُّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: " الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِفَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ " فإذا خاللت أهلَ الخير وصاحبتهم وصافيتهم نالكَ الخير إما ابتداءًا وإما بالسُّؤال. أميرُ المؤمنين عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فاروق هَذهِ الأُمة- رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُ-كان يُكثر من سؤالِ حُذيفة-رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُ-حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ - رَّضِيَ اللّهُ تَعالى عَنْهُ-يُرسلُ له ويسألهُ، "أنت صاحب سِرّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المُنافقين، فهل ترى عليّ أثرًا من آثارِ النَفاق؟"، كان يسأل دائِمًا، وكان إذا تخلّفَ حُذَيْفَةَ- رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُ- عن الصلاةِ على جنازة توجّس عُمرُ خِيفة، وبعثَ يَسأل، وذلك ليقتدي بهِ فيما عَلِمهُ في هذا الباب. فإذا كانَ هذا حالُ أميرُ المؤمنين عُمَرَ - رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُ- يَبحثُ عمن يُعرفهُ بعيوب نفسه، فكيف بنا نحنُ معشر الأحبة!؟ وذات يومٍ أكثرّ وألحّ على حُذَيْفَةَ ، يسألهُ "هل سماني رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيهم؟ مع أنهُ مبشرٌ بالجنة، ومع ذلك كان يسعى إلى السموّ بنفسِهِ- رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُ-" قَالَ: لَا، وَلا أُحدث بَعْدَكَ أَحَدًا أَبَدًا،-رَّضِيَ اللّهُ عَنْهم-، فمُصاحبة أهل الخير، الصادقين الناصحين تُبصّرُ الإنسان بعيوبِ نَفِسِهِ، إذا رأى عليك شيئًا ابتدأك إذا لم تسألهُ، أما إن سألتهُ أخلص لك النصيحة، ولا يُداهِنك ويُجاملك في هذا، واحذروا مُصاحبة المُداهِن، الذي لا يُريك إلا الثناء، لا يُسمعُك إلا الثناء ولا يُريك إلا أنك أصلحَ الناس، هذا لا تَستَفيد من صُحبته، ولذلك مما يُذكر في هذا عن داوود الطائي -رحمه الله- العابد الزاهِد العالم الورع، لما َتركَ بعض أصحابهِ وانعزل عنهم قالوا لهُ :"لم تركت مُخالطتهم؟"، قال:" ما أصنعُ بمصاحبةِ من يُداهنني ولا يُخبرني بعيوبي؟". فالذي لا يُخبرك بعيوبك إن رآها عليك ولا ينصحُ لك إن سألتهُ، هذا لا خير فيه، وهذا اليوم عزيزٌ في الناس، بل أعزّ منه أن يطلب الإنسان من أخيه أن يُبيّنَ لهُ عيبهُ إن رآهُ عليه. لا يعترف أحد بأن لهُ عُيوب، وما أكثر عُيوبنا، ورحم الله من أهدى إلينا عُيوبنا، فهذا هو الناصح وهو المُحِب وهو المُشفق، وكثيٌر من الناس اليوم لا يرون هذا فيه، والذي يدُلك ويُبصّرك بعيب نفسك هو المحب لك وهو الناصحُ لك وهو الصادقُ معك في أُخوّته، أما المُداهِن فاحذره ولا تقترب منه.
- الأمرُ الثالث: الذي يُعرف به عيوب النفس سماعَ الّناس، وما يقولونهُ فيك أو في غيرك، فما ذكروه فيك من سيّئ الأخلاق، فيجب عليك أن تأخذ نفسك بالبُعدِ عنه، ولو كانوا خصوُمًا، وما ذكروهُ في غيركَ من سيّئ الأخلاقِ، وخبيثِ الطّباعِ، والأعمال فيجب عليك أن تأخذ نفسك بالبُعد عنه، وما ذكروه في غيركَ أو فيكَ من الخير فيجبُ عليك أن تستزيد منهُ وأن تثبت عليه، سواءً كان القائل لهذا صديق أو عدّو، والعدّو الغالبُ في هذا الجانب يُفيدك، وكم استفاد العاقلُ من عدوٍ مُشاحِن، مالم يَستَفدهُ من صديقٍ مُداهن، وهذا كلامُ أهل العلِم ماهو كلامي، كم استفاد العاقل من كلام عدو مُشاحن مالم يستفدهُ من صديقٍ مُداهن. ولهذا قيلَ في هذا المعنى البيت الذي تعرفون:
|
وعينُ الرِّضا عن كلَّ عيبٍ كَليلةٌ |
وَلَكِنَّ عَينَ السُّخْطِ تُبْدي المَسَاوِيَا |
فالذيّ يريد أن ينتقد يقع على المساوي، والعاقل هو الذي ينتفع من إنتقادِ الناقِدِ ولو كان حاسِدًا فيُصلِحُ نفسهُ، ولا يضرهُ حسد الحاسِد، فالعاقِلُ يستفيد من هنا والحاسِدُ -وإن ذكرهُ على غير الإفادةِ لك، وربما أثمّ بذكرهِ - إلا أنهُ مُحسنٌ إليك من حيثُ لا يشعُر، فتستفيدُ من كلامِ الحاسِد المُشاحِن، يعني صاحب الشحناء والعداوة والبغضاء ربما تستفيدُ ما لم تستفدهُ من صديقٍ مُداهن.
- الرابع: المُخالطة للناس، فإن الذي ينعزلُ عن الناس لا يستفيد، وأما الذي يُخالط الناس فهذا هو الذي يستفيد، ويجب أن تكون المُخالطة على وفق ما يُريدُهُ الله - تَبّارَكَ وتَعّالى- وسُنّهُ لنا رَسُولُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-فلا تُخالط الناس وتُعامِلهم بما يُريدون، وإنما خالطهم وعامِلهم بما يُريدُهُ الله منك، وأمَرَك به، ويُرِيدهُ رَسُولُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأمَركّ به، فإذا خالطتهم عرفتَ الشرّ وعرفتَ الخير، فتبتعدُ عن الشّرِ بجميعِ أنواعِهِ وأصنافهِ، وتأتي الخيّر بجميعِ أنواعِهِ وأصنافه، ومما يُذكر في الإسرائِيليات، وقد قال رَسُولُنا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- :"حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ" جاء عن عيسى بن مريم - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يُروى ويُعزى إليه، أنهُ قيل له:" من أدّبك؟" قال:" لم يُؤدبني أحد، لكني رأيتُ جهل الجاهِل فرأيتُ الجهل شينٌ، فاجتنبتُهُ، "فهذا بسبب أيش؟ المُخالطة، فإذا خالطت الناس رأيت سَفهَ السّفيه، رأيت جهل الجاهِل، رأيت ظُلم الظالِم، وسمعت كلام الناسِ فيهم، أخذتَ نفسك بالبُعدِ عنه، وعلى العكس أيضًا سمعتَ كلام الناسِ في ثنائهم على الصالح وسمعتَ كلامهم في الإشادةِ بهِ وذكره، والدُعاءِ له، وإعلاءِ شأنهِ ومنزلتهِ، سعيتَ لأن تكون مثل هذا، فتأخذ نفسك بذلك.
فهذهِ أربعةُ أسباب ذكرها بعض أهل العلم، وأزيد عليها أيضًا ﻷهل العلم والطلب، القراءة في سِيّر الأسلاف الصالحين، فإنَّ القراءة في سِيّر الأسلاف الصالحين تُظهر للعبد تقصيره وعيوب نفسه، فإذا قرأ تراجم أصحاب صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-ورَّضِيَ اللّهُ عَنْهُم -، وقرأ أخبار التابعين العُلماء والعُبّاد والصُلَحاء والزُهاّد والمُجاهِدين، وهكذا أتبّاعَ التابعين، وهكذا أصحاب القرون المُفضلّة، في القرون التي ذكرهاالنَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قرون الخيرية، إذا رأى صفات هؤلاء في الطروس، تأدّبت النفوس.
وأسأل الله -جَلَّ وَعَلا- بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن ينفعنا وإياكم جميعًا بما علمنا وأن يعلمنا ما يَنفعنا، وأن يُثبتنا وإياكم على الحقّ والهُدى حتى نلقاه، كما أسأله-سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-أن يُعيننا على إصلاح نفوسنا إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.
السؤال اﻷول:
هذا يقول: شيخنا وفقك الله.
وإياك.
أُشهد الله أنَّا نُحبكم في الله.
أحبك الله الذي أحببتنا فيه، ثم يقول: سلام عليك.
وأقول: عليك السلام ورحمة الله وبركاته.
سؤاله يقول: لما أتذكر الموت والنار وعذاب القبر، فإن قلبي لا يتأثر، فهل من نصيحة؟
الجواب:
النصيحة ابحث عن اﻷسباب في مرض قلبك، ابحث عنها، النَّبِيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-يقول: "كَفَى بِالْمَوْتِ وَاعِظًا"، وإذا ذُكرت النار لانَت قُلوب الجَبابرة، وإذا ذُكر الموت لانت قلوب الجبابرة، وإذا ذُكر عذاب القبر لانت قلوب الجبابرة، وإن كان ذلك التأثر وقتيًّا، لكنّه يحصل، فإذا كان لا يحصل هذا عندك فعليك أيها السائل أن تبحث عن اﻷسباب المانعة التي منعت من هذا التَأثّر، وما أظن بعد الموت وعذاب القبر وذكر النار من شيء سيؤثر في قلب العبد، إذا كان القلب حيًّا.
السؤال الثاني:
وهذا يسأل: عن ما يُنسب إلى شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- من قوله بفناء النار.
الجواب:
المعروف أنّ هذا كلام ابن القيّم -رحمه الله تعالى- وله فيه هذا قولان، وقد رجع عنه -رحمه الله- فالنار والجنة لا تفنيان.
والنَّارُ حَقٌّ وَجَنَّاتُ النَّعِيمِ وَلَا نَقُولُ تَفْنَى وَلَا ذَا اﻵْنَ تُفْتَقَدُ
فَذِي لِأَعْدَائِهِ قَدْ أُرْصِدَتْ أَبَدًا وَذِي لِأَحْبَابِهِ وَالْكُلُّ قَدْ خَلَدُوا
السؤال الثالث:
هذا يقول: هل القولُ بأنَّ من أخطأ علنًا يُرَدُّ عليه علنًا على إطلاق؟ أو أنَّ هناك أحوالًا؟
الجواب:
من أخطأ أمام العامّة يُبيّن له، فَإِن رَجَع عَنه وإلا رُدَّ على خطئه أمام العامّة، إذ مصلحة العامة مقدمة على مصلحة الخاصّة، والرد عليه أمام العامة نصيحة له، فإِنِ انتفع فالحمد لله، وإلا نُصِحَ للناس حتى لا يغتّروا به، وأما الوُلاة فلا، الوُلاة إذا أخطأوا فنحن مزمومون بزمام النص، النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ نَصِيحَةٌ لِذِي سُلْطَان فَلَا يُبْدِهِ عَلَانِيَة" فَلفظة (عَلَن) موجودة بحروفها، لا يجوز، ﻷنَّ هذا مما يثير النفوس على وُلاة أمر المسلمين، إلا إذا كان عنده وتستطيع أن تُنكر عليهِ إذا وقعَ في المُنكّر فتوَكّل على الله، لا تكن كمن قالَ فيهِ القائِل:
|
وَإذا ما خَلا الجَبَانُ بأرْضٍ |
طَلَبَ الطّعْنَ وَحدَهُ وَالنّزَالا |
لأنه بعيد يتكلم أما إذا وَصَلَ عنده ارتَجَف، لا، فإنَّ رَسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ". فإذا كنت عنده وتستطيع فنعم، إذا وقعَ في مُنكرٍ علنًا أمام الناس كما في حديث أبي سعيد في الصحيح، أما هذا فقد أدّى الذي عليه لمّا أنكّر في مسألة الخُطبة وتقديمها في العيد على المرواني فإذا كُنت كذلك توكل على الله، أما أن تنشُر معايب الولاة في المجامع، مجامع الناس، وفي الصحف والإعلام هذا غلط، هذا خلافُ هديّ رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويجب على من فعل هذا أن يتوب منه، ولا يتأول لنفسه، العاقِل هو الذي يزّم نفسه بزمام النصّ، وإذا جاءهُ كلامُ الله، وكلام رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الرأس والعين.
هكذا كانَ أصحابُ رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وهكذا كانَ التابعون- رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُم -وهكذا أئمة الهُدى- رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُم-واليوم بعض الناس إذا أخطأ في مثل هذا الباب وأمثاله تقول له، يتأوّل لِئَلا يقول عن نفسه أخطأ، أخطأت وماذا فيها؟ إذا كُنتُ أجهل النصّ أو خالفتُ الصريح الصحيح، ما أبردها على قلبي أن أقول أخطأت، وتبرأ بهذا ذمتُك، تسلّم من تبعة الناس، فإنّ الناس أجناس فمنهم الجاهِل وربما المتعصّب لك يُقلِدُك في الحقّ والباطِل فيزِل بزلتِك أقوام ويضلّ بضلالِك فئام.
فالواجِب علينا جميعًا أن ننطلق من هذا المُنطلَق، وذلك لأنَّ هؤلاء الوُلاة لهُم في نفوس الناس هيبة وحُرمة ومكانة فإذا انتُزعت من قلوب الناس اجتُرئ عليهم، وإذا اجترئ عليهم اختّلَ نظامُ العقد وحينئذٍ يحصل الشر، نسألُ الله العافية والسلامة.
السؤال الرابِع:
هذا يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.
في بلدي بريطانيا يُوجَد مسجِد يُصلي الإمام إلى جهة القبلَة والمُصلين خلفهُ لا يتوجهون إلى القبلَة، فهل عليّ أن أفعل مثل الإمام أم المُصلين؟
الجواب:
يجب على هؤلاء المُصلين أن يتّجهوا إلى القبلَة، والذي لا يُصلي إلى القبلَة صلاتهُ باطِلة، وهنا عليهم أيضًا أن يتبعوا إمامهم فيتجهوا هم أيضًا إلى القبلة، فإذا لم يحصُل ذلك فأنتَ لا تُتابعهم وإنما تُتابِع الإمام لأنَّ هذا مما فرضهُ الله-تباركَ وتعالى- عليك.
|
استقبلَ العين قريبٌ والجهة |
يجعلنا إن نحوها توجها |
فالبعيد يتجه إلى الجهة والقريب من كان بالمسجد الحرام فلا يتجه إلا إلى الكعبةِ.
نكتفي بهذا القدر إذ جاوزنا النصف ساعة بقرابةِ نصف دقيقة وهذا الذي كنت قد حددتهُ والتزمتهُ على نفسي واللهُ أعلم، وصلى وسلم وبارك على عبدهِ رسوله نبينا محمد وعلى آلهِ وأصحابهِ.