الشيخ: الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذه الجلسة وجلسات أُخرى بعدها - إن شاء الله- سيكونُ الحديث معكم فيما تضمَّنَهُ قوله - جلَّ وعلا-: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ﴾ [المائدة:٦] الآية، هذه الآية معروفةٌ آيَة الْوُضُوء وكذلك آيَةِ التَّيَمُّم لما سَيُذكرُ بعد - إن شاء الله تعالى-، وقد ضَمَّنَها الحقُّ - جلَّ وعلا- أربعةَ أُمور:
- الأمر الأول: الطَّهارة الصُّغرى؛ وهو الْوُضُوء.
- الثّاني: الطَّهارة الكبرى؛ وهي الغُسْل.
- والثالث: ما يقومُ مقام الطَّهارتين، ويُبيحُ للمسلم الصلاة؛ وهذا هو التَّيمُّم.
- الأمر الرابع: الحِكْمة مِن مشروعيَّة التَّيمُّم عند عدمِ الماء، وأن الله أراد بذلك رفع الحرج عن هذه الأُمّة.
- وثَمَّة أمرٌ خامس: وهو عِلَّة مشروعيَّة هذه الأمور، وهذا في قوله تعالى:﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾، هذا ما تضمَّنته الآية إجمالًا، وسيكون التَّفصيل - إن شاء الله- بعد، حسْبَ ما يتَّسِع له الوقت.
وجلسة اليوم هي في الأمر الأول الذي قدَّمنا أنَّه الطَّهارةُ الصغرى؛ يعني الوُضُوء.
هذا النِّداءُ الإلٰهي لَهُ حِكَم عظيمة - أعني-:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾،إحداها: وجهُ تخصيص أهل الإيمان بهذا النِّداء؛ فالحِكمةُ في ذلك أنَّهم هم أهلُ الانتفاع بما يسمعون من خطاب الله - جَلَّ وَعَلا- فيما أَوحاهُ إلى نبِيِّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وسواء كان ذلكم الوحي آية من كتاب الله، أو سُنَّة عن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فهذا وذاك كلاهما وحيُّ الله إلى رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهذا هو ما نَبَّهَ الله إليه عِبادَه في مواضعَ من كتابه، ودعاهم إلى الاستجابة له، قال تعالى: ﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾،[النجم:٣-٤]، وقال تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [الحشر: 7]، وقالَ تعالى: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي﴾ [ آل عمران 31].
الثانية: التحريض على الإصغاء إلى ما بدأ هذا النداء، ما هو؟ نادى اللهُ عِبادهُ بإسم هو أحبُ الأسماءِ إليهم، وصفة هي أحبُ صفاتهم إليهم، فماذا بعده؟
هذا عَبَّر عنهُ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُ- وهو أحد الرجال الذين لم يُجاوزوا عشر آياتٍ من رسولِ اللهِ - صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى يتعلَّموا معناها والعملَ بِها، قال - رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُ- : " إذا سمعت يا أيُها القُرآن فأصغ لها سَمْعَكَ فَإمَّا خَيرٌ تُأمَرُ بهِ وإما شَرٌّ تُنهى عَنْه"،وهذا دليلٌ على عُمقِهِ - رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُ- وفطّنته وكياسته، وبصيرتهِ العميقة بالخطاب، بخطابِ الله لعبادهِ، - جَلَّ وَعَلا- فالذي يتأمل هذه النِداءات " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا"، وهي تزيدُ على ثمانين موضعًا، يجد ما قالهُ ابْنُ مَسْعُودٍ- رضِيَ اللّهُ عَنْهُ - ظاهرًا جليا، فَمِنَ الأوامر ما تضّمنتهُ الأية، وقد تَلَونا عليكم ما يتعلقُ بالوضوء.
ومن النواهي، قولهُ تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا ﴾ [البقرة 104] الآية.
فبان بهذا؛ أن أهل الإيمان، وأخلصُ الناسِ إيمانًا بالله وبما جاء عنهُ هم أهلُ السُّنة، أكثرُ الناسِ حظًّا بالقرآن ، وأبصرهُم تَدَبُّرًا لما تضمنّهُ من أمر ونهي، ووعدٍ ووعيد وقصص وخبر وحُكم، لأنهم هم صفوةُ عبادِ الله، وهم صفوةُ أتباعِ محمدٍ - صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وثَمَّةَ حِكمةٌ ثالثة؛ وهي أن من نُودي بأحبِ الأسماءِ إليهِ أو أحب الصفات إليهِ يكون أسرع، أسرع استجابة، وأسرع تنبهًا وأكثر إصغاءً لما يُخاطبُ به، فإذا تقرَّر هذا؛ فهذه الآيةُ الكريمة تَضَمَنّت إجمالًا فرائض الوضوء الأربعة، وهي غَسْلُ الْوَجْهِ ، وَاليَدين إلى الِمرفَقَين، ومسْح الرَّأس وغَسل الرِّجْلَيْن إِلَى الْكَعْبَيْنِ، هذا هو الوضوء الذي لا تصحُّ الصلاةُ مع القُدرةِ عليه إلا به، ولا يصحّ التطهُرُ لهُ إلا بالماء، فغير الماء من المائعات لا يصح التَّطهر به كالزيت وغير ذلك، وهذا مبسوطٌ في كُتب الأحكام.
هذه الفروض الكلام عليها من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: بيان ذِكرُ ما بَيَّنتهُ السُّنّة، وذُكرِت في هذه الآية إجمالًا وبَيّنَت السُّنّة، جَاء بيانها في السُّنّة الصَحيحه عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-.
الثاني: فيما زادته من فروض على هذه الآية السُّنّة الصحيحة عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- وهما التَّرْتِيبُ وَالْمُوَالاَةُ، فَتُصبحُ فُروض الوُضُوء سِتَّة، وَهي غَسْلُ الوجْهِ، وَغَسْل اليَدَين إِلَى المرفقين ومَسَحَ الرَأْس وَغَسْل الرجلين إِلَى الْكَعْبَيْنِ والتَّرْتِيبُ وَالْمُوَالاَة، وسيأتي بَسط كلٍّ في موضعه - إن شاء الله تعالى-.
فالفرض الأول: هو غَسل الوَجه، وَالوَجه مأخوذٌ من المواجهة، وهو كلُّ شيءٍ بِحَسَبه، فَيُقال وَجهُ الدَار، وَجه الدَابّة وَهكذا، والمُراد بِه هُنا من الإِنسان طولًا من مَنابِت شَعر الرأَس إلى ما انحَدر مِن الذِّقن يَعني العَظم الذي بين الفَكَّين، وَعرضًا من الأذن إلى الأذن هذا هو الوَجه فَيدخل فيه الجبهة، وَمنابت شَعر الرأس أمرٌ عُرفي، لأنَّ بعض الناس أَصلَع، أو أصلع بعض الرأس، لكن ما هو مُتعارَف عليه ومشهور بين عوام الناس، وهو في الغالب يكون فيه شعر.
زِيدَ في السُّنّة على هذا وعُدَّ من غَسل الوَجه؛ المَضمَضة والاسْتِنْشَاقِ صَحَّ كلاهما عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقوله وبفعله، فكان كُل ما توضأَ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ولهذا فإن أرجح الأقوال وجوب المَضْمَضَة والاسْتِنْشَاقِ، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:"قَالَ أَسْبِغْ الْوُضُوءَ وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا" أَخْرَجَهُ َأَبُو دَاوُدَ من حديث لَقِيط بن صَبِرَة - رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُ- وفي رواية " فإِذَا تَوَضَّأَت فَمَضْمَضَ" والمضمضة ثابتةٌ كما قدمنا عن النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمسلم مُخَيَّرٌ بالنسبة للمضمضة والاسْتِنْشَاقِ ، فإن شاء بدأ بهما قبل الوجة وهذا هو المشهورر بين الناس، وأكثر ما جاءت به السُّنّة الصحيحة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإن شاء بدأ بغسل الوجه وأخّرهما وهذا كذلك صحيح عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلا معارضة فالأمرُ فيهما على التخيير من حيثُ البدءُ بهما قبل الوجه أو تأخيرهُما.
الثاني: غَسْلُ الْيَدَيْن إِلَى الْمِرْفَقَيْن:
فالْمِرْفَق: هو الموضع اللين الرقيق الذي يفصل بين الذراع والعضد، لعله سُمِّي مرفقًا لرقتّه في الجسم، والله أعلم.
وهنا في اﻵية قال وكذلك السُنّة إِلَى الْمِرْفَقَيْن ، فما معنى (إِلَى)؟ هذا مُجمَل، ف (إِلَى) لها معنيان :- أحدهما: الغائية أو الغائي، والثاني: المعية.
فإذا فَسَّرنا (إِلَى) بحرف الغاية، فلا يدخل الْمِرْفَقَان في اليدان، يغسل إِلَى الْمِرْفَقَيْن ويخرجهما، وإذا فَسَّرناها بأنها للمعيّة، وجب إدخال الْمِرْفَقَيْن مع اليدين في الغسل، وهذا هو الصواب كما ستعلمون بعدُ - إن شاء الله-.
الثالث: مَسْحُ الرَّأْسْ:
الحقُّ - جَلَّ وَعَلا- أَمَرَ كُلُّ قائم إِلَى الصَّلَاةِ حين يتوضأ أن يمسح رأسه، لكن كم وكيف؟ فهو مجمل الوصف والعدد، فبَيَّنتّه السُّنّة الصَحيحة عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ - رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُ -، ذَكَرَ كيفية وضوء النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنه بدء أَدْخَلَ يَدَهُ في الإِناء، فَمَسَحَ رَأسِهِ، فبدأ بِمُقَدَّمِتهِ إلى قَفَاهُ، ثُمَّ عَادَ إِلَى مُقَدَّمِتهِ هكذا، هذا هو مَسحُ الرأس، فَزالَ الإجمال وَصْفًا وعددًا، فالوصف يعني الكيفية، والعدد أن المسح مرةً واحدة، وكان قبل هذه السُّنّة يحتمل أن المُراد بعض الرأس، كما هو مذهب أبي حنيفة - رحمه الله- ومن وافقه، ويُحتَمل مسح الرأس كله، فكان فصل النزاع فيما صَحَّ عن النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
الرابع: غَسْلُ الرِجْلَينِ إلَى الكَعْبين:-
والكَعْبَان: تثنيةُ كَعْبْ وهما العظمان البارزان الواقعان في نهاية السَّاقّ من جِهَة القَدَم، يفصل لهما نهاية الساق من جهة القدم، وهذا معروف، والسؤال كما سبق، ما معنى (إِلَى) هنا؟ هل هي للغاية أو للمعيَّة؟
تحتمل الوجهين كما سبق في الْمِرْفَقَيْن، فمن قال إنها للمعية أدخل غسل الكعبين في الرجلين أو مع الرجلين، ومن قال للغاية غَسَلَ إلى حد الكعبين، والصواب الأول، ودليلُ هذا وما سبق في الْمِرْفَقَيْن ، ما أخرجه مُسلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أنّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-((تَوَضَّأَ فغَسَلَ يَدَيْه حَتَّى أَشْرَعَ فِي الْعَضُدِين، وَغَسَلَ رِجْلَيهُ حَتَّى أَشْرَعَ فِي السّاقين)) فَبانَ بهذا أن إلى لماذا بارك الله فيكم؟ نعم؟
للمعيّة. نعم.
بقي ما زِيدَ في السُنّة على ما سمعتم غير مما تقدم أيضًا، منها مَسحُ الْأُذُنَيْنِ مع الرَّأْسَ وكيفية ذلك أَنْ يُدْخِلَ السَبَّابَتَيْن أن يَمْسَحَ بَاطِنَ الْأُذُنَيْنِ بالسَبَّابَتَيْن وظاهرهما بالإبهامين, وَيَمْسَح مع ذلك الصدغين, نعم وهو ما ينتهي إليه الخدّ نهاية الخدّ.
كذلك زِيدَ في السُّنّة - تخليل الأصابع كما سمعتم من حَديث لَقِيط بن صَبِرَة - رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُ- تَّخْلِيلُ الأَصابِع، أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ.
ثالثا: زِيدَ في السُّنّة غَسْلُ الكَفَّيْن قبل البدء في الوضوء فما تَوَضَّأَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلا بعدَ غَسلِ كفيه قبل إدخالهما في الإناء ويَتأَكدُ هذا عندَ القيام من النوم، من نوم الليل.
زِيدَ كذلك من الأمور التي صَحّت بها السُّنّة بزيادة على ما تقدّم وهي ضمن صفات الغسل، وهو عند العامة أنَّ الَمضْمَضَة والِاسْتِنْشَاقِوغسل الوجه، وغسل اليدين، وغسل الرجلين ثَلاثَ مَرَّاتٍ ، والذي صحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه تَوَضَّأَ فَغَسَلَ مَرّة، وَغَسَلَمَرَّتَيْنِ، وَغَسَلَ ثَلاثَا ولم يزد على ذلك, فالواجب غَسْلَة وَاحِدة في كلٍّ من الوَجْهُ ومعه الَمضْمَضَة والِاسْتِنْشَاقِ واليدين والرِّجلين، الواجب واحدة، ولهذا قال أهل العلم يجب في الوضوء ثلاثة أمور:
الأول: النيّة؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "إِنَّمَا الأعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ "وفي روايه " العَمَلُ بِالنيّه" الحديث أخرجه الشيخان من حديثعُمَرَ بن الخَطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-.
الثاني: الْغَسْل مرةً واحدة، وما زاد على ذلك كما سمعتم مرةً واحدة.
الثالث: التسمية مع الذِّكر فالتسمية في الوضوء واجبة ويسمِّي المرء حيث ذكرها وإذا نَسِيَ فلا شيء عليه، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: " لا صَلاةَ لِمَنْ لا وُضُوءَ لَهُ ، وَلا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ " أَخْرَجَه ابن ماجه وصححه الألباني - رحمه الله -.
الفرض الخامس: التَّرْتِيبُ، وهذا هو مذهب جمهور الأئمة، ويدلُّ لهُ فِعلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإنه ما توضأ فيما توقفنا عليه في سنته إلا مُرتِّبًا وضوءه، عدا ما ذكرناه لكم في الَمضْمَضَةوالِاسْتِنْشَاقِ.
السادس: الْمُوَالاَةُ, وَالْمُوَالاَةُ عرَّفها أهلُ العِلم؛ وهي أنهُ لا يُؤخِّرُ عُضوًا حتى ينشف الذي قبلهُ، فلا يجوز الفصلُ بين عضوين إلا لأمرٍ اضطراري كأن ينتثرُ الماء، فيذهب ليأتي بالماء ليغسل، أو يحصل عليهِ أمر كشِدَّة سُعال، أو عُطاس، يُشغِلهُ عن هذا، وأما الفاصل الاختياري البسيط مثل أن يقوم للسلام على قادمٍ عليه، ثم يجلس ويُتابع وضوءه، فهذا لا بأس بِهِ - إن شاءُ اللهُ تعالى-، أما إذا طال الفاصِل الإختياري، على العُرف وما يُحتاجُ إليه فإن الوضوء باطل، لاختلالِ فرضٍ من فروضهِ وهو"الْمُوَالاَةُ"، ويُستدلُّ لهذا ما رواهُ خالدُ بن معدان - رحمهُ الله- عن بعض الصحابة - رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُم- أنّ النَّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى رجلًا في ظاهِر قدمهِ لُمعة - يعني بياضًا- لم يُصبها الماء فأمرهُ بإعادةِ الوضوءِ والصلاة.
هذا نراهُ كافيًا في هذه الجلسة، ونُتابعُ في هذه الآيةِ الكريمة - إن شاء الله- الحديث معكم بما يفتحُ الله بهِ علينا، وصلى اللهُ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبهِ أجمعين.
والآن الأسئِلة يا شيخ عبد الواحد.
أحسن اللهُ إليكم شيخنا، وبارك فيكم وفي علمكم ونفع بكم الإسلام والمسلمين.
السؤال الأول:
السؤال الأول في هذا اللقاء،يقول السائِل: هل صحيح بأن الوضوء كان واجبًا لكُلِ صلاة، ثُم نُسخ عام الفتح؟
الجواب:
نَبَّهني السؤال إلى أمرٍ نسيتُه، وهو يتضمَّنُ شيئين:
الشيء الأول: أن عُموم هذهِ الآية يُوجب الوضوء لِكُلِ صلاة، وصيغة العموم الشَرطيّة هُنا، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾ [ المائدة 6] الآية ،هذا هو مُقتضى خطاب الله عبادهُ بهذه الآية، لكن هذا العموم لم يَبْقَ على إطلاقِه، بل قيَّدتهُ السُّنة الصحيحة، وهذا هوالشيء الثاني: وأعني بهِ حديث أَبِي هُرَيْرَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عن النَّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حتى يتوضأ" فهذا الحديثُ فيهِ فائِدتان:
إحداهُما: بمنطوقه، وهو تقيد عموم الآية، فيصيرُ الوضوء ليس لكلِّ صلاة بل مُقيدًا بالحَدَث.
الثانية: مفهومٌ؛ وهي أنهُ يسوغُ للمرء أن يُصلِّي صلواتٍ عده بوضوءٍ واحد مالم يُحدِث، والسائِلُ يُشير إلى حديثٍ عن عُمر-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أو غيره أن رسول اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- صَلَّى عام الفتح صلواتٍ بوضوءٍ واحد، الحديث، فالنسخُ ليس ظاهِرًا هنا أبدًا ، كُل ما في الأمر أن الصّحابي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رأى من النًّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمرًا استغربهُ وهو أنهُ صَلَّى صلواتٍ عدة بوضوءٍ واحِد، هذا لا يدُلُ على النسخ، بحدِّ ذاته.
السؤال الثاني:
بارك الله فيكم شيخنا، السؤال الثاني، يقول السائل: ما حُكم قرأة سورة الكهفِ يوم الجُمعة؟ هل ثبتت قراءة سورة الكهف يوم الجمعة؟
الجواب:
هذا صحيح، عن النَّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذا من فضائِلها.
السؤال الثالث:
بارك الله فيكم السؤال الثالث، يقول: هل للمُعتَدّة أن تعود قريبة لها مريضة؟
الجواب:
هذا مُجمَل، هل يعني السائل المُعتدّة في الطلاق أو من الوفاة، فإن كانت من الطلاق فلا بأس، أما إن كانت العِدّة عدة الوفاة فلا تخرج من بيتها، والآن الهاتف يكفي - ولله الحمد- يمكنها أن تُكلِّم قريبتها بالهاتف ويكفي، نعم إن كانت أمها في حالة خطر فأرجو أنه لا بأس بذلك - إن شاء الله تعالى-.
السؤال الرابع:
بارك الله فيكم شيخنا، السؤال الرابع يقول: أعطى شخص لفقير زكاة ماله أو كلّف أحد المسلمين بإخراج زكاته فأعطاها لهذا الفقير؛ هل يجوز أن يقول وينشر بين الناس أنه أحسن إليه وأعطاه كذا وكذا علمًا أن هذا الفعل آذى كثيرًا هذا الأخ؟
الجواب:
الواجب على المسلم أن لا يُتبعَ صدقته بمنٍّ أو أذى سواءً كانت الصدقة منه أصالة أو وكالة، هذا نهى الله - سبحانه وتعالى- عنه بقوله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى﴾[البقرة:264]، لكن إذا كان هناك أشخاص خواصٌّ له، ويُريد أن يُلفتَ نَظرهُم إليه فقال إنّ فُلان محتاج ولهذا هو أعطاه من مال الله، فلا بأس وأنا قلت أشخاص خواص قِلّة، أما أن يُشيع هذا في المسجد أمام الناس فلا، لكن لا مانع بأن يُشهر في المسجد بأن حول المسجد بيوت فُقراء لا يعلمهم كثير من الناس، سيسألونه ويدلّهم، كما أنه أيضًا من هذا القاعدة أنَّ الإسرار بالصدقة أفضل، لكن إذا ترجَّحت مصلحة في إظهارها فهو أفضل من الإسرار بها، مثال ذلك: أن يرى رجل أهل بيت لا يعرفهم الناس لتعفُّفهم فأتى جهرةً أمام من يراهم من الناس فطرق الباب عليهم فأعطاهم ما يَسَّر الله، هذا أفضل من الاسرار، لماذا؟
لأنه بإسراره التصدّق عليهم لا يعلمهم أحد لكن لّما جهَرَ علمه من علمهم من الناس.
تابع السؤال الرابع:
بارك الله فيكم شيخنا، وكذلك السائل في سؤال آخر يقول: هل على الذي مَنَّ هذا وتضّرر منه المُحسَن إليه، هل عليه أن يعني يَتحلَّل منه؟
الجواب:
أولًا: عليه التوبة والاستغفار لأنه رَكِب نهيًا، رَكِب مُحرّمًا، والثاني نعم يتحلل من أخيه ويعتذر إليه وعليه ألا يعود إلى هذا، لا معه ولا مع غيره.
السؤال الخامِس:
بارك الله فيكم شيخنا، السؤال الخامس، يقول: فضيلة الشيخ أحسن الله إليكم، امرأة سافرت مسافة تفوق مسافة القصر بدون محرَم؛ فهل يُشرع لها أن تترخص برُخص السفر كالقَصرِ والجمعِ والإفطار أو لا؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
هذا أمرٌ وهذا أمر، فهي آثمة بسفرها هذا إذا لم تكن مُضطرّة، مثال ذلك أن تُطَلَّق طلاقًا بائنًا فلابُدّ لها من الرجوع إلى أهلها، فتُسافر مع أناس مأمونين موثوقين، هذه ضرورة فلا شيء عليها، أمَّا إذا كان بدون ضرورة فهي آثمة لركوبها نهى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلاَّ وَمَعَهَا حُرْمَةٌ" يعني محرَم، وأمَّا القَصر والفِطر في رمضان فتبقى لها هذه الرُّخَص.
السؤال السادس:
بارك الله فيكم شيخنا، السؤال السادِس، يقول: يوجد امرأة متزوجة لديها مشكلة في الرحم، رحمها صغير فمنعوها الأطباء من الحمل خوفًا عليها مِن الضَرر، وقرروا عليها إجراء عملية توسيع للرحِم، ويوجد علاج آخر وهو زرع الرحم، يقول: ما حُكم الشرع في كلا الحالتين؟
الجواب:
أما التوسعة الرحم، فهذا لا مانع منهُ فيما أرى - إن شاء الله تعالى-لأنها هي تُريدُ الإنجاب، والسعي في تحصيل الإنجاب بالنكاح الصحيح مشروعٌ لها وما يتبعُ ذلك، مثل: توسعة الرحم، علاجات أُخرى، وإما الزرع، زرعُ رحم امرأة أخرى فأنا في الحقيقةِ لا أراه لأنَّ المرأة المُتبرعة لا تملكُ رحمها حتى تتبرع به، واللهُ أعلم.
السؤال السابع:
بارك الله فيك شيخنا، السؤال السابِع، يقول: من فاتهُ الركوع الثاني من صلاة الجمعة كيف يُصلي الظُّهر؟ هل يُكمل الصلاة مع الجماعة ثُمَّ يزيدُ أربعا؟ أو ينتظر الجماعة الثانية؟ وجزاكم الله خيرا.
الجواب:
أرى ن يُكبّر مع الإمام ويسجد، يُتِم الصلاة مع إمامه، فإذا فرغَ إمامهُ سَلَّم معه لأنهُ ليس في صلاة، لكنهُ - إن شاء الله- ينال الأجر بما وافقَ فيهِ إمامهُ من الوقوف، القيام ثُمَّ السجود، سجدتين، ثم التشّهد والتسليم مع إمامه ينالُ الأجر- إن شاء الله تعالى- فإذا سَلَّمَ مع إمامه قام وصَلَّى الظهر.
السؤال الثامِن:
بارك الله فيك شيخنا، السؤال الثامِن، يقول: رجلٌ وجد مبلغًا من المال وهو في بلدٍ غيرَ بلدهِ ويخشى إن أعطى المال إلى السلطات هذا البلد أن يأخذوه ولا يُبالوا بصاحبه، فما الذي عليه أن يفعل في هذا المال؟ وجزاكم الله خيرا.
الجواب:
ليس عليهِ إلا هذا، نعم يُسَلِّم المال السلطة المسؤولة مثل بيت المال في المحكمة الشرعية، ثُمَّ بهذا تبرأَ ذمته، لأنهُ هو مجرد خشية فقط وليس عنده دليل، وهذا ليس مانعًا شرعًا.
السؤال التاسع:
بارك الله فيكم شيخنا، هذا السؤال التاسِع، يقول: هناك بعضُ الآباء يصحبونَ أبناءهم الصغار إلى المسجد ويتركونهم يفعلون ما يشاءون ويُشوشونَ على الحضور كالكلام واللعبِ بصوتٍ مرتفع، والشيخ يتكلم؛ فما نصيحتكم باركَ الله فيكم؟
الجواب:
أولًا: يجبُ علينا تعويدُ أبناءنا احترام المساجِد، واحترام المسلمين المُصلين في المساجِد نعودّهم هذا، ونُعَلِّمهم.
ثانيًا: لا نصحب إلا المميزين لأنَّ غير المميز إذا أُطلق يلعب ويعبث ويُشوّش.
نعم إذا كانَ الرجل مُضطرًا، كأن تكون أُم الطفل مريضة أو تُصلي ومعها طفل، فيصحب الصغير معه ولكن عليه أن يضبطه، فإذا كانَ من المحمولين حملهُ، وإذا كانَ ليسَ من المحمولين كأن يكون ابن خمس أو ابن ست يجعلهُ بجواره ولا يُطلقهُ يعبث في المسجد ويُشوِّش على الناس.
السؤال العاشر:
بارك الله فيكم شيخنا، السؤال العاشر في هذا اللقاء، يقول السائل: إنسان أُصيب بحكَّة شديدة في يده، فيتضرَّر من غسلها عند الوضوء؛ فهل يجوز له أن يترك غسل يديه، ويمسح عليها؟
الجواب:
أول مرة قال يد، ثُمَّ قال يدين! إذا كان هذا الضَّرر مُحقَّقًا مُتيقَّنًا، فلا مانع أن يمسح على يديه مسحًا، هذا وُسعه.
السؤال الحادي عشر:
بارك الله فيكم شيخنا، السؤال الحادي عشر، يقول: بعضهم يقول: يصِحُّ مسح الرأس بأي شيء، كالخرقة والخشب وغير ذلك، لإطلاق المسح في الآية؟
الجواب:
عجيب من أين أتى بهذا؟! النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يضع يديه في الإناء، ويمسح بهما رأسه.
السؤال الثاني عشر:
بارك الله فيكم شيخنا، السؤال الثاني عشر، يقول: هل صحيح أن المؤمن والكافر يرى كلاهما الله يوم القيامة، أم أن هذا خاص بالمؤمنين فقط؟ كما دلت الآية:﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ﴾[يونس 26]
الجواب:
أولًا: هذه مسألة مبسوطة في كتب العقائد، وتكلمنا عليها كثيرًا، والخلاصة أن الرؤية في المحشر فيها ثلاثة أقوال، رؤية العباد ربَّهم يوم القيامة في المحشر، فيه ثلاثة أقوال:
الأول: أنَّ هذا خاص بأهل الإيمان، أو نقول: خاص بالمسلمين، الأول خاص بأهل الإيمان، فلا يراه غيرهم، لا كافر ولا منافق.
والثاني: أنه يراهُ المؤمن والمنافق والكافر.
هذه الأقوال، لقاء عام لجميع الناس، جمبع الناس يرَوْنهُ، المؤمن والكافر والمنافق، والثاني: أنه يراه المؤمنون فقط.
والثالث: المسلمون منافقهم ومؤمنهم، قلنا مسلمين؛ لأنهم أهل إيمان في الظاهر، لكن يحتجِب عن أهل الكُفر والنِّفاق، هذه رؤية توبيخ وتعريف كما تشبيه اللِّقاء باللِّقاء، كما يرى المطلوب، المحكوم عليه السُّلطان، الإمام فقط، هي رؤية توبيخ وتعريف، وليست رؤية تكريم، أما رؤية المؤمنين فهي رؤية تكريم.
السؤال الثالث عشر:
بارك الله فيكم شيخنا، السؤال الثالث عشر: يقول السائل: هل يجوز لطالب العلم المبتدئ أن يقتني كتب أهل البدع، بحجَّة أنه إذا أراد أن يُبيِّن لشخص مثلًا، لهم يريهم إياه من كتبهم مستدلًا بفعل بعض العلماء الذين يردُّون على أهل البدع؟
الجواب:
أنت قلت أيها السائل مبتدِئ، والمبتدئ ليس عنده تمييز، وليس عنده أهلية، ليس عنده تمييز بين الغثِّ والسَّمين، وليست عندهُ أهلية بتحرير المسألة، ومن ذلكم الرد على المخالف، هذا تناقض وخطأ فاحش اقتناء كتب أهل البدع، الناس فيه ثلاث أقسام، بناءً على الكتب نفسها:
القسم الأول: كتب المبتدعة، التي ليس فيها إلا بدعة محض، فهذا لا يحِلُّ إلَّا لعالمٍ مُتمَكِّن، ويريد الردّ على المخالفين من كتبهم، من كتب علمائهم.
فمثلًا الرافضة وسائِر المبتدعة، لو نقلنا لهم كلام شيخ الإسلام ابن تيمية - رَحِمَهُ اللهُ- أو كلام تلميذهِ ابن القيم - رَحِمَهُ الله- أو كلام الإمام أحمد - رَحِمَهُ الله- لا يقبلون، لكن حينما يكون الردُّ من كُتُبهم التي سَطَّرها عُلماؤهم هذا يُفحمهم ويُلجِمهم ويخصِمه، ومن أمثلةِ هذا "الكافي"، و"أُصول الكُليمي" أحد أئمة الرافضة.
الثاني: ما كان خليطًا فيهِ سُنة وبدعة، فلا يحِلُ اقتَنائُهُ إلا لعالمٍ كذلك مُتَمَكِّن يُمَيِّزُ بين الصحيح والسقيم، والغثِّ والسمين، فيُفيدُ مما هو مُفيدٌ فيه، ويدعُ الباقي، مثالُ ذلكم "الكشاف للزمخشري" هذا مُفيد في الصرف والبيان والبديع والمعاني، وعندهُ ما عندهُ من الحديث، لكن الرجل مُعتزلي ويدُسُّ اعتزاله، قال بعض أهل العِلم: ( إنّا لنستخرج اعتزاليات الزمخشري بالمناقيش) فهل المبتدئ يستطيع أن يطلع على هذا ؟! لا يدري عن شيئ مبتدئ كيف هذا؟!
الثالث: ما كان صاحِبهُ مبتدعًا، لكن كُتبهُ لا يدُسُّ فيها شيء، كما يقولون مُتعيّش، يُحَقِّق كتاب في الفقه، في كذا، في التفسير، وما له شُغل، ينقُل النصوص ويُقابل كما هو متعارف عليه في عالم التحقيق، فهذا لا مانع من اقتنائِهِ، ولكن الاكتفاء بكُتُبِ أهل السُّنة ودواوينهم أَوْلى وأسلم، وبهذا تعلمون أن المبتدئ لا يحِلُّ له اقتناء كُتب المبتدعة.
وثَمَّة أمر آخر، هل يصحُّ نشرها؟ الجواب: لا يصحُّ نشرها، وقد ابتُلينا بدساسين ينقلون من كُتب المُخالفين ما فيه موافقة، مثل ينقلون من حِكم التعدد لسيد قطب، ينقلون أشياء مثل في برِّ الوالدين، في كذا في كذا، ويقولون هذا الرجل هذا علامة، والرجل عندهُ بلايا وطوام، عندهُ وحدة الوجود، وعندهُ التعطيل، وعندهُ النَّيْل من بعض الأنبياء تطاول على آدم - صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتطاول على موسى - صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في كُتبهِ، أعني في بعض كُتبه، وعندهُ القول بخلق القُرآن، كما هو في كِتاب الظلال والحقيقة هو ليس بظِلاَل هو ضلال، والقُرآن بريءُ منه، الشيخ عبد الله بن أحمد الدويش - رَحِمَهُ الله- استخرج من هذا الكِتاب، كتاب التفسير للرجل، إحدى وثمانين ومِائة خطيئة، في كتابٍ سَمَّاه "المورد العذب الزُّلال" فتفطَّنوا يا معاشِر أهل السُّنة، لا يَغْزُوَنَّكم مسلمون في ثيابِ مبتدعة.
السؤال الرابع عشر:
بارك اللهُ فيكم شيخنا ونفع بكم الإسلام والمُسلمين، السؤال الرابع عشر؛ هل يجوز للأب أن يمنع ابنتهُ من الزواج، بِحُجَّة الدِّراسة؟
الجواب:
لا يحِلُّ لهُ ذلك، قال - صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- :"إذا أتاكُم مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وخُلُقَهُ فَزوجوه" الحديث وهذا لا يقِلُ عن الحسن بمجموعِ طُرقه ، وقد يصحِّحهُ بعضُ أهل العِلم، .فإذا رأى أنها قد بلغت مبلغ النِساء و أتاهُ من يُرضى دينهُ وخُلُقهُ فليعرضهُ عليها، ولا يحِلُّ لهُ أن يمنعها، لكن إذا رفضت هذا شيء يعود عليها هي.
السؤال الخامس عشر:
أحسن اللهُ إليكم شيخنا، السؤال الخامس عشر؛ يقول: هل يجوز رواية الحديث القُدسي بالمعنى ؟
الجواب:
نعم يجوز، الإمام مُسلم -رَحِمَهُ الله- يتصرف في الأحاديث القُدُسية، هذا من أوجه التفريق بين الحديث القُدُسي وبين القُرآن، فالقُرآن متواتر، ومُتعبّدٌ بتلاوتِه، ويجبُ صيانةُ لفظِهِ من التحريف، يعني يجبُ أن يُتلى بلفظِه، ولا يٌتصرفُ فيه، أمَّا الحديثُ القُدُسي، فمنهُ الآحاد، والقُرآنُ كُلُّهُ من اللهِ –عَزّ وَجَلّ- لفظُهُ ومعناه، والحَديثُ القُدسيّ كذلك، لفظُهُ من الله ومعناه كُلُهُ، وأمَّا قولُ بعضهم أن معناهُ من الله ولفظُهُ من النبيّ - صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا خطأ، هذا قول أهل البدع، هُناك فروق أُخرى بُسِطَت في غيرِ هذا الموضع.
القارئ: بارك اللهُ فيكم شيخنا ونفع بكم الإسلام والمسلمين.
الشيخ: وبهذا القدر نكتفي.