جديد الموقع

888577

الجواب: 

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وليُّ الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، قائد الغرِّ المحجَّلين، صلوات الله وسلامه عليه وعلى أصحابه الكرام الطَّيبين الطَّاهرين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيقول الله - جلَّ وعلا-: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ  [التوبة:100]، ويقول- جَلَّ وَعَلا-: ﴿ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا  [الفتح:29].

وقال- جَلَّ وَعَلا-: ﴿ لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴿8﴾ وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿9﴾ وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ﴿10﴾ [الحشر:8-10].

معشرَ الأحبة هذه الآيات التي سمِعْتموها كلها في أصحابَ رسول الله- صلى الله عليه وسلم-- رَّضِيَ اللّهُ تعالى عَنْهُم أجمعين-، كُلُّها تُشيد بهم وتُبيِّن منزلتهم العظيمة في الإسلام، ومكانتهم السَّامية فيه، وتُبيِّنَ شيئًا من مناقِبهم وفضائلهم، وتُبيِّن أيضًا مقَرَّهُم ومرجَعَهُم عند ربِّ العالمين أينَ هو.

أمَّا الآية الأولى في سورةِ التوبة فقد أخبر الله - جلَّ وعلا- فيها بأنه قدرَّضِيَ اللّهُ عَنْهُم ورَضوا عنه، وهذا تعديلٌ ما بعدهُ تعديل، وثناءُ ما بعدهُ ثناء ومدحٌ ما بعدهُ مدح، فإن الله لا يُعَدِّل من كان يعلمُ أنَّه سيرتد، فطوبى لهم-رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُم- بهذه الشهادة، وهنيئًا لهم بها، وهم والله أَهلُها وأحقُّ بها-رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُم-.

أخبرَ الله - جَلَّ وَعَلا- في هذه الآية بأنه رَّضِيَ عَنْهُم- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ومنرَّضِيَ اللّهُ - جَلَّ وَعَلا- عنه فقد حَلَّ في الخير كُلِّه، صغيرهِ وكبيرهِ، ظاهرهِ وباطنه،ِ وأوله وآخرهِ، فهذا الرِّضوان لم يأتي من فراغ، وإنَّما جاء بفضل الله ورحمتِهِ عليهم أولا، وبما بذلوهُ من النُّفوس والمُهَجِ والأموال في نصرة هذا النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثانيًا، ضَحَّوا في سبيل ذلك بالغالي والنفيس قبلَ الهيِّنِ والرَّخيص- رَّضِيَ اللّهُ تعالى عَنْهُم وأرضاهُم-.

أعدَّ الله لهم مغفرةً وأجرًا عظيمًا كما في سورة الفتح، فالله- جلَّ وعلا- قد أعدَّ لهم المغفرة وأعدَّ لهم الأجر العظيم، وجاءت كلمة مغفرةً مُنكَّرةً في سياق الإخبار، لتَعُمَّ جميعَ أنواع الذُّنوب التي قد يُتَصوَّرُ صُدورها منهم، فإنها داخلةٌ في هذه المغفرة، إذْ شرفُ الصُّحْبَةِ والرُّؤيةِ لهذا النَّبِيِّ الكريم لا يَعْدِلُهُ شيء، فرؤية رَسُول اللهِ  صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما قال إمامُ أهلِ السُّنة والجماعة الإمام المُبجَّل أبو عبد الله أحمد بن حنبل - رحمه الله تعالى-: (رؤيَةُ رسول الله ساعة أفضل من كلِّ عملٍ صالحٍ يأتي به) من لم يَرَ هذا النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكيف بهؤلاء الأصحاب الأخيار الكرام الأبرار الذين عاشوا مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم- وعايَشوا التَّنزيل ورأوا الوحي وسمِعوا النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَوهو يُبَيِّنُ أحكام الدين، وقاتلوا معه المشركين والمعاندين والملحدين، الذين قاموا في وجهه وفي وجه هذا الدين، أليس هذا أفضل الشَّرف؟ بلى والله الذي لا إله غيره، وقد نعتهم الله- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-في الكتب السابقة بأفضل النُّعوت، ومنها ما جاء في هذه الآية أن ﴿ مثلهم فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ، ذلكم الزرع الذي بلغ غايته في الجمال، وإظهار ثماره اليانعة يفرحُ بها صاحبه، كل من تَعِبَ في بَذْلِه فإنه يفرحُ به حينما يَصِلُ إلى هذه الدرجة، والكافرُ هو الذي يُبْغِضُهُم، وقد أخذ من هذه الآية جمعٌ من علماء الإسلام الدليل على كُفْرِ من أبغض أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ، هذا مثلهم في التوراة، كثير العبادة - رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُم- مع قلة ذات اليدِ والفاقةِ ينفقون، ومع ضعفِ الأبدان يحملون للسيوف ولأعداء الله وأعداء رسوله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يجاهدون، وإذا ذكَّرهم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- باليوم الآخر والوقوف بين يدي الله إذا هم باكون- رَّضِيَ اللّهُ تعالى عَنْهُم وأرضاهم-، أفيليق بمسلمٍ يحترم نفسه أن يطعن في هؤلاء الأخيار الأبرار؟! لا والله لا يفعل ذلك إلا من سَفِهَ نفسه.

وأمَّا الآيات الأخيرات في سورة الحشر فقد قسَّمَ الله - سبحانه وتعالى- فيها الناس، قسم فيها أصحاب رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى قسمين: مُهَاجِرِينَ وَأَنْصَارِ .

أما الْمُهَاجِرِينَ فمدحهم- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - بأنهم تركوا الأهل والوطن والمال والولد، وخرجوا ينصرون الله ورسوله، وشهد لهم- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -بأنهم صادقون، فمن طعن فيهم فهم زنادقة منافقون.

والصنف الثاني هم الْأَنصَارِ، أنصارُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، هؤلاء في هذه المدينة المشرَّفة المقدَّسة من الأوس والخزرج - رَّضِيَ اللّهُ تعالى عَنْهُمجميعًا- نَصروا رسول اللهصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، تبوَّءوا الدار والإيمان من قبلهم، يُحِبُّون إخوانهم المهاجرين الذين قدموا عليهم، شاطروهم أموالهم ودورهم، وشاركهم في أقواتهم وأرزاقهم، يُؤثِرونهم بذلك على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، وقد زكَّاهم الله - جَلَّ وَعَلا- من الشُّح وشهِدَ لهم بأنهم -رَّضِيَ اللّهُ تعالى عَنْهُم وأرضاهم- بأنهم قد تخلصوا من الشُح والبُخل فأنفقوا في سبيل الله استقبالًا لهؤلاءِ الأخيار الذين قَدِموا مُهَاجِرِينَ ، الأوس والخزرج، محبّتهم عَلَامَةُ الْإِيمَانِ، والطعنُ فيهم وبُغضهم، علامةُ النفاق والزندقةِ والعياذُ بالله، كما صح في الصحيحين، عن رسول اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنهُ قال: ))آيَةُ الإيمانِ حُبُّ الأَنْصارِ، وَآيَةُ النِّفاقِ بُغْضُ الأَنْصارِ((

فهنيئًا لمن أحب هؤلاء، وتعسًا ثم تعسًا، ثم تعسا لمن أبغضهم- رَّضِيَ اللّهُتعالى عَنْهُم- ثم بين حال أوْلى الناسِ بهم، وهم أهلُ الإيمان، وأهلُ الصدقِ والطاعةِ  لهذا النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهم ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ ]الحشر10]

هذه الآيةُ العظيمة شهادةٌ لكُلِ مؤمنٍ سلفي أثري سُنِّي، يُحب أصحاب رسول اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويترحمُ عليهم، ويدعو لهم بالمغفرةِ والرضوان - رَّضِيَ اللّهُ تعالى عَنْهُم- كيف لا، وهم نَقَلةُ القرآنِ والسُنةِ إلينا؟! وهم حملةُ هذا الدين حتى بلَّغوهُ لنا!- رَّضِيَ اللّهُ تعالى عَنْهُم وأرضاهم.

قُبحًا للرافضةِ، قُبحًا للرافضةِ، قُبحًا للرافضة الذين يطعنون في أصحابِ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويُكَفِّرونهم.

قُبحًا للناصبة، قُبحًا للناصبة الذين يبغضون عليًّا وآلِ بيت رسول اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُم- ويُكفرونهم هؤلاءِ ضاقت قُلوبهم، ولم تتسع صُدورهم، ولم يفهموا نصوص الوحي من كتاب الله وسُنةِ رسولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فالروافض زعموا أن الحُب لآل البيت لا يتم إلا ببغض أبي بكر وعُمر وبقيةِ أصحابِ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بل وتكفيرهم، وزعمهم بأنهم قد ارتدوا من بعدِ رسول الله - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهذا تكذيبٌ للهِ - جَلَّ وَعَزّ- إذ كيف يرضى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ويقول:﴿ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَفِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [ التوبة 100] كيف يرضى عمن يعلمُ أنهُ سيرتد بعد موت النّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هؤلاءِ الجهلةُ الحمقى، لنا معهم وقفةٌ وسؤال! نقولُ لهم:

هل تعتقدون وتؤمنون بأن الله يعلم ما كان وما سيكون قبل أن يكون؟

فإن قالوا نعم.

قلنا لهم: إن الله قد رضيَ عنهم، وأخبر بأنهُ أعدّ لهم الجنات، واللهُ- جَلَّ وَعَلا- يعلمُ بداياتِ الأمور وعواقبها، بل يعلمُ الأمور قبل أن تقع - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىفكيف يُنسبُ إليهِ الرضا عن قومٍ وإدخالهِ لهم الجنةِ وهم مُرتدون؟

وإن قالوا إنهُ لا يعلم، فقد كفروا باللهِ إذ نسبوا إليهِ الجهل - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.

وأما النواصب وهم الذين يُبغضون عليًّا - رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُ- وآل بيت رسول اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهؤلاءِ أيضًا جهلةٌ حمقى، إذ كيف يرضى اللهُ عن عليٍّ- رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُ-وكيف يُبَشِّرهُ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالجنةِ وكيف يذكُرُ له الفضائِل العظيمة التي قال فيها الإمامُ أحمد: (لقد ورد لِعَلي - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مِنْ الفَضَائِلِ ما لم يَرِد لغيرهِ من الصحابةِ)- رَضِيَ اللهُ تعالى عَنْهُم جميعا- كيف يُبشرهُ النّبِيُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو المُوحى إليه - صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليه- أتُرون أنهُ جهل أن  عليًا سيرتدّ؟! قبح اللهُ النواصب، من الخوارج ومن مشى على شاكلتهم. 

أيُها الإخوةُ في الله إن محبةَ أصحابِ رسولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دينٌ يُدانُ به، والطعنُ فيهم بل والطعنُ في واحدٍ منهم، زنّدقةٌ مكشوفةٌ يُبغضها الله، ويُبغضها رسولهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-كيف لا وهو القائِل: ((لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي ، لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي ، فلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَامَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيْفَهُ))

((اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي مَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ))، ويقولُ-عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: ((النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِى فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِى مَا يُوعَدُونَ وَأَصْحَابِى أَمَنَةٌ لأُمَّتِى فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِى أَتَى أُمَّتِى مَا يُوعَدُونْ))،كيف يُطعنُ في هؤلاء الأخيار الأبرار- رَّضِيَ اللّهُ تعالى عَنْهُم وأرضاهم-؟!

والله لَسْـتُ بِشِيْعِيٍّ أَخَا دَغَلٍ ... في قَلْبِهِ لِصِحَابِ الْمُصْطَفَىٰ حُقَدُ

كَلاّ وَلاَ نَاصِـبيٍّ ضِدَّ ذٰلِكَ بَلْ ... حُبُّ الصَّحَابَةِ ثُمَّ الآلِ نَعْتَقِدُ

هكذا أهلُ السُنةِ - رحمهم الله- يُحبون أصحاب النّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويبغضون من طعن فيهم، ويزيدون بمزيد المحبة والتعظيم، آل بيتِ رسولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وآلُ بيت النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هم بنو هاشم، وبنو المُطلبِ على القول الصحيح، فإنّ عبد منافٍ لهُ أربعةٌ من الولد، "هاشمٌ والمُطلب وعبدُ شمسٍ و نوفل"، فأما عبدُ شمسٍ فهو جدُّ بنو أُمية، وأمَّا نوفلُ جدّ المُطعِمِ بن عدي، وأما المُطلِّبُ فهو جدُّ عبد المطلب، وأما هاشم فهو جدُّ بني هاشم:

ألَيْسَ أَبُونَا هَاشِمٌ شَدَّ أَزْرَهُ, وَأَوْصَى بَنِيهِ بِالطِّعَانِ وَبِالضَّرْبِ؟

وَلَسْنَا نَمَلُّ الْحَرْبَ حَتَّى تَمَلَّنَا, وَلَا نَشْتَكِي مَا قَدْ يَنُوبُ مِنْ النَّكْبِ.

الذي يطعنُ في أصحابِ رسول اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زنديق، والذي يُدافعُ عنه إما إن يكون مثلهُ  وإن كان جاهلًا عُلِّمّ وإلا كان زنديقًا مثله، فإن المنافقين هم الذين يغصُّون بأصحابِ رسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومن دافَعَ عنهم فهو منهم معشر الأحبةِ في الله.

أسأل الله - سُبحانهُ وتعالى- أن يرزقنا وإياكم جميعًا حُبَّ أصحابِ رسول اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والذبِّ عنهم، والطعنِ فيمن طعن فيهم، والردُّ عليه إنهُ جوادٌ كريم ، وصًلى اللهُ وسلم وبارك على عبدهِ ورسولهِ نبينا محمد وعلى آلهِ وأصحابهِ وأتباعهِ بإحسان. 

 

السؤال الأول:

يقول السائل: شيخنا بارك اللهُ فيكم أينما كُنتم- وإياك- لماذا وصف العُلماء الصحابةِ (بالعُدول) ولم يزيدوا (الضبط)؟

الجواب:

أما وصفهم (بالعدالة) فليس بعد تعديل اللهِ - جَلَّ وَعَلا- لهم أيُّ تعديل، وأما (الضبط) فهم أحفظُ الناسِ على الإطلاق، فإن قرائِحهم سيّالة، وأذهانهم صافية يسمعُ أحدهم القصيدة مائة بيت فيُلقيها مُباشرةً بعد فراغِ قائِلها، وربما أعادها منكوسةً من آخرها إلى أوَّلها، فهم معروفون بهذا فلا يُحتاجُ إليه، ومع هذا كُلِّه فقد كانوا أكثر الناسِ في هذا الباب - باب الرواية- أكثر الناسِ توّقِّيًا وخوفًا من الغلط - رَّضِيَ اللّهُ تعالى عَنْهُم وأرضاهم-، حتى إنَّبعضهم، أقلَّ التحديث بسبب ذلك، فإذا شك في شيءٍ من حديث رسول اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يُحدِّث به، ومن أشهر ما في هذا الباب حديثُ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ - رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ- حين سألهُ ابنهُ عَبْدِ اللَّهِ فقال (عَنَّاني) ، عدمُ تحديثك عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما يُحدُث عنهُ فلانٌ وفلان" فأجابهُ أبوهُ الزُّبَيْرِ- رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُم جميعًا- قائلًا: "يا بني إنهُ كانت لي من هذا النبي وجهٌ ومنزلة، ولكني سمعتهُ يقولُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّار" فهم أغبط الناس-رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُم- وما شكُّوا فيه تركوه- رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُم- فلا يُحتاج إلى هذا أيها الأخ الكريم، ولأن الله جلَّ وعلا- قد أثنى عليهم، ووصفهم بهذا الذي وصفهم به وهو( العدالة)، والعدالة وصفٌ يشمل( الصدقَ والضبط)، العدالة تأتي بهذا وهذا، وهم أهلها- رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُم-.

 

السؤال الثاني:

هذا يسأل يقول: ما الفرق بين حُب الثناء من الخلق، وبين الفرح بثناء المؤمنين الذين هم شهداء الله في الأرض؟

الجواب:

أما حب الثناء فهذا يخشى على صاحبه أن تكون أعماله ليست لله، وقد ثبت في ذلك الحديث، حديث الثلاثة الذين أول ما تُسجَّر بهم النّارِ، أحدهم قَرَأَ القُرْآنَ، والثاني أنفق، والثالث جاهد، فَأُتِيَ بِمن جاهد فقيل: له مَا عَمِلْتَ ؟ قَالَ: جَاهَدت فِيكَ يا رب، فيقول الله له: كَذَبْتَ، تقول له الملائكة: كَذَبْتَ، وإنما قَاتَلْت ليُقَالَ جَرِيءٌ وقَدْ قِيلَ، وهكذا الذي يَتَصَدّق وَيُنفِق، إنما فعل ذلك يقول: أنفقت فيك يا رب، فيقول الله له: كَذَبْتَ ، وتقول له الملائكة: كَذَبْتَ، وهكذا يأتي الثالث الذي قَرَأَ القُرْآنَ فيُعَرِّفه الله كما عَرَّف السابقيْن بنِعَمَهُ عليهم، ثم يقول الله له: مَا عَمِلْتَ فيقول: يا رب قَرَأْتُ القُرْآنَ وأقرأته فِيكَ ، فيقول الله له : كَذَبْتَ، وتقول له الملائكة: كَذَبْتَ، وإنما قرأت ليقال قارئ وقد قيل، ثم يؤمر بهم فيلقون عَلَىَ وَجْهِوهم فِي النّار، فهؤلاء هم الذين فعلوا ذلك لحُبِّ الثناء، ولهذا يقول فيهم ابن رسلان في الزُّبَد:

وَعَالِـمٌ بِعِلْـمِـهِ لَـمْ يَعْمَـلَـنْ مُعَذَّبٌ مِنْ قَبْلِ عُبَّـادِ الْـوَثَـنْ.

فهؤلاء هم أول من تُسجر بهم جهنم- والعياذ بالله-، من أحب هذا الثناء وعمل ليثنى عليه فقط.

أما الذي يفرح بثناء المؤمنين عليه فهذا شيءٌ آخر، ولكن صاحب الإيمان وصاحب اليقين يهضم نفسه، ويرد على من ذلك ولا يقبل بالمدح، وينبغي له أن يقول: (اللَّهمّ اجْعَلْنِي خَيْرًا مِمَّا يَظُنُّونَ، وَاغْفِرْ لِي مَا لا يَعْلَمُونَ) وتجده يلزم جانب التواضع فهو لا يُحب المدح، لكن الله جَلَّ وَعلا- يقيم من يثني عليه بما رأى منه من الخير.

فهذا هو الفرق بينهما، ذاك ساعٍ للمدح طالبٌ له، وربما عَمِل له، كان عمله من أصله ابتغاء المدح، أمَّا هذا فيُثنى عليه وهو يكره المدح، وفرقٌ بين هذا وذاك.

 

السؤال الثالِث:

وهنا سؤال أيضًا، وقد سئلت عنه، وهو أن بعض أبنائنا طلبة العلم، يقول: نسمع بطالب العلم مبتدئ ومنتهي، يقول العلماء: الطلاب المبتدئين طالب علم مبتدئ ومنتهي، ما معنى هذه العبارات؟

الجواب:

هذا معروفٌ عند العلماء، فطالب العلم المبتدئ: هو الذي شرع في الطلب ولم يعرف الأصول، فهذا يقال له طالبُ علم مبتدئ، يعني أصول العلم ما هو أصول الفقه، أصول العلم، فالذي شرع في طلب العلم ولم يعرف الأصول، فهذا طالبُ علمٍ مبتدئ، والذي شرع في العلم وعرف الأصول لكنه يعجز عن الاستدلال هذا طالبُ علم متوسط، فإن عرف مع الأصول الاستدلال وطرائق الاستدلال فهذا هو طالبُ العلم المُنتهي، فطلبةُ العلمِ ثلاثة:

مُبتدىء، ومتوسِط، ومُنتهي:

فالمُبتديء: هو الذي شرَعَ في الطلب ولم يعرف الأصول.

والمتوسط: هو الذي عرَف الأصول وعَجَزَ عن معرفة الاستدلال.

والمُنتهي: هو الذي عرفَ الأصول وعرَفَ الاستدلال.

 

السؤال الرابع:

وهذا سائِلٌ أيضًا يسأل يقول: إنَّ عندهم مُدرِس يقول تتبّع الآثار ومعرفة الآثار التي في المدينة وفي خيبر، ومعرفة سيرة النَّبِيِّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- تُليّن القلوب، ومعرفتها من معرفة السيرة ولا مانع إذا كان لا ينوي التعبّد في هذه الآثار؟

الجواب:

أقول: الذي يُلين القلوب هو الوقوف على أخبار رَسُول اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والاطلاع على سيرتهِ وسُنته وأيامهِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسلامه عَلَيْهِ- ومعرفة الدقيق والجليّل في هذا الباب فيُقتدى به- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في جميعِ الجوانِب.

وأمَّا تتبّع هذه الآثار فلم يكُن ذلك من شأن الصحابة ولا من شأنِ سلفنا الصالِح - رَضِيَ اللّهُ تَعالى عَنْهُم وأرضاهم- لكن لو أراد أن يزور هذه الأماكن ليدونها للتاريخ ويضبطها للتاريخ هذا بابٌ آخر، لا بأس بذلك، واللهُ أعلم.

 

السؤال الخامس:

وهذا سؤالٌ في التحويل.

الجواب:

قاعدة في هذا الباب اصرف إلى المال الذي تُريد تحويله، ثُم حوّلهُ به، وتسلم من أن تقع في جانب الربا.

 

السؤال السادس:

هذا يسأل يقول: أنا طالبٌ من بلاد الكُفر وأدرُسُ حاليًا في الجامعة تركتُ الوالِدة في بلاد الكُفر وهي نصرانية وهي عنيدة ومتعصبةٌ على دينها وتكرهُ الإسلام، لكن تعاملها معي ومع أهلي طيب، كبرت في السن ولا تعمل، ولكن تأخذ مُساعدات من الدولة تكفيها، أخشى أن يكون حقها علي أن أرجع إليها وأُراعيها علمًا بأني لا أُريد أن أعيش مع أهلي وذُريتي في تلكَ البلاد - في بلاد الكفر- فما حكمُ بقائي هنا وتركها وحدها هناك؟ علمًا بأنها تقدر على أن تقوم بشؤونها بنفسها، وجزاكم الله خيرا.

الجواب:

أقولُ لك: ابقى وبِرّها واتصل بها وأرسل إليها وادعها قبلَ ذلك كله إلى الإسلام، فلا تيأس كرِّر، عسى الله - جَلَّ وَعَلا- أن يهديها، لا تيأس لا تيأس، فإنَّ الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لهُ - جلَّ وَعَلا- الحكمة وهو عليمٌ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بمن يصلُح للإيمان ومن لا يصلح له، وأنتَ أُمرتَ بأن تكونَ سببًا في الدعوة وأَوْلى الناس بحسنِ صحابتك وبِرّك والدتك، فإنَّ حقها عليك عظيم ولو كانت كافرة، ما دامت لا تدعوك إلى الشركِ بالله فالحمد لله برَّها وأحسِن إليها لعلّ الله - جَلَّ وَعلا- أن يهديها.

 

السؤال السابع:

وهذا يسأل ما حُكم فرقعة الأصابِع في الصلاة؟

الجواب:

أقول هذا مكروه، وهكذا في المسجد وفي الصلاةِ، من فعل اليهود كما جاءَ ذلك من حديثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وغيرهِ - رَّضِيَ اللّهُ تَعالى عَنْهُم-.

 

ولعلنا نكتفي بهذا القدر.

واللهُ أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبدهِ ورسولهِ نبينا محمد وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين.

 

الشيخ: 
محمد بن هادي المدخلي