جديد الموقع

888606

الجواب: 

الحمد لله ربِّ العالمين، والعاقبةُ للمتَّقين، وأشهد أن لا إلٰه إلا الله ولِيُّ الصالحين، وناصر المؤمنين، قيّوم السَّمَاوَاتِ وَالأرَاضِين، شَهَادَةً أَرْجُو بِهَا النَّجَاةَ يَوْمَ الدين، يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العَالَمِينَ، وَأُصلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى خِيرَتِهِ مِن خَلْقِهِ أَجْمَعِينَ، نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعلى آلهِ وَأصْحَابِهِ، وأتباعه بِإحسانٍ إلى يومِ الدين.

أما بعد..

فيا معشر الأحبة ثَبَتَ عن رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الصحيح من حديث أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وعند َأَبي دَاوُدَ وابن حبّان وغيرهما من حديث أَنَسٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -عن رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنَّه قَال: «مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، ومثل وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كنافِخُ الْكِيرِ- أو كصاحب الكير-إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ منه رِيحًا خَبِيثَة».

هذان الحديثان رواهما هذان الصحابيان ومتْنُهُما واحد، وإذا تعدَّد الرُّواة عن رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فالعلماء يعدّون هذا كما سَمِعْتُم بحديثيْن، وهو عند َأَبي دَاوُدَ وابن حبّان في آخر حديث، إِذْ في رواية أنسٍ زيادة «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ» إلى آخره، فهُما حديثان.

هذان الحديثان كما سمعتم يبيِّنُ فيهما رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حالَ الصَّاحَبِ المُجالَس، فقَسَمَ النَّاس إلى قسمين:

- صاحبٍ وجليسٍ صالحٍ.

- وصاحبٍ وجليسِ سوء.

والمُراد مفهومٌ من هذا، إذ المراد بهذين الحديثين وَإِنْ كانا وردا بصيغة الإخبار وضرب المثل لكنَّ المراد فيهما واضحٌ، ألا وهو الأمر بمصاحبة ومجالسة الصالحين ومن يُنْتَفع بمجالستهم، والتحذير من مجالسة جلساء السوء، والذين يُتَضرَّر بمجالستهم ومصاحبتهم.

فالقسم الأول: قال فيه النَّبِي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما سمعتموه مُشَبِّهًا له بحامل المسك، ولفظة (الحَامِل) أعمّ من أن يكون (بائعا)، فإنَّ البائع هو صاحب الشيء، والحامل قد يكون صاحب الشيء وقد يكون غلامُهُ، كصاحب الدكان صاحب المتجر هذا صاحب المسك، فقد يرسل به إليك غلامه، عاملهُ، صَبِيَّه، أجيره، وقد يكون الحامل أعمّ من أن يكون بائعا، صاحب طيبٍ فيعطيك منه، يُحْذِيَكَ؛ والمراد به يعطيك من غير ما ثمن، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد ريحًا طيبةً.

فهكذا صاحب الدين والاستقامة والسُّنَّة، إما أن يُعطيَكَ العلمَ ابتداءً، فيدلك على ما ينفعك في دينك ودُنياك، فهذا مثلُهُ مَثَلُ من يعطيك الطيبَ، المِسْك بالمجان، وإما أن تبتاع منه، فإن كان عالمًا سألته، وإن كان صالحًا اقتديت به، وإما أن تجد منه ريحًا طيِّبةً، فالريح الطيِّبة هي آخر المراتب، لا تعدم من أن تجلِس بجوار صاحب رائحةٍ طيبةٍ فتأنس بهذا الطيب، وتبتهج نفسُكَ ويُسرُّ قلبك، وتفرح بهذه الرائحة الطيِّبة.

هكذا صُحبة الصالحين، فإنَّك تُنْسَب إليهم فيقال فلانٌ صاحبُ ذلك العالِم، أو فلانٌ جليس ذلك العالِم، أو فلانٌ تلميذ ذلك العالم، أو فلانٌ صاحب ذلك الصالح العابد، وهكذا، ذاك صاحب ذلك السُّنِّي الأثري السَّلفي، فتُنسب إليه، فيحصل لك طيب السمعة، كما حصل لك طيب الرائحة، والعكسُ بالعكسِ.

جليس السوء تتأذى بمجالسته في دينكَ ودنياك، وذلك لأنَّ الصَاحِب سَاحِب، والطِّبَاعَ سَرَّاقَةٌ ، وَالصُّحْبَةُ مُؤَثِّرَةٌ، كما يقول السلف،(الصَاحِب سَاحِب، وَالصُّحْبَةُ سَرَّاقَةٌ ، والطِّبَاعَ مُؤَثِّرَةٌ)

عن المرءِ لا تسأل وسَلْ عن قرينهِ *** فكلُّ قرينٍ بالمُقارَنِ يقْتَدِ

[إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم] *** فلا تَصْحَبِ الأَرْدَى فَتَرْدَى مَعَ الرَّدِي

والواجب عليك أيُّها المسلم أن لا تصحب إلا من ترضى دينَهُ وأمانته، وتعود عليك صحبته بالنفعِ في دنياك وأُخراك.

اختر قرينك واصطفيه تفاخُرًا *** إنَّ القَرينَ إلى المُقارن يُنسبُ

واحذرْ مُصاحبةَ اللئيم فـإنّهُا تُعدي *** كما يُعدي السليم الأجـربُ

الشّاة الصحيحة والنّاقة الصحيحة، إذا ماشَت الشاةَ الجرباء والنّاقة الجرباء تَجْرَب، لكن الجرباء لا تَصِح، ولهذا قيل ما سمعتم:

واحـذرْ مُصاحبـةَ اللئيـم فـإنَّـهُا تُعدي *** كما يُعدي السليمَ الأجـربُ

ويُقاسُ الْمَرْءُ بالمرءِ الصاحبِ له والمجالِسِ له:

عَـنِ الْمَـرْءِ لا تَسْـأَلْ وأبْصِرْ قَرِينَهُ *** فَكُــلُّ قَــرِينٍ بِالْمُقَــارن يَقْتَـدِ

فإذا رأيت صاحب السوء ورأيت من بجانبه من النَّاس فإنك لا تنسبهُ إلا إليهِ، ولا يمكن أن تظُن بهِ خيرًا، ما يُظنُّ بهِ إلا السوء، لأن مُصاحبةِ أهل السوء مظنة التُّهم، يقول أمير المؤمنين عُمرُ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-:(مَنْ أوْقَعَ نفسهُ في مواقع التُّهَمَ فَلاَ يَلُومَنَّ مَنْ أَسَاءَ الظَّنَّ بِه) فإذاماشيت المُبتدع، ماذا تُريد من الناس؟ أن يظنوا بك أنك ناصر السُّنة؟ لا والله. ما يُظن بك إلا أنك مثلهُ

شبيهُ الشيء منجذبٌ إليهِ *** وبضدها تتميزُ الأشياء

 ولهذا يقول رسولنا رَسُولُنا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ»، فإذا صَحِبْ السَّيءُ شخصًا استدللنا بهِ على أن الآخر سيءٌ أيضا، وإذا صحب من لا نعرفُهُ سيئًا استدللنا بمُصاحبتهِ للسَيِّئٍ على أنهُ سَيِّئ لأنهُ القرينُ بالمُقارَن (عَنْ المَرِء لا تَسأَل وَأبصِر قَرينهُ)، ما يمكن أن يأوي إليه إلا وقد وافقه، فإن القلوب إذا تلاقت في النسبة تقاربت الأبدان بالصحبة، فالسيء إما أن تَجِدَ منهُ إحراق الثياب، شَبه النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إحراق الدين بإحراق الثوب، وذلك لأنَّ الدين خيرُ لباس، يُتجمَّلُ به المرء في هذه الدنيا ﴿يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ﴾ [الأعراف 26]، فالدين لباس يتزيَّن به صاحبهُ في الدُّنيا، ويوم يقوم الناس لرب العالمين، اليوم السرائر مخفية وغدًا منشورةٌ مبثوثة- نسأل الله العفو والستر والمُسامحة- فإحراقُ الثياب المُرادُ بهِ إحراق الدِّين، ولهذا قال ربُّنا - جَلَّ وَعَلا- ضاربًا هذا المثل: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الأعراف 175-176]، فهذه الآيات تُجَمِّلُك يا ابن آدم، والدينُ جمالٌ لابن آدم، فإذا قارب صاحِبهُ أهل السوءِ والشّر، أحرقوه، وإذا لم يُحرِقوه جاءتهُ الريحُ الخبيثة، فصاحبُ الكير، إما أن يُحرق الثياب وإما أن تأتي الريحُ الخبيثةِ، والريحُ الخبيثةِ أن يُقال فلانٌ صاحبُ فلان، فتُصبح سُمعتهُ خبيثة، فيُقال بئس الرجُل هو، لو كان فيه خير ما صحِب ذلك السَّيء، ولهذا قيل:

فلا تصحب أخا الجهل *** وإياك وإياه

فكم من جاهل أردى *** حليمًا حين آخاه

يُقاسُ المَرْءُ بالمَرْءِ *** إذ ما هُوَ ماشاهُ

إذا رأوك تُماشي الصالحين حُسبتَ عليهم، (أُحِبُّ الصَّالِحِينَ وَلَسْت مِنْهُمْ وَأَرْجو أَنْ أَنَالَ بِهِمْ شَفَاعَهْ) أهل الصلاح يشفعون في أخلائهم يوم القيامة ﴿لْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِين،َ يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ﴾ [الزخرف-68-67]، فمُصاحبةُ السَّيئ سيئة، يسحبك إلى ما هو فيه من السوء، من بدعةٍ أو أخلاقٍ خبيثةٍ ذميمة، فالله الله معشر الأحبة، في إختيار الصاحب، فلا تختر من الناسِ إلا من يُعينك على أمور دينك ودُنياك، تُذكرك بالله رؤيتهُ، أو تدلك على الله كلمتهُ، يُذَكِّرك بالله مقالهُ، أو يدُّلك على الله حاله، فاحذروا مُصاحبة الأشرارِ من أهل الأهواءِ والبدعِ ومن أهل الفجورِ والفسوقِ، واحذر يا عبد الله أن تُرى مع هؤلاء، فإن رُئيت معهم فلا تلومن من أساء الظن بك لأنك أنت الذي أوقعت نفسك في مواقع التُّهم.

وأسأل الله - سُبحانهُ وتعالى- بأسمائه الحسنى وصفاتهِ العُلا أن يرزقنا وإياكم جميعًا العلم النافع، والعمل الصالح، والبصيرة في الدِّين، والفقه فيه، والثبات على الحقِّ والهُدى حتى نلقاهُ، كما أسألهُ - جلَّ وعلا- أن يُصلح أحوالنا جميعًا وأحوال المسلمين، وأن يهدِيَ ضال المُسلمين وأن يوفق ولاة أمور المسلمين، للعمل بكتابهِ وإتباعِ سُنَّة نبيهِ محمد- صلى الله عليه وسلم- وأن يرفع عن المُسلمين وبلاد المسلمين ما نزل بها من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، إنهُ جوادٌ كريمٌ.

وصلَّى الله وسلمَّ وبارك على عبدِهِ ورسولهِ نبينا محمد وعلى آلهِ وأصحابهِ وأتباعهِ بإحسان.

 

السؤال الأول:

هذا سؤالٌ من أمريكا، يقول صاحبهُ: تشتكي بعض النساء من صعوبة مُتابعة الإمام في الصلاة - يعني إذا حضرن مع الإمام- إما بسبب تأخرهن عن الصلاة، فلا يدرين أي ركعةٍ وصل إليها، أو إذا سجد سجدة التلاوة، فالسؤال هل يجوز اتخاذُ شاشةٍ لكي يرين الإمام؟

الجواب:

لا، لا، النساء يحضرن مع الإمام ويُصلِّين، ويُشاهدن الإمام، فإذا لم يُشاهدنهُ وكانوا معهم في المسجد سمعوا الصوت، ورأوا المُصَلِّين لأن النساء في أواخر الصفوف، فَيَرَيْن الرجال فإذا لم يروا الإمام سمعوا الصوت، وإذا لم يسمعوا الصوت، رأوا المُصلين فيقتدون بهم، وأما لا تدري في أي ركعةٍ هو لا يضّر، تدخل معهُ وتحسب هل هو الثالثةِ إذا كان في المغرب، أو الثانية، الثالثة، الرابعة، إذا كان من الرباعية، أو الثانية إذا كان فجرًا تعرف، وأمَّا سجود التلاوة، فإنها تراه، فإذا لم تكن الرؤية ولم يكن السماع، لم يصح الإقتداء، ويكفي أن تُصَلِّي بمفردها في بيتها.

 

السؤال الثاني:

هذا سؤالٌ آخر أيضًا من أمريكا لصاحب السؤال الأول، يقول: يقعُ مسجدنا في العاصمة، في عاصمة أمريكا، وتحُفّهُ مساجد أُخرى مُنحرفة تدعو الناس إلى أمورٍ مُنحرفة، وإلى السياسات والتدخل فيها، ومسجدنا هو الوحيد السُني هنا، فما دُورنا تجاه الدعوة على الرغم من وجود هذه المساجد؟

الجواب:

دوركم أن تُبصرّوا الناس بدين الله الحقّ، وتدعوهم إليه، وترشدوهم إليه، بعلمٍ وحكمةٍ ولطفٍ ورفق، تَعرِضوا لهم دين الإسلام الصحيح، مُدَعَّم بالأدلة من كلام الله – جَلَّ وعَلا- وسنة نبيه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وأقوال أئمة الهدى، من السابقين واللاحقين والمعاصرين، فإنكم إذا فعلتم ذلك وأحسنتم العرض، فإنه يوشك أن يُستجاب لكم، وإن لم يستجيبوا فلا أقلَّ أن تكونوا قد أديتم ما عليكم، وبَرَئت الذِّمَّةِ، وليس معنى ذلك أن تَسْأَمُوْاْ وتَيأسُوا وتَنقْطُعوا، لا، تصبرون، وتحتسبون في هذا، وتحاولون، والله هو الموفق والمعين.

 

السؤال الثالث:

وهذا يسأل كيف نتملك أراضي وأموالًا في أمريكا دون أن نقع في الرِّبَا؟

الجواب:

والله لا أدري، أَنتَ أَعرَف، لكن الذي أقول لك بِعْ واشتري بما معك حالًّا تخرج من الربا، فإنَّ الرِّبَا عندهم لا يكون إلا إذا جاءت الاستدانة والاقتراض، فإذا وُجد من يقرضك فاشتري حالًّا وتسلم من الديون والربا، إذا لم يوجد فاصبر على ما أنت عليه، ولا تقع في الحرام.

 

السؤال الرابع:

وهذا يسأل يقول في بلده أئمة المساجد يصلون ويسرعون جدًّا في صلاتهم، فلا يتمكن من الخشوع في الصلاة.

الجواب:

أولًا: يجب عليك أن تنصح بعلم –كما قلت- ورفق لهؤلاء فيما بينك وبينهم فيما بعد، إذا انتهت الصلاة خَلَوْتَ بهذا الإمام وحدثته فيما بينك وبينه عسى الله أن ينفعه بذلك، فإن لم يحصل انتقلت إلى أحسن هذه المساجد وأقربها إلى السُّنة التي يُتِمّ فيها الأئمة الركوع والسجود ويعتدلون في الجلوس بين السجدتين، والقيام من الركوع فيطمئنون، سَدِّدْ وقارِبْ.

أما إذا كانت السرعة تصل إلى الإساءة في الصلاة، بمعنى أنه لا طمأنينة ولا راحة في هذا، فلا تكاد تركع إلا ورفع، ولا ترفع إلا وسجد، ولا تسجد إلا وقعد؛ هذه إساءة، والصلاة حينئذ ليست بصحيحة كما قال النبي- ﺻَﻠَّﻰ ﺍلله ﻋَﻠَﻴْﻪِ ﻭَﺳَﻠَّﻢَ- لذلكم الصحابي: «ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ»، فأمره النبي- ﺻَﻠَّﻰ ﺍلله ﻋَﻠَﻴْﻪِ ﻭَﺳَﻠَّﻢَ- بذلك ولم يعتد بصلاته التي أساء فيها، والطمأنينة ركنٌ في أصحِّ قولَيْ العلماء.

 

السؤال الخامس:

وهذا يسأل يقول: هل وقت رواتب الظهر القبلية محدَّد بالوقت الذي بين الأذان والإقامة؟ - نعم- بحيث لو صلتها المرأة بعد أن أقيمت الصلاة في المسجد فاتها فضلها؟ أو أن وقتها غير محدد بالنسبة للنساء؟ نرجو التوضيح.

الجواب:

هذا لا فرق فيه بين الرجال والنساء إذا حضرن المساجد، وشهدن الصلاة مع المسلمين، فالرواتب القبلية محلها بعد الأذان قبل الإقامة، بين الأذانين، فيُصَلَّى في هذا الوقت، لكن من فاتته قضاها بعد الصلاة، لا بأس بذلك.

 

السؤال السادس:

هذا يسأل عن حكم تغطية الرأس في الصلاة، هل كشف الرأس في الصلاة مكروه؟

الجواب:

هذا عائِدٌ إلى الزينة والعُرف في بلدك، فإنَّ الله-جلَّ وعلا- قالَ: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ [الأعراف 31] فإذا كانَ العرفُ في البلد أنَّ تغطية الرأس من الزينة، فينبغي لكَ أن تزيّن لربِّ العالمين، وإن كانَ العرفُ ليس كذلك فلا بأس.

 

السؤال السابع:

هذا يقول: هل يجوز الرغبة عن الزواج لأجل العلِم اقتداءً بالأئمة ابن تيمية والبربهاري؟

الجواب:

لا، أقول لكَ:

أولًا: الذي ينبغي لكَ أن تقتدي بسيد الخلق - صلوات الله وسلامهُ عليه- حيثُ نَهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ التَّبَتُّلِ، قالَ عُثْمَانَ بن مَظْعُونٍ: "لَوْ أَذِنَ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في التَّبَتُّلِ له لاخْتَصَيْنَا" يقول- رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُ-، لا، النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمرَ بالنِكاح لما فيهِ من الخيرِ العميم، لما فيهِ من إعفافِ النساء، وإنجابِ الولد، إحصان الفرج، غضّ البصر، إكثار النسل، أنتم ترون الآن كيف الحروب تأكل في المسلمين، كيف تحصد أرواح المسلمين.

فالإقتداء إنما هو بسُنَّةِ النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لهذا لمّا قال َالنفر الثلاثة الأول قال: أصُومُ وَلَا أُفْطِرُ، والثاني قال: أقومُ ولا أرقُد، والثالث قال: لا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، أنكرَّ النَّبِيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-عليهم فَقَالَ: «فَمَن رَغِبَ عَن سُنَّتِي فَلَيسَ مِنِّي»، ويقول-عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: «يا معشرَ الشَباب مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» هذا هو الذي تقتدي بهِ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-.

ثانيًا: هل هذا صحيح؟ وهو القول إن ابن تيمية- شيخ الإسلام - أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام تقي الدين ابن تيمية ترك الزواج لأجل العلم؟ هذا غير صحيح، وهكذا البربهاري غير صحيح، بل يذكرون عن البربهاري أنهُ تَسَرَّى، هذا غير صحيح، وقد كُتب كتابٌ وكتابات في الردّ على من زعم أنَّ الإئمة تركوا هذا لأجلِ العلِم، شيخ الإسلام ومن معه، فهذا غير صحيح أيها الأخ السائِل الكريم.

 

السؤال الثامن:

هذا يقول امرأةٌ توفيَّ عنها زوجها وكانت جاهلة لا تعرف العدَّة ولم تلتزم عدةً، فهل عليها شيء؟

الجواب:

هي بين أمرين:

إن كانت قد مضت عليها مُدَّة العدة فلا شيء عليها، والذي حصل عليها من جهة جهلها بالعدّة يغفرهُ الله لها بالجهل، ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ قال الله: «قد فعلت».

وإن كانت في عدتها الآن فعليها أن تتقي الله - جلَّ وعلا- وأن تلتزم ما يجب عليها في أيام العدّة ومدة العدّة، فتدع الزينة، وتدع الطيب ولا تلبس الذهب، ولا تلبس اللباس الذي يشدُّ الأنظارَ إليها، ويُرَّغبُ الخُطَّاب فيها، وتبتعد عن الخروج، تلزم بيتها حتى تنقضِيَ عِدَّتُها.

 

وباللهِ التوفيق واللهُ أعلم، وصَلَّى الله وسَلَّم وبارك على عبدهِ ورسولهِ نبينا محمد وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين.

الشيخ: 
محمد بن هادي المدخلي