جديد الموقع

888645

الجواب: 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله أصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

 

فيا معشر الإخوان؛ دقائق وإن شاء الله لا نُطيل عليكم، نتذاكر فيها ما يُيسر الله - سبحانه وتعالى- ويُهيِّئ في أمرٍ مهمٍ جدًا يتعلق بديننا، بل هو آكد اﻷمور بعد الشهادتين، ألا وهو أمرُ الصلاة، فإنَّ هذه الصلاة عمود الدين، وبسقوط هذا العمود ينهدم البناء، ولا شكَّ أنَّ هذا البناء الذي يتعب اﻹنسان فيه لابُدّ أن يحافظ عليه بأُمورٍ عديدة، ومن آكد هذه الأُمور الخشوع في الصلاة، فإنَّ الخشوع في الصلاة واجبٌ في أَصحِّ قوليْ العلماء، وابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُما- يقول: (ليس ﻟﻠﻤﺮﺀ ﻣﻦ ﺻﻼ‌ﺗﻪ ﺇﻻ‌ ﻣﺎ ﻋَﻘَﻞ) يعني: ما وَعَى وفَهِم وخشع فيه واستحضره، ويشهدُ لهذا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيُصَلِّي وَلَعَلَّهُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مِنْ صَلَاتِهِ إِلَّا عُشْرُهَا وَتُسْعُهَا ثُمُنُهَا سُبُعُهَا سُدسُها» إلى أن قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نِصفُها» فهذا هو معنى قول ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُما-: (ليسَ للمرءِ مِنْ صَلاتِهِ إِلا مَا عقل)، فالخشوع في الصلاة - معشر اﻷحبة- أمره عظيم وثوابه جزيل، وقد مدح الله به -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- في كتابه أول ما مَدَحَ المُصَلِّين، حيث قال كما في صدر سورة المؤمنون: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ[المؤمنون:1] لم يذكر لهم وصفًا قبله ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:2]، فالخشوع هو لُبُّ الصَّلاة، وعدوُّ ابن آدم إبليس حريصٌ على تضييع أجرِ هذه الصلاة على ابن آدم، فإذا كَبَّر مع اﻹمام أو كان منفردًا أو كان إمامًا، إذا كَبَّر جاءه يُذَكِّرهُ بحاجاته التي نَسِي، وذلك ليُضَيِّع عليه خشوعه في صلاته، اذكر كذا اذكر كذا، فعدوُّ الله هذا اسمه خِنْزَبٌ والواجب على المسلم أن يطرده كما أرشد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذلك بالنفث عَلَى يَسَارِهِ ثَلَاثًا، والاستعاذة بِاللَّهِ مِنْهُ، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمن سأله عن هذا قال: «فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّك» قال ففعلت فما عاد إليَّ بَعْد، هَرب عدو الله اللعين.

فالصلاة لُبُّها الخشوع، فَيرتاح الْمُسلِم فيها إذا خَشَع، وقد كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول لبلال: «يَا بِلَالُ أَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ»، فما ارتاح من لم يخشع فيها، ما ذاق الراحة أبدًا من لم يخشع في صلاته.

قُرّةُ عَينِ المُصطَفى فيها كما *** عَنْ نَفسِهِ أَخبر نَصًّا مُحكَما 
وَلَم ْيَزل مُبادِرًا إِليها *** وَكَم لَهُ مِنْ بَيعةٍ عَليها

- صَلوات الله وسلامه عليه- فالثمرة كلها في الخشوع يُكتَب لك بقدر ما تعقل.

والخشوع: هو خضوع القلب ولينهُ وانكساره وتواضعه بين يدي الله - جَلَّ وَعَلا-، فيستحضر الربّ العظيم أَمامهُ كما جاءت بذلك النصوص فإن النَبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد حَذَّرنا إذا قامَ أحدنا إلى الصلاة أن يلتفتَ في صلاته، لماذا؟ قال: «فَإِنَّ اللَّهَ يَنْصِبُ وَجْهَهُ قِبَلَ وَجْهُ عَبْدِهِ فلا يَلْتَفِتْ فِي صَلَاتِهِ» إذا التفتَ دلَّ ذلك على عدم استحضاره لربه الجليل - جَلَّ وَعَلا-، فالخشوع شيءٌ في القلب يظهر على الجوارح، فإذا رأيت المرء يَتَلَّفت يَمنةً ويَسرَة ويُكثر الحركة في صلاته، هذا لم يخشع في صلاته.

فعلينا - معشر اﻷحبة- أن نُجاهد أنفسنا في هذا، ﻷن الأمر ليس باﻷمر الهَيِّن فإنه قد صَح في حديث عثمان - رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُما- حينماتَوَضَّأَ وضوءه، في حديث حُمْرانَ ليُعَلِّم الناس قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ صَلَّى لله رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَه إلا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ»، ركعتين عَظُمَ هذا اﻷجر فيها بسبب الخشوع، فالخشوع ليس بالأمر السهل في اﻷجر، وأيضًا ليس باﻷمر السهل في وقوعه وحدوثه، ﻷنَّ عدوَّ الله يتربَّص بنا، يريد أن يُضَيِّع علينا ثمرة هذه الصلاة -كما قلت لكم- وهو اﻷجر العُشر، بعضنا ينصرف من صلاته ما له إلا عُشر من اﻷجر، وبعضنا له تُسع فعنده اﻵن عُشران، وبعضنا ثُمُن، ثلاثة، سُبع، سُدُس، خُمس، رُبُع ،ثُلُث، نِصْفٌ، فهو حريص على أن يُنقص اﻷجر إذا لم يستطع الذهاب به بالكلية، وأيضًا صحَّ في الحديث عن رَسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حديث عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ، الطويل في صحيح مُسْلِم أيضا -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- نحو حديث عثمان - رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ- وجاء أيضًا في حديث عثمان عند مُسْلِمٍ أنه قال: سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يَقُولُ: «مَنْ تَوَضَّأَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ حَضَرَت الصَّلَاةِ، فقَامَ إلَى الصَّلَاةِ فأَدَّاهَا بخُشُوعَهَا وَرُكُوعِهَا إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذنبه مَا لَمْ يَأْتِ كَبِيرَةً، وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ» الدَّهْرَ كُلَّهُ، النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صحَّ عنه أنه كان يقول في دعائه، في ركوعه: «اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ، خَشَعَ لَكَ» إيش؟ «سَمْعِي وَبَصَرِي وَعَظْمِي وَمُخِّي» الشاهد؛ هذه الجوارح(خَشَعَ لَكَ) إيش؟ (سَمْعِي) فبدأ بالسمع - صلوات الله وسلامه عليه- فيجب على كلَّ من قام بين يدي الله أن يكون سمعه في القراءة، إن كان إمامًا أو مأموما، يتفكّر فيما يقرأ، بعضنا اليوم يخرج من باب المسجد فيتساءل ماذا قرأ اﻹمام؟ لا يدري ينسى، هذا يدل علام؟ على عدم الخشوع، السمع ما هو مع اﻹمام، (وَبَصَرِي)، إذا اشتغل البصر بشيءٍ ألهاه ذلك عن الخشوع، ولذلك ردَّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- علىأَبِي جَهْمٍ ماذا؟ ردَّ عليه الْخَمِيصَةَ وأمر بأن يؤتى إليه بالأَنْبِجَانِيَّةِ، وذلك لأن الْخَمِيصَةَ هذه كساء فيه خطوط، قال عنها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:«أَلْهَتْنِي عَنْ صَلاتِي» فإذا كان هذا النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سيد الخاشعين حصل له هذا، فكيف بنا نحن!

فيجب على المسلم أن يبتعد عما يذهبُ بخشوعه في مُصَلَّاه من النقوش في المُصَلَّى في الْخَمِيصَةَ، في السجادة، في المحراب، فإن البصر إذا اشتغل بها تَبِعَهُ القلب فذهبَ الخشوع، قال «وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّتةِ»تسليةً له ﻷنه رد عليه الهدية، وبَيَّن العلة، شغلته عن الصلاة، عن الخشوع في الصلاة، وحتى يُطَيِّب نفسه وخاطره قال: «وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّتةِ»؛ فالشاهد الكساء إذا كان فيه زخارف فإنه يُلهي ويذهب بخشوع اﻹنسان، وحينئذٍ يفوته من أجرهِ في صلاته بقدر ما فاته من خشوعه.

وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: «وَعَظْمِي» وذلك في الركوع يقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- فيركع حتى يطمئن - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- وتهدأ نفسه ويطيل الذكر لله - جَلَّ وَعلا- ويتفكَّر في الدُّعاء. والمفاصل لا تَسكُن ولا تخشع إلا إذا اطمأنت، أمَّا إذا لَمْ تقُمْ الطِمَأنينة بالمُصَلّي فمن بابِ أَوْلى يذهب الخشوع، يَنْقُر الصلاة كنقرِ الدِّيَكَة، فهذا يُنْظَر إليه إن أَقامَ الأركان صَحَّت الصلاة مع فواتِ كثيرٍ من الثَّواب، وَإِنْ ذهبتْ الأركانُ أو بعضُ الأركان فهذه الصلاة باطلة، والاطمئنان رُكن، وكلنا يعرِفُ حديث المُسيءِ صلاتَه حينما قال له النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» وكان مما عَلَّمه الاطمئنان، قال:«ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعاً، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِماً»، وقال -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: «لا صَلاة لمن لم يُقِم صُلْبَه من الرُّكوع»، «ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا » الحديث.

فالطِمأنينة لا يأتي بها عَبْدٌ على الوَجْهِ المطلوب إلا أورَثَتْه الخشوع بإذن الله -تبارك وتعالى-، (وَمُخِّيَ وَعَصَبي)، العَصَبُ تابعٌ للعظْم لأنه هو الأربطة التي تَرْبط العِظام بعضُها ببعض، وتتحركُ مع المفاصل فتحتاج إلى إعطائها وقتًا حتى تستردّ راحتها إذا رَكَعتْ ثمّ رَفَعَتْ ثمَّ سَجَدَتْ ثمَّ جَلَسَتْ ثمَّ سَجَدَتْ، فمن خَشَعَ عَصَبُه حصل له الخير في دينه ودنياه.

والمُخ لأنه محلّ التفكير، يشتغِل إذا اشتغل قلب الإنسان اتصل بِمُخِّه، فأرسل إليه الإشارات التي تُلهيه عن الحضور في صلاته.

فلابُد من المحاولة الجادَّة مِنَّا جميعًا - معاشرَ الأحبة- في هذا الجانب، ومن أعظم ما يُحاوَلُ به استحضارُ عظمةِ الوقوف بين يديِّ الله - جلَّ وعلا-، فإن المرء المُصَلِّي إذا قام إلى صلاته وهو يَشْعُر أنه بين يديِّ الله يستحي من الله - جلَّ وعلا- أن يراهُ عابثًا في صلاته يتحرَّكُ يمنةً ويسرةً، و النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمَّا رأى أصحابه يومًا قالَ:«مَالِي أَرَاكُمْ» - يحرِّكون أيديهم- «قَالَ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلِ شُمْسٍ، اسْكُنُوا فِي الصَّلاةِ» يعني هكذا وهكذا، بعض الناس يُحَرِّك يديه وهو قاعد هكذا وهكذا، فهذا لا يصْلُح، «كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلِ شُمْسٍ» يعني تتحرك هكذا تضرب بها، فهذا يدل على عدم الخشوع، فينبغي أن يكون الجالس بين يدي الله في غاية الوقار والأدب والاحترام لربِّ العالمين - سبحانه وتعالى-، فهذا هو السبب الأول والأعظم من أسباب الخشوع في الصلاة، أن يتذكر العبد ويسْتَحْضِر دائماً أنه واقف الآن بين يدي الله -جلَّ وعلا-، والله أمامه وتِجاهه كما صحَّ في الحديث، فأنت ترى أن هذا فيما بين الخَلْق عيب أن يُحدِّثَك الإنسان أو يُقْبِل عليك وأنتَ تشتغل بغيره، أو تلتفتُ عنه يمنةً ويسرة، فإنَّ هذا يُعدُّ بين الخَلْق من عدمِ الإحترام، فكيف مع الخالق - جلَّ وعلا-؟!

يَجِبُ على العبدِ أن يستَحْضِرَ كَوْنَ الله - تبارك وتعالى- أمامهُ، قِبَلَ وجهه - سبحانه- كما نصَّ بذلك الحديث عن رَسُول اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا باب.

الباب الثاني: النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد أرشدنا إلى أمور أن لا ندخُلَ وهي معنا لأنها تذهب بالخشوع، فَذَكَر من ذلك:

-أن تُصَلِّي بِحَضْرَةِ الطَعَامٍ، تقوم للصلاة والطعام قد قُرِّب وأنتَ شديد الجوع والحاجة إليه، فقال النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ وَلا وَهُوَوَلاَ وَهُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ» رواه مسلم (560)

وذلك لأنَّ شهوة الأكل تجعلهُ يُفكِّر فيه، فيَشْتَغِل به عن صلاته.

-وهكذا الأَخْبَثَانِ، إذا دافعهما أمضى وقته كلَّهُ في المُدافَعة لا يُرِيدُ أن يَنْتَقض الوضوء ولا يريد أن يخرجَ فتنقطِع الصلاة، فحينئذٍ لا يَحْصُل له الخشوع، فيجب على العبد أن يبتعد عن هذه الأسباب وما كان في معناها، مثل:

-أن يَخْرُج من متجَرِهِ ولا يُحْكِم إغلاقه، فربَّما جاء يصلي وهو يوسوس فيه.

- أو قام من مكتبه في بيته وعلى مكتبه شيءٌ يخشى عليه من الصغار، فعليه أن يُقْفِل المكتب حتى لا يوسوس بذلك في أثناء الصلاة، وعلى هذا فقِسْ.

- ومن ذلك أيضًا أن يبتعد عما يُشْغِلُه في مُصَلَّاه كما ذكرنا آنفًا من الزخارف والنقوش في السِّجادات ونحوِها، فإذا وُجِد شيءٌ منها لا قِبَلَ له به ولا بإزالته، كما نراه في المساجد من الزَّخرفة في بعض المساجد، وكذا في بعض الفُرُش والنَّمارِق فلْيُغمض عيْنَيْه، مع أنَّ الإغماض مكروه، لكن هنا إذا أَدَّى إلى ذهاب الخشوع فإنه يغمض عينيه ولا بأس بذلك - إن شاء الله-.

والكلام في هذا طويل، ويكفينا هذا الَّذي سمِعنا، ونسألُ الله - جلَّ وعلا- بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يورِثَنا وإيَّاكم العلم النافع والعمل الصالح والفقه في الدِّين والبصيرة فيه، وأن يثَبِّتنا وإياكم على الحقِّ حتى نلقاه، وأن يجعلنا وإياكم من عباده الخاشعين الذين مدحهم - سبحانه وتعالى- بقوله: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1،2] إنه جوادٌ كريمٌ، وصلى اللهُ وسلَّم وبارك على عبدهِ ورسوله نبيِّنا مُحَمَّد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسانٍ إلى يوم الدين.

 

السؤال الأول:

يقول: أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ - وإليك أيها الأخُ الكريم-، كيف يزداد المرْءُ علماً؟

الجواب:

يزداد المرء علماً بالتَّحصيل والجلوس على أهله، على أهل العلم، فكلَّما فرغَ من فنٍّ انتقل إلى فنٍ آخر، أو كلما فرغَ من كتابٍ في الفن انتقل إلى كتابٍ آخر حتى يرى أنه حصَّل منه مرادَهُ، فمثلًا يأخذ في هذا الفن مختصرًا ثمّ متوسِّطًا ثم كتابًا كافيًا لطالب العلم المتقدِّم، وينتقل إلى العلم الثاني وهكذا، فإن كان يستطيع الجمع بين العلوم كان بها وإلا أخذها بالترتيب، والناس يتفاوتون في هذا، فمن لا يستطيع لا يجمع، يكتفي بالفن، فمثلًا يقرأ في التوحيد كتابًا مختصرًا ثم متوسطًا ثم مطوَّلًا، ثم ينتقل إلى الحديث وهكذا، والتفسير وهكذا، وأصول الفقه وهكذا وأصول الحديث وهكذا، ونحو ذلك، إما هذا وإما هذا على حسب ما، ثم عليه بكثرة المطالعة والنَّظر والمراجعة.

وعليهِ أيضًا بكثرة المُجالسة لأهل العلمِ، فإنهم يُفيدُونهُ بالعلمِ الكثير، في مجالسهم في الزمن اليسير، فالعُلماء يعطوكَ الفائدة، ويختصرون عليك فيها زمنًا طويلًا، ربما تقعد سنة أو أكثر من ذلك حتى تصل إلى هذه المعلومة، فالمُجالسة لهم فيها أعظم الفائدة.

 

السؤال الثاني:

يقول: والدي كان يُحِبُّ لبس الخواتم من الفضةِ والأحجار الكريمة ثم ترك هذه العادة -لا بأس، لبس الخاتم من الفضة جائز، وإذا لبسه من الأحجار الكريمة كالياقوت وكالدُر والزمرد ونحو ذلك من باب أولى جائز- يقول: ثم ترك هذه العادة وبعد مُدةٍ طويلةٍ وجدتُها، فأمرني أن احتفظ بها، وبعد خمس سنواتٍ من هذا تُوفي فهل هذه الخواتيم تدخلُ في الإرث أو أنها انتقلت إلى مُلكي؟

الجواب:

لا، ما دام لم يُصَرِّح بإعطائك إياها فهي إرثٌ، تُباع وتُقسم على الجميع، فإنهُ ما قال - على حسب عبارتك- ما قال هي لك، أو قال خُذها مثلًا، وإنما قال: "احتفظ بها"، فقولهُ احتفظ بها ليس فيها ما يُشعر بأنه قد أعطاهُ إياها، فتُباعُ وتُقسم، على الجميع، جميع الورثةِ.

 

السؤال الثالث:

هذا يسأل يقول: وجِّهني في مشكلتي وهي وجود تنافر بين والدي، وزوجتي.

الجواب:

أقول في هذا، برّ والديك، واحفظ زوجتك وأمسكها، أحسن إلى والديك، وأمسك زوجتك، وحاول بقدر ما تستطيع أن تُؤلِّف بينهم، فتَذكُر للأبوين عنْ الزوجةِ ما يُحببهما فيها، وتذكر للزوجةِ عن الوالدين ما يُحببها فيهما، وبإذن الله - تبارك وتعالى-، تجدُ ثمرة هذا الطيبةِ، عليك أن تذكر أحسن ما ترى من الوالدين عند الزوجةِ، وأحسن ما ترى من الزوجة عند الوالدين، وأن تُبالِغ في إكرام والديك وبِرِّهما والإحسان إليهما، وأن تذكر ذلك لزوجتك، وأن تذكر لها عظيم حقِّهما، ووصية الله - تبارك وتعالى- بهما ولو فات في بعض الأحيان عليها بعض الشيء من الكماليات، ونحو ذلك، فإذا رأت منك ذلك، فإنها سترضى بإذن الله، وإذا رأى الوالد والوالدة منك ذلك فإنهم سيرضون بإذن الله.

 

السؤال الرابع:

هذا يسأل عن قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إن الله لَا يَمَل حَتَّى تَمَلُّوا».

الجواب:

نعم نثبتهُ على ظاهره، كما نثبتُ: ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّه ُخَيْرُ الْمَاكِرِينَ‏ [الأنفال30] فهذا في مُقابلةِ ما يحصلُ من هؤلاءِ الماكرين مدَح، إذا مكروا بأهل الإسلام والإيمان، أهلُ النفاق، فإن الله سيمكرُ بهم، لأهل الإيمان، إذا خادعوا المؤمنين، خادعهم الله - سُبحانهُ وتعالى-، فخدعهم، فهذا ليس المدحُ فيهِ، على الإطلاق، لكن في مُقابل الضدّ مَدْح، فمثلهُ تمامًا ﴿يَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ، ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [ النساء 142]، إلى آخرِ ذلك، ما الذي تستثقلهُ من ذلك أيها السائِلُ الكريم؟! فإن رَسُول الله -ِصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد قالهُ في صحيح سُنَّتهِ.

 

السؤال الخامس:

وهذا يقول: بعضهم يستدل بحديث «صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ» على منهج الموازنات.

الجواب:

أقول لك الحمدُ لله جوابُ هذا السؤالِ فيهِ، " َهُوَ كَذُوبٌ" صاحب هذا الاستدلال «هُوَ كَذُوبٌ»، أين الموازنات؟

هل نحنُ نعرف أن إبليس صادق؟ نحنُ ما عَلِمنا من القرآن إلا قول الله - جَلَّ وَعَلا-: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَاب السَّعِير[فاطر 6]، والآياتُ في هذا الباب والمعنى عن إبليس كثيرةٌ، ولكن النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبر هذه المرة أنهُ صدق، والأصل كذوب، فيالله العجب، كيف يُأخذُ بمرةٍ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمرةٍ أخبرنا أنهُ صدق - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيها، ويُترك منهجهُ كُله الذي هو كذب، الذي أخبرنا به رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولكن هذا كما قال شيخُ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى- (الناس يتعلَّقون بواحدةٍ ويتركون مئة كذبة)في الكُهان، صح ولا لا؟ مرة واحده، صدق و مئة مرة وهو يكذب، ينسون المئة كذبة لأجل صِدّقة واحده، في بعد هذا فتنة، هذه هي الفتنة!

فنحن لم نأخذ بهذا إلا لأن النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبرنا بأنهُ صدق، وإلا الأصل هو كذوب، لا نأخذ منهُ أين هذه الموازنات؟! أين؟! هات أبغني واحدة أُخرى لإبليس، وثالثة ورابعة وخامسة حتى تقول وازَنَ، هذا كلام أصحاب الأهواء وربما نقلهُ النَّاقل وليس من أهل الأهواء ولكن بسبب جهلهِ فهذا معذور، لأن بعض الناس ليسوا من أهلِ الأهواءَ، لكن من أهل الجهل ما يعرفون طرائق الاستدلال، فربما انطَلى عليه هذا، فنقول ليس بكاذبٍ ولا بصاحب هوى، لكنهُ يجّهلُ فيُعلم، وأما إذا صدر هذا عن أهل الأهواء فنحنُ نعلم حينئذٍ أنهم يرُيدون نصرة الباطل.

 

السؤال السادس:

وهذا يسال عن تقصير اللحية في زمن الفتنة.

الجواب:

وبعدين إذا انتهت الفتنة يرجع يُرسِلها؟! ما يُدريد أنك بعد ذلك تعيش، لا يجوز يا أخي، زمن الفتن الناس أُمروا بالتمسك بالسُّنن ومُدحوا بالثبات على ذلك، وأنهم القابض فيهم على دينه كالقابض على الجمر، هذا هو وقت ظهور الصدق؛ ﴿ألم * أحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّاوَهُم ْلَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَ ّاللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت 1-3] طيب وبعد ذلكم؟! ولقد لماذا؟ ليُعلم الصادق من الكاذب يُعلم الصادق من الكاذب فزمن الفتن يظهرُ فيها الصادقُ من الدَّعِيُّ ويظهر فيها الثابتُ القويُ من الضعيف.

نسال الله الثبات على الحقِّ والهدى.

 

السؤال السابع:

وهذا يقول: شيخنا الفاضل؛ هل يجوز للمسلمين طلب التعاون والجيوش للقتال أمام الخوارج؟

الجواب:

هذا الأمر لأئمة المسلمين ويفتيهم فيه من إليهِ المرجعُ في ذلك.

 

السؤال الثامن:

وهذا يسأل يقول: نحنُ مقيمون في روسيا، وعندما تُسلم الأُخت الروسية لا وَلِيَّ لها، والمراكز الإسلامية عندنا ليست بأيدي أهل السُّنة السلفيين، فهل يقوم مقام وليها؟

الجواب:

من هو؟ ما أدري، على كُل حال إذا جاءها المسلم ليتزوجها فإنها إذا لم يكن هناك حاكمٌ مسلم ولا والٍ مسلم ولا قاضٍ مسلم، فإنها تتولى أمرها هذه المراكز الإسلامية بإدارتها الرسمية الشرعية، بشرط أن تكون موثوقةً، فإنهُ قد بلغنا عن بعض من يُزعم لهم أنهم أصحاب مراكز يتلاعبون في نساء المُسلمين -والعياذُ بالله من ذلك- فعلى أخي السائل وإخواني المُستمعين الذين يبلغهم هذا الصوت أن يتحققوا في هذا الجانب وأن يحتاطوا، والله أعلم.

 

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين.

الشيخ: 
محمد بن هادي المدخلي