الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين، أما بعد:
فهنا كُليمات لها تعلّق بكلماتنا السابقة في اللقاء السابِق، تذكرتها بعد انصرافنا من ذلكم اللقاء، يوم الأحد، فأحببتُ أن أذكرها الليلة لاتصالها لما سبق ولِقُرب العهد.
يقول الأوزاعي- رحمهُ الله تعالى- ((بَلغني أنَّ الرجل إذا ابتدّعَ بِدعةً حببَّ إليهِ إبليس التنسُكَ والعبادة، وألقى عليهِ الخشوعَ والبُكاء ليصطادَ بهِ)) أُنظروا وتأملوا في هذه الأربع الكلمات (بلغني) يعني عمن سَلَفهُ وهو مُتقدّم- رحمهُ الله تعالى- عن السلف الذين سبقوه من كِبار التابعين وأصحابِ رَسُول اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أنَّ الرجُل إذا ابتدّع بدعةً حببَّ إليهِ إبليس التنسُك والعبادة)، والمقصودُ بهذا يُحببهُ في التعبّد ليصرفهُ عن التعلّم، لأنَّ سلاحَ أهل الإسلام والإيمان الذي يُقاتلون بهِ بعد توفيق الله ورحمتهِ لهم، يُقاتلون به عدوّ اللهِ إبليس العلِم، فإبليس يُحببّ إليهِ العبادةَ لا لأنهُ يُحبُها له ومنه، لكن ليصرِفهُ بها عمّا يُصححهُا، فإنَّ العبادة لا تكونُ صحيحةً مقبولةً حتى يجتمع فيها شرطان، الإخلاص للهِ- جلَّ وعزّ- ثُمَّ المتابَعة لصاحِبِ هذه الشريعة- صلواتُ الله وسلامهُ عليه- نحنُ معاشر المسلمين كم في يومنا وليلتنا ونحنُ نقول (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) ما هو هذا الصراط المستقيم؟ صراطَ الذين أنعم الله-جلَّ وَعَلا- عليهم، من هُم هؤلاء المُنعَم عَلَيْهِمْ؟ (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ هُم اليهود، الذين عَلِمُوا ولَمْ يَعْمَلُوا بِمَا عَلِمُوا، والضآلون هُم النصارى الذين عَمُلوا على جهل، تَعبّدوا بجهل، فإبليس يُحببّ إلى العُبّاد التعبّد لا لكونهِ يُحب العبادّة فهوعدوّ العُبّاد، لكنّ ليصرفهم بها يُشغلَهُم بذلك، ويصرِفَهُم عن تَعلُم تصحيح هذه العبادة وهو طلب العلِم، الذي يعرفون بهِ صحة العبادة من عدمها، فيُحبب إليهِ التعبّد على جهل، ليسهُل لهُ بعد ذلك اصطيادهُ، فكلُ يومٍ يجرّهُ في وادٍ من أودية الأهواء.
لعل بعض من يستمع هذا الكلام يستعظّمه، أو يستكثرهُ وربما يستنكره، أقول لهُ: أمهلنا وعلينا الدليل،أمهلنا معشر الأخ المُستَمِع، ولك علينا أن نذكر لك الدليل من كتاب الله- سبحانه وتعالى – ومن سُنة نبي الله ورسولهِ وخليلهِ محمد بن عبدالله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أما كتابُ اللهِ- جلَّ وَعَلا- فاللهُ -جلَّ وَعَلا -يقول {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}[ الملك 2] فسّرها السلف- رحمهم الله- بأنها ( أخلَصهُ وأصوبه){لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} قالَ الفُضيّل: ( أخلصهُ وأصوّبه) لابُد أن يكون العمل خالِصًا لوجه الله، لا شركَ فيه، الشِرك الأكبر الذي ينسفُ العمل ويُبطلهُ من أصلهِ، والشِرك الأصغر الذي يُنافي كمال التوحيد إن داخَل العبادة من أولها فهي كُلُها فاسِدة، وإن كانَ في أثناءِها فعلى صاحبها أن يُدافع ونقصّ من أجرهِ بقدر ما يحصُلُ له، فلابُدّ أن يكون العمل خالصًا، فإذا كان خالِصًا ولم يكن صوابًا على سُنة النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يُقبَل، وإذا كانَ صوابًا ولم يَكُن خالِصًا من الشِركِ والبِدع أيضًا لم يُقبَل لأنَّ النبي- صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول : ((مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ )). ((مَنْ عَمِلَ عَمَلاً ليسَ عليه أمرُنا هذا فهو رَدٌّ)). ((كُلُ عَمِلٍَ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ")). وقد ردَّ على من قالَ أنا أقومُ ولا أرقُد، والثاني الذي قال أصوم ولا أُفطِر، والثالِث الذي قال أنا أعتزل النساء، لا أتزوج النساء، فقال - النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمّا بلغتهُ مقالتهم ((مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا؟ فإني أقومُ وَأَرْقُدُ، و أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي ) . لا رهبانيةَ في الإسلام.
فإذن {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا }[ الكهف 110] هذا صالِح هو الأحسن عملا، {وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} فلابُدَّ مِن هذا، إجتماع شرطين الإخلاص لله، والمُتابعة للنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فليس العبرة بالعبادة أو بكثرتها، لكن العبرة بحقيقتها، هل هي خالِصة لله، هذا شرط باطني خفيّ لا يعلمهُ إلا علّام القلوب وهو الله- سبحانه وتعالى- علاّم الغيوب والمُطلّع على ما في القلوب- سبحانه.
والشرط الثاني ظاهِر، الناس تراه، هل العبادة على سُنة رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أم ليست كذلك، هذا يراه كل أحد، واسمعوا قول الله- جلَّ وَعلا- {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ* عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ} والنتيجة والثمرة ، إيش { تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً* تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آَنِيَةٍ ; لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ }[الغاشية:1-2-3-4-5-6] في جهنم هذا العمل ما نفع، إما أن يكونَ شِركًا، وإما أن يكونَ بدعةً على غيرِ سُنة رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
إذن فليس العبرةُ بكثرة العمل، وإنما العبرة بإحسانِ هذا العمل ولذلك كانَ أصحابُ النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسلفُنا الصالِح يقولون((اقْتِصَادٌ فِي سُنَّةٍ خَيْرٌ مِنَ اجْتِهَادٍ فِي بِدْعَةٍ)) يعني العمل قليل ولكنه صحيح على السُنَّة، وفيه الإِخلاصِ للهِ-جلَّ وعلا-، خَيْرٌ منأن يكون لله لكنَّهُ على بِدعة، أو يكون فيه الشِّرك، لا عبرةَ بهذه الكثرة(( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ)) [الزمز:٦٥-٦٦]
هذا شرط أساس، لا بدَّ من الإخلاص والمتابعة.
لا نطيل في الاستطراد، ننتقل إلى سنّة رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
النَّبِي-عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-ذكر لنا الخوارج، وهذا السبب الذي جعلني أصِلْ هذه الكلمات بسالِفَتِها، فقال فيهم-صلوات الله وسلامه عليه-مخاطِباً أصحابهُ والخِطابُ لأُمَّتِه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من بعدهم، قال: يحقر -صحح الشيخ- (تَحْقِرُونَ صَلاَتَكُمْ مَعَ صَلاَتِهِمْ) يعني صلاتهم قليلة صلاة الصحابة -رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُ -عند صلاة من؟ الخوارج، (وقِرَاءَتكُمْ عند قِرَاءَتهمْ) قراءة القرآن عندكم، معشر الأصحاب أصحاب النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والأمة كلها قليلة بالنسبة لقراءة إيش؟ الخوارج للقرآن، وفي لفظ آخر لهذا الحديث، يقول النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-لأصحابه والخطاب لنا من بعدهم: (لَيْسَت صَلَاتُكُمْ إِلَى صَلَاتِهِمْ بِشَيْءٍ) يعني لا تُذكَر، قليلة من كثرةِ صلاتهم،(ولَيْسَ قِرَاءَتُكُمْ إِلَى قِرَاءَتِهِمْ بِشَيْءٍ) لكن إيش؟ (يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ) هنا حدُّه ،مافيه خشوع في القلب يورِث الخوف من الله، والاتباع لرسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مافيه، خشوع ظاهر بس، أما باطن يحمل على الإتباع الصحيح، لا يوجد، (لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ، ثُمَّ لا يَعُودُونَ فِيهِ )
السهم إذا خرج يرْجِع؟ تأخذ النَّبِل ثُمَّ تأتي به وترميه من القوس، هل يرجع إليه؟ (ثُمَّ لا يَعُودُونَ فِيهِ) وهذا الذي استدّل به بعض من قال بِكُفْر الخوارج.
ثم قال-عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-فيهم الأقوال التي نعرفها جميعًا، بعد هذه الأوصاف، ليست قراءتكم إِلَى قِرَاءَتِهِمْ بِشَيْءٍ ، صلاتنا ليست إلى صَلَاتِهِمْ بِشَيْءٍ ، لكن يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُتجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإسلام من الدين كما يمرق السهم من الرَّميَّة ثمّ لا يعودون فيه، قال فيهم-عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: ((طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ أوَقَتَلُوهُ شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ لَئِنْ أدركتُهم لأقتلنَّهم قَتْل عَاد، كِلَابُ النَّارِ)) وهذه العبادة أين ذهبت، مدحهم النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-بالعبادة وذكرها لهم وإلا لا؟ ذكرهم بها وصفهم بها، لكن هذه العبادة لم تشفع لهم عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ--فقَبَّحَ حالهم، لأنهم ليسوا على اتِّباع، فقال فيهم: ((شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ)) ((طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ)) الجنّة له، ((أوَقَتَلُوهُ )) إذا استشهد وهو يقاتلهم له الجنّة، ((شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ )) ((كِلَابُ النَّارِ)) ((لَئِنْ أدركتُهم لأقتلنَّهم قَتْل عاد)) خمسة أمور فيهم في التحريض على قتالهم يقولها- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، هل شفعت لهم عبادتهم وقراءتهم يا ناس؟ أجيبوا، بِنَصّ هذا الحديث في صحيح مسلم هذه الأحاديث كُلُّها في الخوارج في صحيح مسلم، ساقها مساقة، أحسن من ساقها سياقةً مسلم في صحيحه-رحمه الله-، وهذا الكلام كُلُّه فيه، هل شفعت لهم صلاتهم الكثيرة؟ هل شفعت لهم قراءتهم الكثيرة؟ ماشفعت لهم، وهذا أصْرَحُ ردٍ وأَبْلغُ ردٍ وأفْصَحُ ردٍ وأقوى ردٍ على من يَقِف في وجوه أهل السُنّة، ويقول لك: يا شيخ لا تطعن في فُلان عابد صالح زاهد.
لكن لا تعْرِفه أنت يا جاهل، أنت أيها الجاهل لا تعرفه، يعرفه العالم لأنه يعرف خَبيئَتَه،هؤلاء شرّ على الإسلام والمسلمين.
فإذن لمّا ابتدعوا هذه البدعة وهي تكفير أهل الإسلام، كفَّروا أصحابالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الخوارج كفَّروا أمير المؤمنين أفضل أهل زمانه علي بن أبي طالب- رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُ -ابن عم رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وصِهْرُ رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأفضل أَهْلِ زمانه على الإطلاق بشهادة رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -له، كفَّروه فمن دونه من باب أولى-، واستحلّوا قتالهم وخرجوا عليهم بالسّيْف، ونزَّلوا الآيات التي فيها الأمر بمقاتلةِ الكافرين نزَّلوها على عليٍّ- رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُ -وعلى أصحاب النَّبيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولذلك اغتبط الصحابة بقتالهم مع عليِّ، ومن لم يحضر قتالهم تندَّم عليه، أنه لم يشهده مع عليِّ- رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُ -.
فإذن مع هذه العبادة عندهم شرّ عظيم، لمّا ابتدعوا بدعة تكفير المسلمين، واستحلال دمائهم، وأموالهم والخروج عليهم بالسيف، أُلقي عليهم حبُّ التَّنَسُّك، فوصفهم ابن عباس- رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُما -لمّا ذهب لمناظرتهم، استأذن ابن عمه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب- رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُ- ليذهب لمناظرتهم، فقال: إني أخافهم عليك، قال: لا تخف إأذن لي، فأذِن له، فأول ما جاء قال كُبَراؤهم: لا تجادِلوه، لا تتكلموا معه.
لماذا؟ لأنهم يخافون، لأن ابن عباس صاحب حُجَّة- رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُما -أتاه الله فقه في الدين، وعلمه الله التأويل للقرآن، وتفسير القرآن وفَهْمَهُ الفهم الصحيح بِبركة دعوةِ النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((اللَّهمَّ فَقِّهْهُ في الدِّينِ وعلِّمْه التَّأويلَ)).
أول ما رأَوه قالوا: لا تناقشوه لا تُكلِّموه، هذا رجلٌ من قريش والله قد قال فيهم: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف:٥٨]، يعني صاحب جِدال، على طول سدّ بينهم وبين أن يستفيدوا من العالِم، هذا الذي يقوله الآن وُرّاث أولئك، اليوم يقولون: لا ترحوا لهؤلاء، هؤلاء علماء سلطان، المشايخ علماء السنة، اليوم يقولك هؤلاء علماء السلاطين لا تذهبوا لهم يُلَبِّسوا عليكم، قول أسيادهم الخوارج زمان هذا قولهم.
قالوا في ابن العباس: هذا رجل من قريش والله قد قال فيهم: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ } [الزخرف:٥٨] وكان ما كان من مناظرة عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ لهم، الشاهد هو ماذكره الأوزاعي هنا-رحمه الله تعالى-: (ألقى عليهم الشيطان حبُّ هذه العبادة وصَرَفَهم عن أن يتعلَّموا بين يدي أصحاب عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)-ولذلك لمّا جاء عبد الله بن عباس-رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُما –للمناظرة أول ما انتقدوهُ عليهِ ثيابهُ لأنهُ- رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُما – تعمّدَ إغاضتهم، ذهب إلى حُلّةٍ جديدة معه في البيت جاءتهُ من اليمن، الحُلّة هي إزارٌ ورداء، الرداء والإزار حلّة فيها خطوط مُخططة الحُمرة والزرقة والخُضرة من اليمن، فعَمدّ إليها وفكّها وهي مُلتصقة ونفضها ثُمَّ لبسها وجاء وقد انهالت كتلها في الأسفل من الإمام، قالوا ما هذا يا ابن عباس؟ اليوم يقول لك المشايخ هؤلاء (مشايخ بشوت) هذا الذي قالهُ أسلافهم زمانلعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قبل ألف وأربعمية سنة،طيب دعوكم من لبسه، حلال وإلا حرام؟ إذاكان مما أحلّهُ الله {من حرّم زينة الله مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ، وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ } [ الأعراف 7] من؟ناقشوه في العلم، فدمغهم أول دمغة،
قال: "مه ما تنقمون والله لقد رأيت على رَسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حلةً أحسنَ منها" سكتوا، هو الذي عاش مع النبي ورآه- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُ – وإلا هُم هؤلاء الكذابون ؟ ! هو ابن عمه وكان ينام معهُ في عرض الوسادة، عند خالتهِ ميمونة ، فهو أعرف برسول الله، لا هؤلاءِ الكَذَبة، فسكتوا، فهذا الذي يقولهُ اليوم أسلافهم وُراثهم، الأسلاف قالوا هذا الكلام مُنكرين على ابن عباس، والورّاث يقولونهُ اليوم لينّفروا الناس من أشياخ العلم والفقه في الدين.
الشاهد وصفهم أنهم شُثْنَ الوجوه شُثْنَ الأيدي والجباه ، و ركبهم كأنها رُكب الإبل من كثرة السجود عليها، زيّن لهم الشيطان هذه العبادة حببها إليهم، وزين لهم التنسّك لكن على جهل.
فدمغهم بالثانية، قال: "جئتُ إليكم من عند أصحاب رَسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وما أرى فيكم وَاحِدًا منهم"، هذا يدل على ماذا؟يدل على إيش؟ يدل على فساد ما هم عليه من المذهب ، لو كانوا على حق كان معهم ولو صحابي واحد وهكذا وُراثّهم اليوم، ابحثوا هل تجدوا فيهم عالمًا فقيهًا واحدًا ! والله لن تجدوا.
ما تجدوا إلا أهل الأهواء، أصحاب الجهل المركّب، نعم ممكن حصّلوا على شهادات، لكن هذه الشهادات لا تُغني شيئًا إذا لم تكن على طريقة أصحاب رَسُول اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هؤلاء تخرّجوا، كم من المتخرجين، ليست عبرة هذه الشهادات، لكن هل العُلماء معهم؟
ومن على طريقة أصحاب رَسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- معهم؟
أو أحدٌ منهم يكون في هؤلاء؟ لا .
هذا ما يمشي على العلماء، ولا على طلبة العلم، الذين تمكنّوا من العلم و أخذوه على أيدي هؤلاء العلماء المأمونين، لكن يمشي على الجُهال، ويزين إليهم إيش؟ البكاء والخشوع ليصطادوا بهِ المُغرر بهم، اليوم وقديمًا، يصطادون به الجهلة والأحداث، ولذلك الأولون كانوا سُفهاء الأحلام العقول حُدثاء الأسنان، وراثّهم اليوم كذلك، شباب سُفهاء الأَحلام، كما قال النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-ورثةُ أولئك، قال فيهم النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ" يعني صغار سن،"سُفَهَاءُ الأَحْلامِ "من كان صغيرًا في سنه، كان صغيرًا في حِلمه، في عَقله ، في علمه، أما الشيوخ لا، قد عركوا الدنيا وعرفوا ، وتعلموا وفهموا وكلما جاءتهم نازلة إما أن يكونوا علماء، وإما طلبة علم، وإما من عقلاء الناس يرجعون إلى من ؟ إلى العلماء، المأمونين فيسألونهم عن دينهم، الذي يهتمون بأمره، فما تجد فيهم العقلاء، ولا تجد فيهم طلبة العلم، أما العلماء فهم -ولله الحمد- أعرف الناس بهم، وأبعد الناس عنهم، وأكثر الناس تحذيرًا منهم، فهم ((حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الأَحْلامِ)) ، هذا في القدامى، قالهُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وراثّهم اليوم كذلك، حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الأَحْلامِ، من الثانوية وفي أثناء الكلية، وأول خروجهُ من الكلية يضحكون عليهم ويأخذونهم، بالشُبه، أما أهل العلم فلا ، فيصطادونهم بما يخدعهم مما يروهُ عليهم من العبادة والتزهُد، والورع وهم شرُّ الخلق والخليقة.
فأحببت أن أذكر هذه الجملة، جملة الأوزاعي -رحمهُ الله- لعلاقتها بما تقدم، وهذا ما سمعتموه من أدلة موجزة ملخصةٍ لها من كلام الله وكلام رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
فيا معشر الأحبة احذروا هؤلاء، وحذّروا منهم، ولا يغرنكم عبادة الرجل حتى تعرضوا حالهُ على الكتاب والسُنّة، ولهذا ما أحسن ما قال الشافعي- رحمه الله- : "إذا رَأَيت المرء في الهَوَاءِ يَطيْرُ أَوْفوقَ سطحِ المَاءِ قد يسيرُ -لو مشى على الماء- ولم يكن ملتزماً بالشرعِ فإنهُ مستدرجٌ وبدعي".
اسْتِدْرَاجٌ من الله -جَلَّ وعَلا- لهُ، وهو مُبتَدع، فأنت لا تنظر إلى طيرانه في الهواء، ولا لمَشيهِ على الماءِ ، لكنّ انظر إلى عمله، فإذا رأيت عملهُ على الكتاب والسُنة، وما كان عليه خِيار الأمة من أصحاب النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فمن بعدهم، فاعرف أن هذا كرامة، وإن كان غير ذلك فاعرف أنهُ اسْتِدْرَاج من الله - جلَّ وَعَلا.
مَشى "موفق الدين بن قدامة"- رحمه الله - على النهر ، خلع قبقابهُ فَجّمد الله لهُ النهر ومشى عليه، لكن من المُوّفق، إنهُ على إسمه موّفق - رحمه الله- هذا وأمثالهُ لهم كرامة، أما أمثال هؤلاء المبتدعة والشياطين، فهي من الله اسْتِدْرَاج يغرّهُم بها هل يراجعوا أنفسهم أو يستمروا في الباطل.
فنسأل الله -جَلَّ َوعلا -أنّ يُثبتنا وإياكم معاشر الأحبة على الحقِ والهُدى، فلا تغتّروا بعبادة المتعبد مهما كان، حتى تعرضوا عمله كتاب الله، وعلى سُنة رسول الله-صلى الله عليهِ وسلم- وتنظروا ذلك.
"الحسن بن صالح بن حي المؤذن" من رؤوس الخوارج، وكان إذا عمد إلى السارية يصلي كأنهُ خَشبة، فكان بن سفيان يقول:" أعوذ بالله من خشوع النفاق، أعوذ بالله من خشوع النفاق " لأنهُ يعرفهُ على رأي الخوارج، فكان لا يغتر بهذا الخشوع.
"الحارث المحاسبي" كان كثير البكاء، وطأطأة الرأس والخشوع، وكان أحمد –رحمه الله – يقول: "أوه أوه، لا يغركم كثرة خشوعة ولا بكائه ذاك رجل سوء لا يعرفهُ إلا من خبرة" فقالوا: رجل ساكن يروي الحديث، والله لو كان جبهة كلها سجدة هكذا ، وهو على بدعة لا يخذ عنه رأسٌ من رؤوس الضلالة، ممن زين لهُ إبليس هذا التنسك و صرفهُ عن إتباع السنة ليصطاد به السذج والجهلاء، والبسطاء.
فالعبادةُ الظاهرة، لا تكفي حتى تبحث عنها في حال ذلك المُتعبد، فتنظر هل هي على الوفق الشرعي والطريق الشرعي وإلا لا؟
أسأل الله –جَلَّ وَعَلا – بأسمائه الحُسنى وصفاته العلا أن يثبتنا وإياكم جميعًا على الحقّ والهدى حتى نلقاه إنهُ جوادٌ كريم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد .
السؤال الأول:
هذ السؤال دائمًا يتكرر معشر الأحبة علينا وقد ألقينا فيه عدة كلمات ومحاضرات فأنا أحيل عليها وهي مسجلة ولله الحمد وهي المتون والمنظومات، في الفقة وأصول الفقه والتفسير للحفظ، والمنهجية في طريق التعلم.
الجواب:
هذه لقد ألقينا فيها كثيرًا، و الكلام فيها طويل في أخذ الوقت علينا فنحن نحيل على الموجود المسموع، سواء لي أو لغيري، وأهل العلم أقدم وأقدر.
السؤال الثاني:
هذا يقول كيف نتعامل مع المسلمين الذين يعتقدون أن داعش على حقّ؟
الجواب:
ادعهم بالعلم والأدلة من كتاب الله وسنة رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وأقوال العلماء وضرب الصور والأمثلة في القدماء المشابهين لهم، وكلام أئمة السلف فيهم كما سمعت الآن، وربط كلام المعاصرين بالماضين، وكلام الله وكلام رسولهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-فإن أبوّا فدعهم فإن هؤلاء لا خير فيهم، فلا تجالسهم.
السؤال الثالث:
هذا يقول ما رأيكم في أختلاف العلماء في كل من أبا الحسن، والحلبي والرحيلي، في مسألة إجتهادية، فاللطالب النظر في القولين وترجيح ما يظهر؟
الجواب:
أنا أسأل هذا الناقد لهؤلاء يقول قال فلان، الحلبي ، قال الرحيلي، قال المأربي، في كتاب كذا في شريط كذا ، ويأتي بصوته، ويعطيك إياه، المعارض له، ماذا يقول؟ إذا جاءك بما يدفعه، بعد ذلك خذ معه هؤلاء كلما ما رأينا إلا خيرًا ما سمعنا إلا خيرًا تأتي وتقول هل سمعته يقول كذا؟ يقول لا ما بلغني هل سمعته يقول كذا ؟ يقول لا ما بلغني.
إذًا فكلامك ليس بحجة والجارح معه زيادةُ علم، وحينئذٍ صدق ما قاله علماء الحديث، في مصطلح الحديث، يُقبلُ الجّرح لأن مع صاحبة زيادة علمٍ، وهؤلاء قد ذهبوا إلى طريقة أهل الأهواء ، كل من ذكر وخالفوا أهل السُنة والسلفين، بل الرحيلي يقول : " من عشرين سنة تقريبًا وهو يُنكر هذا المنهج، الذي نحن عليه، هذا قاله في شرح رسالة المعلمين في شيخ الإسلام ابن تيمية في القبلتين، صرح بذلك فالشاهد، وعلى الحلبي وأبو الحسن قال: من عام أربع مية وستة عشر، وهو منكر لهذا المنهج، وعلى الحلبي قال: أربعمئة وأثنى عشر وهو منكر لهذا المنهج، ويتسابقون كل ما جاء واحد قال إِني وَإِن كنت الْأَخير زِمانه لَآَت بما لم تَسْتطعه الأوَائل .
كل واحد يريد المرتبة الأولى لهُ، فليذهبوا، هذا المنهج الذي عليه نحن وأشياخنا، هو الذي زكى العُلماء أهلهُ قبل سنين، و لانزال عليه -ولله الحمد- ونسأل الله أن يثبتنا عليه، ومن لا يريد هذا المنهج نحن لا نريده، ومن زكى هؤلاء فقد قال زورًا، ما قال حقًا ، لأنهُ يخالف من غير دليل، ولكن إن كان صاحب هوى فهو صاحب زور، وإن لم يكن، فهو لم يطّلع، وكلام المطّلع مُقدّم على كلام من لم يطّلع، والحقّ أحقّ أن يُتّبع.
السؤال الرابع:
وهذا قد أجبت صاحبه يسأل عن مدارس علمية للنساء؟
الجواب:
أنا ما أعرف الآن مدارس لكن بإستطاعة النساء أن يسألن -إن شاء الله- فيما بينهن وهذا الأمر يخصهن فسيجدن -إن شاء الله- الجواب عليه مع أخواتهن المأمونات السُنيات .
السؤال الخامس:
الراجح في البسملة، هل هي من الفاتحة؟
الجواب:
الذي يترجح عندي نعم ، أنها من الفاتحة ولكن الإسرار بها أكثر من الجهر .
السؤال السادس:
هذا يقول ما رأيكم -أحسن الله إليكم – فيمن يقول أن أخذ ابْنِ عُمَرَ –رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- من لحيته بقدر القبضة أمرٌ اجتهادي، ليس شرعيا مما يبيح الأخذ بأقل من القبضة؟
الجواب:
ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- وغيرهُ وغيرهُ، إذا جاء قولهُ أو فعلهُ خلاف قول رَسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخذنا بقول رَسُول اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال))أَعْفُوااللِّحَى))، ((وَفِّرُوا اللِّحَى)) والإعفاء القص ضدهُ، ضدهُ بكل وجه، سواء أخذت قليلًا أو كثيرًا، ضد الإعفاء، فالشاهد أنه إذا جاء القول عن رسول الله -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -فلا عبرة بمن خالفهُ، وابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُمَا -كان يفعل ذلك في الحج متأولًا، قوله تعالى: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح 27] هذا واحد يفعلهُ في الحج متأولًا، إذا حجّ، وهؤلاء يفعلونه كل يوم، هذا واحد، الثاني وابْنِ عُمَرَ كان يأخذ بقبضة وذولا يأخذون قبصة، أزل النقطة التي على الضاد، تصير قبصة، يحط له لصقة وقال هذي قبضة ، هذي قبصّة ما هي قبضة، تعرفون القبصّة هي القرصة، قرصهُ وقبصهُ، كلاهما عربيةٌ فصيحة، فهذي ماهي قبضة أزل النقطة هي قبصّة، فهذا غير صحيح، وابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فعل ذلك في الحج ومتأولًا، وهؤلاء دائما ، فليتهم حتى مع فعلهم وافقوا في فعلهم ما يفعلهُ وابْنِ عُمَرَ فحينئذٍ يصح القياس .
لعلنا نقف على هذا، لأن عندي موعد وتُأخر هذه الثلاثة السُؤالات إلى اللقاء القادم ، والله أعلم – صلى وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.