بارك الله فيكم شيخنا ونفع بكم الإسلام والمسلمين، السؤال الثامن في هذا اللقاء يقول السائل: هل صحيح أن أغلب أئمة أهل السنة درسوا على أُناس مُبتدِعة؟
هذا الإطلاق خطأ، والمعروف عن أئمة أهل السُنة أنهم يأخذون العلم عن أئمة أهل السنة، سواءً كانوا أقرانًا لهم أو متقدمين عليهم، وهذا هو الذي سلكوا فيه الرحلات وجابوا الأقطار، أقطار الإسلام آنذاك، لكنّ أحيانًا يأخذ أهل السُنّة عن أشخاص عندهم ما عندهم، لكنّ لم تصل بدعتهم إلى التكفير، يعني يأخذون عندهم من العلم ما يحتاجون إليه، أو ما يضّطرون إليه، وفي مباحث المُصطلح ومسائله، تقسيم المُبتدِعة إلى قسمين:
قسمٌ بدعته مُكفّرة هذا لا يُؤخذ العلم عنه لأنه كافر.
وقسمٌ بدعته مُفسّقة مثل بدعة الأشاعرة والماتُريدية وغيرهما فهذا أعدل الأقوال فيه أن رواياته قسمان :
قسمٌ، هذا الذي بدعته مُفسّقة قسمان أيضًا:
- قسمٌ غير داعية إلى بدعته فيأخذون عنه العلم لأنه لا يُقرّر بِدَعَهُ ولا ينشرها.
- الثاني: داعية إلى بدعته، وهذا يأخذون عنه من روايته مالا تقوى به بدعته، والعلم كذلك، فإذا وُجد عالم نحوي مُبتدِع ونحن نحتاج إلى ما عنده من علم، فالحال لا يخلو من أمرين، إما أن يكون يوجد من أهل السنة من يقوم مقامه فهذا لا يُنصح به، لاسيَما المبتدؤون.
الثاني: أن لا يوجد عالم سلفي في القُطر أو القَرية، فهذا يأخذ عنه الأقوياء من أهل العلم، لا المبتدؤون ولا المتوسطون، يأخذ منهُ الأقوياء الذين يُصفُّون ما يمليهِ عليهم تصفية، ويغربلونهُ غربلة، وهكذا شخصٌ عندهُ علمٌ في الحديث أو الفقه، لكنه داعية إلى فكر سيد قُطب، أو فِكر حسن البنا، ويقرِّرُ ذلك، فالحال كالحال –بارك الله فيكم-، فإذا استغنى أهل السُنة، فبها ونعمت، وإذا اضطروا إلى أخذ علم عند المنحرفين، لا يوجد من يقوم مقامهُ، يأخذونهُ لكن من؟ أهل الفقه والعلم، الراسخين في العلم، الذين تتلمذّوا على أشياخ سُنة، وأخذوا عنهم أصول الفقه الشرعي في العبادة والمعاملة، في الأمور العلمية، وفي الأمور العملية.
الشيخ عبد الله البخاري: إذا سمحت إضافة يا شيخ -الله يحفظك-.
الشيخ عبيد: تفضل أضف.
الشيخ عبدالله البخاري: بسم الله والحمد لله، وصلَّى الله على رسول الله، وآله وصحبه وسلَّم، تتميمًا لكلام شيخنا–وفقه الله – أنَّ الأصل في تلقي العلوم، أن لا يكون إلا عن أهل السنة، كما قال الإمام ابن سيرين–رحمه الله – والإمام مالك وغيرهم من أئمة السنة: ( إنَّ هَذَا العِلمَ دينٌ، فانظروا عمن تأخذونَ دينَكُم)، هذه هي القاعدة الأصلية.
والأمر الثاني: أنَّ ما يتعلَّقُ بقول القائل أو السائل، هل صحيح أنَّ أهل السُنَّة أو علماء السنة أخذوا العلم عن المبتدِعة؟
هذا الإطلاق كما قال شيخنا هنا، باطل وخاطئ وليس صحيحًا، فهم الأصل كما قلنا يحملونهُ عن أهل السنة، وما حملهُ بعضهُم عن بعض أهل الأهواء، لا يخلو من حالتين:
إمَّا أنَّهُ كان مستورًا، غير معلومٍ البدعة، يُظهر السُنَّة و لكنهُ يُخفي البدعة، فحملوا عنه، ثُمَّ تبيَّن أمرُه، فهذا لا يُلحق ولا يُقال أنَّهم حملوا عن مبتدِع لأنَّهُ لم يكن ظاهِرًا.
وإمَّا أن يكون على بدعةٍ، لكنهُ غير داعيةٍ إليها، والمقام مُقتضٍ، والحاجةُ قائمة، وكما قال شيخنا: إنما يتلقَّى عن ذلك هم أهل العلم المتقنين، المتحصنين وليس عوام طلاب العلم أو المبتدئين أو المتوسطين، الذين تحصنّوا بالعلم الشرعي الصحيح، فيأخذوا ما عندهُ بقدر الحاجة، ليَسدوا حاجة المسلمين في هذا الباب.
والأمر الثالث: أنَّ مثل هذه الشُبه عندما تُطلق في مثل هذه الأوقات، إنما المراد منها التسويغ، والتسويق للأخذ عن أهل الأهواء، والتيسير بأن الأمر يسير، فخذوا عنهم، ولا تتشدَّدوا ولا تتشدّقُوا بأن لا يؤخذ عن فلان، فقد أُخذ عن فلان وعلان، تيسيرًا، وتسويقًا لأهل البدع، وهذا باطلٌ وفي (إذ ما وراءَ الأكمةِ ما وراءها).
والأمر الرابع: أنَّ ما يتعلَّق بالرواية، وما هو مذكور برواية بعض أهل العلم عن المبتدعة، فثمَّة قيودٌ شديدة في هذا الباب، إضافةً إلى ما ذكر شيخنا –وفقه الله- من بعض رواية عن غير الداعية إلى بدعته، أنَّ قد يقولُ قائل: أنَّ ثمة بعضهم قد روى عن بعض الدعاة، فالجواب عن هذا كله: أنَّ هؤلاء العلماء الذين (رووا)، فنقول أنَّ (الرواية) تختلف عن (أخذ العلم) من بعض الأوجه، أنَّ من روى عن بعض هؤلاء المبتدعة إنما للحاجة الماسَّة لما عندهم من حديث رسول الله –صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- فهنا الحفاظ على السنة، وحفظها، وحراستها أولى ويُقدَّم في هذا الباب، إلى غير ذلك، قد شرحنا هذا في شرحنا على النخبة أيضًا وفي الموقظة، وبيَّنا طرائق أئمة السنة في الرواية هذه.
الشيخ عبيد: الحمد لله.
الشيخ عبدالله: وعلى كل حال فهذه العبارة ، يُطلقها البعض كما قلت تسويقًا لأهل الأهواء، بالجلوس إليهم، خاصة –والحمد لله- ما من فنٍ يُدّعى في أنَّ هذا مبتدِعٌ قد يُدرِّسه، إلا في أهل السنة من يقوم به مثله أو خير منه، أو دونهُ بيسير، والحاجة -والحمد لله- غير ماسَّة للدراسة عليهم، هذا والله أعلى وأعلم، وصلَّى الله على رسول الله وآله وسلم.
الشيخ عبيد: أحسنت، أحسنت، نحنُ نُقِرّ هذا التفصيل –بارك الله فيك- ونقول: كذلك هذه القاعدة، التي تطلقونها هي من إفرازات (المعذرة والتعاون)، تلكم القاعدة الفاجرة، التي قد بسطنا القول فيها، في غير هذا الموضع، وإذا دعا الأمر كررنا بسط القول فيها، والحمد لله، ما من قُطر من أقطار الإسلام، إلاَّ ويوجد فيه صاحب علم، يُغني أهل قُطره.