الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فكما علِمْتُم جلستنا هذا اليوم في بابٍ من أعظم أبواب الفقه، في العبادات، وهو إحدى الطهارتين، بل أكبر الطهارتين، فالطهارتان بالماء قسمان:
- طهارةٌ صُغْرى لرفعِ الحَدَث الأصغر، وهذه بالوضوء.
- الثاني طهارةٌ كبرى: وهي رَفْع الحدث الأكبر بالغُسل، وسواءًا كان الحَدَثُ جنابة، وهذا أمرٌ مشترك بين الرجال والنساء، أو كان من الحيض والنفاس، وهذا من خصائص النساء.
وهذا الباب أحاديثه كثيرة، ومسائلهُ كذلك كثيرة، وبعض أحاديثه ضعيفة، ولهذا سَنَسْلُكُ مسلَكيْن:
المسلك الأول: الاقتصار على الأحاديث الصحيحة فقط لضيق الوقت.
والمسلك الثاني: تقسيم مسائلِهِ إلى جلستين أو اكثر.
وجلسة هذا اليوم تتضمن أحاديث الغُسُل من الجنابة، وكذلك غُسُل الكافر، فعلى بركة الله تُقْرَأ أحاديث المسألة الأولى حديثاً حديثاً.
القارئ: بسم الله والْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى رَسُولِ اللهِ وعَلَى آله وصحبه ومن والاه، أَما بَعْد، فاللهم اغفر لنا ولمشايخنا ووالدينا وللسامعين.
قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في بُلُوغُ الْمَرَامِ مِنْ أَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ، قال: (بَابُ اَلْغُسْلِ وَحُكْمِ اَلْجُنُبِ) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ -صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اَلْمَاءُ مِنَ اَلْمَاءِ» رواه مُسلم، وأصْلُهُ في البُخَارِيِّ.
الشيخ: أولاً: الغُسْلُ كما ذكره العلماء على ضَرْبين
أحدِهِما: مُجْزِئ، وهو إفاضةُ الماءِ على الجسد، بدءاً من الرأس ثم الميامِن ثم المياسِر وهكذا.
الثاني: غُسلٌ كامل، وهذا كما رَوَتْه عَائِشَةَ وَمَيمونَة -رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُما- وسيأتي -إن شاء الله- الحديثان، وهناك تستمعون إلى هاتين الكَيْفِيتين وما يفتح الله به علينا من شرحٍ مختصرٍ لما تَضَمَّنُهُ ذلكم الحديثان.
هذا الحديث (إنما اَلْمَاءُ مِنَ اَلْمَاءِ) فـ(إِنما) أداةُ حَصْر، وهي إثبات الحُكم في المذكُر، ونفيهُ عما سواه، أو ما عداه، (والماءُ) ذُكر فيهِ مرتين، (إنما اَلْمَاءُ مِنَ اَلْمَاءِ) فالماء الأول هو الماء المعروف، الذي لا تصح الطهارةُ بماءٍ غيره، فلا يُتوضأ بزيتٍ ولا سمنٍ ولا غيرهما من المائعات، إنما اَلْمَاءُ " و الماءُ الثاني (الْمَنِيُّ)، و المعنى، أنهُ لا يكون غُسلٌ بالماءِ إلا بعد الْمَنِيُّ، وعليهِ فإن من أتى أهلهُ له حالتان :
إحداهما: أن يُنزل، وهذا هو الذي يجبُ عليه الغُسل.
الحالُ الثانية: عدم الِإنزال، وهوما يُسمى (الإكسال)، وهذا لا غُسلَ عليه، وهذا هو مذهبُ جمٌ غفير من الصحابةِ ومن بعدهم، وهوكذلك فيما يظهر من صنيع البُخاري –رحمه الله- أنهُ يراه، ولهذا قال في الترجمة " (والغُسُلُ أحوط) يعني الغُسُلُ أبرأُ للذمةِ، وأحوطُ لما علمهُ -رحمهُ الله- من الخلاف.
والسؤال هنا: هل بقي هذا على ما هو عليه (إنما اَلْمَاءُ مِنَ اَلْمَاءِ)، فلا اغتسال دون إنزال، أم طرأ طارئٌ ؟ بسم الله الحديث الثاني.
القارئ: قال وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ) متفقٌ عليه، زاد مسلم: (وإن لم يُنزل).
الشيخ: هذا الحديث صريحُ الدلالة، على أن مُجردَ الجِماع موجبٌ للغسل، يؤكد هذا زيادة مُسلِم –رحمهُ الله–: (وإن لم يُنزل) فهذا الحديث يُعارض حديث، أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وقد بيّنتُ في مواطن كثيرةٍ، ومجالس، ومن أكثر مُجالستنا يعلمُ هذا منا، أنهُ لا تعارض بين نصوص الشرع، وإنما هذا التعارض، ليس بحقيقي بل هو نسبي، يعني في نظر بعض الباحثين، وبَسْط هذه المسألة فيما أشرتُ إليهِ من بسطها، من مجالسنا ودُروسنا فليراجعها من شاء، والمقصود كيف التوفيق أو كيف النظر للتخلصِ مما يُظن أنهُ تعارض بين الحديثين ؟
أقول حَديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَّضِيَ اللهُ عَنْهُ- منسوخ بحديث أَبِي هُرَيْرَةَ هذا، وأحاديث كثيرةٍ، ومنها حديث أُبَىِّ -رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُ- (كَانَ الْمَاءُ أَوَّلِ الإِسْلاَمِ رُخْصَة) وحديث عَائِشَةَ -رَّضِيَ اللّهُ عَنْها-: (إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ)، فتبيّن أنه يجب الغُسل على كل حال، سواءًاكان إنزال أو لم يكن إنزال، هذا هو الفصل، فحديث أبو سعيد كان في أول الأمر، فقد جاء في بعض الروايات أنه حين قلّ على الناس الثياب أو كذا، رخّص النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أنه لا غسل إلا بعد الإنزال ثم بعد ذلك وسّع الله على المسلمين فنسخ هذا، والنسخ كما يُعّرِفُه أهل العلم هو: رفعُ حكمٍ شرعيٍ بحكمٍ شرعيٍ آخر متراخٍ عنه، وللنسخ شروط مبسوطة في مباحث أصول الحديث، وأصول الفقه، وأصول التفسير، وأصول الحديث هو علم المُصطلح، فليراجعها من شاء، والمقصود أن النسخ لا يثبت بمجرد الدعوى بل لابد من دليل يدل على ذلك.
القارئ: وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُ- قال: قال رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي اَلْمَرْأَةِ تَرَى فِي مَنَامِهَا مَا يَرَى اَلرَّجُلُ- قَالَ: "تَغْتَسِلُ" مُتَّفَقٌ عَلَيْه، زادَ مُسْلمٌ: فقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: وهلْ يَكُونُ هذا؟ قَالَ: "نَعَم، فَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ؟
الشيخ: وأقول حديث أَنَسِ هذا فيه مسألتان، الأولى مُناسبته للترجمة، وهي (إذا رأَت اَلْمَرْأَة فِي مَنَامِهَا مَا يَراه اَلرَّجُلُ)، يعني الإحتلام، وفيحديث أخر، هو حديث أُمُّ سُلَيْمٍ أنها قالت رَسُولُ اللَّهِ: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ؟ قَالَ: نَعَمْ. إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ)، فبان بهذا :
أولًا: أن المرأة إذا حْتَلَمَتْ لها حالتان، الحال الأولى أن ترى في ثيابها المني، فهذه تغتسل غُسل الجنابة.
والحال الثانيه أن لاترى شيئًا حدث الإحتلام رأت ما يراه الرجل لكن لم ترى شيئًا لم ترى ماءًا لم ترى منيًا، فلا غُسل عليها، وكذلك الرجل في هذا مثلها، فمن إحتلم من الرجال والنساء فهو بين هذين الحالين.
وثمة مسألة وهو أن من لم يشعر بالإحتلام، لكنه وجد الماء حين استيقظ، فالجواب يغتسل؛ لأن النائم قد لا يشعر باللذّة، لا يشعر بدفق المني بلذة، يذهله النوم، فوجود المني في ثيابه موجبٌ عليهِ الغُسل، هذه المسألة الأولى وهي مُطابَقة الحديث للترجمة.
المسألة الثانية: في الشبه، فالمرأةُ يُشْبِهُهَا وَلَدُهَا أحيانًا فهذا من حِكَم خروج المَنيّ، لأنّ الرسول قال: (وَإن يُشْبِهُهَا وَلَدُهَا؟)، وهذه مسألة أخرى وهي أن اجتماع المائيين، ماءها وماء الرجل في الرحم له حالتان:
- الحال الأولى: حال السبق، فإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل إلى الرحم كان الشبه لها، ولا يلزم أن يكون ولدها ذكر أو أنثى مثلها في كل شي، لكن قد الشبه من قِبَلِهَا هي، يكون شبه بأخواله، بأعمام أمه، الشبه من جهتها هي، والبنت قد تكون شبيهتها هي بنتها أو شبيه بخالاتها، أو بعمات أمها وهكذا.
وإذا سبق ماء الرجل إلى الرحم كان الشبه له.
- الحال الثانية: حال الغلبة، وهي الاستعلاء، فإذا غلب ماء الرجل على ماء المرأة اجتمعا سوى في الرحم لكن كان ماء الرجل أعلى أغلب أقوى؛ أذكرا بإذن الله، كما أخبر النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واذإ كان العكس الغلبة لماء المرأة آنثى -بإذن الله- يكون هناك الأولاد بنات والله أعلم.
ثم بهذا القدر نكتفي ونتابع هذا الباب إن شاء الله في جلسات قادمة، والآن يعرض علينا إمامنا وصاحبنا وتلميذنا الشيخ عبدالواحد بن هادي بن أحمد ما تيسر من أسئلتكم، وبالله التوفيق وهو المستعان وعليه التُكلان.
القارئ: بارك الله فيكم شيخنا ونفع بكم الإسلام والمسلمين.
السؤال الأول:
يقول السائل ما هو أفضل وقت لغسل الجمعة وهل يجوز الاغتسال للجمعة قبل الفجر؟
الإجابة:
أولًا، اليوم في الشرع وعُرف العرب كذلك المسلمين بدايته طلوع الفجر الثاني ونهايته غروب الشمس، وبهذا تعلمون أن قول الكثير من الناس لاسيما الإعلاميون من مذيعين وتلآفزه وصحفيين حين يقولون الواحده بعد منتصف الليل خطأ في عرف أهل الإسلام وفي الشرع. ثانيًا، إذا عُلم هذا، فإنَّ من اغتسل قبل الفجر يعني اغتسل في الليل ليلة الجمعة وليس في يومها.
الأمر الثالث: وهو محل السؤال الإغتسال يبدأ حين تبدأ الساعات التي ذكرها النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في صحيح خبره قال -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: (مَنْ اغْتَسَلَ ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى) وهكذا، في الساعات الأولى من ساعات النهار وهي تبدأ حسب ما يظهر لي بعد طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح، فالمسلم يغتسل حين يريد أن يذهب إلى الجمعة حسب الساعات.
السؤال الثاني:
أحسن الله إليكم شيخنا، السؤال الثاني يقول: هل غسل الجنابة وغسل الجمعة يغنينا عن الوضوء للصلاة؟
الإجابة:
نعم، هذا هو الراجح أن من اغتسل عن الجنابة أجزأه عن غسل الجمعة، هذه المسألة تأتي فيما بعد إن شاء الله –تعالى- لعلها في الجلسة القادمة، وفيها هناك خلاف سيقرأ عليكم إن شاء الله -تعالى- لكن هذا هو الراجح من اغتسل للجنابة يوم الجمعة أجزأه عن غسل الجمعة وإن اغتسل للجمعة بعد ذلك كان إن شاء الله مصيب سُنة، لأن هذا قول بعض أهل العلم.
القارئ: وهل هذا الغسل هذا يُجزئ عن الوضوء؟
الشيخ: نعم، إذا نوى رفع الحدث، يدخل الحدث الأصغر في الحدث الأكبر، وإن شئتم فقولوا تدخل الطهارة الصغرى في الكبرى، ما لم ينتقض وضوءه، فلو انتقض وضوءه بناقض أثناء الغُسل يتوضَّأ بعد غسله للصلاة.
السؤال الثالِث:
أحسن الله إليكم شيخنا، السؤال الثالث يقول: ما هي شعبها الأربع؟
الإجابة:
هذا معروف، ما يكون بين الزوجين معروف، ولا يخفى على أحد. إذا كانت السائلة امرأة تسأل أمها، وإذا كان رجلاً يسأل أباه، أريحونا من هذه، راجعوا كتب شروح الحديث.
الشيخ عبد الله البخاري: شيخنا، المراد بهذا ليس اليدين والرجلين، هذا هو.
الشيخ عبيد: معروف لكن ما أحببت أن أشرح له وهو واضح.
السؤال الرابع:
بارك الله فيكم شيخنا، السؤال الرابع في هذا اللقاء يقول: هل تجب الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ في الوضوء والغسل؟ وما يصنع من عنده رعاف دائم، والتهاب في الأنف ونصحه الأطباء بعدم استخدام الماء في الأنف؟
الإجابة:
هذه أولًا: الذي يترجح عندنا، وجوب الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ في الوضوء والغسل، هذا الراجح عندنا والمسألة خلافية.
ثانيًا: ما ذكره السائل من حاله وأنه مصاب برعاف والتهاب منعه الأطباء فهذه ضرورة، وإن استطاع أن يستنشق بدون مبالغة ولا يضر فلا بأس إذا أفتاه الطبيب بذلك، أراه أنه أولى.
السؤال الخامس:
بارك الله فيكم شيخنا، السؤال الخامس يقول السائل: يوجد عندنا في الجامعة من يتخلف كثيرًا عن صلاة الجماعة متعمدًا، فما نصيحتكم لمن هذا شأنه؟ وكيف نتعامل معه؟ أفيدونا أفادكم الله.
الإجابة:
هذا العمل من خصال الْمُنَافِقِينَ، كما صحّ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه توعد رجالًا يتخلفون عن الصلاة، يعني جماعة، بإحراق بيوتهم. وقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَثْقَلُ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الصبح، وَصَلَاةَ الْعَتَمَةِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا( هذا مُبتلى بخصله من خصال النفاق، فسددوا وقاربوا معه، وليّنوه وبينّوا له ما صح عن النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الوعيد في التخلف عن صلاة الجماعة واقرءوا عليه حديث ابن مسعود -رضِيَ اللّهُ عَنْهُ- قال : (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَداً مُسْلِماً، فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلاَءِ الصَّلَوَاتِ المكتوبة حَيْثُ يُنَادَى لها) الحديث نعم، وحديث (مَنْ سَمِع النِداء فَلَمْ يُجب، فَلا صَلاة لَهُ إِلا بِعُذْر) صححه بعض أهل العلم .
السؤال السادس:
السؤال السادس: يقول السائل ما نصيحكم لشاب غير متزوج ولا يستطيع يعني أن ينتهي فكره عن ذلك ولا يستطيع الزواج مع أنه يصوم الأيام المسنونة كلها.
الإجابة:
الظاهر حتى الكبار يفكرون في الزواج، من الثانية والثالثة والرابعة، أما الفكر فكونه يفكر في الزواج دائمًا، الظاهر أنه لا بأس به، مالم يُلجِؤه إلى ما يجعله يُنزل، فإذا وصل إلى الإنزال ننصحه بعدم ذلك، والإنزال الذي يكون مع التفكير يكون عادة مع حديث النفس -وجزاه الله خيرا- سلك سُنة حين كان يصوم الأيام التي يُسنُّ صيامها كالاثنين والخميس والأيام البيض وغيرها، فهذا جزاه الله على صنيعه خيرا ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يُهيّء الله له امرأة صالحة تُعينه، ويُعينها على أمور الدنيا والدين.
القارئ: بارك الله فيكم شيخنا .
الشيخ عبيد: تفضل يا شيخ عبد الله.
الشيخ عبد الله: بالنسبة إلى حال هذا الأخ السائل هو كما قال شيخنا حفظه الله وأزيد بأنه على هذا الأخ أن يشغل وقته وفراغه في النافع المفيد وأن يستغل هذا الفراغ بدلًا من التفكير فيما يعود عليه بالنفع في الآخرة من قراءة القرآن وحلق العلم، ومذاكرة العلم ويجتهد في هذا كثيرا ويسأل الله –جلَّ وعلا- دائماً أن يدفع عنه هذه الخطرات وهذه الوساوس، وأن يرزقع الزوجة الصالحة الناصحة، هكذا بإن الله يخف، مع قيامه بالسنة التي ذكر صيام الأيام المسنونة، وغير ذلك -إن شاء الله - يرتفع عنه هذا، ويحاول أيضاً أن يبتعد عن الأماكن والمضان والأحاديث التي قد تُورِث هذا التفكير، فهذه من المسببات لإمعان التفكير أكثر فأكثر، نسأل الله لنا وللجميع التوفيق والسداد.
الشيخ عبيد: أحسنتم يا شيخ بارك الله فيكم، وهكذا المؤمن يشُد بعضه بعضا، وخير من يُعنى بهذا الحديث وأسعد الناس حظاً به علماء أهل السُنة وفقهاء أهل السنة تابع.
السؤال السابِع:
أحسن الله إليكم السؤال السابع يقول أحد من الأخوة السلفية في الدول الإسلامية أُصيبت زوجته بمرض السرطان -شفاها الله- ولا يستطيع أن يعالجها طبيًا لضعف ميزانيته، والحكومة أتاحت فرصة العملية والعلاج لها لكن بطريقة التأمين، حيث عليه أن يدفع مبلغًا شهريًا طول حياتهِ، وتكون جميع تكاليف العملية والتمريض والعلاج مجانًا، السؤال هل يجوز له الاشتراك في ذلك ؟ جزاكم الله خيرا،علمًا بأنها قد عولجت بالأعشاب لكن الحال لم تتحسن.
الإجابة:
هذا فيما يبدو لي من التأمين المُحرّم، التأمين على الحياة والتأمين من حيث هو فيه كلام كثير لأهل العلم ونحن نوصي هذا أو نقول إن هذا له حقّ في الزكاة، فإذا كان الأخوة المسلمون حوله -أعني ذوي المال- فإننا نصحيهم إلى معاونته حتى يتمكن من علاج زوجه، هذا ما عندي في هذه المسألة الآن والله أعلم.
السؤال الثامن:
بارك الله فيكم شيخنا ونفع بكم الاسلام والمسلمين، السؤال الثامن في هذا اللقاء يقول السائل: هل صحيح أن أغلب أئمة أهل السنة درسوا على أُناس مُبتدِعة؟
الإجابة:
هذا الإطلاق خطأ، والمعروف عن أئمة أهل السُنة أنهم يأخذون العلم عن أئمة أهل السنة، سواءًا كانوا أقرانًا لهم أو متقدمين عليهم، وهذا هو االذي سلكوا فيه الرحلات وجابوا الأقطار، أقطار الاسلام آنذاك، لكنّ أحيانًا يأخذ أهل السُنّة عن أشخاص عندهم ماعندهم، لكنّ لم تصل بدعتهم إلى التكفير، يعني يأخذون عندهم من العلم ما يحتاجون إليه، أو ما يضّطرون إليه، وفي مباحث المُصطلح ومسائله، تقسيم المُبتدِعة إلى قسمين:
قسمٌ بدعته مُكفّرة هذا لا يُؤخذ العلم عنه لأنه كافر.
وقسمٌ بدعته مُفسّقة مثل بدعة الأشاعرة والماتُريدية وغيرهما فهذا أعدل الأقوال فيه أن رواياته قسمان :
قسمٌ، هذا الذي بدعته مُفسّقة قسمان أيضاً:
قسمٌ غير داعية إلى بدعته فيأخذون عنه العلم لأنه لا يُقرّر بِدَعَهُ ولا ينشرها.
الثاني داعية إلى بدعته، وهذا يأخذون عنه من روايته مالا تقوى به بدعته، والعلم كذلك، فإذا وُجد عالم نحوي مُبتدِع ونحن نحتاج إلى ماعنده من علم، فالحال لايخلوا من أمرين، إما أن يكون يوجد من أهل السنة من يقوم مقامه فهذا لا يُنصح به، لاسيَما المبتدؤون.
الثاني أن لا يوجد عالم سلفي في القُطر أو القَرية، فهذا يأخذ عنه الأقوياء من أهل العلم، لا المبتدؤون ولا المتوسطون، يأخذ منهُ الأقوياء الذين يُصفُّون ما يمليهِ عليهم تصفية، ويغربلونهُ غربلة، وهكذا شخصٌ عندهُ علمٌ في الحديث أو الفقه، لكنه داعية إلى فكر سيد قُطب، أوفِكر حسن البنا، ويقرِّرُ ذلك، فالحال كالحال –بارك الله فيكم-، فإذا استغنى أهل السُنة، فبها ونعمت، وإذا اضطروا إلى أخذ علم عند المنحرفين، لا يوجد من يقوم مقامهُ، يأخذونهُ لكن من؟ أهل الفقه والعلم، الراسخين في العلم، الذين تتلمذّوا على أشياخ سُنة، وأخذوا عنهم أصول الفقه الشرعي في العبادة والمعاملة، في الأمور العلمية، وفي الأمور العملية.
الشيخ عبد الله البخاري: إذا سمحت إضافة يا شيخ -الله يحفظك-.
الشيخ عبيد: تفضل أضف.
الشيخ عبدالله البخاري: بسم الله والحمد لله، وصلَّى الله على رسول الله، وآله وصحبه وسلَّم، تتميمًا لكلام شيخنا–وفقه الله – أنَّ الأصل في تلقي العلوم، أن لا يكون إلا عن أهل السنة، كما قال الإمام ابن سيرين–رحمه الله – والإمام مالك وغيرهم من أئمة السنة: ( إنَّ هَذَا العِلمَ دينٌ، فانظروا عمن تأخذونَ دينَكُم)، هذه هي القاعدة الأصلية.
والأمر الثاني :أنَّ ما يتعلَّقُ بقول القائل أو السائل، هل صحيح أنَّ أهل السُنَّة أو علماء السنة أخذوا العلم عن المبتدِعة؟
هذا الإطلاق كما قال شيخنا هنا، باطل وخاطئ وليس صحيحًا، فهم الأصل كما قلنا يحملونهُ عن أهل السنة، وما حملهُ بعضهُم عن بعض أهل الأهواء، لا يخلو من حالتين:
إمَّا أنَّهُ كان مستورًا، غير معلومٍ البدعة، يُظهر السُنَّة و لكنهُ يُخفي البدعة، فحملوا عنه، ثُمَّ تبيَّن أمرُه، فهذا لا يُلحق ولا يُقال أنَّهم حملوا عن مبتدِع لأنَّهُ لم يكن ظاهِرًا.
وإمَّا أن يكون على بدعةٍ، لكنهُ غير داعيةٍ إليها، والمقام مُقتضٍ، والحاجةُ قائمة، وكما قال شيخنا: إنما يتلقَّى عن ذلك هم أهل العلم المتقنين، المتحصنين وليس عوام طلاب العلم أو المبتدئين أو المتوسطين، الذين تحصنّوا بالعلم الشرعي الصحيح، فيأخذوا ما عندهُ بقدر الحاجة، ليَسدوا حاجة المسلمين في هذا الباب.
والأمر الثالث: أنَّ مثل هذه الشُبه عندما تُطلق في مثل هذه الأوقات، إنما المراد منها التسويغ، والتسويق للأخذ عن أهل الأهواء، والتيسير بأن الأمر يسير، فخذوا عنهم، ولا تتشدَّدوا ولا تتشدّقُوا بأن لا يؤخذ عن فلان، فقد أُخذ عن فلان وعلان، تيسيرًا، وتسويقًا لأهل البدع، وهذا باطلٌ وفي (إذ ما وراءَ الأكمةِ ما وراءها).
والأمر الرابع: أنَّ ما يتعلَّق بالرواية، وما هو مذكور برواية بعض أهل العلم عن المبتدعة، فثمَّة قيودٌ شديدة في هذا الباب، إضافةً إلى ما ذكر شيخنا –وفقه الله- من بعض رواية عن غير الداعية إلى بدعته، أنَّ قد يقولُ قائل: أنَّ ثمة بعضهم قد روى عن بعض الدعاة، فالجواب عن هذا كله: أنَّ هؤلاء العلماء الذين (رووا)، فنقول أنَّ (الرواية) تختلف عن (أخذ العلم) من بعض الأوجه، أنَّ من روى عن بعض هؤلاء المبتدعة إنما للحاجة الماسَّة لما عندهم من حديث رسول الله –صلَّى الله عليه وآله وسلَّم- فهنا الحفاظ على السنة، وحفظها، وحراستها أولى ويُقدَّم في هذا الباب، إلى غير ذلك، قد شرحنا هذا في شرحنا على النخبة أيضًا وفي الموقظة، وبيَّنا طرائق أئمة السنة في الرواية هذه.
الشيخ عبيد: الحمد لله.
الشيخ عبدالله: وعلى كل حال فهذه العبارة ، يُطلقها البعض كما قلت تسويقًا لأهل الأهواء، بالجلوس إليهم، خاصة –والحمد لله- ما من فنٍ يُدّعى في أنَّ هذا مبتدِعٌ قد يُدرِّسه، إلا في أهل السنة من يقوم به مثله أو خير منه، أو دونهُ بيسير، والحاجة -والحمد لله- غير ماسَّة للدراسة عليهم، هذا والله أعلى وأعلم، وصلَّى الله على رسول الله وآله وسلم.
الشيخ عبيد: أحسنت، أحسنت، نحنُ نُقِرّ هذا التفصيل –بارك الله فيك- ونقول: كذلك هذه القاعدة، التي تطلقونها هي من إفرازات (المعذرة والتعاون)، تلكم القاعدة الفاجرة، التي قد بسطنا القول فيها، في غير هذا الموضع، وإذا دعا الأمر كررنا بسط القول فيها، والحمد لله، ما من قُطر من أقطار الإسلام، إلاَّ ويوجد فيه صاحب علم، يُغني أهل قُطره.
القاريء: بارك الله فيكم شيخنا ونفع بكم الإسلام والمسلمين، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الشيخ عبيد: ونحنُ نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.