السؤال الأول: أحسن الله إليكم وبارك الله في علمكم، ونفع بكم الإسلام والمسلمين، وأطال عمركم على طاعة الله على عافية وخير.
هل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- هو أول من قال بتوحيد الألوهية ولم يسبقه بهذا أحد؟
أقول التوحيد جاء في الكتاب، وفي سُنة رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -ومن خصّه ببحث أو تقرير فهو مُتبّع ومُقتفٍ للكتاب والسنة وللأئمة بعدهم، فالتوحيد الذي تنازع الناس فيه مع الأنبياء هو توحيد العبادة، لا توحيد الربوبية، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [ الأنبياء : 25] انظروا قوله: {لَا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنَا} يعني لا إله إلا الله، أقول والمشركون لم يجادلوا أنبيائهم بدًا من نوح أولهم، إلى محمد خاتمهم- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَليهم أَجْمَعين- في توحيد الربوبية، في الخَلق والرِزق، والإحياء والإماتة لم يُجادِلوا فيها، وإنما جادلوا في العبادة، فكل نبي أول ما يقرعُ بهِ أسماعَ قومه يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ، فلو قالت الأنبياء -عَلَيْهِم الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- لأُممهم يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ لم يكُن هناك خِلاف ولا مُصارمة ولا مُقاطعَة نقول ولا حَزّ رؤوس، نقول نعم نعبد الله ، بارك الله، حياك الله، نعبد الله، لكن قاصمةُ الظهر على المُشركين ماهي؟ (مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) قالوا لا، إذن، أَتَأْمُرُنَا أَنْ نَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ، هكذا قالوا، وقالت مُشرِكة قُريش {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}[ص 5]، فالمُشرِكون يعلمون أنَّ من قالَ لا إله إلا الله، أنه لا يريد الخلق، ولا الرزق، ولا التدبير، ولا إنزال المطر ، لا، لو كان هذا لقالوها، لكن يعلمونَ أنَّ من قالها خلعَ كُل معبودٍ سوى الله، فإذن ليس شيخ الإسلام بن تيمية، ولا الصحابة، بل الذي جاء بهِ من عند الله محمد- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفي الحديث القُدُسي الذي أخرجهُ مسلمٌ في صحيحه عَنِ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ- رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُ -قال يَقُولُ اللَّهُ تعالى: (وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ فَأتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ , وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا))الحديث رواه مسلم (2865)، فتوحيد الألوهية هو توحيد الفطرة، فبيّن آدم ونوح- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عشرة قرون لم يَكُن فيها إلا التوحيد الخالِص لله- عَزَّ وَجَلَّ- ثُمَّ بعد هذه العشرَة قرون الناس تناسوا يعني تمآلأت شياطين الجن وشياطين على الناس حتى نَسوا توحيد الألوهية، وبقِيَ معهم توحيد الربوبية.